لا ينقضي فصل الصيف في الجزائر إلا بوقوع جريمة مريعة تربك كيان المجتمع، فقد شهد صيف السنة الفارطة (2021) جريمة مقتل الشاب جمال بن سماعيل بطريقة دراماتيكية ووحشية، شاهدها كل الشعب الجزائري عبر الفيديو الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد مثلت سابقة خطيرة كانت بمثابة إنذار جدي عن حدوث اهتزاز عميق في البناء القيمي والإنساني والأخلاقي للفرد الجزائري، ليأتي الدور في صيف هذه السنة (2022) على الأستاذ يوسف سليمان رحمه الله الذي قُتِل هو الثاني بطريقة بشعة من طرف عصابات الأحياء، وبعد هذه الجريمة بأيام قليلة تقع جريمة أشنع وأفظع بمدينة عنابة، أب يقتل زوجته وثلاثة من أبنائه؟ 

      هذا غيض من فيضِ جرائمِ القتل والعدوان المتكررة يوميا، دون أن ننسى جرائم السرقة والمخدرات والاغتصاب والاختطاف وغيرها، والتي أضحت تعكر صفو المواطن الجزائري وتسلبه الحق في الراحة وصفاء الذهن والأمان النفسي. 

       ومع استمرار مسلسل الجرائم في التنامي وبوتيرة متسارعة، يزداد قلق المجتمع وارتباكه وارتيابه حول مستقبله ومستقبل أبنائه في ظل غياب الطمأنينة والسكينة العامة، وتنحسر معها الثقة بين أفراد الشعب نفسه، وبينه وبين المؤسسات الرسمية المسؤولة عن صيانة الأمن بمفهومه الشامل: الفكري والإعلامي والأخلاقي والمجتمعي...الخ. وكل هذا يدفعنا لطرح العديد من الأسئلة المشروعة:

  • ما هي الأسباب الفعلية وراء تصاعد منحنى الجرائم بالجزائر في السنوات الأخيرة بشكل لافت؟
  • من يتحمل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة في ذلك؟
  • وهل هذا مؤشر على عدم فعالية الإجراءات العقابية وافتقادها لعنصر الردع والتقويم؟
  • لماذا لا تتحرك الجهات المسؤولة بشكل فعال وذاتي لردع خطاب الكراهية والتحريض على العنف والفساد الأخلاقي الذي يغزو وسائل التواصل الاجتماعي؟
  • هل يستشعر المسؤولون الوضع الأمني ويعملون على رسم السياسات الأمنية إبان الخطر الذي يهدد كيان المجتمع ويضربه في مقتل؟
  • هل هناك فعلا يقظة أمنية وخطط استباقية ووقائية للتعامل مع هذا الانحراف الأخلاقي والمجتمعي الآخذ في التأزم؟  
  • ما هي التدابير الواقعية والعملية للحد من استفحال مظاهر الإجرام بشتى أنواعه وطرقه بما في ذلك الجريمة المنظمة وجرائم العصابات؟

 

أولا/ أسباب تصاعد منحنى الجريمة في الجزائر

       إن هذه التساؤلات تظل بحاجة إلى إجابة وافية من القائمين على رسم السياسات الأمنية في البلاد، والمسؤولين عن الأمن المجتمعي بشتى أبعاده، ومع ذلك سنحاول تقصي الأسباب الموضوعية التي تقف وراء استشراء الجريمة، والتي تتعدد مستوياتها وأبعادها ولا يمكن حصرها في جهة واحدة، ومن أهم هذه الأسباب:  

1-التنصل من المسؤولية الأسرية: 

        فمن المؤسف أن يتنصل الوالدان من مسؤولية تربية الأبناء وإصلاح أخلاقهم ومراقبة سلوكهم ومسالكهم، خاصة في المراحل العمرية الأولى، فالكثير من الآباء والأمهات يرمون بأبنائهم إلى الشارع ولا يرون أن مسألة التربية والإصلاح هي من صميم مسؤولياتهم الأسرية، وهذا –في نظري- يعتبر السبب الأول والأساس في انحراف الأبناء وبداية نشأة بؤر الجريمة، دون أن ننسى تواطؤ بعض الآباء مع أبنائهم في التستر عن جرائمهم أو تحريضهم على العنف والفساد.

2-التفكك المجتمعي: 

        فرغم ما نعاينه من مظاهر التضامن المحمود بين فئات المجتمع الجزائري على صنائع المعروف وإغاثة الملهوف خاصة في الأزمات، إلا أن هذا التضامن يكاد ينعدم في مسألة الحفاظ على الأمن ومجابهة كل ما يهدده، وفي محاصرة بؤر الإجرام والتبليغ عن المجرمين، والضغط الإيجابي لفرض الأمن وتحكيم سلطة الإرادة الجماعية لا سلطة العصابات، وهذا ما أدى إلى سطوة جماعات الإجرام عبر التهديد والتخويف والابتزاز واستغلال الفراغ المتولد عن غياب التلاحم والتضامن المعهود بين أفراد المجتمع، وغلبة منطلق الأنانية والانكفاء على الذات.

3-عدم فعالية مؤسسات التنشئة الاجتماعية: 

        ونقصد بهذه المؤسسات: المدرسة والمسجد والحضانة والمدارس القرآنية والجامعات ومؤسسات التكوين والمنظمات المدنية والمؤسسات الإعلامية، فأدوارها لا تزال دون المستوى المأمول، وذلك بسبب تفريغ محتوياتها وأدوارها من أي هدف تربوي مثمر، وتسييس أدوارها في بعض الأحيان، أو عرقلتها بالقيود البيروقراطية، هذا دون أن ننكر وجود بعض المؤسسات والجمعيات النشطة والفعالة في العمل الخيري والتوعوي بمجهوداتها الخاصة. كما أن غياب الاهتمام الرسمي للسلطات على مستوى السياسات العامة والتوجهات الثقافية والتربوية والبيداغوجية برسم آفاق مجتمع واعد يحمل قيما فعالة وإيجابية، وانعدام أي رؤية تنموية ناجعة للاستثمار في طاقات الشباب واحتوائهم، ساهم في تنامي مختلف المظاهر السلبية بما في ذلك الجريمة.

4-ضعف الملمح التربوي في المناهج التعليمية:

         تعاني المنظومة التربوية في الجزائر منذ الاستقلال من صراع أيديولوجي انعكست آثاره على المناهج التعليمية، التي أضحت خاوية من أي بعد تربوي ومتجردة من مهمة الإصلاح وتزكية الأخلاق وتقويم السلوك، وهذا ما أدى إلى تحول العديد من المؤسسات التعليمية إلى بؤر لترويج المخدرات والمحرمات والأخلاق الذميمة. كما أن ضعف الاهتمام بمادة التربية الإسلامية وتقليل ساعات تدريسها وحذف شعبتها في التعليم الثانوي وإسنادها لغير المختصين في التعليم المتوسط، وعدم وجود أي مادة ترتبط بإرساء القيم الأخلاقية على غرار التجربة اليابانية، أين يتعلم التلاميذ خلال السنوات الأولى من مسارهم الدراسي مادة تدعى " مادة مكارم الأخلاق "، يتلقون خلالها مبادئ أولية عن حسن المعاملة في شتى مجالات الحياة، كل هذا ساهم في جنوح الشباب نحو الجريمة والفساد وإفراغهم من أي حصانة فكرية وأخلاقية في زمن العولمة والتواصل الاجتماعي.

5-البرمجة العصبية والسلوكية للمنزع العنفي: 

        فمن خلال الترويج المتواصل والمكثف للمحتويات الإجرامية المتاحة عبر الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال الصور والأفلام والفيديوهات، التي تبث مشاهدَ الانتقام والقسوة والقتل وسفك الدماء، يتكون لدى المتلقي ميل جامح نحو العنف والتطرف، وتتوطن نفسه على استساغة الفعل الإجرامي، ويتشكل في لاوعيه اعتياد على مشاهدة هذه الأفعال وحتى ممارستها من دون استشعار ألم الضمير ولا وازع ديني أو اجتماعي أو أخلاقي. وشبابنا اليوم مهووس بشكل مرضي بتقليد ومحاكاة ما يطلق عليهم بالمؤثرين ونجوم السينما، والدخول لما يسمى بالمواقع الجهادية ومتابعة ما تبثه من مشاهد إرهابية قاسية.  

6-ضعف مستوى التكوين والأداء الأمني: 

        رغم الجهود المبذولة من طرف رجال الأمن في التصدي للجريمة المنظمة ومجابهة مظاهر الانحراف المتعاظمة، مع كثرة التحديات التي يواجهونها ووقوعهم في دائرة التهديد، إلا أن هناك ضعفا على مستوى الأداء الأمني العام، خاصة في التعامل مع عصابات الأحياء التي باتت تقض مضاجع المواطنين، وعدم الصرامة في التعامل مع تبليغات المواطنين حول وجود جماعات الأشرار أو مروجي المخدرات أو حوادث السرقات، والتنصل أحيانا من مسؤولية التحقيق والمتابعة وحماية الأفراد والممتلكات، وهي ممارسات جعلت المجرمين يحترفون مختلف الحيل ويستغلون الثغرات الأمنية والقانونية للإفلات من العقاب والمتابعة.

7-قصور التشريعات وعدم تفعيلها: 

       يقال في المثل الرائج "من أمن العقوبة أساء الأدب"، فتنامي الظاهرة الإجرامية هو مؤشر على قصور المنظومة التشريعية والقانونية الخاصة بتكييف العقوبات الرادعة لمختلف الجرائم، لاسيما تلك التي تشهد تناميا مقلقا من ناحية العدد والانتشار والنوع، ومن جهة أخرى نلاحظ عدم تفعيل بعض القوانين والتشريعات الخاصة بمتابعة ومعاقبة السلوك الإجرامي أو التسبب فيه، مثل القانون 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها، خاصة تلك التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فرغم تنصيص القانون على عدة عقوبات مالية ومادية على مختلف الجرائم المتعلقة بخطاب الكراهية إلا أنه لا يزال غير مفعل، خاصة أمام كثرة المواد والمحتويات المسيئة التي تملأ فضاء الأنترنت، أين أصبح التباهي بالجريمة وسوء الأخلاق والكلام القبيح أمرا عاديا من كلا الجنسين، دون تحرك النيابة العامة أو الجهات الأمنية المختصة للدفاع عن الحق العام ووضع حد لاستفحال هذه الآفة.

8-السياسة العقابية المترهلة: 

        حيث تفتقد السياسة العقابية لعنصرين مهمين في فعالية العقوبة هما "الردع والتقويم"، فالإجراءات المتخذة في السنوات الأخيرة تحت مسمى "إصلاح المنظومة العقابية"، أفرغت نظام السجون أو ما يسمى "بمؤسسات إعادة التربية" من وظيفتها التأديبية والتقويمية والردعية، وحولتها إلى أشبه بمراكز للراحة يتم فيها تجميع وتكوين المجرمين في ظل غياب أي رؤية رشيدة لإعادة تأهيلهم وتقويمهم.

        كما أن سياسة العفو الرئاسي والتسريح الدوري للمجرمين، أصبحت تمثل خطرا كبيرا على أمن المجتمع، فالمجرمون اليوم أصبحوا يؤقتون عملياتهم الإجرامية على مقربة من هذه المناسبات التي يتم فيها إطلاق سراح الآلاف من المحبوسين بشكل دوري، وكثير من هؤلاء المجرمين المسرحين عادوا إلى اقتراف الجرم أو الانتقام ممن أبلغوا عنهم عقب إطلاق سراحهم. 

9-الإسفاف الإعلامي:

         إن الانحراف الذي شهده أداء بعض القنوات الإعلامية في السنوات التي أعقبت الانفتاح الإعلامي، يعتبر أحد الأسباب الأساسية لإشاعة الانحراف وغرس القيم السلبية في المجتمع، أين أصبح رواد الملاهي وأصحاب الأغاني الماجنة والمروجة للعنف والمخدرات، ضيوفا على بلاطوهات بعض القنوات، ويتم تقديمهم كنماذج للنجاح، وهذه ممارسات غير مسؤولة ومتجردة من نبل الرسالة الإعلامية وتفتقد لحس المسؤولية الاجتماعية التي تتحملها وسائل الإعلام تجاه المجتمع.

ثانيا/ المقاربات العلاجية المقترحة للحد من تصاعد منحنى الجريمة

        وإزاء كل هذه العوامل المغذية للجريمة في مجتمعنا، بات لزاما على السلطات الوطنية أن تستعيد زمام المبادرة وتولي العناية الفائقة لموضوع الأمن المجتمعي الشامل، من خلال بناء منظور استراتيجي يحفظ الأواصر المجتمعية وينمي قيم المواطنة والتعايش السلمي، وذلك بوضع إجراءات عملية لتفعيل العمل الوقائي والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية والوعي الرقمي والإعلامي ومناهج التعليم، وتجذير قيم الهوية والانتماء الوطني والديني والحفاظ على الآداب العامة. وفي سبيل تحقيق ذلك لا بد من التركيز على ما يلي:

1- التوجه المؤسسي نحو مفهوم التأهيل الأسري والمجتمعي:

       إن النواة الأولى لصلاح أو فساد المجتمع هي الأسرة، وعليه يجب تخصيص دورات تأهيلية تضطلع بها مراكز متخصصة للتعريف بغايات الزواج وبناء الأسرة ومسؤوليات الوالدين وواجباتهم من الناحية الشرعية والقانونية، وكيفية التعامل مع المشكلات الأسرية والتربوية، وخصائص الفئات العمرية للأبناء وطرق التعامل معها، فهي من أنجع الوسائل للحد من انحراف الأبناء في سن مبكرة والتأسيس للتماسك الأسري والمواطنة الصالحة.

        كما لا بد من توعية المواطنين بمخاطر السكوت عن الجريمة وتوفير الحماية الاجتماعية لعصابات الأحياء، وذلك بحثهم على التبليغ مع توفير الأمان اللازم لهم والتعامل يجدية مع تبليغاتهم لإرساء الثقة والتعاون بين المواطن ورجال الأمن تجسيدا لمقاربة الإعلام الأمني والأمن الجواري، فالمجتمع هو اللبنة الأساسية في التأسيس لمفهوم الأمن بوعيه وتعاونه وإيجابيته وتآزره الوثيق فيما بينه وبين الجهات المختصة.

2- تعزيز الملمح التربوي في المناهج وصيانة قيم المجتمع:

        لابد أن تعمل الدولة على استعادة دورها التربوي كضابط وصائن للآداب والقيم الوطنية والإنسانية المشتركة في كل ما يخص الشأن العام، وفرض احترامها على الجميع.

         وفي هذا الإطار يجب مراجعة مناهج التعليم بصفة دقيقة وعميقة وإيلاء البعد التربوي والأخلاقي أهمية بالغة في انتقاء المحتويات التعليمية خاصة في السنوات الأولى للتعليم، مع تعزيز مكانة شعبة ومادة العلوم الإسلامية في المنظومة التربوية.

         كما يجب على السلطات الرسمية أن تتوجه نحو الاستثمار في التربية والتعليم لكونها مشاتل للتنمية البشرية وبناء الإنسان والأجيال، فلا نجاعة لأي استراتيجية تنموية في أي مجال في ظل إهمال التعليم.

        كما لابد من ترقية الخطاب المسجدي ورفع مستوى الأداء التعليمي والتكوين المعرفي، للأئمة والدعاة والمربين ورجال الإصلاح، حتى يتأتى لهم القيام بأدوارهم التربوية والتوعوية بالكفاءة المطلوبة.

        كما لا بد من تفعيل نشاط الجمعيات الثقافية والفكرية والرياضية في العمل الجواري والنشاط التوعوي والتربوي، وإمدادهم بالدعم اللوجستي والإداري. 

 3-تفعيل مقومات الأمن الإعلامي والسيبراني:

        وفي هذا الإطار لا بد من العمل على رسم سياسة إعلامية وطنية (الإعلام العمومي والخاص) لمحاربة خطاب الكراهية ونبذ العنف والتمييز، وهذا ينطلق أساسا من ترشيد سلوك المؤسسات الإعلامية وكفاءة أداء منتسبيها، ونوعية البرامج و المادة الإعلامية المقدمة، وحرصها على الاحتفاء بالتنوع الثقافي واحترام قيم المجتمع وعدم مصادمتها، وتكريس ممارسة إعلامية هادفة وبنَّاءة. 

         وفي هذا السياق لا بد من وضع هيئة مختصة لمتابعة المحتويات المسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي والناشطين أو ما يسمى (بالمؤثرين) الذين يروجون لخطاب الكراهية والتمييز أو الكلام الخادش للحياء، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية في حقهم دون إخطار من أي جهة، مع ضرورة التفريق بين مبدأ حرية الرأي والتعبير والممارسات الشاذة الخادشة للقيم والأخلاق المتفق عليها.

       كما لا بد من نشر الوعي الرقمي على أوسع نطاق خاصة لدى فئة الشباب وفي المدارس والجامعات، والتنبيه إلى مخاطر التكنولوجيا والمواقع المشبوهة وكيفية تأثيرها على السلوك والأفكار. 

4- إعادة هيكلة المؤسسات والسياسات العقابية:

       وهنا نقترح إعادة هيكلة المؤسسات العقابية وإدخال إصلاحات فعالة على منظومة السجون لتحقيق بعدين هامين هما: الردع والتقويم، ولا نقصد بالردع استعمال العنف في حق السجناء، بل إشعارهم بأثر الجرم الذي اقترفوه وتبعاته المؤلمة، وعدم الاكتفاء بتقييد حريتهم فقط، وفي هذا السياق يمكن العمل على تجسيد مايلي:

  • توظيف المساجين في المشاريع العامة مقابل أجر يدخره إلى غاية خروجهم من السجن؛
  • فتح تخصصات تكوينية داخل السجون، لتأهيل المساجين في مختلف الحرف والمهن وتمكينهم من نيل شهادات معترف بها، تساعدهم في بداية مسار وظيفي مناسب بعد قضاء محكوميتهم؛ 
  • توظيف أو انتداب مختصين في علم النفس الجنائي وعلم اجتماع الجريمة والانحراف لتقديم المتابعة النفسية والتربوية اللازمة للمساجين، وإعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا للاندماج السلس في المجتمع؛
  • انتداب أئمة ودعاة ومربين مختصين لإجراء مقابلات ودورات ودروس دورية للمساجين ومحاورتهم والرد على أسئلتهم، فالتواصل الفعال مع هذه الفئة مهم جدا لتغذيتهم روحيا وتزكيتهم نفسيا وسلوكيا؛
  • وضع برامج تربوية ورياضية وثقافية كحفظ القرآن ومزاولة الدراسة وتخصيص مكتبات وأماكن للمطالعة أو تأسيس نوادي وفرق رياضية، ووضع تحفيزات للمجتهدين الذين أظهروا تحسنا واندماجا ملحوظا، مع ضرورة إعطاء صبغة رسمية لهذه الأنشطة وفق برنامج بيداغوجي مكيف مع طبيعة الفئة المستهدفة.

         كما لابد من التأكيد على التطبيق الحازم لقانون محاربة خطاب الكراهية دون تحيز أو انتقائية، فالإشكالية لا تتعلق بالنص القانوني بقدر ما ترتبط بأدوات تفعيله والإرادة السياسية في ذلك.

       كما نؤكد بصفة ملحة على ضرورة إعادة مراجعة سياسة العفو الرئاسي عن المساجين وعدم تعميمها وربطها بمواسم ومناسبات دورية محددة، وإن كان ولابد يجب تعليقها بشروط صارمة كحفظ القرآن أو التفوق الدراسي ونحو ذلك.

5- تطوير المنظومة التشريعية والأمنية والتركيز على التكوين المستمر:

      مع تطور الترسانة التكنولوجية والمهددات السيبرانية والتنامي المطرد لوسائل ارتكاب الجرم ومحو آثاره، أصبحت هناك حاجة ماسة لإعادة مراجعة المنظومة التشريعية الخاصة بقانون العقوبات، ووضع آليات إجرائية لتفعيل القوانين عمليا، فالإشكالية تكمن في كثير من الأحيان في تطبيق القوانين وتفعيل الإجراءات التنفيذية التي تبقى معطلة رغم وجود النص القانوني، كما سبقت الإشارة مع القانون 20-05.

      كما نقترح في هذا الصدد إعادة هيكلة العمل الشرطي والاهتمام بالتكوين المستمر لرجال الأمن وتمكينهم من أدوات أكثر فعالية في تعقب المجرمين ومحاصرة بؤر الإجرام. 

       وفي هذا الإطار يقترح الباحث تأسيس مراكز بحث متخصصة في الأبحاث الأمنية وعلوم الجريمة، تجمع بين عدة تخصصات علمية: كالقانون وعلوم القضاء والعلوم الجنائية وعلم النفس وعلوم الشريعة وعلم الاجتماع وعلوم الاتصال والإعلام، والعلوم التقنية كالمعلوماتية والإعلام الآلي وغيرها من العلوم ذات الارتباط، تضطلع هذه المراكز بمهام التكوين المتخصص للأسلاك الأمنية المختلفة والقيادات الإدارية، وبتقديم الدراسات والآراء والأفكار والتوصيات وتنظيم الملتقيات حول تطور نوعية الجريمة وتكييفاتها القانونية والشرعية وأسبابها ومصادر تغذيتها وتداعياتها على مختلف المستويات، والبحث في الإجراءات والتدابير الوقائية والعلاجية الفعالة للحد منها بحسب السياقات والبيئات المجتمعية المتباينة.