على حواف العالم العربي عند الصدر والبطن نما سرطان مخيف من كتلة صهيونية، هذا السرطان فيه جانبان، فمن جهة شر مستطير، ومن جهة الخير العميم، وهو صعب التصديق في حالة السرطان؟ وهل يحمل السرطان خبرا غير الموت؟

والجواب يأتينا من توينبي المؤرخ البريطاني الذي رأى في ولادة دولة بني صهيون في المنطقة العربية الخاملة أنها منخس للعرب من أجل الاستيقاظ؛ فليس مثل العذاب محرضا للنهضة، وليس مثل الصدمات موقظا من السبات الشتوي؟

وهي هنا حسب توينبي التحدي للنهوض الحضاري، فكل الحضارات نهضت من خلال التحدي، ولعل التحدي الصهيوني هو الأصعب في تاريخ العرب الحديث، وهو مرآة رائعة للتجعدات في وجه شيخ تقدمت به السن واشتعل الرأس شيبا؟

وبحسب سقراط الفيلسوف اليوناني فإن الذباب جيد للخيل لأنه يطرد عنها الخمول. وإسرائيل من هذا الجانب نعمة يجب أن نحمد الله عليها؟ فهي ميزان حرارة الجسم العربي؟ وكم تبلغ وبلغت بعد أن بلغت القلوب الحناجر ونظن بالله الظنونا؟ هل تجاوزت الحرارة أربعين فصاحبها يهذي من الحمى؟ أم أن إسرائيل مثل حمى السل طويلة الأمد قاتلة في النهاية؟

وهذا يقودنا إلى الجانب المرعب القاتل من السرطان فهو نمو ورمي يترافق بالحرارة والاستفحال بدون توقف، حتى يقضي على صاحبه، ويموت معه في رحلة الفناء؟

فهذا مدخل مهم للبحث أن إسرائيل سرطان؟ وعلى الطب العربي أن يتعامل مع حالة السرطان كما يفعل الطب المتقدم.

ويمكن ضغطها في ضفيرة من الأفكار الرئيسية عشرة، ولكن أهم فقرة فيها على الإطلاق أن المشكلة كما في علم الأمراض والتشخيص التفريقي في العلم الإمراضي أن العنصر الخارجي أو الجرثوم الغازي والفيروس الفتاك لا ينقض إلا على جسم مريض عليل، وهو ما حدث في اعتلال الجسم العربي ومازال. ويجب فهم صورة الحدث؛ أنه نتج وتولد من جسم عليل، إن لم نصنفه أنه ميت، وهنا تتناقض الصورة بين جسم ميت وسرطان مستفحل؟ 

وهذه الأفكار العشرة حول الصراع الصهيوني العربي تخلص إلى أنها عملية زرع لسرطان في أنسجة ترفض هذا الجسم الغريب، ولعل حروب المنطقة هي تشبيه واضح لمعنى المقاومة من الجسم، وهي فترة استمرت حتى اليوم في جيلين وسبعة حروب (1948 ـ 2014) حرب 48 وحرب 56 وحرب 67 وحرب 73 وحرب 06 وحرب 08 وحرب 2014 من الصراع الدامي، كلف من الدماء أنهارا، ومن الأحقاد جبالا. 

 

وليس في قناعتي أن المنطقة سوف تهدأ، أو أن إسرائيل سوف تقبل من الأوقيانوس العربي إلا في حالة واحدة من تفكيك (العقيدة الصهيونية) وتحول فلسطين إلى جيب يهودي كبير (جيتو GHETTO) كما كان حال حارات اليهود فيما سبق، كما كنت ألاحظها في الحارة التي كان يعيش فيها جدي (شيخموس وصفي).

أذكر ذلك جيدا من مدينة القامشلي حيث كانت حارة اليهود ومعبدهم. وكذلك سوف تتحول إسرائيل إلى حي يهودي كبير بدون عقيدة صهيونية..

مع ذلك فالعقل العلمي مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها انفجار نزاع نووي بين إيران ودولة بني صهيون، وأنا أظن أن نظام طهران قد وصل إلى بناء السلاح النووي، ومسألة تجربة التفجير مسألة وقت. ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا..

يمكن ضغط مجموعة الأفكار الرئيسية في جوهر الصراع العربي الصهيوني.

 والحل المضمون في القضاء على حلم بني صهيون في الأفكار العشرة التالية؟ ونبدأها بفكرتين.
أولا: وجود إسرائيل ليس من قوتها ولا من دعم الغرب، ولكنها وجدت بسبب انهيار جهاز المناعة العربي، أكثر من قوة بني صهيون أولاد القردة والخنازير.

 نزلت سورة أول الحشر وأمامهم غيرها. بناها الغرب وما زال يتعهدها. ظهر هذا في تصريح (سوزانا رايس) بالتعهد الكامل لهم، وفي أوباما الأسود وهو يعتمر قبعة صهيونية سوداء يهز بها رأسه في محفلهم الأسود.

وسلاحهم النووي كان بتقنية فرنسية ومارك ألماني وتستر أمريكي فبنوا مفاعل ديمونة ثمانية طوابق تحت الأرض طبقا عن طبق، حتى كشف سرها اليهودي المغربي (فعنونو) ودفع ثمنها 18 سنة حبس، وحاليا يمتلكون مئات الرؤوس النووية، وهي جاهزة بالدرجة الأولى لمسح ألمانيا (أبناء النازية والهولوكوست) مع العواصم العربية، وسدود المنطقة على النيل والفرات ودجلة لتشكيل طوفان نوح فعلي.

يجب إذن استيعاب حقيقة أن إسرائيل اليوم هي رأس حربة العالم الغربي؛ فهم من زرعها وتعهدها بالسقاية والسماد ومازال، وهذه حقيقة ثقيلة أننا نواجه العالم الغربي في صراعنا، وليس دولة إسرائيل.

رأينا ذلك واضحا بمدها بالجسر الجوي في ساعة العسرة (حرب 1973م). ومراجعة بسيطة في كتاب (خيار شمشون) لـ (سيمور هيرش) تعطيك النبأ اليقين عن الغرب الذي مكنها من تطوير السلاح النووي وملحقاته من الصواريخ.

لقد تغير العالم ولم يعد كما كان سابقا في مواجهات الحروب الصليبية، عندما كان يواجه طاغية طاغية، بل تحول عالم المواجهة اليوم إلى طاغية يواجه مجتمعا غربيا تغيرت طبيعته كلياً، يحكم بـ (إدارة جماعية) أحكمت قبضتها على العالم بتكنولوجيا متقدمة، ومؤسسات علمية، ومصارف من المال، تحوي أكثر من مال قارون.

لذا فإن التخلص من الحكم الإسرائيلي لا يعني شيئا، إذا تم استبداله بما هو أسوء. فاستبدال طاغوت صهيوني بطاغوت عربي لا يزيد الأمور إلا سوءً، وهذا الشيء يصعب تصوره ولكنه وارد، وقيام إسرائيل بالأصل لم يكن إلا نتيجة طبيعية وتحصيل حاصل لانهيار الجهاز المناعي العربي، وهذا الجهاز لم يتعافى بعد، وفي جعبتنا الكفاية من أسلحة التدمير الذاتية (في 21 أوجست من عام 2013 م قتل بشار الكيماوي 1429 إنسانا بالسلاح الكيماوي منهم 426 طفلا ما لم تفعله إسرائيل في كل حروبها مع العرب) وهو يحكي قصة العفن الداخلي الذي تعيشه الأمة. وعدم احترام بعضنا البعض، أو التآمر على بعضنا، أو الغدر ببعضنا البعض؛ فنحن نعيش أزمة ثقة مروعة.

وهذا هو السبب في وجود الديكتاتوريات في المنطقة بسبب فقد (قدرة تقرير المصير) عند الأمة مما جعلها مستباحة يمكن أن يعلو ظهرها أي مغامر جريء أو انقلابي لا يتورع عن سفك الدم.

واستمرار الأوضاع يفيد أن الأزمة قديمة ومستحكمة وعميقة جدا، بحيث تصلبت مفاصل العمل السياسي.

وحتى يمكن للأمة أن تمشي وتتحرك على نحو طبيعي أمامها معالجات فيزيائية مكثفة، وعمليات ترميم وتصليح متواصلة لكل الأجهزة المعطلة عن العمل، كما يحصل مع مريض معتل بعلل مختلفة.

وهناك الآن حرص على بناء دولة فلسطينية، ولكن يجب أن نضع في الحساب أن الإنسان الفلسطيني يمكن أن ينتقل من سجن مهاجع إلى سجن انفرادي أبشع، ومن عبودية إلى رق، مع تبديل السلاسل والسيد.

وخلال نصف قرن الفائت، قامت ثورات حاولت بكل إخلاص نقل الأمة إلى التحرر فتكبلت الأمة أكثر، ونحن اليوم نعاني من نقص العافية أكثر مما كنا عليه قبل خمسين عاما؛ فالعالم يتقدم ونحن نتراجع.

وفي الوقت الذي تضاعف دخل الكوري الجنوبي 13 ضعفا تراجع دخلنا 13 مرة بموجب إحصائيات المؤرخ الأمريكي (باول كينيدي).

ثانيا: إسرائيل بهذا التعريف هي عرض للمرض وليست المرض

 وهو أمر ذو أهمية بالغة استفدنا فيه من المفكر الجزائري (مالك بن نبي) في حديثه عن الاستعمار والقابلية للاستعمار؛ فلولا الضعف ما ظهر المرض، ولولا المستنقعات ما فرخ البعوض، ولولا مرض السكري ما انتشرت العفونات، ولولا مخلفات السمك ما حوم طير النورس، وحيث الجثث تحلق الغربان والنسور، ولولا موت العراق على يد صدام ما جاء النسر الأمريكي.

 وحين كانت نتائج الانتخابات عام 2001 مائة بالمائة، فهو إعلان من نظام صدام أن الأمة أصبحت صفرا، وهو أصبح الديناصور الأعظم في البلد، في فروته يعيش القمل والبراغيث من جيوش الرفاق، ونمل زاحف يمشي على الأرض أسمهم مواطنين، ولذا يجب أن يأتي الأميركان ويبقوا حتى حين حتى خرجوا بدون خروج فهناك المالكي وملالي طهران؟ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا؟

وهناك من يعترض أن إسرائيل لن ترضى بهذا الوضع ولسوف تحاول الامتداد إلى الجوار، ولذا يجب التسلح وإنفاق المليارات في الأسلحة المتطورة، ولكنها مصيدة فلا يعقل أن يبيعك خصمك سلاحا تستطيع أن تتفوق به عليه، طالما لم نتمكن حتى الآن من بناء القاعدة العلمية لامتلاك التكنولوجيا المتطورة.

وفي كتاب (اليابان تقول لأمريكا لا) بقلم (شينتارو أيشيهارا) نعرف أن التكنولوجيا النووية لأمريكا متوقفة على الميكرو شيبس المصنوع في اليابان، والارتهان للسلاح المتطور ورطة، ويمكن أن يدمر خلال الساعات الأولى من أي مواجهة، وهو ما رأيناه في المواجهة بين الدبابات العراقية ت 72 وأبرامز الأمريكية في حرب 1991م .

وفي جنوب لبنان لم تهزم إسرائيل بأسلحة متطورة وجيوش نظامية بل بأسلحة فردية وحرب عصابات (وهو ما جرى لأمريكا أيام الرئيس وودرو ويلسون في مواجهة الشقي بانسو فيا في المكسيك)، كما أن إسرائيل غير حريصة على اجتياح الجوار، ولقد جربت حظها عام 1982 في دخول بيروت وتراجعت.

واليوم ينتقل كل الصراع مع الجيوش العربية والجيران إلى داخل إسرائيل. ويجب أن نعترف أن المواطن العربي اليوم يستطيع تحت الحكم الإسرائيلي أن يخرج في مظاهرات ويكتب ما يشاء وينظم الأحزاب ويضرب بالحجارة، ولكنه في العواصم العربية عاجز عن أي تظاهرة بآلية مزدوجة من الخوف المتبادل فلن تكون المظاهرة سلمية والقمع سيكون دموياً من خلال عقلية عنفية مسيطرة على الطرفين. وهذه حقيقة بغيضة ولكنها حقيقة. ولا ينطق بها إلا قليل.