يقترب موعد اللقاء، فيزداد الحنين ويعظم التوق فنغالب الشوق حتى يكاد يفنينا.. هي هكذا ساعات وأيام انتظار المحبوب، ولهفة ترقب المرغوب تزيد النار اضطراما وجمر الشوق احمرارا، فينشغل قلب المنتظر قبيل موعد القدوم لمكانة الزائر على نفسه ومنزلته في قلبه.

ما سبق بيانه ينطبق على بني البشر، فكيف الحال والزائر المنتظر هو الشهر الأغر رمضان الفضل والدرر؟! ننتظره لا كمن سبق، نردد "اللهم بلغنا" ولا ندري أندركه؟ أم يحال بيننا فنقتصر على الفائت مع ما فيه من فوائت!

وبداية الاستعداد النفور من برود عدم الاكتراث والإقبال على نفائس المعاني والإشارات بما يعين على اغتنام شهر الخير والبركات.

وعلى أية حال.. ما تقدم من استطراد مقصود بالأصالة جرنا إليه شرف الصيام وتشرف الزمان، وبالعودة إلى أصل البيان فإن رمضان هو شهر القرآن ولا عجب في ارتباطه به فقد نزل فيه «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» [1] وروجع فيه في مجالس مسائية بين النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام وبين الملك الأعظم جبرائيل عليه السلام "كان جبريل يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة في شهر رمضان، حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله القرآن." [2]

بل إن تأمل آيات ذكر رمضان يحيل إلى ذكر الله له عبر علاقته بالقرآن في صيغة كلية «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» وصيغة جزئية «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» «إنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» [3] 

فما العمل؟! وكيف السبيل لحسن التدبير في اغتنام الشهر الفضيل؟

تعال معي لأحدثك عن رجل في جزيرة العرب، سعودي الجنسية، جعل النص القرآني نَفَسه فوطد به صلته وأكثر من تدبر معانيه وتأمل مبانيه فاستخلص هدايات تعين على استعماله بما يحقق الشفاء ويجنب الابتعاد الذي يعيد الأسقام والداء. 

إنه ابراهيم بن عمر السكران صاحب المآلات والماجريات، وقد ارتأيت انتقاء ثلاثية تزكوية من جميل ما قدم وعظيم ما أسهم، جعلتها مختصرة لا تطيل العبارة،  إنما تسلط الضوء وتشوق للإطلاع والمدارسة مع حلول الشهر الكريم. 

«المغزى الرمضاني».. تلمس معان أفلتها الصائم 

‏سلسلة المغزى الرمضاني هي أربعة مجالس صوتية لا تزيد عن 17 دقيقة للجلسة الواحدة [4]، تأملاتها عميقة ومشاهداتها بديعة في تلمس معاني الشهر الفضيل، ينصح بها لعظيم معناها وفائدتها، حيث تناول الشيخ في أول مجلس بعض المعاني والإشارات الرمضانية مع بحث وتدارس لمغزاها ودلالاتها، فمر به الحديث عن الكفارة السنوية الرمضانية وتفسير توارد الكفارات أو المُكفِّرات اليومية والأسبوعية والسنوية، كما تطرق لكيفية تعريف القرآن لرمضان وتخصيصه بأخص الخصائص لينتقل بعدها لذكر معدودية رمضان والإشارة إلى العلاقة بين شرف العمل وشرف الزمان.

أما المجلس الثاني فاقتصر على إشارتين جليلتين هما أسرار الإضافة الإلهية للصيام في الحديث القدسي الذي قال الله فيه «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» وتوقف أخيرا عند المنقبة العظيمة أو ما يمكن تسميتها بما بعد السبعمائة.

أما المجلس الثالث فقد خصه الشيخ بثلاث إشارات هي خصوصية المدخل في الجنة ومشهد الإغلاق وأمارة التأهب، وفعل نفس الأمر في آخر المجالس فتدارس معاني السياحة المُقيمة وصنائع العبادة والتسلية باشتراط الفرضية.

استنهاض عزائم الروح.. بتأملات في «رقائق القرآن»

إن كون القرآن هو المفزع لتزكية النفوس وترقيق القلوب وتصفية الأرواح وانتشالها من الثقلة الأرضية ليس استنباطا أو وجهة نظر بل هو حقيقة دل عليها القرآن ذاته حسب الشيخ.

فهذا الكتاب الأخاذ هو حصيلة بعض التأملات التي هي في جوهرها مشاهدات اجتماعية مر بها الشيخ فعرضها تحت سراج القرآن، وانكشف له فيها معان شديدة في ترقيق القلوب وتليينه وتزكيته ليعود إلى طبيعة مساره.

وقد اشتمل على نظرات وخطرات في بعض معاني الإيمان والتدين التي استعرضها القرآن وهي تدور حول استحضار الآخرة ولقاء الله، وما وصفه القرآن من قسوة بعض القلوب حتى تتفوق على الصخور شدةً، وتعظيم كثير منا لدنياه أكثر من تعظيمه لصلاة الفجر، وبهاء صورة المتهجدين بالليل، وخطورة استبعاد وقوع النفاق، وتفخيم القرآن لشأن التسبيح، وحديث عن التوكل وأثر الحسم واليقين في صعود المؤمن إلى أعلى مراتب الدين، وأخيرا العجب من سيئات قد تحسب على المرء وهو لم يفعلها.

 

ومن جميل ما فيه انسياب ألفاظه رقة وعذوبة وتدفق معانيه بما يسمو بالروح ويفيض عليها من لطائف تعين على فهم مراد آيات الله، فنفحاته تأبى القعود عن استنهاض الهمم والأخذ بالعزائم، يدهش ذا القلب حتى لا حراك له من جمال العبارة وحسن التوصيف وجودة التوظيف وروعة الاستنباط ودقة الاستدلال فكأنما هو النذير لمن حاد عن المسير وتغافل عن مستقره الأخير. 

الجماليات والآثار المبهرة في «الطريق إلى القرآن» 

في هذه الرسالة القصيرة ذات 120 صفحة حصيلة خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا وآثاره المبهرة حسيا ومعنويا، وفي هذه الآثار يقول الشيخ:

 "لطالما أبهرني حديث بعض الصالحين إذ يبثون شجواهم عما يجدونه في أنفسهم بعد تلاوة القرآن، يتحدثون عن شيء يحسون به كأنها يلمسونه بحواسهم، من قوة الإرادة في فعل الخيرات والتأبي على المعاصي".

ثم أشار إلى أثر القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يكون أجود بالخير من الريح المرسلة وهو رسول الله الذي كمل يقينه وإيمانه، مع إشارة بعد ذلك إلى أن الله جل وعلا ينوع ويعدد التوجيهات لتعميق العلاقة مع كلامه.

وحصيلة الأمر أن هذا الكتاب ينقلك من القراءة المجردة إلى التأمل المصحوب باستحضار الجماليات، وقد قُسم إلى مقدمة وعشرة فصول كانت على التوالي: سطوة القرآن، تأمل..، كيف انبهروا، منازل الأشعريين، القلوب الصخرية، الشارحون، تطويل الطريق، من مناطق التدبر، كل المنهج في أم الكتاب، دوي الليالي الرمضانية، الحبل الناظم في كتاب الله، مع خاتمة تناولت القرآن في حياتنا تدبرا ومعايشة.

العجز عن الإعمار.. «كلمة لا بد منها» 

إن هدوء النفس البشرية في رمضان لتقلص فضول الطعام والشراب والنكاح بالصيام، وتقلص فضول الخلطة والكلام بالاعتكاف، حقيق بتدبر وتأمل علاقة القرآن برمضان من غير إفراط ولا تفريط في الميدان، فإن جموعا من أهل الصلاح تركوا طلب العلم واستكثروا من قراءة القرآن وليس هاهنا الإشكال وإنما هو في عجز هؤلاء عن إعمار يومهم كاملا بالقرآن، فتضيع ساعات وساعات خشية الاشتغال بغيره والالتفات لما سواه!

فلا يجب أن يمنعنا عجزنا عن الفاضل الذي هو تلاوة القرآن عامة اليوم، عن الانتقال لما يليه في الفضل وهو طلب العلم والفهم.