تضج البشرية بملايين تولد وتموت بدون أن يتركوا أثراً لأنهم اختاروا الحياة العادية التي لا تحمل سوى إشباع غرائز البقاء، فلا هم يحملون قضية ولا يفكرون في شيء أكبر من نطاق حياتهم الخاصة، ومن بين هؤلاء البشر يجود الزمان بقلة من المخلصين أمثال المفكر علي شريعتي الذين يحملون رسالة أكبر تتجاوز حدود المسؤولية الشخصية إلى قضايا الأمة والمجتمع والدين.

وبينما يوجد بكل وطن الآف من المفكرين فإن القلة منهم تطبق ما تقوله من أفكار ونظريات، وحتى إن هم طبقوا أفكارهم تظل هناك فجوة كبرى بين نظرياتهم وواقع مجتمعاتهم، وبين جذور مادة إصلاحهم لتلك المجتمعات وبين واقعهم المغترب تماماً عن مشكلات بلادهم.

لنتعرف على مسار شريعتي المفكر الثائر الذي اختلف عن الكثير من المنظرين والمثقفين السلبيين عندما آمن بالعدالة وطبقها على نفسه، و لنكتشف كيف ظل ابن بيئته وثقافته رغم تعلمه بالغرب واحتكاكه بالفلسفات العلمانية، فلم يستورد حلولاً لمشاكل مجتمعه بل حافظ على أصالة الفكر واهتم بتجديد التراث ونقده دون تورط في معارك لا يعلم طريقة حلها.

«علمني أبي كيف آنس بقراءة كتبه».. أن تتقدم عن مُدرسّيك بـ99 درسًا! 

ولد علي محمد شريعتي بقرية بخراسان بإيران ديسمبر 1933. كان أبوه من كبار المفكرين والمجاهدين الإسلاميين، فنشأ منذ طفولته مهتما بقضايا الدين والأمراض المنتشرة في المجتمع و أدرك مبكرا أن مبادئ الدين الموجودة في الكتب شيء وتلك الشعائر التي يمارسها الناس شيء آخر! ورغم اكتشافه تلك الحقيقة لم يقم مثل غيره بالفرار من الدين والنفور منه ونبذه، بل كان يرى أن الدين في حاجة إلى ثورة تحوله من عامل ضعف لعامل قوة وطاقة وحياة.. وهكذا فعل فى حياته وفكره.

تتلمذ شريعتي على يد عمه الذي أورثه علوم أجداده الحكماء، لكن الشعلة الحقة التي استمد منها شريعتي وهجه كانت الأب العالم الديني محمد تقي شريعتي، مؤسس «مركز نشر الحقائق الإسلامية» في مشهد وصاحب الجهود في تفسير القرآن، الذي تلقى عنه ولده علوم العربية والشريعة أيضًا.

أتم شريعتي دراسته الثانوية والتحق بمعهد إعداد المعلمين مقتفيًا أثر والده. في عام 1955، التحق بكلية الآداب جامعة مشهد وتخرج منها بدرجة الامتياز فذهب بعدها في بعثة دراسية إلى فرنسا عام 1959.

هناك لم يتعرض شريعتي لتلك الصدمة التي يتعرض لها المبعوثون من العالم الفقير المستضعف عندما يتعاملون مع العالم الغني المستكبر بل كان شاباً مثقفا يقظا ومشغولا بقضايا أمته ووطنه. مكنته سنوات الدراسة بفرنسا من المعرفة الحقيقية بأسباب ضعفنا وأسباب قوة الغرب وضعفه كما عرف عظمة ما لدينا في أوج دراسته هناك.

نال درجة الدكتوراه في علم الاجتماع الديني، و دكتوراه ثانية في التاريخ الإسلامي ثم عاد إلى إيران في منتصف الستينات.

محاربة المتربحين بدينهم وأصحاب الكهنوت الفكري.. «تحويل الدين لقوة فعل» 

لم يعكف على الدراسة النظرية والبحث فقط، بل قام بالعمل على أرض الواقع منضما لجناح الشباب في الجبهة الوطنية وهو لم يزل بعد صبياً، وانضم لحركة المقاومة التي أسسها آية الله زنجاني وعندما ضربت بعنف سجن شريعتي لمدة ستة أشهر. واصل شريعتي بعد ذلك نشاطه السياسي وساند ثورة الجزائر كما اعتقل في إحدى المظاهرات المعترضة على اغتيال لومومبا أول رئيس وزراء منتخب للكونغو. ولإيمانه بالعمل المنظم، شارك عام 1961 في تأسيس حركة التحرير الإيرانية مع إبراهيم يزدى وصادق قطب زادة في باريس. وقد تم اعتقاله للمرة الثالثة عند زيارته لإيران بتهمة المشاركة في نشاطات مناهضة للشاه. ثم أطلق سراحه عام 1965، ليبدأ بعدها التدريس في جامعة مشهد. وعندما انتشرت أفكاره بين الطلاب تحركت سلطات الشاه ونقلته إلى طهران، حيث بدأ بإلقاء محاضراته في حسينية الإرشاد وذاع صيته بين الطلاب.

"الكتاب والعمل كلاهما يؤثر في بنية الإنسان. فالكتاب يجعل العمل مصحوبا بالوعي الفكري والقدرة على تحليل التجارب التي قام بها أناس آخرون، وعبقريات أخرى، والاستفادة منها. أما العمل فيثبت الفكر على أرضية الواقع ويصحح مساره." علي شريعتي

رحلة شريعتي لتطبيق مشروعه الكامل ارتكزت على تصحيح التراث الديني وغربلة المفاهيم الخاطئة وتحويل الدين لقوة فعل وضغط محاربا بذلك المتربحين بدينهم وأصحاب الكهنوت الفكري، كما عمِل على نشر الوعي في المجتمع وبين أوساط الشباب حتى لا ينخدعوا بالأفكار الشيوعية أو العلمانية أو غيرها. بذلك انتشر فكره وأخذ يعطي المحاضرات في كل مكان بالمساجد والحسينيات، والنوادي حتى بلغ عدد الحاضرين له في المحاضرة الواحدة بثلاثة أو أربعة الآف! واضطهده النظام وسجنه مرة ونفاه لقرية بعيدة يدرس الابتدائي بالأرياف ولكنهم لم يفلحوا في إبعاد الجمهور عنه ولا إخماد شرارة الثورة الفكرية والدينية التي أطلقها في صدور وعقول الشباب والمجتمع.

"كان شريعتي يستطيع أن يكون مدرسا بالجامعة مرموقا وناقدا وعالما بالغرب ودليلا متطوعا لما يسموه التنوير الغربي والحداثة..أو ينشغل بترجمة سارتر كفيلسوف وجودي بوجه شرقي! ولكنه بدلا من ذلك ألف كتابا عن "أبي ذر الغفاري" وفكر العدالة الاجتماعية في الإسلام.. وأخذ يلقى بالأحجار في المياه الآسنة ناشرا التنوير الديني وفجأة وسط ثقافة الشاهنشاهية وتغرب إيران يعلن الشاب أن ايران ليست تملك إلاّ حضارتها الإسلامية.. ويصبح الشاب ذو الثلاثة والثلاثون عام حجر عثرة للبلاط الحاكم ونفوذه ورجال الدين الرسميين الذين لطالما نعتهم بأنهم يعطون صورة لإسلام مزيف يبعث على النوم و يتوائم مع الطواغيت". الدكتور إبراهيم شتا

ملهم الثورة الذي لم يشهد قيامها!

يوصف شريعتي بأنه "ملهم الثورة الإيرانية" رغم أنه لم يشهد قيامها في فبرايرمن سنة 1979، إلا أن أفكاره ومحاضراته وكتاباته الثورية كان لها الأثر الكبير في إلهام حماس الجماهير الرافضة لنظام الشاه، حيث أن هناك أكثر من 150 دراسة عنه حتى عام 1997 ومجموع ما طبع لشريعتي في السبعينيات وصل إلى 15 مليون نسخة كما يؤكد الباحث محمد اسفندياري، وقد ذكر شريعتي نفسه أن عدد الطلاب الجامعيين الذين تسجلوا في دروسه تجاوز الخمسين ألف طالب ووزع من كتاب «الولاية» أكثر من مليون نسخة. الأمر الذي حقق لشريعتي شعبية كبيرة داخل إيران، خاصة بين الشباب، ما جلب عليه نقمة نظام الشاه، الذي قام في فترات مختلفة بسجن شريعتي وتعذيبه ونقله من عمله ووضعه تحت المراقبة ومنعه من ممارسة العمل السياسي، ثم اغتياله (كما يُعتقد) في لندن.

وقد اعتبره هاشمي رفسنجاني مَعْلماً أساسياً في إرساء النهضة الإيرانية، كما أن مصطفى جمران يقول إن رفيقه الأساسي في متاريس الجنوب اللبناني المواجهة للعدو الصهيوني، كان كتاب شريعتي "الصحراء". 

كان شريعتي يكتب مقالًا يوميًا في صحيفة خراسان، وجه فيها رسائل للمثقفين، ومنها رسالة يقول فيها: "كن على وعي دائما بمسؤوليتك العظيمة داخل المجتمع، فعلى المثقف أن يجد السبب الأساسي لانحطاط المجتمع، وإن التناقضات الاجتماعية كالفقر والغنى لن تحرك الشعوب إلا إذا حُملت تلك التناقضات من داخل النظام الاجتماعي ووضعت في ضمائر الناس ووعيهم. وحده الفقر لن يحرك أحدًا وإنما الإحساس به، فكن على وعي بالتناقضات الاجتماعية، فالمجتمع ليس مفعولًا به نسقط عليه أفكارنا ونجرب فيه أساليب تعسفية تناقض الفطرة السوية غالبا ولا تقود إلا إلى انهيار. عامل المجتمع كفاعل به لكنه فاعل مريض ينطق بأسباب مرضه. كن كالطبيب خذ احتياطاتك، وقم بتفحصاتك وابحث عن التناقضات الموجودة واعلمها جيدًا قبل أي خطوة عملية تقوم بها على الأرض".

بين تشخيص حال الأمة ومواجهة الاستبداد..إليكم أهم ما ميز مشروعه الفكري

خاض شريعتي معارك حقيقية تخص نقد التراث التاريخي والديني لمجتمعه الإيراني والأمة الاسلامية بشكل عام ومنهجه النقدي تميز برصانة معتبرة فلم يهاجم أو يأتي بأفكار استشراقية تخص هدم الصالح من تراثنا الإسلامي، بل قام بتمحيص للتاريخ وجذور التراث الديني لأمراض مجتمعه واستمد من خلالها منهجا إصلاحيا وثوريا راسخا يشبه مجتمعه وأمته، ومن يقرأ كتابه الماتع (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) سيرى مستوى النقد العالي والغربلة لتاريخ وطنه الديني وتراثه بحياد وهدم للباطل والتطرف والخزعبلات الصفوية بشكل قل نظيره.

 من جهة أخرى، تميز في كتابته بمعادة التغريب والاحتلال وأدوات الاستعمار الثقافي والفكري، وأسس أفكاره وفلسفته على تجميع الأمة دون تعصب أو طائفية معلناً التقارب بين السنة والشيعة خصوصاً في عداء الاحتلال والفساد. كما حارب الاستبداد السياسي والديني ولخص ذلك بأنه سبب جوهري في تخلف الأمة ودمار الأوطان وقد مثلت أفكاره أفعاله حيث هو من ربى جيل الثورة الايرانية التي هزت العالم آنذاك، ورغم استشهاده قبل قيامها إلاّ أن الذين قاموا بها على أرض الواقع هم طلابه والمنتهجين لفكره الذي زرعه طوال عقدين من النضال.

للدكتورعلي شريعتي عشرات الكتب ومئات المحاضرات والأحاديث حيث ترجمت معظم كتبه إلى العديد من اللغات، فقد كان غزير الإنتاج متفرغا للكتابة والمحاضرة. نعطيكم في ما يلي لمحة عن محتوى بعض كتبه: 

  • العودة إلى الذات (1986)

ما في طيات هذا الكتاب هو ترجمة لبحث الدكتور علي شريعتي ”العودة إلى الذات”، وهو عبارة عن محاضرة ألقاها المؤلف في جامعة جنديسابور، وفيها لخص شريعتي فلسفته في الحياة، فإذا أردنا أن نقدم عنواناً جامعاً لفكر شريعتي فلن يزيد عن هذه الكلمات الثلاث “العودة إلى الذات” فهي بمثابة حل يقدمه شريعتي بالنسبة للمسلم على كافة المستويات: المستوى الفردي، ومستوى الأمة والمستوى العالمي للتخلص من “التقولب” و”الاستقطاب”. الذات التي يجب العودة إليها هي الذات الإسلامية ولا يكون ذلك إلا عبر قطع الفرد لمراحل ثلاثة وهي: المرحلة الأولى وتتعلق بالفرد وهي مرحلة بناء الذات الثورية، ويعني تربية الذات ثوريا كأصالة محددة ومنح التكامل لجوهر الوجود. أما المرحلة الثانية فتتمثل في تصحيح مفاهيم الدين في المجتمع والمرحلة الثالثة هي مرحلة العمل على قيام إسلام عالمي لا تكونه قومية أو نعرات مذهبية حيث يكون الإسلام الرسالي هو الجنسية والوطن.

في كتابه "العودة إلى الذات" كتب قائلًا: "كل مصائبنا حدثت من أن جيلنا القديم ابتلى بالتحجر، وابتلى جيلنا الجديد بالعبث والخواء أي لا إلى دين ولا إلى إلحاد فهو جيل دون اتجاه ودون مبدأ عقائدي ودون شخصية.. وعمل المفكر الآن هو إيقاظ ضمير المجتمع، ومنح العوام الوعي الذاتي، وتقديم تفسير وتحليل أيديولوجي للظروف الاجتماعية الموجودة، وبيان المثل وخطوط السير ونقل الواقعيات المتناسبة والمتناقضة في الحياة الأخلاقية والثقافية والاجتماعية إلى إحساس الناس".

  • النباهة والاستحمار(1984)

هذا الكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات للدكتور شريعتي تم تجميعها تحت عنوان النباهة والاستحمار وعدد صفحات الكتاب قرابة المائة، مقسمة إلى ستة فصول. 

تناول في الكتاب الحديث عن العديد من قضايا الفكر، والفارق بينها وبين قضايا العلم، مع التأكيد على أن من يملك الفكر هو دوما الفائز في الصراع الدائر بين الفكر والعلم وهو القادر على مواجهة أي هزيمة داخلية تحاول فيها المجتمعات الاستعمارية -تلك التي لا تملك سوى التكنولوجيا والتقدم الصناعي- فرضها. ويشير شريعتي إلى أن المجتمعات الفاقدة للفكر والوعي (النباهة) سوف تظل مهزومة وإن تفوقت في المجالات الصناعية والعلمية حيث ستظل مستهلكة محتاجة وإن ظنت أنها منتجة. ومن هنا كانت ضرورة امتلاك الوعي والفكر والعقيدة الشخصية المميزة للمجتمع لصناعة الحضارة مع بيان الأمثلة التاريخية الدالة على سقوط الدول الفاقدة للهوية أمام الغزو الفكري (الاستحمار) للحضارة الغربية وظلت مستهلكة لها على الدوام.

ففي هذا الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية سنة 1991 والذي حقق انتشارا، يقول علي شريعتي: "وقع مصير الدين في أيدي قوات استحمارية مضادة للإنسانية تتسمى بأسماء كالطبقة الروحانية والطبقة المعنوية والطبقة الصوفية وطبقة الكهنوت الذين اتخذوا من الدين وسيلة لاستحمار الناس فردياً واجتماعياً".

ويؤكد على أنه يتحدث هنا عن الدين المضلل، الدين الحاكم الذي يتشارك السلطة مع رجال المال والقوة. ويعرف المفكر شريعتي النباهة بالصفة التي تُميز الشعوب إدراكها لذاتها ولتاريخها ولتراثها، تلك الصفة التي تتسم بها النفوس الواعية، وعقيدة الانتباه هي عقيدة كل مؤمن حريص على ألا يتم استحماره أو التلاعب بعقله ودينه.

كما انتقد رجال الدين قائلًا: "لقد كان دين «الملأ» ينتج الأفيون للمجتمع، بإنتاجه لمواعظ من هذا القبيل: «أنتم لستم مسؤولين لأن كل ما يحصل هو حاصل بإرادة الله ومشيئته.. لا تشكو من الحرمان ولا تتألموا فإنكم ستجزون في مكان آخر.. اصبروا على كل شىء لكي يضاعف الله لكم الأجر». هكذا كانوا يخمدون احتجاج الفرد ويجمدون حركته الإرادية.. إن دين عبادة الطاغوت الذي كان يتمتع بكل شىء طوال التاريخ، كان بدوره آلةً في يد الطبقة الحاكمة لقمع الطبقات السحيقة، ولقد ظهر هذا الدين بشكليه الجلي والخفي في كل حقبة من حقب التاريخ.. كان الجبابرة يستخدمون العنف في مواجهة الناس وإخماد ثوراتهم، لكن الدين كان يوظف بطريقة أخرى في وأد النهضة، وردّ الانتقاد، وإخماد ثائرة الغضب والاحتجاج". يشير شريعتي في هذا الكتاب أن قيمة الإنسان تكمن في قيمته للاختيار، وحريته في الاعتقاد واتخاذ القرار، محذراً من "تحريك الأذهان إلى الجهل والغفلة، أو سوق الأذهان إلى الضلال. أو بشكل غير مباشر بإلهاء الأذهان بالحقوق الجزئية البسيطة لتنشغل عن المطالبة أو التفكير بالحقوق الأساسية والحياتية الكبيرة.

  • دين ضد الدين (1988)

ينطلق الكتاب من فكرة جوهرية مفادها أن الأديان التوحيدية لم تكن في الحقيقة مقابلا للإلحاد أو الزندقة، لكنها كانت مقابلا "لدين زائف".. فالصراع التاريخي كان دائما بين دين حقيقي، هو دين التوحيد والأنبياء، ودين زائف، هو دين الشرك.

  • آمال العصر في المرأة المسلمة (1999)

يؤكد علي شريعتي في كتابه هذا على ضرورة التفريق بين الدين والتقاليد وهذا بدوره يساهم في فهم الإسلام وبصورة خاصة فهم المرأة ودورها وحقوقها وواجباتها في ضوء الإسلام، ليصبح من المقدور منح المرأة حقوقها الإنسانية والإسلامية، وبذلك يمكن إعداد فعاليات إسلامية أفضل لمجتمع إسلامي قادر على مجابهة الهجوم الذي يشنه الغرب على الإسلام والمسلمين. بالإضافة إلى ذلك، سينعم المجتمع الإسلامي بالاستقرار الذي عليه تنبني الحياة النموذجية.

القضية التي يبحثها الكتاب هي إيجاد السبل الكفيلة بإقامة جسر بين الماضي والحاضر، وذلك من خلال نماذج إسلامية نسائية مثلت التطبيق الواعي، والفهم العميق لقيم المرأة في الإسلام لتكون تلك النماذج محل تطبيق على الصعيد العملي في حياة المسلمين.

  • التشيع العلوي والتشيع الصفوي (2002)

يتحدث شريعتي عن تسييس الدين -التشيع نموذجًا- والذي تم على يد الصفويين في إيران كجزء من لعبة كبرى أرادت رفع شعار آل البيت في مواجهة المد العثماني. فكرة الكتاب قائمة على إبراز الوجه الحقيقي للمذهب الشيعي كمذهب إسلامي ذي طابع ثوري، يرفض مبادئ التوريث والفصل بين الإسلام والسياسة والتسليم لما هو واقع وغيرها من القيم السلبية التي خيمت على الواقع الإسلامي، فاللعب على الوتر القومي حسب اعتقاده كان ضروريا لعزل إيران عن بقية الأمة الإسلامية، فالهدف هنا كان تشييد حكم صفوي يواجه العثمانيين، فأحيت السلطة السنن والأعراف الإيرانية القديمة، وزرعت حسا قوميا استقلاليا عن طريق اللعب على الوتر القومي، وإضفاء صبغة دينية عليه لتخلق تشيعا جديدا، تشيعا شعوبيا يؤمن بتفوق الفرس بصورة واضحة تخالف روح الإسلام الذي حارب الطبقية. ويصل الأمر بشريعتي أن يقول "بأن الاختلاف بين التشيع العلوي والتسنن المحمدي ليس أكثر من الاختلاف بين عالمين و فقيهين من مذهب واحد حول مسألة علمية وأن التشيع العلوي والتسنن المحمدي طريقان متلاقيان من يسير في أحدهما لابد أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه مع صاحبه ليصبحا معا وحدة واحدة" وفي المقابل فإن "المسافة بين وجهي التشيع العلوي والتشيع الصفوي هي عين المسافة بين الجمال المطلق والقبح المطلق".

  • الأخلاق: للشباب والطلاب والناشئة (2006)

في هذا الكتاب قام الدكتور شريعتي باستعراض عدة مفاهيم أخلاقية وشرحها بأسلوب عملي مبسط وجريء لأنه ألف الكتاب في عهد بهلوي، وأراد أن يدرّس هذا الكتاب في المدارس للناشئين في الصفوف الابتدائية. وبالفعل استطاع أن يساهم من خلاله في إنضاج الجيل الذي حقق الثورة عام 1979 وانتفض على واقعه الفاسد. طبع من الكتاب عشرات الطبعات حتى الآن، فصحيح أنه لم يعد يدرّس في المدارس، وحلت مكانه المناهج الجديدة، لكنه ما زال متداولاً بين الكبار والصغار لأسلوبه المتميز في طرح الفكرة ومعالجة المشكلة.

  • منهج التعرّف على الإسلام (2006) 

يتحدث شريعتي عن إن مسألة اختيار المنهج الصحيح لكل الاختصاصات العلمية، هي أول مهمة للباحث لانتخاب أفضل منهج من مناهج البحث العلمية، ويجب أن تطرح وتناقش وعلينا أن نستفيد من هذه التجربة التاريخية الكبيرة، و باعتبارنا من أتباع دين عظيم الإسلام، فعلينا أن نعي واجبنا معرفته بشكل صحيح وبطريقة منهجية. يقول شريعتي في هذا الكتاب: "فقيمة كل إنسان بمقدار معرفته وفهمه لمعتقداته، لأن الاعتقاد وحده ليس فخرًا، وإذا كنا نعتقد بشيء لا نعرفه جيدًا فلا قيمة في ذلك، بل القيمة تكمن في المعرفة والفهم الدقيق لما نعتقده". ويشبه التفكير الصحيح قائلا: "فالتفكير الصحيح مثل السير في الطريق تماماً. إذ رجل أعرج يسير ببطء على طريق مبلط ومستقيم، وعداء يختار طريقاً وعراً، منحرفاً ومليئاً بالصخور، فمهما ركض سريعاً فسيصل ذلك الأعرج إلى الهدف أسرع منه."

وفي دعوته إلى إحياء دور المساجد يقول:

توجد كتب عديدة للدكتور شريعتي يتداولها المثقفون والمهتمون به، وأكثر هذه الكتب ليست مؤلفات كتبها بيده، بل هي محاضرات ألقاها وسجلت ثم أفرغها طلّابه على شكل كتب، وهذا يفسر كثرة العناوين المطبوعة له والتي عدها بعضهم أكثر من مائة عمل علمي بين فلسفي وأدبي وسياسي منها: "مسؤولية المثقف"؛ "مسؤولية المرأة"؛ "فاطمة هي فاطمة"؛ "تاريخ ومعرفة الأديان"؛ "تاريخ الحضارة"؛ "معرفة الاسلام"؛ "الحر إنسان بين الفاجعة والفلاح"؛ "الإنسان والتاريخ"؛ "الإنسان والإسلام"؛ "الإسلام ومدارس الغرب"؛ "سيماء محمد"؛ "الأمة والإمامة"؛ "محمد خاتم النبيين" "الشهادة".

هل يحتمل الجيل الواحد أكثر من هزيمة؟ 

نفي شريعتي للندن وهناك وجد ميتا بعد شهور قليلة عام 1977 وأعلنت الحكومة أنه مات بأزمة قلبية. مات المفكر الثائر ولكن ثورته اكتملت بالجيل الذي رباه سياسيا، واستمرت ثورته الدينية والفكرية تعلم أجيال من الأمة كلها حتى اليوم. قبل أيام من وفاته، راسل ابنه قائلا: “يقولون بأن الجيل الواحد لا يحتمل أكثر من هزيمة واحدة، وها أنذا أعد نفسي للهزيمة السادسة أو السابعة، الهزيمة أم النصر… وما الفرق لنا؟… المهم هو أداؤنا لرسالة الله”.

رحم الله الدكتور علي شريعتي عاش حياته يناضل من أجل أن تكون أمته أمة واحدة تؤمن بالتنوع ولا تخاف من الاختلاف سلاحه الوحيد الفتاك كانت كلماته التي شرّحت الوضع بدقة عالية وجعلت الشباب يلتفون حوله.

من أقواله الخالدة:

  • إذا ارتدى الزور والمكر لباس التقوى، ستقع أكبر فاجعة في التاريخ.
  • لا فرق بين الإستعمار والاستحمار، سوى أن الأول يأتي من الخارج والثاني يأتي من الداخل
  • الاستحمار هو طلسمة الذهن و إلهائه عن الدراية الإنسانية والدراية الاجتماعية وإشغاله بحق أو بباطل، مقدس أو غير مقدس.
  • الحرب بين المسلمين ليست حرباً بين التشيّع والتسنّن، ولا من أجل العقيدة، بل هي معركة بين مصالح دول ضحيتها العوام من السنة والشيعة.
  • إن شئت التمرد على الديكتاتورية وعدم الرضوخ للظلم، ما عليك سوى أن تقرأ وتقرأ وتقرأ.
  • إذا كنت لا تستطيع رفع الظلم، فأخبر عنه الجميع على الأقل.
  • عندما تقرر الوقوف ضد الظلم، توقع أنك سوف تُشتم ثم تتخون ثم تتكفر لكن إياك أن تسكت عن الظلم من أجل أن يقال عنك أنك رجل سلام.
  • من الصعب أن تتعايش مع أناس، يرون أنهم دائماً على حق.
  • لا تقل للباطل نعم مهما كانت المصلحة.
  • أن يكرهك الناس لصراحتك أفضل من أن يحبوك لنفاقك حباً نفاقاً ثم يتخلون عنك إذا توقف النفاق.

  • ليس من اللازم أن تتفق معي في الرأي، يكفي أن تفهم ماذا أريد أن أقول..
  • لك حرية كره الأشخاص لكن ليس من حقك تشويه سمعتهم.
  • أنا عند الشيعة سّني، وعند السّنة شيعي، وعند المنحلين متزمت، وعند المتزمتين منحل، إن المفكر الحر يصعب تصنيفه.
  • إن افتقاد الإنسان للوجهة وجعل هدفه من الحياة هي الحياة ذاتها و سلوك سبيل المتفرج السلبي لتعاقب الأيام يجعل منه روحاً ميتاً في جسد حي.
  • "إنهم يخشون من عقلك أن تفهم ولا يخشون من جسدك أن تكون قويا" 
  • "مشكلتنا نحن المنتسبين للإسلام منذ قرون، لا تكمن في عدم تطبيقنا الإسلام، بل في أننا لم نفهمهُ بعد." 
  • مشكلتنا في الثورات أننا نطيح الحاكم ونبقى من صنعوا دكتاتوريته لهذا لا تنجح أغلب الثورات، لأننا نغير الظالم ولا نغير الظلم.
  • لا ألوم الجاهل على جهله بل ألوم العالم الذي استغل علمه لخداع الجاهل!