داخل محل الألعاب أحاول الظفر بلعبة جميلة لابنتي ذات السنوات الأربع، والتي يرتفع سقف طموحها في اختيار الدمى مع كل زيارة لهذا المحل، -تتجول عيناي بين الأرفف محتارة بينها- لتقف أخيرا على تلك اللعبة التي أصبحت أراها بكثرة داخل محلات الألعاب تختال بألوانها السبعة التي جاءت بنفس ترتيب قوس المطر.

تتوقف بقربي سيدة لتنبيهي: إياك والتفكير في شرائها فهي تحمل "علم الشواذ"!

كلماتها جعلتني أنتبه إلى حجم التشوه النفسي الذي صرنا نعايشه وللأسف سيعايشه أبناؤنا أيضا، ذلك القوس الجميل الذي كنا أيام الصبى ننتظر ظهوره بشغف عقب زخات المطر -والذي كنا نعتبره من أروع الأشياء التي أبدعها الخالق-، تغيرت صورته الجميلة في الأذهان إلى صورة ترتبط بعدم الراحة في المكان بل قد تثير في كثير من الأحيان مشاعر القرف والاشمئزاز.

أفلام الكرتون والمواقع الخاصة بالأطفال لم تعد آمنة

ليس قوس المطر البريئ والجميل هو ما قد شوه فقط، فلقد طال التشويه أفلام الكرتون التي نعلم مدى تعلقنا نحن الكبار بها فكيف سيكون حال الأطفال؟ خاصة وقد أعلنت شركة ديزني دعمها للشواذ بل وستجعل منهم أبطالا لأفلامها، إنها حرب حقيقية على الفطرة السليمة وسعي ليتعود الصغار على وجود هذه العاهات حولهم.

 

شعور مرعب حقا ونحن نشهد هذا التشوه الذي أصبح عليه عالمنا، تشوه ليس إلا انعكاسا آخر لتشوه حياتنا الأسرية التي أصبحنا نعيشها مسحوبين خلف تلك الشاشات، لنعيش ضمن جزر منعزلة وكأننا لم نعرف بعضنا يوما، في حين أصبحت بيوتنا هادئة من ضحكات الأطفال وألعابهم حولنا، فكل منهم جالس وبين يديه الصغيرتين شاشة قد غدت عالمه، وقد يعرض عليها ما يخالف فطرته عشرات المرات خلال اليوم، وسط غياب للمراقبة - ومن يراقب إن كنا نحن كآباء جالسين إلى جوارهم ولكننا متصلون بشاشة عرض أخرى وبموقع آخر يسمى عبثا وسيط تواصل اجتماعي وليس إلا حاجزا لمنع التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة-.

الموت القادم من الشرق!

إنه ليس عنوان ذلك المسلسل الذي استمتعنا بمشاهدته في ذلك الزمن الجميل للدراما العربية وفرحنا بتحرير "مدينة النور" في حلقته الأخيرة من أيدي محتليها، بل هو وصف دقيق للغزات الجدد باسم الفن، فرق موسيقية ينتشر محبوها بالملايين حول العالم بل يلقبون أنفسهم بالجنود المدافعين عنها، وللأسف أن كثير من أبنائنا قد تجند فعلا للدفاع المستميت عن نجوم تلك الفرق التي تروج في كثير من أغانيها للمثلية والشذوذ والإلحاد... 

في كل مرة أقرأ فيها عن استغاثة أمّ من خلع ابنتها للحجاب أو إلحاد ابنها وتشكيكه في أصح المعتقدات أرى طيف تلك الفرق الموسيقية يمر بين سطور ندائها، تأثيرهم القوي قد أصبح يأخذ منحى آخرا... إنه منحى مخيف ومقلق بالنظر إلى الأفكار التي يتبنونها وسط غياب شبه تام لقدوات شبابية حقيقية تنافس هالة تلك الفرق.

المؤثرون ووهم "التحفيز" و"الإيجابية"..

ولتكتمل الصورة علينا أن لا ننسى من يسمون أنفسهم بالمأثرين، فلقد ضجت تلك المواقع بهم وصار لدينا منهم الآلاف إن لم أقل ملايين، جميعهم يتكلم بإيجابية وردية عن الحياة يتحدثون عن نجاحهم الافتراضي بكل فخر ويشجعون المراهقين والشباب على الاقتداء بهم خطوة بعد خطوة سنجدهم يتحدثون ضمن إيجابياتهم عن أمور عقائدية خطيرة -عن قصد منهم أو من دون قصد- فقط ليركبوا موجة التحفيز التي عجزوا عن إيجاد الجديد فيها لنصل إلى خلع الحجاب للشعور بالسكينة الداخلية، والإلحاد لأن الدين لم يعد له قدرة -حسبهم- على احتواء معاني السلام التي أصبحت تملأ أرواحهم؛ لنجد أن كثيرا منهم يجلس ليُنظّر ويكتب وهو لم يقف يوما ليعيش.

 

أرجع يدي التي امتدت نحو تلك اللعبة إلى الخلف، لأرى ما هو أبعد من قوس المطر البريء المرسوم عليها، وقد امتلأ عقلي بعاصفة من الأفكار حول مسؤوليتنا كآباء في حماية أفكار وعقيدة أبنائنا وسط هذه الفوضى المنظمة التي تحاصرنا وتحاصرهم... أبناؤنا أمانة سنسأل عنها، أمانة سنضيعها في حال بقينا مقيدين بدورنا إلى تلك الشاشات بشكل دائم يفقدنا تواصلنا معهم... فلنفكر إذا في تحرير أنفسنا وتحريرهم أيضا من قيودها لنعيد بناء علاقة حقيقية معهم.