على حافةِ الموت صرت أَوشكت..  فمن الذي أنقذنيْ؟ ما الذي حصل؟ لا أكادُ أتذكر.. في ظلامٍ دامس كنتُ أَتخبط.. ما بين سقوطٍ ونهوض.. ما بين محاولتي لمعرفة أينَ كنت؟ وما الذي أوصلنيّ لتلك الحالة؟ 

ظلامٌ وخوفٌ..  لا نورٌ ولا أمل.. بدأت قصتي بخطواتٍ صغيرة.. وكنتُ أحدث نفسي أن هذه الخطوات لا تقود إلا إلى الظلام.. فَلم أُلقي بالاً، ولعل باب الظلام قد فتح أدراجهُ منذ زمن..  كنتُ قد سقطتْ فيه وأنا لا أعلم.. لقد استدرجتنّي هذه الخطوات لخطواتٍ أشد سوءً..  لقد احترقتُ بِنيرانيّ حقاً.

ما بين لهوٍ ولامبالاة يتربّع طول الأمل.. وتقود النفس.. النفس الأمارة بالسوء بالطبع.. 

بدأت من تضيّيعٍ الصلوات..رويداً رويداً  بدأ  ذلك الحبل الذي يَصلّني بخالقي ينقطع ..  فبدأ الظلام..  فقدت النور.. حقاً فقدته! 

التمادي برفع الصوت على الأهل خاصة الوالدين.. أحاطتني رفقة السوء من كل جانب، وكأنني بحاجةٍ إلى من يزيد آثامي آثاماً.. من مجالس الغيبة والنميّمه إلى مجالس أخرى أشد سوءً.. وهلمَّ جَرّا. 

بخطواتٍ صغيرة كما  ذكرت لكم  بدأت هذا الطريق، ولكن كما يقال عظمة الجبال من مستصغر الحصى. 

لم يملأ  تلك النفس اللعينّة كل هذا..  فبدأتُ بِشُربٍ لذلك النبيذ ثم أصبحتُ اللاشيء فعلاً..

البعوضةُ أثقلُ مني حجماً ووجوداً..  من الشربِ والممنوعات.. ثم مشاهدة الاباحيات..  لقد مات قلبي.. لكن حقاً هل لديّ قلبّ؟ كنت أتساءل دوماً، هل أنا ذلك الإنسان الذي خلقهُ الله ليكون له خير خليفة؟ هل أنا الذي تمادى عليَ ذاك اللعين إبليس.. ولم يسجد لي عندما طلب الله منه ذلك.. وتوعد ربي بأنه سوف يُضِلني تماديّا على خالقي؟ 

زادت دائرة الظلام حولي، بل وقد توسعت،  لقد تُهتُ فـي جوف غيابة الجُبّ المظلم بالذنوب والخطايا.. مشيت وسط ذلك الظلام أياماً وسنوات.. وضاع عمري وفقدتُ الأهل والأحباب.. كلٌ يَتربص بي من كل الجهات، إبليسٌ ونفسي وصحبة السوء. 

بالفعل ينْهشونني  لأنني أصبحت جُثة هامدة لا روحٌ فيها ولا قلب ولا نور..  كلي ظلام وتيّه وضيّاع. 

بعد إستنزافٍ لطاقتي لم أعد أصلح لرفقة السوء.. فتركوني لا حيلةَ لي ولا قوة.. فبدأتُ أَتخبط بظلامٍ وكأنني فـي نفقٍ..  أُنادي فلا أُسْمع، لا أرى سِوى شبابي الذي ضاع.. فقدتُ قدرتي على المشي رويداً..  كادت أنفاسي تنتهي فسقطتُ مُغماً عليّ. 

لا أعلم كم بقيت ولكن عندما استيقظت كانت دموعي تنهالُ لوحدها على وجنتي،  وتذكرتُ قصة كانت ترّويّها لي أمي مفادها:

 أنه كان أحدُ الأنبياء في ثلاث ظُلمات لا حيلة له  ولا قوة،  كان يُردد دائما (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) [سورة الأنبياء الآية: 87] ولما سمعت منها هذا القول بدأت بترديدها مع الدموع ودعائي دائما "يا خالقي يا رحيّمي لا إله لي غيرك إنني من الظالمين لنفسي، ولعمري، ولشَبايي.. أتيتُ لبابكَ فلا تَرُدني يا خالقي. 

ولكن جاء ذاك النور ليمحو كل ظلامٍ، ومدّ يَدهُ ورفعنيّ، لقد أنقذنيْ من موتٍ مُحتمٍ.. لم يتركني خالقي عبثاً في الوجود، لقد قَبلني وهداني وإني أرجو أن يغفر لي خطئي وجهلي ويديم نورهُ علي. 

هذا حال كل واحدٍ فينا مع الذنوب والمعاصي، نغرق ونضيع، وتأتينا رحمة الله لتنقذنا (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا) [سورة الإسراء الآية: 87]  ولكنّ المهم هو اليقين بالله أنه رغم كل ذنوبنا يقبّلُنا بكل عِلاتنا وزلاتنا، ونحن لا نشك في رحمته بنا وفي عفوه علينا. 

وبالمقابل نُربي فينا تلك النفس الأمارة بالسوء والمؤدية للهوى والضلال وحب الشهوات والنفس اللوامة  هي التي تلوم صاحبها إن أخطأ، وتذكرهُ برحمة الله حتى نرتقي بها لدرجة أعلى وأسمى لتبلغ النفس المطمئنة  التي نضمن بها الجنة ورضى الله (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) [ سورة الفجر الآية: 27].

ليجعل الله لنا نورا  في طريقنا، ونوراً في بصرنا وبصيرتنا،  فتسموا  نفوسنا، وتنار عقولنا، ونسأل الله أن يجعلنا نرى بعينيه لا بعيوننا، ونلهج دائما بقوله (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) [سورة آل عمران الآية: 8].