حاوره أ. شمس الدين حميود

نظّمت صفحة عمران يوم الخميس 13 أوت 2020م/ الموافق لـ 23 ذو الحجة 1441هـ في صفحتها على فيسبوك بثًا مباشرًا مع أ.طلال نقشبندي في ساعة فكر، نرصد فيما يأتي نص الحوار.

مما لا شك فيه أن الدين الإسلامي دين كامل بإجماع علماء الأمة وفقهائها قديما وحديثا؛ والنهل من القرآن الكريم واتباع السنة النبوية المطهرة يحقق لنا نضجا دينيا لا يخامره شك ولا يخالطه ريب في عظمة ما نتمسك به، بل ونفخر بهذا ونعتز بما نؤمن ونعتقد، لكن هناك من المثقفين في مجتمعاتنا من حادوا عن الصواب بفعل نقص في ذواتهم أو تأثر بثقافة غربية عمياء وبالتالي ظلوا الطريق، وأعطوا صورة مشوهة للآخر عن المثقف العربي المسلم. 
هذه النقاط وغيرها سوف تكون محل نقاش في ساعة فكر للمرة الثانية على التوالي مع الربان الماهر والدليل الحريف والناصح الأمين الأستاذ أبو أسامة طلال النقشبندي حيث نسلط فيها الضوء على مواضيع تهم الفكر والعقل العربي الإسلامي. 
فأهلا وسهلا بك أ. طلال وبارك الله فيك على قبول الدعوة للمرة الثانية... بعد الجلسة الأولى عن المثقف وضوابط القراءة الفكرية.. وقاية أم وصاية؟حياكم الله أستاذ وحيا الله جمهور عمران وشكرا جزيلا لكم على الاستضافة.
نبدأ في محاور هذا اللقاء وهي خمسة محاور: 
  1. إحكام المحكمات.
  2. التعرف على محاسن الدين.
  3. فقه الواقع الثقافي والاطلاع على فقه حال المتكلم.
  4. الالتجاء إلى الله عز وجل والاستعانة به.
  5. التسليم والتعامل بمنهجية مع النص الشرعي إذا جاء صحيحا نقلا عن الثقات.

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، اللهم انّا نَتبرأ إليك من أوهام حولنا وقوتنا وتفكيرنا ونتوجه إلى حولك وقوتك وتَسديدك يا ذا القوة المتين.

الإضاءة الأولى: إحكام المحكمات 

القواعد الكبرى التي توافق عليها جموع المسلمين لهذا الدين التي تشكل التصور العام عن الإسلام ونبني كما قلنا ثقافة ربعي بن عامر وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما حيث بدت العزة الإيمانية في شخصهما وهما يخاطبان الآخر ويدخلان إلى المشهد المبهر عادة، خاصة أنهما كانا يعرضان ثقافة الإسلام وخصائصه وخطوطه العريضة دون الغوص في الجزئيات والفروع.
 والتوازن في التعامل مع الآخر هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذين يقفزون من محْكماتهم إلى القراءة عند الآخر، الحكمة ضالة المؤمن وهذا صحيح إلا أن هناك حكمة ضالة وحكمة حالّة موجودة متوفرة عليها نور القرآن وهدي السنة علينا أن نستغلها ونُحكمها أولا، ثم ننتقل إلى الحكمة التي هي ضالتنا نتزود بها من اطلاعنا على الغير فنَستفيد منه بما لا يتعارض مع ثوابتنا.

 إن النقطة الأولى هي إحكام المحكمات درءً للخوض في التصور في أنواع الوسائل فعقل المسلم عقل مرتب يصنف ويميز بين المعلومة المحكمة الراسخة الثابتة بدليل نصي والدرجات الأخرى في المسائل الظنية والمشتبهة. 
 

فالعقل المسلم يفرق بينهما ويفرق بين أصحابها أيضا، فيتعامل مع الزنديق، غير ما يتعامل به مع المشرك، ويتعامل معهما خلاف ما يتعامل به مع أهل البدع والأهواء، هناك مساحات منها الاقتراب، الإبتعاد، الإستعلاء، والإستفال، ومساحة للنقد والرد. 
فيما يخص ثقافة ربعي وجعفر رضي الله عنهما، يتردد على فكري أن هناك من يشعر بالنقص وهو يطالع ثقافة الآخر، ولي اقتباس في هذا الشأن للمفكر مالك بن نبي من خلال كتابه دور المسلم يقول فيه: "لماذا استطاع أولئك الأعراب الفقراء الأميين في عهد محمد صلى الله عليه وسلم إنقاذ الإنسانية؟
لأنهم لم يشعروا بالنقص لأن الإمكانيات الحضارية المتكدسة أمامهم في فارس أو بيزنطة أو روما لم تَفرض عليهم النقص أو بعبارة أخرى لم تُبهرهم" هذا الاقتباس أراه مناسبا جدا في تحديد استعلاء المؤمن والثقة بنفسه وأن يعرف إلى أي أمة ينتمي. 

 

 


 حقيقة لا تخطئ عين الناظر في الشريحة المقبلة على القراءات الفكرية، أن هناك من يقرأ بنضوج وفهم وحصافة، وهناك من استولت عليه الانهزامية ومركب النقص وهو يقرأ ويطلع على الانتاجات والمفاجآت الفكرية للغرب، متناسيا ابن أيُّ أمة هو!.

الإضاءة الثانية: الإطلاع على محاسن الإسلام وعظمته وجماله وكماله

أن لا أنسى من أكون، وأن الحضارة الإسلامية قد سادت العالم دهرا من الزمن، وأن نتشبع بالمعاني الجليلة التي ضخها القرآن الكريم، والهدي النبوي والتراث العظيم، والجَانب المشرق منه عن الرحمة والإنسانية وما تحتويه عقيدة الإسلام وشريعته وأخلاقه من رفع الحرج وحفظ الضرورات، ودرء المفاسد وجلب المصالح، هذا يعزز عند القارئ أنه ينتمي إلى حضارة عظيمة، وليس كما يحدث مع بعض الاخوة للأسف الذين يتسكعون على القراءات الغربية ويشعرون بجلد الذات الذي قد يوصلهم إلى التمرد عن محكمات دينهم، لأنه لا يدرك محاسنه، ومما أُلِفَ في هذا السياق وينصح بقراءته والاطلاع عليه للحِكمة والتبصر نذكر: 

  • كتاب جمالية الدين للدكتور فريد الأنصاري، وهو كتاب جميل يتكلم عن توثيق صلة العبد بالله عز وجل ومعنى التعبد واحتياج الصلة بخالق السماء. 
  • كتاب دستور الأخلاق للدكتور عبد الله دراز الذي يتكلم فيه عن جوانب العظمة في النظرية الأخلاقية لهذا الدين في مقارنة بينها وبين الفلسفة الأخلاقية عند الآخرين، يمنحك جرعة محفزة للاعتزاز.
  • كتاب ماذا "خسر العالم بانحطاط المسلمين" للأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله. 
  • مجموعة الشهود الحضاري للأمة الإسلامية للعالم التونسي الدكتور عبد المجيد النجار حفظه الله، التي تتألف من ثلاثة كتب أولها فقه التحضر الإسلامي، وكتابه الثاني عوامل الشهود الحضاري، والثالث مشاريع الإشهاد الحضاري.
  • كتاب الشيخ عطية سالم "محاسن الشريعة ومساوِئ القوانين الوضعية". 
  • كتاب الفردوس المستعار والفردوس المستعاد للدكتور أحمد خيري العمري الذي يتكلم فيه عن الحضارة الأمريكية الزائفة عن تجربة وتعايش، وعن الفردوس المستعاد قاصدا الطرح القرآني في مقارنة ممتعة وطرح يجمع بين الجمال الأدبي والفكري. 
  • الإسلام والحضارة الغربية لمحمد كرد علي رحمة الله عليه. 
  • فضل العرب على الغرب في مجال البحث التجريبي للدكتور محمد عبد رب النبي سيد. 

حتى غير المسلمين كتبوا في محاسن الإسلام وجماله وكماله ونحن إذا ما قرأنا عن الإسلام عندهم، لا يجب أن نقرأ تسولاً ولا تثبيتا فلو جاءني ألف كافر وقال لي أن الله واحد، لا يزيد في إيماني بالله عز وجل، فنحن نعرف الله ونُوحده قبلهم ومُقتنعون أن هذا الدين عظيم، وأن الله أتمّه وكمّله ليكون هداية للإنسانية والبشرية جمعاء. 

إذن فالغاية من الإطلاع على محاسن الإسلام وعظمته وجماله وكماله، أن نعتز بثقافتنا وأمتنا وذلك بالإطلاع على محاسن هذا الدين بعد إحكام المحكمات ونَستذكر مما طُرحَ في هذا الباب ما كتبه الشهيد سيد قطب رحمه الله في مقدمته ظلال القرآن كيف أن العالم كان يقبع في الظلمات ببعده عن القرآن الكريم، وكيف أنه استنار وأشرق في ظلال القرآن وهديه ورشده. فيعيد اعتزاز المرء بنفسه ويبعث فيه القوة والثقة . 
أيضا هناك سلسلة حلقات على اليوتيوب اسمها "ترياق البشرية" للقحطاني يتكلم فيها عن احتياج الإنسانية اليوم إلى الإسلام ومبادئ الرحمة فيه. 

مما نتَدارسه ونذكر به ونحن مقبلون على القراءة الفكرية لابد أن نقف قليلا ونحن نحاول الغوص في التفاصيل لابد أن نطلع على ما اصطلح عليه بفقه الواقع الفكري، أي أن تكون لدينا دراية بالخريطة الفكرية المعاصرة، هذا الشاب الذي سيُقبل على قراءة كتب الليبرالية والشيوعية وماركس ولينين وكل ما أنتجته العقول البشرية، قبل ذلك يجب أن ننظر إلى المشهد من فوق، تعال أيها الأخ ننظر نظرة شاملة ونطرح تساؤل ماذا يوجد في المشهد الثقافي اليوم؟!
هناك شباب يقبلون على المطالعة بأذهان خالية، لا يستطيع الواحد منهم التفريق بين طرْحَين مختلفين، ولا أن يميز بين المدارس الفكرية وروادها، وهذا يؤدي إلى خلل عظيم، فعلى سبيل المثال لو يقرأ أحدهم "القرآنيون" ينبهر بهذا المصطلح البراق الذي سيقوي صلته بالقرآن الكريم، لكن هو لا يدري أن هذا الطرح ينتمي إلى بعد آخر يُعْنَى بمحاربة السنة النبوية فتجده في نهاية الأمر بعد تأثره بنتاج هذه المؤسسة الفكرية، يرد المتن ويتساهل في التعامل مع النصوص، والسبب هو أنه لم يستفسر ولم يسأل عن هذا المشهد وهذا الأمر في الحقيقة يحتاج الى قائد أو مرشد يُرَشّد عملية المطالعة.

 الآن هناك إخوة يدّعون الحيادية فيقولون: "نحن نقرأ للجميع" والحقيقة أن هذه الحيادية الثقافية ظاهرها الموضوعية، لكن جوهرها العبثية وانعدام المنهجية، ومن الإخوة من لا نشك في غيرتهم على هذا الدين لكن تراهم يتخبطون بين القراءات الفكرية لولا أن تتداركُهم يد العناية الإلهية لضلوا عن جادة الصواب، وإذا لم يضلوا تجد أن عقائدهم قد اهتزت.

 ومن المعايير التي يجب مراعاتها أيضا فقه حال المتكلم لأن الخطاب يفهم عبر سياقه؛ وفقه حال المخاطب، نضرب في هذا مثال أرجو أن أكون قد وُفِقتُ في اختيار العبارة التي جاء فيها: " أنت الذي يزعم النّاس أنك رسول الله؟!" تراها عبارة خطيرة من ناحية العقيدة الإسلامية، لكن عندما تعرف صاحبتها وهي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وتعلم أنها كانت غاضبة، وتقدر صغر سنها، وطريقة تعامل الرسول معها، وبالتالي لمّا أسمع عبارة فكرية وأنا أعلم حال صاحبها تختلف عندي المخرجات.
أيضا هناك مثال آخر لمّا أقرأ في فقه المقاصد للإمام الجليل الطاهر ابن عاشور رحمه الله، وهو من عظماء الأمة، فالمقاصد من لسان ابن عاشور تختلف عن المقاصد من لسان عبد المجيد الشرفي.
 من هذا الرجل؟ ينبغي دائما أن نسأل عن الكاتب ونتعرف عن عباراته وتوجهاته وتحولاته وداعميه.

مثال آخر في السياسة الشرعية عندما أقرأ للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله وكلامه عن التضخم السياسي، فيختلف طرحه، وبالتالي هذا الرجل الرباني واضح الانتماء، عن طرح جواد ياسين أو عبد الله العروي وغيرهم.

 لما نتكلم عن السنة التشريعية فنرى ما يكتبه الإمام العظيم الشاطبي رحمه الله ونقارن بينه وبين رجل معروف التوجه كمحمد أركون ونصر حامد أبو زيد، إذن لابد أن نحسن القراءة عن بذور وينابيع هذه الأفكار حتى نحسن قراءتها والتعامل معها بوعي، فنكتسب قدرة على الفرز بين ما يستحق التجاهل وما يستحق الاهتمام. 

فعندما أعرف من هم مؤمنون بلا حدود، أو مبدعون، أو بيت الحكمة، أو حفريات تختلف عندي المخرجات، عندما أعرف حال المتكلم تختلف عندي النتائج والمخرجات، وأحسن القراءة. 

وهذا الأمر يحتاج إلى يد ناصح تقودني وترشدني، وهذا لا يعني أن نُقَولب أنفسنا ضمن تصورات مسبقة، ولكن وأنت مقبل إعلم أن هذا ينتمي إلى هذا التيار وذاك ينتمي إلى هذا الطرح، وتعامل مع طرحه ومشروعه بحيادية، فالعقل المسلم تربى وتَمَنْهج على الموضوعية والمسلمون هم أهلها، ولو قرأنا عن المستشرقين وإلى أين ينتمون اكتشفنا زيف الموضوعية عندهم. 

كنت سأقدم مثالا في سياق ما ذكرت عن كتب التفسير فعندما تقرأ للشيخ ابن عاشور أو أحد الصالحين، يختلف الأمر عن التفسير عند الجابري رحمه الله .. الأمثلة التي ذكرتها كانت ممتازة ومعبرة جزاك الله خيرا. 

الإضاءة الرابعة التي نذكر بها قبل أن نقبل على القراءة وهي أن نلجأ إلى الله

الآن هذه الفقرة ليست للموعظة، وإنما أصبحت للأسف مما يتوارى منه، مع أنها من صميم أفكارنا خاصة لما تحمله من رمزية عظيمة فهي مهمة نبوية وربانية، وهي من مصطلحات قاموسنا القرآني ولا ينبغي أن نخجل بها والوعظ هو تجلي لمهمة التزكية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وما أقصده هنا أننا بصدد محاضرة فكرية تتكلم عن العلاقة مع الله عزّ وجل، وهو مما لا يستغنى عنه بل بالعكس ينبغي علينا التنبيه إليه، فنحن عندما نقرأ أُمِرنا أن نلتجِأَ إلى الله تعالى، تخيلوا أيها الإخوة أنه من آداب قراءة القرآن الكريم الإستعاذة بالله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [سورة النحل الآية: 98].

 لما تقبل على القرآن فاستعذ بالله واستجر به واستعن به علَه يعصم قلبك من الزيغ والهوى في فهم مراده فكيف بغير القرآن، كيف وأنا أقرأ لفلان وعلان ممن اشتهروا بالطعن في الدين، وهو ما يحتاج فعلا إلى لجوء إلى الله عز وجل فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

 وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح أنه كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الكُفر، تخيلو نبِيّا يستعيذ بالله من الكُفر، كالسباح الماهر الذي يستجير بالله من الغرق، قد يبدوا غير منطقي هذا الدعاء ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لنا " وأنا النبي وأنا المعصوم وأنا خير الناس وأنا سيد ولد آدم أستجير من الله سبحانه وتعالى من الكفر"، وهو عليه الصلاة والسلام الذي إذا خرج كان يقول "اللهم إني أعوذ بك من أن أضِل أو أضل" فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من الضلالة ومن الكفر والنفاق والرِدّة. 

فلذلك نقول لهؤلاء الشباب الذين لهم جرعة زائدة من الثقة إقتدوا بنبيكم، هو إمام الواثقين بأنفسهم وإمام العقلاء والأذكياء وذوي العقول الراجحة، مع ذلك هو يدرك أن لهذا العقل شطحات ولهذا القلب زيغات لا يزجرها إلا ربٌّ عظيم سبحانه وتعالى.

 والله يقول لنبيه الكريم في آية عظيمة تُقسم الظهر (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) [الإسراء الآية: 74] " والعياذ بالله، هذا خطاب من الله العظيم إلى نبيه الكريم يقول له تثبيتك بيدي، وحفظ الدين من الضرورات الخمس التي نحن مطالبون بها.. 

بعث لي منذ شهر أحد الإخوة مقالا للإطلاع عليه كتبه أحد الذين أصابتهم لوثة التعايش والميوعة العقدية يقول فيه تعامل مع الآخر وانفتح عليه وإياكم والعنف وينادي بالسلمية وما إلى ذلك من هذا الطرح الذي يُذَوِبُ الشخصية المسلمة في تطرفه... فقرأت المقال بعد أن استعذت بالله فإذا به يقول "لا تنظر إلى البوذي وهو يعبد النار ولكن تعلم منه الإخلاص" ما هذه العقيدة السائلة؟! يريد منّا أن نتعلم الإخلاص من البوذي!! فلو كان هذا الباحث ولد في إشبيلية أو قرطبة قبل مائة سنة لما تكلم بهذا الأسلوب. 

فالبؤس الذي وصلت إليه الأمة اليوم والشعور بمركب النقص هذا ما أنتج للأسف، نسأل الله أن يزيدنا عزة وتحققا بمعنى الاستعلاء الإسلامي. 

فلما يقول لي الله عز وجل (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [سورة آل عمران الآية: 139]، يأتي أحد ويقول هذا تكبر وهذه وصاية على الآخر فنرد عليه لا يا أخي الله يقول وقوله الحق، ونسأل الله أن نكون من المؤمنين لنكون مُسْتعلين بالإيمان. 

الإسلام العظيم والأمة الإسلامية اليوم في حالة انحدار حضاري.. ماذا أفعل؟ هل نتبرأ منها؟، أنا ابن هذه الأمة وواجبي نحوها الجهاد للخروج من هذا الانحطاط وذلك لا يكون إلا بالاعتزاز بها. إذن من هذه النقطة يجب أن نتعلم أنه لا ذكاء ولا حصافة فكر ولا نباهة ذهن قد تغنيني عن الإستعانة واللجوء إلى الله عز وجل.

 وهناك كتاب لطيف للدكتور محمد موسى الشريف حفظه الله وفك أسره إسمه "الثبات" يتحدث فيه عن أولئك الذين ضلوا بعد هداية منهم الراوندي وعبد الله القصيمي كان أستاذا في العقيدة فإذا به صار من الزنادقة الملاحدة يدعوا إلى الكفر، والعياذ بالله، وكما قال سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه "لا تؤمن على حيّ فتنة" فلا تطمئن إلى رصيدك في العلاقة مع الله ولا إلى ذكائك المتوقد، تذكر دائما أن قلبك بيدي الله. 

الإضاءة الخامسة وهي خاصة بتدريب النفس وتزكيتها على التسليم بالنص الشرعي إذا جاء واضحا بيّنا في دلالته. 

لأنه لما يأتينا النص من الله عز وجل كما يقول الإمام الزهري عليه رحمة الله "من الله الرسالة ومن الرسول البلاغ ومنا التسليم". 

أحيانا عندما أقرأ للآخرين يكون هناك لمز أو هدم لثابت من الثوابت، فأنا كمثقف، عليّ أن أرجع إلى الراسخين في العلم ممن شُهِدَ لهم بالعلم والتقوى والصلاح من المعاصرين أو من غيرهم، فأنظر إلى أقوالهم، فإذا لم أقتنع تأتي نقطة التعامل المنهجي مع النص الشرعي، فهذا النص الشرعي لمّا يأتيني من طريق صحيح وسند صحيح ودلالة صريحة و بإجماع من الأمة، وممارسة على أرض الواقع، هنا ينبغي علي أن أتعامل معه بمنهجية، أي أن لا أتعجل في الرد على هذا النص الشرعي. 

لنفترض أن رسالة جاءتك من والدك العزيز على قلبك فلم تفهم معناها للوهلة الأولى، فلا تتعجل في الرد عليه، بل تثبت وتبين. 

ولله المثل الأعلى، فهذا خطاب الله عز وجل نقله اليّ الثقات حتى وإن لم أفهمه، يجب علي أن أبحث عن المقصد والحكمة منه، أتَبين من الراسخين في العلم، حتى الصحابة الكرام كانوا يتعاملون مع النص الشرعي بأخذ ورد، وليس الرد بالإنكار بل بالَتثبت والتحقق.

 ينبغي أن نُؤدبْ أنفسنا على التريث وعقولنا على الإذعان والتسليم وقلوبنا على الطاعة، وليعلم المثقف أن هناك نصوص ظاهرها متعارض مع باطنها، ينبغي علينا دائما أن نتبين قول السابقون، ولا نقدس عقولنا، أو نطمئن لها أكثر من عقول المتخصصين، وهذا موقف عقلاني بعيد كل البعد عن العاطفة، يدعو إلى إعمال العقل لا حجره. 

 إذن كانت هذه هي الاضاءات الخمس التي تطرقنا إليها أولها إحكام المحكمات، وثانيها التعرف على محاسن الدين، والثالثة التعرف على فقه الواقع الثقافي والاطلاع على فقه حال المتكلم، ثم الالتجاء إلى الله عز وجل والاستعانة به، وخامسا التسليم والتعامل بمنهجية مع النص الشرعي إذا جاء صحيحا نقلا عن الثقات. 

فيما يخص النقطة الخامسة أستاذنا طلال فإنها غالبا ما تكون هي عقدة الصراع المعاصر في التسليم بالنص الشرعي أصلا ووجها. أما الأصل فهو ما كان ظاهرا والوجه فهو المستتر نوعا ما، أو ما يمكن أن نطلق عليه الصراع في فهم ظاهر النص من باطنه، لو سمحت سأطرح عليك سؤالا أخيرا حول الصورة النمطية للخطاب الديني المشيخي وما دوره في بلورة المشهد المحلي؟ الأمر الذي يجعل الكثير من الشباب في حاجة إلى الخطابات الدينية الحديثة، برأيك ما مدى حاجتنا إلى خطاب يرتكز على هذه النقاط الخمس المذكورة ويكون مواكب للعصر ومستجداته؟ 

الخطاب في الشرعيات والفقه والحديث والتفسير هذا دين، من أرادنا أن نتجاوزه فهو مخطئ، نحن نتعبد الله بالحديث عن الجنة والنار، والجن، والسحر، ولا يمكن أن نتجاهل هذه المفردات، لكن يبقى الإشكال في التوازن بين ذاك الطرح والطرح المعاصر، فعندما يعيش الشاب المسلم عشر سنوات في المسجد أو في حلقه أو في مؤسسة دعوية، وطوال العشر سنوات هذه كلامه فقط عن أهوال يوم القيامة وعلامات الساعة الكبرى والصغرى، والاقتصار على ذلك يصنع أزمة حقيقية.

 هناك من يتوارى عن هذه المواضيع متحججا بأن الناس وصلوا إلى الفضاء ونحن ما زلنا نتكلم عن فقه الوضوء، هذا دين وشرع الله لكن نعطيه مساحته المنوطة به في الشخص المسلم، ونحن بحاجة إلى طرح آخر، كأن نقيم حلقات في التعامل مع الفكر الإلحادي مثلا.

 هناك شباب مهددون بجهنم والعياذ بالله، هناك من هو مهدد بالضياع الاخلاقي، لأنهم لم يجدوا خطابا يستوعبهم ويقول لهم تعالوا ما هو همكم؟ ما هي الإشكالية التي تقف دون فهمكم لهذا الدين؟

 فالخطاب الذي يستوعب فئة ضيقة من الناس خطاب قاصر. وكما قال الشيخ الطنطاوي رحمه الله "ارحموا الشباب" فالشباب اليوم يعاني، والطرح المشيخي يتمركز في جزئيات لا تلبي احتياجاتهم الفكرية، نرجو الله أن يعيننا على سد هذه الثغرة، وأن يوفقنا إلى تقديم طرح متوازن يخدم الشباب ويجيب عن تساؤلاته بإجابات شافية تزيدهم رسوخا وإيمانا.

في ختام هذا اللقاء نشكر الأستاذ والداعية والمربي أبو أسامة طلال النقشبندي جزاه الله عنا خير الجزاء على ما قدمه من معلومات وأفكار قيمة أفاد بها شباب الأمة وعامتها ولكم الكلمة في ختام جلسة ساعة فكر..  

جزاكم الله خيرا، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، أسأل الله أن يحفظنا من زلة الكلم، والتناصح موجود والتراجع عن الأفكار الخاطئة موجود أيضا ولا عصمة لعقل بشري، إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، كلنا نصيب ونخطئ ورحم الله من نصح وأرشد وبين، نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه والباطل باطلاً وأن يرزقنا اجتنابه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.