إن صراع الإنسان في الحياة قائم منذ الأزل، منذ أن خُلق سيدنا آدم عليه السلام إلى يوم القيامة بين منتصر ومنهزم في رحلة لإدراك الذات وسبر أغوارها، فيمّر بمراحل عديدة لمعرفة نفسه ويدرك مكنوناتها فلا يجدها إلا في محراب العبودية بين يدي الله عز وجل في الخلوات حين ينفرد بربه مثلما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون خلوة لصناعة الذات من اعتزال الناس ولتأديب النفس وتهذيبها أو لدراسة خطط جديدة وصناعة إنسان رباني قادر على مواجهة الحياة، ليعرف الغاية من الخلق فيخترق ويواجه الصعوبات التي تعتريه فيدرك من خلالها امتيازات كونه إنسانا.

فلماذا إذا يَتَعمّد الخطأ ويتبع هواه رغم أنه يدرك أن النتيجة ستكون فرطا يخسر فيها نفسه فتتناثر مثل حبات العقد أو مثل حبات البلح الساقطة من عرجونها بعد أن كانت متماسكة مشتدة العود تمهيدا لطحنها، كذلك هي النفس الإنسانية إذا انقطعت أواصرها وتخلت عن النظام الذي كان يركز قواها ويذكرها بالغاية من الوجود فإن انفرطت فلا خير فيها ولا غاية منها تُرجى. 

        لذا أصبح من الضروري مراقبة النفس وضبط إعداداتها لتصبح نسخة أفضل، بحذف الماضي والبدء من مكان جديد ليُرافقها في رحلتها الأمل واليقين واليقظة مع العودة الصادقة البعيدة عن الكنود القديم فلا تترك له فرصة أن يكون عائقا أمامها. 

        قال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"، وما يزيد هذا جمالية هو العودة لله عز وجل.

وفي حديث قدسي يقول الله عز وجل: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".   

فالرجاء في الله عزوجل، فإن كان الله معك فمن عليك وإن كان عليك فمن لك، فضرورة التدبر في هذا الحديث تجعلك تخرج بقناعة تامة أن الأمر كله لله فإن تُرك الإنسان لنفسه نهايته مأساوية.

 فجانبها الأمّار بالسوء سيخيل لك أن العودة لله عز وجل قصة خيالية وأن جميع الأبواب من حولك أغلقت لكن الرحمات تأتي من جميع الأبواب حتى وإن كانت من أكثر ها انسدادا وأقلها إقبالا.

حتى لو بلغت ذنوبك عنان السماء وأقبلت على الله عزوجل منكسر القلب ذليلا على بابه لن يغفر ذنوبك فقط بل سيرفع مقامك عنده فيبدل صحائف المعاصي بصحائف التوبة والغفران فيمسح المعصية من قلبك فتجد في روحك إقبالا على الحياة وتجديدا للنفس وإقبالا على الطاعات وانفتاح سبل الفلاح بطريقة عجيبة، فإن وجدت كل هذا فلا تستغرب أليس الأمر كله من الله وإلى الله فلا تنسَ أنك طين لا ينكسر إن كان مع الله. فكن بجواره تنجو وإن ابتعدت عنه تنكسر.