عند حديثنا عن محاسن الأخلاق، والدعوة إليها، ينبغي أن لا نُغْفل المحرك الأهم لكل رذيلة، والدافع الرئيس وراء كل معصية، وأنا هنا لا أتحدَّث عن إبليس -كما قد يتخيل البعض- وإنما أتحدث عن هوى النفس. أقصد بهوى النفس: إيثار ميل النفس إلى الشهوات والملذات، والانقياد للنفس في ما تدعو إليه من معصية الله عز وجل، فتصبح نفس الإنسان وشهواته هي الحكَم، وهي الأساس في تصرفاته وسلوكياته.

كيف ندرب أنفسنا على مخالفة الهوى؟
أولاً: العزيمة:

أن تملك الإرادة والعزيمة يعني أنك تملك القدرة على الانتصار على نفسك ووسوسة الشيطان، فأصل الأمر أن تتخذ قراراً بأنك لن تطيع نفسك في كل أمرٍ تريده، لن تسايرها في كل مرةٍ تدعوك فيها إلى الراحة أو الكسل، ولن تشتري لها كلَّ ما تشتهيه، لن تؤجل صلاتك أو عبادتك نزولاً عند رغبات نفسك، لن تسمح لعقلك أن يستسلم لأفكار غريبة فقط لأنها تبدو منطقية، بل إن لم تستطع أن تردها، فاسأل من هو أعلم منك، ولا تركن إلى هوى نفسك بتقبلها، وإن بدت هذه الأفكار صحيحةً ومدعومةً بأدلةٍ فلا تتبناها حتى تبحث وتسأل وتناقش.

ثانياً: الصبر:

الهوى فيه شهوة، إما شهوة فكر أو شهوة جسد، والتدرّب على الصبر يعين على مخالفة الهوى، لأن مخالفة الهوى ما هي إلا صراع داخلي يعرف باسم "جهاد النفس"، وعلاجه أيضاً داخلي، فلا أحد يستطيع أن يمنعك من الهوى، بل أنت القادر على أن تمنع نفسك.

ثالثاً: ملاحظة حسن العاقبة:

أن تضع نصب عينيك الأجر الذي ستناله بعزيمتك، وبصبرك، وجهادك لنفسك، و امتناعك عن الشهوات وأن تدرك معنى قول الله تعالى: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) سورة الضحى الآية: 4. فالتعب سيزول، ويبقى الأجر عند الله عز وجل.

رابعاً: إدراك مرارة عقوبة اتباع الهوى:

طعم الهوى في الدنيا لذيذ، لكنه مرٌّ في الآخرة، واللذة تزول والإثم يبقى، فإذا اتبع الإنسان شهواته فكم سيستمتع بهذه الشهوة؟! دقائق؟ ساعات؟ ثم ماذا؟ثم ستزول اللذة ويبقى الإثم الذي ارتكبه ليحصل على الشهوة، ستفنى اللّذة وتبقى الحسرة.

خامساً: الذكرى والوعي:

أن يتذكر الإنسان أنه بمخالفة الشهوات والأفكار المنحرفة ترتفع منزلته في قلوب العباد وعند رب العالمين، وأن طاعة الهوى تجرّه إلى الذل، والإنسان الحرّ العزيز يأنف لنفسه من ذلّ طاعة الهوى، فما أطاع أحدٌ هواه إلا وجد في نفسه ذلاً.

الهوى أصل كل معصية: إن الهوى هو أصل كل المعاصي، وكل معصية مصدرها إما شهوة الجسد أو شهوة الفكر، وجهاد الهوى لا يقلّ أهمية عن جهاد العدو في الميدان، فكلاهما مهم، وجهاد النفس يورث العبدَ قوةً في الروح والبدن والقلب واللسان، ويرقى به إلى شرفِ الدنيا وشرفِ الآخرة، ويمنحه عزَّ الظاهرِ وعزَّ الباطن.

وأمر مخالفة الهوى سهلٌ بالقول والتنظير، لكنه صعبٌ بالفعل والعمل، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "اقتضت حكمةُ الله سبحانه وتعالى ربطَ نجاةِ الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم، وأن يكون زمامها بيد الشرع". فلولا أن مخالفة الهوى أمرٌ صعب لكان الكل ناجٍ، وإلّا فلماذا أعطى اللهُ تعالى الجنة كمكافأةٍ لمن يخالف هواه؟ لأن مخالفة الهوى ليست بالأمر السهل.