إذا كان العمل هو العسل الذي يشفي الناس من علل البطالة والعطالة، ومن أوجاع الفقر والفاقة، ويداويهم من علل التخلف والانحطاط، فإن الكسل عسل العاجزين وغذاء القاعدين، الذين يستمرئون الارتماء في قوارع الطرق، يتكففون حثاﻻت الناس، ويعيشون عالة على الخلق.

قال أحد الشعراء القدامى:

إن التهاون والكسل… على مذاقاً من عسل

إن لم تصدق فسل… من كان قبلي في الكسل! 

عندما ينفض الإنسان غبار الكسل ويقوم باستزراع الأرض، تتنفس التربة هواء الحياة، ويختفي غبار اﻻختناق، وعندها تزدهي الحياة بالخيرات، وتكتسي الأرض حلة الجمال ولما جعل الله تعالى للحيوان قوة التحرك، لم يجعل له رزقاً إلا بسعي منه، لئلا تتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك، ومصائب عسل الكسل نتائج تأثيرتها ليست على المستوى الفردي وإنما على مستوى الأمة لأن تعطيل الفرد لشيء معين هو تعطيل لمصالح بقية أفراد مجتمع هذه الأمة، وما أصاب أمة إلا أضعفها وأخَّرها ودمَّرها، وما أصاب شعباً إلا ضيَّعه وجهله، وأفشله ووهاه، وما أصاب فرداً إلا أسقمه وأخزاه وأذله وحقَّره.

ولمن لا يعرف عسل الكسل فعسل الكسل له طعمه الخاص وكلما تذوقت جزءًا بسيطاً منه كلما تمنيت أن تتذوق أكثر فأكثر وهو تثاقل الإنسان عما لا ينبغي، التثاقل عنه من أمور الدين والدنيا.

ومن كلام أردشير بن بابك، کسرى الفرس: «شهد الجهد أحلى من عسل الكسل». يعني أن الشهد الحاصل بالجهد أحلى من الكسل الشبيه بالعسل في ميل النفس إليه، والتلذذ بها، وقال بعض العقلاء: «راحتي في جراحة راحتي». أي بالشغل، ومن شأن البطالة أنها تبطل الهيات الإنسانية، فإن كل هيئة، بل كل عضو، ترك استعماله يبطل، کالعين إذا غمضت، واليد إذا عطلت، فإن الأعضاء خلقت الحكم في كل شيء، فإن الله سبحانه وتعالى لما جعل للحيوان قوة التحرك لم يجعل له رزقا إلا بسعي ما منه لئلا تتعطل فائدة ما جعله له من قوة التحرك، ولما جعل للإنسان الفكرة ترك له من كل نعمة أنعمها عليه من الأعضاء ما يصلحه حينئذ بفكرته، لئلا تبطل فائدة الفكرة فيكون وجودها عبثا.

ونقل عن توفيق الحكيم أنه قال :الحركة بركة ومن جد وجد، والتواني هلكة والكسل شؤم، وكلب طائف خير من أسد رابض، ومن لم يحترف لم يعتلف، وقيل في التوراة: حرك يدك يفتح لك باب الرزق. 

والدراسات كثيرة عاجت بهذا الموضوع وأغرقت مواقعنا التواصلية بكثير منها، وأصبحت وكأنها تتطرق جرس نذير إنذار قادم، ولعلنا نستطرد بعضاً منها لأننا ربما نقرأ كثيرا في التنظير حول هذا الكلام ونسمع كثيرا من يتحدث ويحاضر حول هذا الموضوع والنصائح تنهال علينا من كل جانب، ولكن هذا لم يترك أثرا جميلا في واقع حياتنا، بسبب أن سماع النصيحة نأخذ مفعولها لمدة فترة بسيطة ويعود الإنسان ليمارس مهنة الكسل من جديد، وهذا يحتم علينا أن ندّعم بحوارنا هذا جزءً بسيطاً من الدراسات العلمية العالمية، فإذا لم يتجاوب عقل الإنسان بالتنظير الكلامي فربما يتجاوب بالتنظير العالمي وأول دراسة نستطردها دراسة طبية تقول أن الكسل يكلف الاقتصاد العالمي 67.5 مليار دولار سنويا، من تكاليف الرعاية الصحية والخسائر الإنتاجية، ونبهت الدراسة، وفقا لقناة "سكاي نيوز عربية" الفضائية، التي أجريت على مليون شخص، أن ممارسة التمرينات لمدة ساعة يوميا، يمكن أن تمنع الكثير من تلك الخسائر. وتوصل الباحثون إلى أن أسلوب الحياة المرتبط بالكسل يؤدى إلى زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والسرطان.

وقد أظهرت الدّراسة الثانية التي أجريت على سكان هونغ كونغ الّذين توفّوا في عمر يزيد على 35 عاماً، العام 1998، أنّ عدم القيام بأيّ نشاط بدنيّ، أدّى إلى وفاة أكثر من 6400 شخص في هذا العام، مقارنةً مع أكثر من 5700 شخص توفّوا بسبب التدخين.

الأرقام والإحصائيات الّتي وصلت إليها الدّراسة، لم تمر مرور الكرام على القائمين عليها، إذ فتحت الباب على مصراعيه لدراساتٍ لاحقة عن ظاهرة الكسل، ولا سيّما بعد أن أوضح أقارب نحو 25% من مجموع الوفيّات الّتي حدثت لأشخاص في هونغ كونغ بعد سنّ 35 عاماً، أن أقاربهم المتوفّين لم يقوموا بأيّة نشاطات بدنيّة خلال العقد الّذي سبق وفاتهم. ويقصد بالنّشاط البدني، أيّ شكل من أشكال النّشاط أو التّمرين الّذي يتمّ خارج العمل.

من هذه الدراسات التي هي من بين الآلاف من الدراسات حول هذا الموضوع وكلها محاولة إيجاد علاج لهذه الكارثة إننا نحن كأمة إسلامية امتاز فيه ديننا في الحث على العمل ومحاولة السعي فنحن نقول في الحركة بركة في ألسنتنا ولكننا لم نطبق هذا الحكمة على أجسامنا.  

حَيثُ سَأَلني أَحدُهم: لماذا تُحبّ المَشي، فقُلت: أُحبُّ المَشيَ امتِثَالاً لقَول المَولَى -جَلَّ عزوجل-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ).."سورة الملك".

أَكثَر مِن ذَلك كما قلنا سابقا، يُقَال: إنَّ فِي الحَرَكَةِ بَرَكَة، وهَذا المَعنَى التَقطَه أَحَد الفَلَاسِفَة، قَائِلاً: (المَفروض عَلَى كُلِّ إنسَان أَنْ يَمشِي، لأنَّ مَن وَقفَ مَات مِن الجُوع)..!

وللمَشي فَوائِد عِدَّة، مِنهَا مَا يَتعلَّق بالنَّاحية الصِّحيَّة، ومِنهَا مَا يَتعلَّق بالنَّاحِيَة الفِكريَّة، لِذَلك دَعونَا نَتأمَّل حِكمة الفَيلسوف «كارليل» حِينَ قَال: (لَيس المَشي جيّداً للجِسم فحَسْب، إنَّه جيّد للذِّهن أَيضاً).. لِذَلك أَتعجّب مِن الذين يَهجرون المَشي؛ وهُم بكَامل قُوَاهُم البَدنيَّة.. فإذَا لَم يَمشوا وهُم أَصحّاء، فمَتَى سيَمشُون؟، وهَذا السُّؤَال أَجَاب عَنه الفَيلسُوف «جاراتسي» قَائِلاً: (إذَا لَم تَمشِ وأَنتَ صَحيحُ الجِسم، وَفيرُ العَافية، فسيَأتي يَومٌ تَمشي فِيهِ وأَنتَ عَليل)..

ومن أهمّ بوادر الكسل، كثرة النوم والأكل وقلّة الحركة، إضافةً إلى أنّ التّكنولوجيا الحديثة قد شجّعت على قلّه الحركة، فأصبحنا الآن نستخدم جهاز التحكّم عن بعد للتلفاز والعديد من الأجهزة السمعيّة والبصريّة والكمبيوتر الخاصّ، إضافةً إلى تناول الوجبات السّريعة، كما أنّنا الآن نعتمد على السيّارة في جميع حالاتنا والتوازن بين هذه الأمور تحتاج إلى تنظيم وقتاً للرياضة بكافة أشكالها حتى نكون قد حققنا وعالجنا مرضاً يتولد منه أمراضاً مستقبلية نتائجها في تنادي بخطرٍ محدقٍ جسيم. 

ومن دعائه عليه الصلاة والسلام "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". كم هو مؤلم ومؤسف أن تكون أمة "وقل اعملوا.." هي الأكثر بطالة وعطالة بين الأمم!