انطلاقًا من لا شيء

منذ فترة عبّرتُ عن نيتي في كتاَبة مدوّنة عن "تعدد الزوجات"على مواقع التواصل الاجتماعي، حينها تباينت ردود الأفعال بين مازحٍ وجاد، وبين رسائل تدعوني للموضوعية، وأخرى تأمل أن ألقي الضوء على معاناة الزوجات، وأيضًا تلقيت رسائل تذكّرني بشرع الله عز وجل؛ وهو بالنسبة لي أمر لا يحتاج لتذكيرٍ أبدًا، وليس محل مناقشة مني على الإطلاق. 
وبين الرسائل والتعليقات الواردة التي أشكر الجميع عليها، كان تعليق أخي محمود أبو النيل الذي كان نقطة إضاءة نوعية حيث قال: 
If you can come from nothing writing this, you should be fine، بمعنى أنني سيكون طرحي بخير إذا استطعت أن أبدأ الكتابة من نقطة الصفر انطلاقًا من لا شيء، وليس انطلاقًا من خلفية ثقافية أو مشاعر شخصية، أو تحيزات وضغوط وجدانية من أي نوع، وهذه النقطة الهامة جعلتني أوسّع دائرة انطلاقي أملاً في تلك الموضوعية، وتفاجئت عندما تحوّل موضوع اهتمامي من "التعدد" إلى تناول الكثير من المواضيع الشائكة حول الإسلام بشكل مُختصر، لعلي أضيف بعض الإضاءات التي أجدها هامة في السجال الدائر في أوساط الشرق والغرب. 

حقول ألغام 

هناك الكثير من حقول الألغام التي يتجنب الكثيرون التطرق إليها، تعدد الزوجات أحدها، ومنها أيضًا الزواج المبكر وفارق السن عمومًا في الزواج، وعدم زواج المسلمة من غير مسلم، وتحريم المثلية الجنسية، وتحريم العلاقات خارج إطار الزواج، وقوامة الرجل على المرأة، ونظام المواريث، بل وأود أن أضيف أيضًا الطلاق إلى هذه القائمة.
 

هناك كثير من الاستهجان بل والاشمئزاز الغربي والذي انتقل إلى الشرق أيضًا، وتبنته الجهات الحقوقية، والنسوية، وأصبحت تلك المواضيع أيضًا السلاح الذي يستخدمه الملحدون، والمشككون في الإسلام والكارهون له بشكلٍ عام، وأصبحت تلك المواضيع ثغرات إيمانية في عقيدة البعض، يتجنبون التفكير فيها خشية أن يفقدوا إيمانهم، لذلك نحتاج لتناول هذه المواضيع بأساليب متجددة دومًا حسب زاوية رؤية كل مهتم بالتأطير الفكري لتلك المواضيع الشائكة. 

إباحة إسلامية في ظل استنكار الشرق والغرب

ربما نحتاج إلى أن نوسّع دائرة الرؤية لندرك المقاصد خلف الإباحة والتحريم في الإسلام، ونظرتنا إلى تعدد الزوجات يصعب أن تكتمل بدون فهم كيف يتناول الإسلام العلاقات الاجتماعية الأخرى؟ فكل الأمور متصلة، ولَنفهم التعدد نحتاج لفهم موضوع إباحة الزواج المبكر، وتحريم المثلية الجنسية، وغيرها من المواضيع التي ذكرناها منذ قليل. 
ما أفهمه من دراسة تلك المُباحات هو أن الله عز وجل يبيح لنا ما تستقيم عليه حياتنا، وذلك مراعاةً لقدراتنا واحتياجاتنا ومشاعرنا ووَاقعنا الحياتي، ثم يضع ضوابط له كي لا نسرف ولا نظلم ولا نحوّل حياتنا وحياة الآخرين إلى جحيم.
 فلننظر سريعًا لبعض المباحات الشائكة؛ بل ولنلقِ نظرة أيضًا على بعض المحرّمات كتحريم زواج المسلمة من غير المسلم، وتحريم المثلية الجنسية وغيرها مما تقدّم ذكره، تلك الأمور تضع المسلمين في خانة الدفاع عن النفس أمام الثقافات الأخرى، بل ومن تحت المظلة الإسلامية أيضًا حيث تُشَكِكْ بعض المسلمين في عدالة دينهم، يساعدنا تناول هذه الأمور بعقلانية على فهم الصورة الكلية لوجه الإسلام الصحيح، وعلى الاطمئنان لحكمته في الأمور التفصيلية أيضًا. 

تعريف الزواج وفق الشريعة الإسلامية
 

وهو ارتباط رجل وامرأة (ليسوا بمحارم) ناضجين عاقلين وبتراضي وقبول وإشهار وحقوق وواجبات محددة، ينفي هذا صفة الزواج عن الارتباط القانوني للمثليين جنسيًا وأي سخافات نسمع عنها، أو قد تقرّها الدول في المستقبل بشكل قانوني كزَواج سيدة من كلبها الذي وجدته أكثر وفاءًا من البشر، وكَزاوج المحارم الذي هو قانوني في بعض الدول، يجنّبنا هذا الكثير من الهراء والعبثية وإهدار الجهد الفكري في جدال حول الكثير من الأمور. 
مثلاً عند مطالبة المسلمين بقبول المثلية الجنسية، هذا ليس حدثًا فرديًا، بل ينبغي أن يُنظر إليه في سياق تغيير كل شيء في المنظومة الاجتماعية الإسلامية من تغيير لمفهوم الزواج، والميراث، والقوامة، والإنفاق، والطلاق، والحضانة، وكل شيء متَعلق بالأسرة. 

فيجب أن نتمسّك بالتعريفات الأساسية حتى لا نُستدرج لتغيير الدين بأكمله، بكل ما لذلك من تبعات اجتماعية واقتصادية ونفسية جسيمة، بينما نحن نعتقد أننا نتعامل مع قضية واحدة شائكة. 

الزواج المبكر للمرأة والرجل

من أكبر مواطن الهجوم على الإسلام هو زواج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة رضي الله عنها وهي في سن صغيرة (تتضارب الأقوال حول السن الحقيقية بالتحديد)، وما يُخرجنا عن الإطار الفكري الصحيح هو مناقشتنا لفعل شخص محدد، والأوْلىَ أن ننظر لإباحة الزواج المبكر نفسه، نحن نحكم على مثل تلك الأمور من منظور عصرنا الحالي، وما هو واضح لنا اليوم، ولا نحكم على الحدث بمعطيات الحقبة التاريخية التي حدث فيها. 
في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان هناك قادة جيش في سن السادسة عشرة، وكان الزواج المبكّر تقليدًا طبيعيًا على ما يبدو. 
دعني أسألك، ما هي أشهر قصة حب نعرفها في التاريخ الأدبي؟ أليست قصة حب "روميو وجولييت"؟ هل تعلم أن "جولييت" كان عمرها في المسرحية 13 سنة بينما "روميو" كان عمره 16؟! لم يستنكر أحد على شكسبير أنه كتب المسرحية ونسج قصة حب وزواج وموت لبطلة في الثالثة عشرة من عمرها! وهناك تكهنات أن بعض أحداث المسرحية مأخوذة من قصة حياة ابنة شكسبير، والتي كانت في الثالثة عشرة وقت كتابته للمسرحية! أي أن الحبكة ليست خيالية كلها، والقصة تقول أن والد "جولييت" كان يخطط لتزويجها من شاب آخر قبل أن تتزوج من "روميو" في سرية بغير رغبة أهلها، وفي مثال آخر واقعي، تزوجت "ماري أنطوانيت" في عام 1770 عندما كان عمرها 15 عامًا، الشاهد هو أننا نحتاج لفهم كل حدث في سياق معطيات العصر الذي وقع فيه. 
الزواج المبكّر للمرأة والرجل على حدٍ سواء، مباحٌ في الإسلام استجابةً للطبيعة الإنسانية التي قد تتطلب العلاقات بين الجنسين في عمرٍ مبكّر، فبديِهي أن يكون هناك خيار حلال مُباح لها، ولكنه لا يعني تشجيعًا عليه ولا أن يُصبح وضعًا سائدًا في المجتمع، هو خيار لمن يود إقامة علاقات في هذا السن وتنطبق عليه شروط الأهلية للزواج، والغرب على استنكاره للزواج المبكر للفتيات، يسمح لهن وللفِتية وهم صغار السن بممارسة العلاقات بحرية، ويقدّمون لهم خدمات التوعية والخدمات الصحية الخاصة من سن صغيرة، لأنهم يعرفون أنه أمر غريزي سيحدث (في غياب الدين) شاؤوا أو أبوا، فهم يختارون التعامل معه بطريقتهم. ولكنهم يجرمون الزواج المبكر في نفس الوقت، وهم بذلك يرمون بالفتايات في علاقات غير شرعية وغير منضبطة، بحيث لا تحكمها لا ضوابط ولا حقوق ولا قوانين دولة، ويفضّلون ذلك على أن تكون الفتاة في زواج منضبط يرضى عنه الأهل وترضى عنه هي بطبيعة الحال، وتكون لها حقوق مكفولة بالعرف والقانون.
 الإحصاءات تشير إلى أن بداية النشاط الجنسي في عديد من دول الغرب يبدأ قبل سن الثالثة عشرة في بعض الأحيان، وتضطر الدولة (التي تتدخل فقط إذا كانت العلاقة بين طفل وبالغ أو كانت بعدم تراضي الطرفين)، لمواجهة المشكلات المترتبة على هذا من حمل للفتيات الصغيرات، وضرورة اتاحة الإجهاض ومشكلات نفسية وانتقال الأمراض المُعدية وغيرها من المشكلات، ولكن في النهاية، الخاسر الأكبر يكون الأطراف المشاركة في الفعل نفسه، وأسرهم المباشرة بالإضافة إلى خسارة المجتمع بالتأكيد. 

الإسلام يُدرك الطبيعة الغريزية ولا ينكرها، ولا يتجاهلها ويجعلها مباحة لمن أراد تنشيطها في سن مبكرة وهو مصر على ذلك، ولكن يقيّد تلك العلاقة بضوابط اجتماعية ويشترط لها الزواج، ويشترط في الزواج صفة الأهلية والإشهار والقبول واستطاعة الزوج على الإنفاق، والمودة والرحمة والتكافؤ؛ أي أنه يضع له من الضوابط ما يجعل من يُقْدِمُونَ عليه (إن أرادوا الالتزام بالشرع) يفكرون ألف مرة وفي الغالب سينتظرون بطبيعة الحال حتى تتوافر الظروف. 

وبالطبع لا أتحدث عن حالات إكراه الفتيات الصغيرات على الزواج، فهذا أمر مرفوض بالقطع، ولكن الإشكالية هي أن المهاجمين من الشرق والغرب، لا يهاجمون الانتهاكات في استخدام تلك الإباحة، ولا في الجرائم التي تُنتهك في حق الفتيات، بل هم يهاجمون لسبب أن الإسلام أباح الزواج المبكّر أصلاً، وهذا أمر غير منطقي وغير منصف.
 
فارق السن في الزواج بشكل عام

الإسلام لم يضع حدًا لفارق السن في الزواج بشكل عام، فالأصل هو التكافؤ والتراضي والقدرة (وعدم الإكراه)، وإذا تحققت الضوابط المطلوبة، من من حقه أن يعترض على رغبة رجل وامرأة في الزواج الحلال مرة ثانية، لا توجد مخاطر تتطلب المنع والنهي، فالإسلام سمح لهذا الزواج أن يتم ولم يشجع عليه ولم ينفّر منه، وضع الضوابط التي إن التزمت بها كل الأطراف، ارتاح الجميع، ومرة أخرى، في هذا استجابة عملية للواقع (مع عدم تحقق ضرر)، واليوم نرى مثلاً الرئيس الفرنسي "ماكرون" متزوجًا بفارق سن عن زوجته "برجيت" والتي تكبره بـ25 عامًا، وتجد ممثلات صغيرات السن من "هوليوود" غير مضطهدات بطبيعة الحال وارتَبطن بأزْواج يَكبرهن بعدة عقود، فارق السن حقًا لا يعني شيئًا ولا يضر بأحد في ظل تراضي الطرفين وأهلية كل منهما. 

الطلاق أبغض الحلال إلى الله ولكن يصبح هو الحل لبعض العلاقات

الطلاقُ مباحٌ في الإسلام رغم أنه موضع استنكار في ديانات أخرى، فهو ضرورة يعلم كلنا ما كانت ستؤول إليه حياة البعض لو لم يُحِلّه الله عز وجل، وهذا ليس فقط انقاذًا لحياة تعساء في زيجاتٍ كارثية، بل هو أيضًا يفيد ويهدي الأسر المستقرة، فالإنسان بطبعه إذا أمن، تفلّت وقد يستهين بما في يديه، لكن معرفته بأنه في زواج ينبغي أن يرعاه وأن يخلص فيه، حتى لا ينتهي بالطلاق، يعطيه حافزًا لبذل الجهد للحفاظ عليه، فهو استجابة لضرورة إنسانية لا تستقيم الحياة بدون إباحتها. 

وفي الغرب، كان الطلاق غير قانوني في دول عدة، وتدرج الأمر من منح سلطة الطلاق للرجل فقط بعد الحصول على موافقة برلمانية، إلى السماح للمرأة فيما بعد بطلب الطلاق في حالات معينة فقط كالخيانة، وعليها اثبات ذلك، إلى ما هو عليه الآن.

وحتى الآن، تظلم القوانين في كثير من تلك البلدان طرفي النزاع، بحيث تجعلهم معلقين لسنوات قبل أن تتيح لهم إمكانية تنفيذ الطلاق قانونيًا، ولولا أن الغرب أدرك استحالة عدم إباحة الطلاق واضطر لتغيير قوانينه، لكانوا الآن يلعنون الإسلام الذي يفرّق ما جمعه الله، لذلك أضيف الطلاق لقائمة المواضيع الشائكة، لأنه يضبط فهمنا لما يحله الإسلام، وينهى عنه بصورة كليّة، كما أنه يوضّح عدم رغبة المهاجمين في إنصاف الإسلام، حتى عندما يقدّم ممارسات اجتماعية تًصلح الشأن الخاص والعام والتي ثبت خطأهم هم بشأنها. 

تحريم زواج المسلمة بغير المسلم

المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج من غير المسلم، بينما المسلم يمكن أن يتزوج من الكتابية، وبالتأكيد نتساءل لماذا؟ 
حسنًا، طالما ليس هناك نصٌ شرعي يوضّح سبب الحكم الشرعي، لا ينبغي إلصاق أسباب جامدة وثابتة على الحكم واعتبارها هي الأسباب الوحيدة لوجوده، فمن علامات تعظيم الأمر والنهي كما قال ابن قيّم الجوزية هي "ألا يُحمل الأمر والنهي على علّة توهن الانقياد"، ويعني هذا أن نطيع الأمر وننتهي عن النهي بدون أن نلصق به علّة أو سببا، حتى لا يأتي وقتٌ تنتفي فيه العلّة فتوهن وتُضعف انقيادنَا للأمر والنهي.
 مثلاً، إذا قلنا أن سبب أو علّة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم هو أن الأب في الغالب يؤثر على هوية الأبناء، ويمكن أن يؤدي هذا إلى أن يصبحوا على دين غير الإسلام، فماذا إذا انتفت العلّة؟ ماذا إذا قرر الرجل والمرأة عدم الإنجاب أصلاً؟ أو استحال الانجاب لمشكلات صحية مؤكدة؟ هل في هذه الحالة يجوز زواج المسلمة بغير المسلم؟ وماذا عن الواقع الذي يثبت أن دور الأم في التربية الدينية، أهم من دور الأب لتواجدها المستمر مع الطفل؟ هل حينها سنحرّم زواج المسلم من الكتابية؟ 
نحتاج إذًا أن نتوقف عن إلصاق أسباب وعلل بالأحْكام طالما ليس هناك نص صريح في سبب الحكم، ولكن ينبغي أن نتدبر بالطبع في الحكمة، بدون أن نؤكد بيقين أنها السبب الوحيد للأمر أو النهي، يمكن أن نفكر في الأمر من زاوية أخرى، وهي أن المرأة لها حقوق في الإسلام لا تكفلها لها الديانات الأخرى، لها حقوق من ناحية الإنفاق والرعاية، والستر والحماية وعدم إدخال الرجال الغرباء عليها، وضوابط العشرة والنفقة والرضاعة والطلاق والميراث وغيرها من القوانين الحامية لحقوقها ولحُقوق أبنائها. وبالتالي، لا يُؤَمَنْ عليها مع غير المسلم، وغير المحتكم لتعاليم دينها الراعية لحقوقها تلك، بينما الرجل ليس لديه كل تلك الحقوق، ولا يُخْشَى عليه من بطش طرف أقوى وغير مُحْتَكِم لشريعته عليه، بل والمسلم الذي يتزوج من كتابية، يتعامل بقانونه الذي هو أعلى في المعايير، ويعاملها وفقًا لأخلاقيات عليا، ويعطيها حقوق ربما أكثر مما تتوقع، وبالتالي ليس هناك ضرر متحقق عليها كإمرأة. قد يكون هذا أحد الأحكام المتضمنة في التحريم. وعندما ننظر للأمر من هذا المنظور، لا نرى فيه ظلم للمرأة، بل هو حماية وحفظ لها (أيًا كانت ديانتها) لكونها تتطلب الكثير من الحقوق التي لا يتطلبها الرجل. 

تحريم العلاقات بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج

الله عز وجل لم يترك شيئًا يمكن أن يثير مشكلات إلا وحسمه لنا فيما يتعلّق بالعلاقات والتعاملات، والأساس هو أن يكون هناك توصيف لكل شىء، مثلاً، العلاقة بين الرجل والمرأة هي إما علاقة محارم أو غير محارم. 
المحارم لهم قوانين في التعامل، وغير المحارم لهم قوانين كذلك، ليس هناك مساحة رمادية، فعَلاقة المرأة بالرجل غير المَحْرم، إما علاقة رسمية عامة أو علاقة زواج. ليس هناك بين بين. وكل العلاقات في الإسلام لها قوانين تحكمها بين السيد والخادم، وبين الدائن والمدين، وبين الزوج والزوجة، وبين المطلق والمطلّقة، وبين اليتيم وكَافله، وهكذا، ومع كل توصيف تأتي سلسلة من القوانين. 
كل العلاقات محكومة بقوانين وحقوق وواجبات، وليس هناك علاقة خارج إطار زواج بين الرجل والمرأة، وإن وجدت فهي حالة رمادية ليس لها حقوق وواجبات ومسؤولية، وكل العلاقات في الإسلام وكل نظام ناجح في العالم، يتم تأطيره بتوصيف وبمَسؤولويات محددة مُوكلة للأطراف المعنية، وبِمقاييس حساب في حال التقصير في تلك المسؤوليات، ولا تهلك الدول وتفسد إلا عندما لا نعرف من نحاسب؟ وعلى ماذا تحاسب في كل موقف؟ 
طبعًا نحتاج أن نضع في الحسبان النتائج السلبية التي نراها من تعدد العلاقات خارج إطار الزواج بحرية كاملة بدون توثيق ولا حقوق ولا واجبات.

 من أين أبدأ؟ 

  • نبدأ بهروب الأبناء والبنات من أسرهم طلبًا لتلك الحرية الجنسية، مما يحتم عليهم استقلالهم المبكر بحياتهم، وعدم إكمَالهم مراحل التعليم الثانوي والجامعي بسبب ضرورة كسبهم للعيش من أجل دعم استقلالهم المادي عن أسرهم، في الغالب يرافق ذلك مشكلات مع الأهل الذين ينصحون الأبناء بالتحلي بالحكمة، وقد يعترضون على اختياراتهم، فتبدأ الجفوة وقد يصل الأمر لقطع العلاقات، فيجد المراهق أو المراهقة أنفسهم بدون أي مصدر دعم نفسي ووجداني، ومن هؤلاء طبعًا من يقع في الأيدي الخطأ وينحرف لصالح دوائر الإدمان والجريمة. 
  • ثم أتحدث عن عدم وجود واجبات ولا حقوق واضحة فتكثر الخلافات، وقد يكون هناك عنف جسدي مصاحب لتلك الخلافات، ثم تأتي الأمراض المعدية أو الحمل المبكر والذي يدمر حياة المرأة تماما ويدفعها إما للإجهاض أو الاحتفاظ بالجنين وتنشئة الطفل وحده، يمكنكم البحث عن أرقام العائل الواحد single moms في الدول الغربية، وبالطبع يأتي هذا بكل أنواع المشاكل لهذا الجيل الجديد الناشئ تحت تلك الظروف. 
  • ثم تأتي مشكلة اختلاط الأنساب ووجود عدد كبير من الأباء لا يعرفون أن لديهم أبناء أصلاً، وأبناء لا يعرفون من هم آباؤهم! القائمة تطول من الآثار التي تضع بالكثير من الأعباء على الدول وأنظمتها وبرامجها، بمعاينة تلك النتائج، ربما لا نحتاج للدين كي يخبرنا أن تلك هي ممارسات خاطئة. 
قوامة الرجل على المرأة

طبعًا تم قتل هذا الموضوع بحثًا، وتم توضيح معنى القوامة للرجل وتضمنها لمعنى المسؤولية والرعاية والقيام بالواجبات نحو المرأة، ولكننا لا نغفل ضرورة طاعة المرأة لزوجها في الإسلام ما لم يأمر بمنكر. فأود أن أعالج تلك النقطة كما أراها من زاويتي، أود أن أعود لموضوع الأدوار والمُسميات والحقوق والواجبات التي عرضتها في النقطة السابقة. 
فكّر في الأمر من منظور إدارة الموارد البشرية! هناك قانون يحكم العلاقات بين الموظفين، وبين المدير والموظفين، وبين الأقسام المتنوعة الأخرى، وهناك سياسات للشركة يتم الاحتكام إليها لفض النزاعات، وإذا كان من اللازم تكوين فريق، تكون أول خطوة هي تعيين قائد للفريق، وكل مهمة لها قائد يُسأل عنها.

إن المساءلة والحساب هي جزء أساسي في المنظومة الإسلامية، وفي أي منظومة ناجحة، ومع المُساءلة يجب أن تكون هناك توصيفات دقيقة للأدوار المطلوبة من الأفراد، وواجبات واضحة وصلاحيات، وإلا لم يكن من الإنصاف أن نسألهم عنها ونُحاسبهم عليها. 

وفي العلاقة بين الزوج والزوجة، أُسندت مسؤولية المحاسبة العامة إلى الرجل، ربما لما عليه من واجبات كثيرة ليست على المرأة، من إنفاق وحماية ورعاية، ويجب أن تكون لديه الصلاحيات لتحقيق ذلك، والمرأة مسؤولة أيضًا فيما هو موكل إليها من مهام. 
وكما في الشركات الناجحة، يجب أن يكون هناك صانع قرار واحد بعد التشاور وأخذ كل المعطيات في الاعتبار، نفس الشيئ في الأسرة، يتعاون الزوجان ويتَشاوران في الأمور ويتَراضيان إذا كان هناك خلاف أو ما شابه، ولكن عند اختلاف رغبتهما خصوصًا في الأمور الهامة، يجب أن يكون هناك صانع قرار؛ وهو الرجل في هذه الحالة، يبدو لي جليًا أنه أمر بديهي حقًا من ناحية إدارية بحتة، وطبعًا لابد من أن تُغلف كل الأمور بالمودة والرحمة والتراضي، وتقع على المرأة مسؤولية اختيار الزوج الصالح لها، والذي تثق فيه وترتضي طريقة تفكيره وتعامله منذ البداية، أما إذا تحوّل الأمر لتحَدي ولإِثبات قوة، وفرض سيطرة، فهذا أمر لا أعتقد أنه من الإسلام في شىء. 

هناك دومًا ضوابط

هناك دومًا ضوابط مع كل مباح حتى الطعام المُباح، فلننظر إلى بعض الآيات التي تقدّم المُباح ثم تضبطه فورًا بضوابط: يقول الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الأعراف الآية:31]. ويقول في آية أخرى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [سورة البقرة الآية:60]. ويقول في موضع آخر: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) [سورة الإسراء الآية: 33]

وفيما يتعلّق بالتعدد، يقول تعالى:

(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [سورة النساء الآية: 3].

ويوجهنا في موضعٍ آخر بقوله:

(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [سورة النساء الآية: 129]. 
إذًا وضع الضوابط يرتقي بكل الممارسات إلى حدٍ يجعلنا نستنكر حقًا ما يقوم به الكثير من الناس من استهانة بعقوبة المخالفين لتلك الضوابط! وسنأتي لذلك لاحقًا بإذن الله.

إباحة التعدد للرجل في الإسلام لكن بضوابط

كما رأينا من الأمثلة المتقدمة، الأصل في الإسلام الإباحة، وإنما يكون المنع لتحقق الضرر الجسمي وليس فقط الضرر النفسي، بل الخطر الذي يهدد الحياة والحقوق أيضا، لذلك المرأة غير مُباح لها تعدد الأزواج. ربما لا نحيط بالحكمة الكاملة من ذلك، ولكن من البديهي أن ندرك أحد أوجه هذه الحكمة، ونقلق بشأن اختلاط الأنساب لأنها هي المخلوقة المعنية بالحمل والإنجاب، فتقع عليها مسؤولية الالتزام بمعايير أعلى وبِقيود أكثر، فهي مسؤولة عن مستقبل البشرية. 
التعدد قد يكون ضرورة في حالات معروفة ولسنا بصدد عرضها الآن، وهو ليس لإتاحة المزيد من الزوجات للرجل، بل هو تقييد لما كان سائدًا وشائعًا من قبل الإسلام حينما كان يمكن أن يكون للرجل عشرات الزوجات، وهو يتقيّد بضوابط التراضي والعدل بين الزوجتين أو الزوجات، وللزوجة الأولى خيار تجاهه أيضًا، وهو يحمل من التكليف للرجل ما يمكن أن يثنيه عن اتخاذ قرار التعدد إذا أراد أن يتقي الله عز وجل، وألا يقع في الظلم، وإذا أراد ألاّ يأتي يوم القيامة وشقّه مائل. 

ليس هناك دليلاً على قدرة المرأة على التحمّل، ولا قدرة الرجل على حب أكثر من أمرأة

في سياق التنفير من إلصاق أسباب وعلل بالأحكام، أود أن أعلّق على عدة نقاط.: 
من الأقوال الجِدالية الشائعة لدى الرجال، هو اعتقادهم (أو قولهم عن غير اعتقاد) بأنه ما دام الله عز وجل قد أحلّ التعدد، إذًا هو أعلم بطبيعة المرأة وبِقدرتها على تحمّل هذا الوضع، وأنا لا أعتقد أبدًا أن الوضع يتعلّق بالقدرة، فالإنسان عمومًا لا يولد مستعدًا لتحمل شيء بعينه، بل أعتقد أن سعته كالبالون تتمدد أو تنكمش حسب ما يواجهه من تحديات وحسب جهاده هو لتوسِيع سعته. 
هو قد يعتقد في بداية أي تحدٍ أنه لن يستطيع خوضه، وربما يعزم على عدم خوضه فعلا لهذا السبب، ولعل لذلك يسوقنا الله عز وجل سوقًا للتحديات مدفوعين بالظروف، لأنه لو لم نُساق إليها، لما أقدمنا عليها! وعندما يجد المرء نفسه في الموقف، منا من يصمد ويعاند فتزداد سعته، ومنا من ينسحب من المضمار مبكرًا، ولا يدرك ما كان سيصل إليه من نمو وسعة إذا حاول. 
خذ على سبيل المثال من يمر بمرض عضال مزمن أو وفاة عزيز أو مصائب متتالية من أي نوع كالتَهجير القصري، أو المكوث لسنوات في مخيمات اللجوء، أو حتى من ينجب أو يهاجر، هو لم يكن يتوقع أبدًا أنه يستطيع أن يمر بكل هذا الألم. 
فالإنسان رجل كان أو أمرأة، تتسع سعته بحسب ما يُلقى إليه من معطيات، وبحسب عزمه على مواجهة تلك المعطيات من عدمه، والمرأة مثلا لا أعتقد أنها اختُصت بمهمة الحمل والولادة لأنها "أقوى من الرجل" في تحمل هذا، ولكنها وجدت نفسها مجبورة على هذه المهمة ومهيئَة لها ذهنيًا، بسبب تاريخ بشري طويل من الأمومة، فوطّنت نفسها عليها وتعاملت معها، كل ما يصاحب ويخالط الألم من سعادة، ومن النساء من تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة Postpartum Depression، فالأمر ليس سهلاً حقًا، ولا نستطيع أن نقول أن المرأة خُلقت مهيّأة لهذا، ولكنه توزيع للأدوار لاستحالة أن يكون كل من الرجل والمرأة قادرين على الإنجاب. راجع مدوّنة سبحان من قهر عباده بالحب.  
وفيما يتعلق بالتعدد، الأمر لا يختلف كثيرًا، المرأة تجد نفسها في واقع مفروض عليها، وإن كانت لها خيارات بصدده، ومن النساء من يتعاملن معه اضطرارًا، ومنهن من لا يستطعن ذلك ويطلبن الطلاق، وهنا لا ينبغي أبدًا لرجلٍ أن لا يحس بها ويمكن أن يشعر كإمرأة، أو أن يتهمها بالغل والحقد وعدم احترام شرع الله عز وجل. 
هي أدرى بسِعتها وقدرتها، أليس من الشرع أيضًا أن الزوجة الأولى يحق لها طلب الطلاق؟ لماذا لا يتحلى الرجل بالقدر الكافي من الاحترام للشرع عندما يُواجه بطلب الزوجة الأولى الذي أحلّه الله عز وجل أيضًا؟!
أرجو أن يتوقف الرجال عن وضع مبررات لتلك الاباحة، وِأن يتوقف الرجال أيضًا عن اتهام النساء بالغلّ والحقد، والعقد النفسية إذا اعترضت على زواج زوجها من ثانية، ليس عليه إلا أن يتخيل أن زوجته تعيش مع شخص آخر بينما هي زوجته وتحب شخصًا آخر، بينما تؤكد له على استمرار حبها له! 
يتخيّل هذا بكل تفاصيله، ويتخيّل إذا أحبت غيره وأرادت الزواج منه فلامه المجتمع وطلب منه الاعتناء بنفسه وانقاص وزنه وتجميل خلقته؟ بل هو ربما لا يستطيع أن يقبل ما هو أيسر من ذلك، من أن تقول له زوجته أنها تعيش معه فقط للأمان المالي أو من أجل الأبناء، هو لا يرضى قلبيًا إلا بأن تكون محبة له مخلصة وفية له راغبة فيه وحده، فما بالك بأن تقول له أنها تحب غيره ولكنها مازلت تحبه! الأمر لا يحتاج إلى عبقرية لإدراك إيذاءه النفسي للمرأة، والأمر غير متعلق بطريقة التنشئة ولا بالنظرة المجتمعية الخاطئة لتعدد الزوجات، فقد غارت أمهات المؤمنين وهن الشريفات مع خير الخلق وقَناعاتهن بالتأكيد كانت سوية. 

إن اهتمام الرجل بإمرأة أخرى يُلحق الأذى النفسي بالمرأة، ويُفقدها ثقتها بنفسها ويشعل لديها حربًا داخلية يأبى الرجل أن يراعيها أو أن يعترف بعمق أثرها، بل وقد يُمعن في قهرها وإذلالها مستغلاً النقد المجتمعي لها إذا اعترضت والاتهام لها "بالاعتراض على شرع الله عز وجل".

فلتتوقف تلك العنجهية ضد المرأة وذلك القهر المصاحب للزواج الثاني

كما أن الرجل يجب أن يكون أمينًا مع نفسه ومع الناس أيضًا، ولا داعي لإدعاءات أنه يساعد امرأة أخرى أو يعتني بها وأبنائها لوحدتها، أو لأن هذا شرع الله عز وجل. هو يريد أن يتزوج لأنه يريد أن يتزوج وكفى. ولو كان صادقًا، لوجدنا انتشار حالات كثيرة من يتزوج من ثانية لديها أبناء، ويعتني بهم وينفق عليهم، بينما هي بدينة أفقدتها المعاناة أنوثتها مثلا، بينما ما نراه في الواقع أن الزوجة الثانية في الغالب أصبى وأكثر حيوية من الزوجة الأولى، وتأتي في ظروف مادية يسيرة نسبيًا للزوج، ولا تحتاج لأن تعاني وتضحي معه في أغلب الأحيان. مما يوضّح أن معايير الاختيار في أغلب الأحوال، ليست بدوافع إنسانية منها أو منه، بل أنه عندما تكون هناك سيدة مطلّقة لديها عدد من الأبناء، يُقال لها "من الذي سيتزوجك بكل هذه الأبناء"؟! وهذا واقع في مجتمعنا الشرقي. لا أحد يتزوج مرة ثانية من باب الواجب المجتمعي، إلا من رحم ربي! الأولى إذًا تفعيل ذلك المُباح بالتراضي والعدل وفي الحالات التي تقتضيه بقدر الإمكان والتوقف عن التبرير ووضع عباءة قدسية عليه. 
كما أن الأمر ليس مفتوحًا للتفعيل بهدف الكيد للزوجة الأولى ومعاقبتها على مساويء أو نقائص، ولا هو مفتوح لخِداع الزوجة الأولى، والتعتيم على الزواج الثاني حتى يصبح أمرًا واقعًا لا حيلة لها فيه، ولا هو مفتوح لابتزازها لقبول الوضع سواء بتهديدها بضم الأبناء أو عدم الإنفاق أو استغلال أي موقف ضعف هي فيه أو تركها كالمعلّقة، أو ابتزازها للتنازل عن حقوقها مقابل الطلاق، ولا هو مجال للتنمر عليها من المجتمع ومن أقرب الناس لها، واتهامها بهدم الأسرة وتشريد الأبناء إذا اختارت الطلاق المشروع لها، والمزيد من العجائب التي نراها كل يوم! ولا هو مجال لظلم الزوجة الثانية أيضًا بإخفاء الزواج أو إجراء زواج شرعي غير مدني قانوني في الدول التي تجرّم الزواج الثاني، ناهِيكم بالطبع عن الظلم البيّن الذي تتعرض له الكثير من الزوجات بسبب الإهانات التي تلحق بهن ومقارنتها بالزوجة الثانية، وعدم التزام الزوج بذلك الشرع الذي أباح له التعدد في المقام الأول.
 
الأمر ليس حلبة مصارعة، وليس حربًا نفسية، وليس سباقًا ينبغي أن يفوز فيه أحدهم! كل تلك التكتيكات الحربية تصب المزيد من اللهيب على الجرح المحترق بالفعل لدى الزوجة الأولى، ولا يمكن أن يسمح الشرع بكل هذا الأذى للزوجة الأولى ولا للأَطفال، فمن أراد التعدد من الرجال، فعليه أن يتحمّل جميع تبعاته برقي وشجاعة ونبل. فإما أن ترضى الزوجة الأولى ويبذل قصارى جهده للعدل. وإما أن يسرحها بإحسان ويلتزم بحقوق أبنائه عليه كما أمر الشرع أيضًا، وبدون ملاحقة دورية وتذكير منها له بتلك الحقوق. 

ولكن فيما عدا ذلك المعروف والإحسان، أي حياة زوجيةٍ تلك التي تخلو من المودة والرحمة والسكينة والسلام! وما الداعي لفرض وضعٍ ما لا تقبله الزوجة الأولى والاستمرار فيه بكل ما يأتي به من أضرار على جميع الأطراف المعنية؟ فمن لديه شجاعة الزواج الثاني، يجب أن تكون لديه أخلاقياته الحاكمة إذا قبلت الزوجة الأولى، وأيضًا شجاعة الطلاق إذا أصرت الزوجة الأولى عليه. 

الحق المُطلق هو حب الله الواحد الأحد وعبادته حق العبادة

الآن بعد أن طرحت الأمر من كل هذه الزوايا، هل أنتم مستعدون للحق المُطلق؟! الحق البعيد تمامًا عن كل ما نعيشه اليوم وعمّا يطبقه أغلبنا وأنا منهم؟! الحق الذي قد يجده البعض صادمًا! حسنًا، كنت أتعجب كثيرًا من إباحة التعدد لمعرفتي بما يفعله بقلب المرأة الأولى. وكنت أتعجب أيضًا عندما أجد النبي صلى الله عليه وسلم يحث صحابيًا على الزواج فورًا بعد وفاة زوجته. كنت أتساءل عن المشاعر؟ ألا يحزن الرجل لفراق زوجته؟ ألا ينبغي له أن يأخذ وقتًا في الوفاء لذكراها قبل أن يفكر في الزواج مجددًا؟! ولكن اعتدلت تساؤلاتي عندما فهمت بعضًا من الحق الذي ينبغي أن نتواصى به ونصبر عليه. 
الحق هو أننا خُلقنا لعبادة الله جل جلاله، وأن كل تلك المهاترات تبعدنا تمامًا عن مقصدنا الحقيقي، ووجهتنا الأصلية! الحق هو أن ذلك القلب بداخلي وبداخلك لا ينبغي أن يتعلّق إلا بالله عز وجل في المقام الأول، وأن كل حبٍ آخر فيه يجب أن يكون هونًا وبِإعتدال، الحق هو أن كل ما أتاحَه الله عز وجل لنا من نعم من أزواج وأبناء هي اختبارات وفتن لتكشف عن معدننا الأصلي في التعامل والالتزام بالأوامر والنواهي. 

الحق أن الحب والزواج هي منح إلهية لتوفير السكينة والسلام، والدعم لنا أيضًا حتى نستعين بها على الحياة الطيبة، وتعيننا على العبادة والسير معًا نحو هدفنا لجنة الآخرة، حيث الحياة الحقيقية، وليس حلبة مصارعة وثقب أسود يمتص الحيوية، ويستنزف الحياة منا ويسرق البريق.
 

إذا فهمنا ذلك، حينها سنفهم المنظومة الواقعية العقلانية العملية التي وضعها الله عز وجل لضبط العلاقات.. كل العلاقات، ولتَهذيب الرغبات الإنسانية وتوجيهها ومنعها من إفساد الحياة، وسَننظر للمنظومة الكاملة وليس لحدث واحد أو أمر أو نهي واحد، حينها سنفهم منظومة الواجبات والحقوق التي تأتي مع التعريفات لأنواع العلاقات، ونفهم ضرورة التقيّد بالأمر والنهي حتى تستقيم الحياة.
إلى هذا الحين، فلنحاول أن نكون جميعنا رجالاً ونساءً مصدرًا للسلام والطمأنينة بسم الله السلام المؤمن وأن نعيش الحياة بسم الله الودود الرحيم، وأن نخشى الحق العدل الحكم الحسيب الرقيب سبحانه في كل قولٍ وفعل، وعلى الله قصد السبيل.