تشهد الأمة الإسلامية منذ سنوات طويلة حالةً من التراجع على كافة الأصعدة  خاصة على الصعيد القيمي، مما جعلها تتخبط في ضباب المجهول، وتغرق في غيابات الوهن وتفقد شيئًا من هويتها الدينية والثقافية، وهنا علينا أن نقرّ بوجود أزمة اخلاقية  حقيقة متجذرة في كافة مستويات هرم الأمة ابتداءً من الأنظمة وصولا الى الأفراد، وفي ظل هذا الانفلات الأخلاقي، نحتاج الى ثورات ومعارك قيمية ضد أنفسنا وضد الاعوجاج الذي يسكننا  بالرجوع إلى فطرتنا وكتابنا الكريم.   

كان لابد من التفكير في تأسيس جيل جديد ينتمي إلى دينه ويتربى على منهاج قرآني،  وهذا ما تقوم به جمعية المعالي للتربية والعلوم في دولة الجزائر، إذ تسعى إلى إيجاد حلولٍ دعوية لمشكلات الشباب الجزائري واحتضانه تربويا، ومن ضمن مشاريعها "مشروع النهضة بالقرآن" الذي يهدف إلى تعليم  وتحفيظ القرآن الكريم والحث على العمل به، لقوله تعالى في سورة القمر (ولَقـدْ يَسَّرْنَا القُرْآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدّكِر)، وذلك بإشراف نخبة من المتخصصين في هذا المجال، ووفق برنامج متكامل ودورات في مهارات الحفظ والتفسير والتدبر في معاني القرآن.

النهضة بالقرآن الكريم.. الشباب في رحاب القرآن وفي خدمته

النهضة بالقرآن الكريم مشروع قرآني  شبابي نهضوي، أسسه مجموعة من الشباب الجزائري لخدمة القرآن الكريم حفظا وتلاوة وتدبرا، انطلق شهر ربيع الثاني 1434هـ/ مارس 2013م، على أمل أن يكون المؤسسة الأولى في مجال القرآن الكريم في الجزائر، بتكوين 15.000 حافظ لكتاب الله، من خلال المخيمات والدورات، مع إنشاء مركز دراسات متخصص وستة معاهد جهوية وفروع عبر ثمانية وأربعين ولاية جزائريّة خلال عشر سنوات.

وتأتي هذه رؤية لتحقيق رسالة المشروع التي تتمثل في "إعداد جيل رباني قرآني حافظ للقرآن الكريم، متقنا لأحكامه، عارفا بتفسيره، متدبرا لمعانيه، متمكنا في علومه، يساهم في النهضة الحضارية الشاملة للوطن والأمة".

يعمل مشروع النهضّة بالقرآن كما ذكرنا آنفا على إعداد مجموعة من الشباب الجزائري المسلم الحافظ لكتاب الله حفظا متقنا مع مراعاة أحكامه وكذا فهمه والعمل به، في ارتقاء بالعلاقة مع القرآن التي لا تقتصر على مجرد الحفظ، كما يسعى إلى إنشاء مؤسسة وطنية للقرآن الكريم تحوي تحتها مراكز للدراسات القرآنية في مختلف المجالات ومعاهد للتحفيظ المكثف، وكذا مراكز لتعليم أحكام التلاوة وتدبر القرآن يمتد نشاطها في كل ربوع الجزائر مع إقامة نشاطات نوعية وبرامج خاصة.

ومن أجل تطبيق هذا البرنامج، يُوفر المشروع عدة فضاءات يجتمع في رحابها الشباب، منها المخيمات الولائية، الجهوية والوطنية للحفظ المكثف وذلك في العطل الأكاديمية لضمان حضور الشباب ومساعدتهم على حسن استغلال أوقات فراغهم، وينظم دورات لتعليم أحكام التلاوة ونيل الإجازة، دورات في التفسير والتدبر ومعرفة علوم القرآن، كما يوفر تطبيقًا إلكترونيًا لمتابعة الأفراد.

بمشاركة 3000 شاب.. مشروع النهضة بالقرآن يُتّم مسيرة سبع سنوات

على مرِّ سبع سنوات، تكلّل مشروع النهضة بالقران الكريم في الجزائر بسبعة مواسم حيوية، أقام فيها لعديد من المخيمات في العطل السنويّة للتحفيظ المكثف للقرآن الكريم، بحيث يعتمد على منهجية جديدة معاصرة دون التخلي على الطرق التقليدية، بالإضافة إلى توفير برنامج أحكام التلاوة والإجازة والذي يعنى بتكوين وتأهيل الخاتمين في مخيمات الحفظ المكثف، تحت إشراف مشايخ مجازين في القراءات، ويقوم ذلك على ثلاثة محاور: مخيمات أحكام التلاوة، دورات شرح متون وكتب علم التجويد و القراءات، وجلسات التسميع. 

ويعقد أيضا دورات في التفسير والتدبر في مختلف علوم القرآن، كما يكلف الطلبة بإعداد بحوث مختصة في ذلك، وقد شارك الآلاف من الشباب في هذه الأجواء الروحانية ومن كل حدب و صوب من أرجاء الجزائر، ويبلغ عددهم حوالي  3000 شاب، قطعوا المسافات الطويلة ولم يُقطع لهم الشغف لنيل شرف حفظ كتاب الله والتمعن في جمال آياته والعمل بها، وقد ختم المئات منهم من كلا الجنسيين حفظ ربيع القلوب ونور الصدور هذا الكتاب المعجزة.

 130 حافظًا.. اختتام الموسم السابع بالسرور والدموع والعطايا

على خطى المواسم السابقة، نظم مشروع النهضة بالقرآن يوم السبت 2 نوفمبر 2019م حفلا ختاميا لإسدال الستار عن الموسم السابع بقاعة (palace events) في برج الكيفان بالجزائر العاصمة، وقد اختلطت فيه الكلمات والمشاعر والدموع وامتلأت الوجوه بالضياء وتراقصت الأرواح غبطة وسرورا لختم كتاب الله، حيث تم تكريم حوالي 130 حافظا وحافظة لكتاب الله، بحضور علماء ورجال أعمال وهيئات ولائية، وبحضور أولياء المشاركين، وكذلك جميع من خدم أهل القرآن من إداريي المخيمات والإداريات، الأساتذة، المشايخ، وكذلك المحسنين الداعمين.

في الحفل، تم منح اثنتي عشر عمرة للحافظات وست عمرات للحافظين، وكذلك عمرة واحدة مخصصة لكل فئة، من الإداريين، الإداريات، المشايخ والأستاذات.  

انتهى الموسم السابع لمشروع النهضة بالقرآن ولم ينتهي المشوار بعد، ويشهد كل عام ازدياد في عدد المشاركين الذين يبحثون عن مرسى الأمان في آيات الله وهي أوثق شافع و خير جليس، لا يُمل النظر في معانيه السامية، وتكتمل الفرحة بعد حفظه في الصدور والميلاد من جديد بروح جديدة، بين جنبات المخيمات الإيمانية الهادفة التي سهر على إنجاحها هذا المشروع مجسدا بكل إتقان أن حلول عُقد الأمة بالقرآن والى القرآن.

للتعرف على المشروع يمكنكم زيارةالموقع الالكتروني الصفحة الرسمية في فيسبوك