أيُ سنة هذه التي مرت علينا ولم تنته آثارها في الحقيقة؟! غيرت جميع خططنا وطريقة عملنا، علمتنا الكثير عن أنفسنا وعن رغباتنا عن قيمنا، وعلمتنا عن صحتنا وعلاقاتنا وأموالنا أيضًا. 

سنعرض الدروس التي علمتها لنا سنة 2020، ليس من أجل التأمل في الماضي وإنما من أجل الاستفادة من دروسه، ومن أجل استشراف وإعادة ترتيب أمورنا في المستقبل، ولذلك سأدمج بين تحليل الماضي واستشراف المُستقبل لأن تحليل الماضي وحده لا قيمة له إن لم يكن معه استشراف للمستقبل.

  1. دروسٌ علمية وصحيّة
  2. دروسُ في الإدارة والقيادة
  3. دروس مالية
  4. دروس للحياة وإدارة الأعمال
  5. دروسٌ ختامية 
«عامٌ يدخل التاريخ».. بدروسٍ لم يتوقعها أحد! 

في نهاية 2019 وكعادة الناس كانوا يُهنئون بعضهم بعام 2020 فلم يعلموا بأنّ السنة ستكون فيها هذه الكوارث والتغييرات، وقد كانت هناك عادة غربية جميلة أُشجع عليها وهي أن يضع الإنسان إلتزامات تجاه نفسه، فمثلاً هناك يلتزم مع نفسه أنه في هذه السنة سيتوقف عن التدخين، أو أنه سيتواصل مع أشخاص لم يتواصل معهم منذ فترة وهكذا، وفي نهاية 2019 وضع الكثير من الناس هذه الإلتزامات والوعود، وجاء عام 2020 وغير كل شيء، حتى أعمالنا طرأت عليها الكثير من التغيُرات الجذرية التي لم تمر علينا منذ سنين طويلة جدًا..

يقولون أن عام 2020 سيدخل التاريخ وهو فعلاً سيدخل، لأن كل الأرقام التي فيه أرقام متغيرة، أرقام الصحة والمال وحتى البشر الذين أُصيبوا وغيرهم الكثير، لذلك أهنئكم بهذا العام الجديد وإن كانت التهنئة بالعام الهجري هي الأولى.

 الهدف من هذه التهنئة هو التسلح بدروس 2020 التي لم يتوقعها أحد، قد يتوقع بعض الناس حدوث أمور مثل هذه، لكن لم يتوقع أحد حجم التأثير الذي أجرته 2020 وبإجماع المؤرخين.

 كما طالت يد التغييرات عالم السياسة وفي الإقتصاد والصحة والعلاقات الإجتماعية، حدثت تغييرات هائلة، كما حدثت تغييرات صغيرة، حتى في طريقة سلامنا على بعضنا، فجميع التغييرات لم يتوقعها أحد كما ذكرت

ولكن الذي حدث أن بعضنا كان أسرع في تفاعله مع هذا التغيير، وأولئك من استطاعوا أن ينجو أو يكسبوا، ومع الأسف هناك أشخاص إلى هذه اللحظة لم يتفاعلوا، ولا أعلم ماذا ينتظرون! سنتعلم هذه الدروس لأن الأوقات الصعبة تُعطينا دروساً صعبة، وتعطينا في نفس الوقت نمواً هائلاً في أنفسنا، وفي إعادة النظر في خططنا، كما تُعطينا فرصًا نادرةً للتعلم.

1-دروس علمية وصحية

«نحو تعاونٍ عالميّ وتعلم غير منقطعٍ» فايروس صغير يقلب العلم والعالم كله 

إنّ أي أمرٍ يحدث في مكان ما في العالم يُؤثر على كل العالم، فايروس صغير يظهر في أوهان الصينية يقلب العالم كله، وبدأ التعاون العالمي اليوم لإيجاد لقاح لهذا المرض، فنجد أن من أوائل من اكتشفه هم مجموعة تعاونية بين العديد من الشركات من دول مختلفة، فهذه شركة لديها القدرة على الإكتشاف لكنها تفتقر القدرة على إنتاج كميات كبيرة من اللقاح، وهذه شركة أخرى لديها القدرة على الإنتاج ولكن ليس لديها القدرة على الإكتشاف، ولذلك تجد في كثير من اللقاحات اسمين لشركتين ربما من دولتين مختلفتين، إذًا فهذا التعاون العالمي غيّر العالم وغير العلم.

في الحقيقة سرعة إكتشاف اللقاح جعلت البعض يستغرب هل هذا ممكن فعلاً، والقصد أن هذا التغيير الذي جرى وهذه المصيبة الهائلة التي ألمت بالبشرية جعلت العالم أجمع يتعاون لمواجهتها، وهذا التعاون العالمي هو بداية حقبة جديدة في التاريخ يجب أن نفهمها وأن الدنيا ستتغير تغيرا جذريا ويبدأ العالم يعمل بصورة جماعية، أما الدول التي انعزلت وحاولت أن تعمل وحدها هي التي خسرت.

أيضاً عندما بدأ إنتشار هذا المرض وبدأت المعلومات ومحاولات إختراع اللقاح، وبدأت أقرأ اكتشفت حجم جهلي، وكلما تعمقت أكثر عرفت أن الذي أجهله يزداد أكثر.

 اكتشاف الإنسان لجهله هو بداية التعلم لأن الإنسان إذا كان يظن أنه يعلم ففي هذه الحالة لن يتعلم ولن يحرص على البحث عن وسائلٍ للتعلم.

فهذه من المسائل التي تعلمتها، أن العلم ما زال يتوسع وما زلنا نحن كبشر نتعلم وأنا كإنسان كلما زاد علمي اكتشفت حجم جهلي وفوق كل ذي علم عليم، والعليم هو الله سبحانه وتعالى.

«الغباء العام وافتراض المؤامرة».. ماذا إن لم نستسلم للأوهام؟ 

علمتني 2020 في هذا الجانب، أنّ الإبداع لابد أن يكون مرناً فالمبدعون مرنون فاعلون، والأشخاص الذين اعترضوا على هذا اللقاح أو الذين وصفوا هذا الأمر على أنه مؤامرة، كيف يقترحون أن يتم حل هذه الأزمة أو كيفية مواجهتها؟

 نحن نرى أشخاصاً من حولنا يُصابون ويموتون يومياً، وما زال الكثيرون يعيشون في هذا، اكتشفت في الحقيقة عدم المنطقية وعدم العلمية والغباء العام ـ عذراً على التعبيرـ.

 فكثير من الأشخاص يعيش في عالم خاص به ونظريات ومؤامرات، إذا افترضنا أنها مؤامرة هي الآن تحدث ونحن نراها فكيف تواجهها؟ إن الأمر يتطلب المنطق والعلمية لعلاجه، دعونا من الحديث عن المؤامرة ومن خلفها والتجارة، المهم هو كيف نعالجها؟

لذلك من المهم جداً أن يتذكر الفرد أن هذه الصحة ثروة من الله سبحانه وتعالى ويجب علينا أن نشكرها، وقد عرفت قيمتها أكثر في الفترة الماضية وندعو الله أن يُعيننا على أن نقوم بواجبنا تجاهها، وكذلك أدعوكم جميعاً أن لا تتوقفوا عن التعلم ولا تتقفوا عن المنطقية وعن تعلم المهارات وحاربوا معنا نظرية المؤامرة فإنها لا معنى لها ولا فائدة تُرجى منها.

تناقشت في أحد المرات مع شخص كان يقول أن اليهود خلف كل شيء وأمريكا أيضاً وما إلى ذلك، فقلت له: إذاً ما رأيك أن نستسلم لأن حجم المؤامرة كبير وهم يُخططوا لكل شيء؟ فقال: لا يجب أن نستسلم، إذا كان علينا ألا نستسلم فهيا نعمل، ونفس الأمر هنا دعونا نواجهها ونضع علاجاً وحلاً لهذه المسألة، فإتهامها بأنها مؤامرة لن يُعالجها.

بمواصلة الحديث حول الجانب العلمي، هناك مبدأ رئيسي جداً ألا وهو لا تُفتي فيما تجهل، فقط بهذه البساطة، يعني أحياناً يسألني أشخاص ما هو العلاج؟ فأقول أنا لست بطبيب اسأل الأطباء فهذه المسألة هم من يعرفونها.

موقفي واضح جداً، أرى المراجع العلمية المتخصصة في هذا المجال، وهنا نتحدث عن المنظمات العالمية والجامعات العالمية ما هو موقفها؟ راجعتها جميعها وأجمعوا على أنها ليست مؤامرة وأنّ اللقاح فعال، إذاً أنا سآخذ اللقاح، ولا دخل لي بالدراسات والآراء الصادرة من جهات غير رسمية.

فمثلاً إذا أصيب شخص بمرض ما وذهب للطبيب وأخبره أنه مصاب بمرض ما ومن ثم ذهب إلى طبيب آخر فأخبره أنه مُصاب بمرض مُغاير، فأيهما سيأخذ برأيه؟ بالتأكيد سيأخذ برأي الأعلم الذي لديه خبرة أكثر وشهادات أعلى وهكذا، بالضبط هذا هو نفس المبدأ هنا يجب الأخذ برأي الدراسات العالمية وليس الدراسات الإستثائية.

أختم الجانب العلمي برجاء للجميع تعاملوا مع العلم كعلم، إياكم من نظريات المؤامرة وإياكم وهذه الأوهام هذه ونصيحة لله حتى تنتهي البشرية من هذه المشكلة دعونا جميع نأخذ اللقاح.

 توجد دراسات تُشير إلى أن 41 % من العالم العربي يرفضون أخذ اللقاح بينما الحوجة الكلية لتُصبح لدينا المناعة المطلوبة هي بنسبة 70%، فإذا ظل هولاء الرافضون على حالهم لن ينفع اللقاح البقية وسيظل الوباء منتشراً، لذلك تعاملوا مع العلم كعلم وخذوه من الجهات الأعلى وإياكم من نظريات المؤامرة.

2-دروس إدارية وقيادية

«التَكيُف يصنع النجاح والتردد في تصدير القرارات يؤدي للانهيار»

هذا الجانب أفقه فيه قليلاً فدعوني أتوسع فيه، عندنا مبدأ رئيسي جداً في علم القيادة يقول: القيادة تبرز عند الغموض، فعندما تكون جميع الأمور واضحة أي شخص يستطيع أن يُدير الأمور ولكن عندما تكون الأمور غامضة مثل الآن، عندما بدأت هذه التغييرات تحدث فالذي تكيف هو الذي نجى، مثلاً الموظف الذي يفهم قضية واحدة فقط تم الاستغناء عنه.

 ولذلك أحب أن أؤكد على المستوى الفردي ثابت اليوم أن أفضل الموظفين والمدراء هم الخبراء متعددوا المواهب، أي كونوا خُبراء في مجال مُعين أياً كان ولكن لا تكتفوا بهذا المجال وإنما حاولوا أن تتعلموا عدة مهارات بحيث أن إذا اضطررتم في يوم من الأيام أن تنتقلوا للمهارات الأخرى وأيضاً إذا تمت ترقيتكم أيضاً ستنفعكم جميع هذه المهارات المتعددة. إذا ثابت اليوم هو أن التكيف هو الذي يصنع النجاح وأن القائد الفعال هو الذي يحمل الراية وقت الغموض.

أعرف بعض الأشخاص عندما صارت هذه الأزمة إلى الآن لم يتخذوا قرارات وما زالوا مترددين، وآخرين خلال شهرين من الأزمة قاموا بتصدير قرارات بالإنتقال إلى العمل عن بعد والإستغناء عن ايجار أماكن العمل، والعديد من القرارت الرئيسية أصدرها هؤلاء واستطاعوا بناءً عليها أن ينجوا وينجحوا، كما رأينا شركات عملاقة انهارت وأشخاص آخرين حققوا الملايين. 

لدينا مبدأ في الإدارة وفي الحياة ككل يقول: المِحن تصنعُ المنح، هناك بعد الأشخاص عندما تحدث المحن ينهارون مباشرة وبعضهم يبدأ مباشرة في التفكير أين المنحة التي في هذه المحنة وأين الفرصة؟

 لذلك استطاع بعض الناس أن يحققوا الملايين، خذوا مثلاً شركة آبل التي أخذت 40 سنة حتى وصلت إلى قيمة ترليون، بينما في 2020 فقط استطاعت أن تحقق ترليون آخر، وكذاك أمازون وغيرها الكثير استطاعوا فوراً أن يتكيفوا ويستفيدوا من هذه المحنة.

       إيرادات خدمات Apple تصل إلى أعلى مستوياتها سنة 2020م. 

من الأشياء التي أنصح بها بشدة أيضاً هي تعلم الإبداع، الإبداع قابل للتعلم فبعد توفيق الله سبحانه وتعالى نجد أن الإبداع هو سبب نجاة الكثيرين الذين استطاعوا أن يتكيفوا، فالتكيف هو ليس فقط الاستغناء عن بعض الموظفين أو تغيير موقع العمل، بل هو أن تفعل أمراً مختلفاً فكروا بهذا الإبداع الجديد الذي لم يحدث مسبقاً.

 من الثابت علمياً في علم الإبداع أن الهدوء يُشعل الإبداع، ولذلك في 2020 خاصة عند الحظر الكلي بعض الأشخاص بدأ بالتذمر وأصيب بالإكتئاب والبعض الآخر استغل هذا الهدوء في الدعاء والتقرب لله من جهة وفي الإبداع من جهة أخرى.

 المكتب ليس المكان الأفضل للعمل دائمًا! 

من الثوابت كذلك في الجانب الإداري والقيادي التي تعلمناها كثيراً من 2020 وأتمنى أن تستمر بعد ذلك لأننا نتعلم دروس الماضي من أجل استشراف المستقبل، أن الذين نجحوا هم الذين استطاعوا أن ينتقلوا للعمل عن بعد، والعمل عن بعد هذا مهارة في تقديم النشاط نفسه ومهارة في إدارة النشاط نفسه، فماذا فعلنا نحن في الإبداع؟ بعض موظفينا الآن يعملون من منازلهم، لكن إذا انتهت الأزمة لماذا نُحضرهم فليواصلوا العمل من منازلهم، فطالما أنهم قادرون على الإنجاز والإنتاج بفعالية من المنزل فدعهم بالمنزل.

اليوم في أمريكا 17% من الموظفين يعملون من منازلهم فلا يحتاج سيارة للذهاب والعودة ووقت في الطريق ولا مكتب والكثير من الأشياء الأخرى المتعلقة به، بالإضافة إلى أن 30% من أوقات الموظفين تضيع في الأحاديث فيما بينهم وليس بالإنتاج، لذلك من الأفضل أن يعمل من منزله.

 نجد أن العمل عن بعد هو مهارة يجب أن نتعلمها، هذا الإنتقال عن بعد نوعين:

  1. نوع في تقديم النشاط نفسه أو الخدمة نفسها، ولاحظنا أن العديد من الحكومات انتقلت للحكومة الإلكترونية بينما كانت أمامهم الكثير من السنين لهذا الانتقال والكثير من الشركات والمؤسسات الأخرى كذلك، فالاستعجال أو التكيف هذا هو الذي يُنجيكم
  2.  النوع الآخر من العمل عن بعد هو مهارة إدارة العمل نفسه مثل إدارة الموظفين.

من الثابت أيضاً أن المكتب هو ليس المكان الأفضل للعمل، يُمكن أن يكون المنزل هو المكان المناسب للعمل بشرط أن يكون الشخص مُنتجاً، فأحياناً عندما يعمل الفرد بمنزله ينشغل بالعديد من الأمور الأخرى التي من شأنها تضييع الوقت فيحتاج للإدارة والإرادة ويحتاج من يديره بفعالية، وهي مهارات لها أدواتها ولها تقنياتها، لذلك لا تستعملوا الإدارة عن بُعد وأنتم لم تتعلموا الإدارة عن بُعد بل ادرسوها وتعلموها تعلمًا.

«المتأخر لا يأكل» وجمود الخطّة فشلٌ! 

تعلمنا من 2020 أن التخطيط مُهم جداً، لكن ثابت أيضاً أن التخطيط يفشل، فنحن أنفسنا في مؤسسة الإبداع كنا قد وضعنا مخطط لعام 2020 في 2019 ولكن جميع الخطط فشلت بسبب كورونا وأعدنا النظر فيها كلها وغيرناها بشكل كامل.

أعطيكم مثالا، أنا شخصياً كنت أسافر كثيراً لعمل دوراتي والآن أصبحنا نقدمها أونلاين ففي الأيام المقبلة لدي دورة حول التخطيط الشخصي فهذا الأمر لم نكن نعتمده سابقاً، فما رأيكم أن هذا الأمر مفيد جداً لي وللجمهور؟ فالجمهور لا يحتاج أن يسافر لأن السفر هذا مكلف من حيث المواصلات والإقامة وأيضاً قد يحتاج الفرد أن يأخذ إجازة من عمله، بينما التدريب عن بعد من أي مكان يمكن أن تأخذ الدورة.

 آخر دورة قدمتها عن التفاوض حضرها أشخاص من أمريكا إلى أستراليا إلى العالم العربي كله، إذا نحن قد استطعنا أن نصل إلى جمهور لم نصل إليه من قبل لكن هذا بسبب التكيُف، فهذه الأمور لم تكن في خطتنا وعندما اجتمعنا لوضع الخطة قررنا أن الأمور لن تعود لطبيعتها قبل سنة على الأقل، فبالتالي جزء من التخطيط هو التوقع واستشراف المستقبل. 

 

 

المرونة هي مبدأ رئيسي، إذا وضعنا خطة وطرأت ظروف ليس علينا أن نستمر على خطتنا فالجمود على التخطيط هذا يُعتبر فشل وهذا مل نُدرسه في علم التخطيط، إذا حدث أن نوع من الظروف سواء سياسية اقتصادية أو اجتماعية أو صحية مثل هذه يجب أن تقوموا بتغيير الخطة، هذه هي مهارة التخطيط الحديث، أي التخطيط مع مرونة فالتخطيط القديم هو الجامد.

نحن الحمد لله من أول الشركات التي انتقلت للتدريب عن بعد، توجد شركات إلى اليوم لم تبدأ ولا دورة واحدة فانهارت، فكما يقول المثل: "المتأخر لا يأكل" لذلك ضعوا خططكم وكونوا مرنين وصدروا قرارات.

«تعلّم الثابت الوحيد في العالم» وكيف تخرج من الأزمة أقوى وأكثر انتشارًا؟ 

من الدروس القيادية والإدارية أن الفراغ مثل الذي أصابنا أوقات الحظر الكلي، هذا الفراغ لكثير من الناس أوجد مللاً، فالمبدأ عند المؤمن أن الحياة قصيرة وأن الله سيحاسبنا على وقتنا، لذلك يجب أن نبدأ بالإنتاج والعمل واستغلال الفراغ في التفكير والتخطيط، اليوم فرص التعلم عن بعد واسعة جداً فتعلموا واعملوا وانجزوا والإبداع سيفتح لكم آفاق لم تفكروا فيها.

هنالك علم اسمه علم التغيير ومن مبادئه أنّ الثابت الوحيد في العالم هو التغيير، كل شيء غير ثابت إلا التغيير. ولذلك رأينا أن تغييراً هائلاً حدث في سنة واحدة، وأنا شخصياً عرفت قيمة علم التغيير، فتعلموا علم التغيير وهو علم أعمق وأشمل من علم التخطيط، فحتى بالنسبة للشركات التي لديها عُملاء فتذكروا هذا المبدأ أيضاً أن العميل يتغير فحتى العملاء تغيروا في زمن الكورونا.

كثيرون منا لم يكونوا يشترون البضائع عن بعد، واليوم يفعلون، ولذلك تجد أن جميع الشركات الرئيسية لديها خدمة الشراء عن بعد أو ما يسمى بالتجارة الإلكترونية.

 وبما أن العميل يتغير لابد أن ندرس العميل ونتعلم كيف يتغير، وتذكروا هذا المبدأ أن المعلومات عن العميل واتجاهاته وميوله واهتماماته لأنها متغيرة فنحن نحتاج معلومات مستمرة عن العميل وهذه المعلومات هي أساس القرارت القيادية والإدارية. 

آخر الدروس القيادية والإدارية أن هناك علم اسمه قيادة السوق ولي كتاب بهذا العنوان، الآن بما أننا عرفنا قيمة قيادة السوق فماذا يعني هذا المصطلح؟

 خذوا أي مجال وعلى سبيل المثال شركة بيع الأثاث عند حدوث الأزمة، أذكر أني أعرف شخصاً يملك شركة في هذا المجال، فسألني: كم تتوقع أن تستمر هذه الأزمة؟ فقلت له: سنة على الأقل، فسألني: كم تتوقع بالنسبة لمبيعاتنا؟ قلت له: تنخفض إلى 50%، فشخص مثل هذا ربما ينهار ويبدأ بتسريح الموظفين وإغلاق بعض الفروع أو أن يُفكر بطريقة مختلفة وإبداعية تماماً. 

إنّ هذه الكارثة ستصيبني وتصيب كل شركات الأثاث، فكيف أستطيع أن أخرج من هذه الأزمة وأنا الأقوى والأكبر والأكثر انتشاراً؟ وهذا ما فعلناه نحن في شركة الإبداع والقصد من هذه الأمثلة البرهنة على أن ما نتحدث عنه ليس علم نظري وإنما حقيقي.

3-الدروس المالية

متى يكون الدين سيئًا؟ وبماذا يُوحي مستقبل التعافي الاقتصادي؟  

أنا نفسي وقعت في بعض الأخطاء لأسباب عديدة من بينها الإنشغال، وهي أن الأشياء التي نُدرسها لا نُطبقها، فإليكم بعض الدروس التي تعلمتها والتي تأملتها من خلال ما كتبه خبراء المال، أول قانون وأول مبدأ من الجانب المالي هو أن الديون سيئة إلا إذا كنت مستعداً لها، الديون ليست سيئة دائمة فإذا الإنسان مستعد لها تكون جيدة،

 الدين ليس سيئًا لأن فلسفته تقول بأنك تستطيع توسيع قدراتك، ولكن يكون سيئًا عندما لا تكون مستعداً له، كما حدث لكثير من الناس في 2020 حيث تراكمت عليهم الديون وجاء وقت السداد ولم يتمكنوا من الدفع.

لذلك اضطرت الكثير من الدول من بينها الكويت أن يقوموا بتأخير وقت السداد إلى ستة أشهر مثلاً لأنه لو لم يفعلوا هذا لانهارت 90% من الشركات تماماً لأنه عندما يأتي وقت السداد البنوك هي فقط المستفيدة، ولأن البنوك هي الأغنى جاء الضغط عليها بالتحمل وكانت هناك محاولة لتمديد آخر ولكن البنوك أيضاً من حقها أن تربح.

إذاً فالدرس الأول أنه ليس هنالك مانع من الديون، لكن بشرط أن يكون الإنسان مستعداً لها عند حدوث الكارثة وأن يمتلك طريقة لسدادها وإلّا سيتورط.

أيضاً أثبتت لنا هذه الأزمة بالذات أنه من الضروري أن يكون لديك إدخار، وإليكم قانونه "أي مبلغ يأتيكم سواء راتب أو ميراث وما إلى ذلك خذوا منه 20% حولوها إلى الإدخار أو الإستثمار".

من دروس هذا العام أن الإقتصاد إنهار في كثير من الدول حتى الدول الكبيرة جداً لكنه سيتعافى وهذه كلمة بيد الله سبحانه وتعالى ولكننا نتكلم عن تحليل البشر، فالكوارث الإقتصادية التي مرت بالبشر هي أضعاف هذه الكارثة من الناحية الإقتصادية طبعاً وأبرزها الانهيار المالي في عام 1929 كما حدث إنهيار آخر في عام 2008 وهذا الإنهيار بالتحديد الذي حدث في 2020 أثر بشكل كبير على الموظفين، أعداد ضخمة جداً فقدت وظائفها في جميع العالم فهذا هو الفرق الكبير، في الكوارث السابقة كان الذين تأثروا هم التجار الكبار حيث انهارت البورصة وغيرها، أما اليوم فالتجار الكبار إزدادت أرباحهم وتضاعفت أموالهم، والصغار هم الذين تأثروا وخسروا والسبب أنهم لم يستعدوا.

رغم كل هذه الكارثة الإقتصادية ثابت علمياً وتاريخياً، وفي القرن العشرين وحده حدث هذا الأمر ست مرات، أن الإقتصاد سيتعدل فاستعدوا للتعافي الإقتصادي، فالبورصات ستتعدل والوظائف ستتعدل والإنتاج سيتعدل وسأخذ غالباً ما بين سنة إلى ثلاث سنوات حتى يبدأ هذا التعافى بالظهور، فتذكروا هذا المبدأ أن المستقبل يوحي بعد تقدير الله سبحانه وتعالى بأن الإقتصاد سيتعافى فكونوا على استعداد لهذا التعافي.

أيضاً مبدأ مالي آخر وهو لا تبالغوا في الإنفاق حتى لو كنتم تستطيعون فلا تبالغوا، لأن هذا الأمر مكروه في الدين أولاً أن الله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين، لكن في نفس الوقت واضح جداً أن الناس احتاجت أموالًا وقت الأزمة، فهذا من المبادئ العلمية الثابتة اليوم.

«لا تدري متى تحدث الكوارث».. تجنب هذه الأخطاء وافهم معادلات الحياة

من الثابت أيضاً اليوم ومن الضروري جداً أن يمتلك الإنسان تأمينًا صحيًا، هناك بعض الدول لا تُوفره، ففي هذه الحالة أنصح بشدة أن يكون لكل شخص تأمين صحي ولو محدود، لأن هذه الكوارث لا تدري متى تحدث سواء كانت على مستوى كورونا أو على مستوى شخصي، ففي هذه الحالة عدم وجود تأمين صحي قد يُدمر الوضع الإقتصادي للإنسان، والحمد لله في هذه الأيام توجد العديد من شركات التكافل الإسلامية توفر هذا التأمين الصحي.

عندما حدثت الكارثة تُوجد الكثير من المؤسسات والشركات لم تُحسن التصرف من جميع الجوانب لا إدارياً ولا قيادياً ولا حتى مالياً، فنصيحتي إذا احترتم لا تتصرفوا وإنما استعينوا بالخبراء.

كذلك على الإنسان أن لا يعتمد على مصدر واحد للدخل كأن يعتمد على راتبه فقط فهذا من أكبر الأخطاء التي يُمكن أن يقع فيها الإنسان، لذلك رتبوا أنفسكم، اليوم مجال التجارة الإلكترونية مثلاً يمكن للفرد أن يدخل فيه.

 سنطلق قريباً مبادرة قمنا بالترتيب لها بفضل الله تعالى أسميناها مُبادرة العمل الحر، لتشجيع الشباب والشابات على تعلم مهارات العمل الحر وأن نوفر لهم أدوات العمل الحر، هذه بالطبع إحدى البدائل ليس بالضرورة أن تعملوا معنا يمكن أن تعملوا بأي طريقة فقط لا تكتفوا بمصدر واحد للدخل من الضروري جداً أن يكون لديكم مصادر أخرى للدخل، سواء أسهم في استثمار أو إيجار مبنى أو مشروع تجاري سواء عادي أو إلكتروني أياً كان فالمصادر كثيرة ولكن لا تعتمدوا على الراتب فقط هذا خطأ جسيم، ورأينا ماذا حدث لكثير من الناس عندما أتت 2020.

من الضروري جداً وجود خطة مالية وأهداف مالية وأنا شرحتها في دورة معادلات الحياة، وبإختصار أن يكون للإنسان خطة مالية أو أهداف مالية مثلاً "متى سأضاعف دخلي، متى سأضاعف أملاكي،.." وهذه من الأشياء التي يُمكن للفرد أن يتعلمها فقوموا بوضع خطة مالية حددوا الرقم وحددوا متى ستصلون إليه، أنصح الشباب جداً بتعلم إدارة المال وبالذات أنصحكم أن تتعلموا فهم الوثائق المالية.

الوثائق المالية الرئيسة هي ثلاث: الميزانيات؛ حساب الأرباح والخسائر؛ التدفق النقدي، لابد لكل شخص أن يتعلم كيفية فهم هذه الوثائق، ومن السهل جداً تعلمها، هنالك العديد من الدورات يُمكن تعلمها من خلال مثلاً المالية لغير الماليين. 

بخاصة الشباب الذين هم على أبواب الحياة يجب أن يتعلموها فعند دخول المشاريع يجب أن تكون هناك خلفية حول كيفية إدارة الأمور المالية، سيكون من السهل جداً أن تتعرضوا للسرقة أو النصب إن لم تتعلموا أو تفهموا كيفية إدارة هذه الوثائق المالية.

وما أختم به الدروس المالية هو تكرار لما بدأت به وهو أنه يجب عليكم أن تدخروا ومن الثابت جداً أن الإنسان يستطيع أن يدخر أكثر بكثير مما يظن وبالتالي يجب أن تعيدوا النظر في أموالكم ودخلكم وحاولوا أن تدخروا منها 20%.

4-دروس للحياة وإدارة الأعمال

«من اللازم أن تفعل شيئًا».. عمرٌ يمضي وأمل التغيير كبير

أول درس هو أن الوقت هو الحياة، فالإنسان الذي يُضيع وقته وضيع 2020 بالتذمر والجلوس وإنتظار الفرص، من فقد وظيفته أو راتبه أو فقد شركته ويجلس ينتظر أمراً ليحدث كل هذا الإنتظار هو عمر يمضي.

ومما تعلمناه من هذا العام ومن كورونا تحديداً أن قدرة الله سبحانه وتعالى لا يُعجزها شيء، كيف أن مخلوق صغير لا يُرى بالعين المُجردة دمر الدنيا وأخضع أعظم دول العالم وجعلها تركع على رُكبتيها. 

ولذلك من الدروس الرئيسية عندما رأيتم هذا الإعجاز الإلهي وكيف أن الإنسان عندما طغى وتجبر جاء الله سبحانه وتعالى بمخلوق لا يُرى وأذله به، فازدادوا إيماناً بالله تعالى وبقدرة الله تعالى وتذكروا أن الله على كل شيء قدير.

 لا تظنوا أن ليس هنالك أمل بالتغيير على مختلف الأصعدة أن يتغير العرب ويتحسن حالهم وتنتهي العنصرية تجاه الأمتزيق والأكراد وحتى عند العرب فيما بينهم، لا تظنوا أن ليس هنالك أمل بإنتهاء هذه العنصرية المقيتة، دائماً هناك أمل كبير، ولكن تذكروا أيضاً أن الله سبحانه وتعالى عنده سنن وأسباب فالله سبحانه وتعالى يُقدر الأمور من خلال أدوات وأسباب، وجود سبب يؤدي إلى نتيجة، فالله سبحانه وتعالى قادر أن يقول لكورونا زُل فيزول كما هو قادر بكلمة كن أن يقود المسلمون والعرب الأمة البشرية كما كانوا يقودوها من قبل.

 يعلمنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عندما يخبرنا بقصة السيدة مريم رضي الله عنها حين أخبرها أن تهز جزع النخلة وهي بنت صغيرة ضعيفة فكيف لها أن تهز جزع النخلة الذي لا يقوى على هزه حتى الشباب الفتيان؟ فالأمر ليس له معنى من ناحية الأسباب والنتائج ولكن لماذا أخبرها الله سبحانه وتعالى بذلك؟ لأنه من اللازم أن تفعل شيئاً إن الله يُريد أن يُطعمها لكن هي لازم تفعل شيئاً حتى يطعمها الله. 

وكذلك عندما قال لسيدنا موسى اضرب بعصاك البحر ففي الحقيقة أن العصى لا تشق البحر ولكن لابد له من أن يفعل شيئاً، وكذلك نحن يجب أن نفعل شيئاً ومن الواجب أن نفعل شيئاً لنستعد به.

«قد تفقد كل شيء فجأة».. في أي عُمرٍ تُغيّر مسارك؟

مما نتعلمه من الحياة أيضاً أننا قد نفقد كل شيء فجأة، ممكن للإنسان أن يفقد وظيفته ويفقد من يرعاه ويدعمه ويفقد من يحبه، فالإنسان يتذكر أن هذه الأمور ليست بأيدينا هي بيد الله سبحانه وتعالى، فنتعلم أولاً الرضا كما نتعلم الإستعداد كذلك، وأنا هنا قلت الرضا ولم أشر للإيمان فكثير من الأشخاص يخلط الأمور فعندما نقول أركان الإيمان هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هي ليست الإيمان بالقضاء والقدر هي الرضا بالقضاء والقدر فحتى الكافر يؤمن بالقضاء والقدر وأنه توجد أمور خارجة عن إرادته مثل الزلازل والكوارث فحتى الأمريكان في المصطلحات القانونية يسمونها أفعال الله، فهذا الإيمان بالقضاء والقدر والكل يؤمن به.

 ولكن المؤمن يختلف، يؤمن بأن هذه من يد الله ويرضى لا يسخط ولا يتذمر ولا يشتكي، لكن المؤمن الحق هو ليس فقط من يرضى هو كذلك الذي يستعد فلا يتواكل وإنما يتوكل.

من دروس الحياة أيضاً، أنّ الأوقات الصعبة علمتنا حقيقة الحياة والموت وحقيقة الناس حتى، فالكثير من الناس الذين كنا نعتقد أنهم مُقربين اختفوا والبعض الذين فكرنا أنهم قد يدعمونا لم يفكروا فينا حتى، ومن الممكن أن تجدوا قصص لا حصر لها في هذه المسألة، ولذلك فالأوقات الصعبة هي نعمة وليست نقمة كون الإنسان يكتشف حقيقة نفسه وحقيقة قدراته وإهتماماته إذا ما كانت خطته صحيحة أم خاطئة ويعرف أيضاً حقيقة علاقاته هل صحيحة أم خاطئة هل يعتمد على بعض الناس ليسوا أهلاً بهذا الإعتماد، أو مُرتب شركته بطريقة لا تحتاج كل هذا الترتيب وكل هذه الأعداد من الموظفين، الأوقات الصعبة تعلمنا حقيقة الحياة وتعلمنا إعادة النظر وحقيقة الناس.

جاءت 2020 لتعلمنا أن تغيير المسار ليس له وقت وليس له عمر متى ينتقل الإنسان إلى أمر آخر مثلاً متى ينتقل الإنسان إلى العمل الحر بدل الوظيفة والراتب الذي هو عبودية، هل عندما يصبح عمره 20 أم 30 أم 40؟ الإنتقال ليس له عمر الآن إنتقلوا مهما كان عمركم.. ما الذي يعطلكم؟

هذه الأيام يستطيع الفرد أن يفتح متجراً دون أن يكون عنده رأس مال، خاصة بعض الشباب والشابات ممتازين جداً ولديهم علاقات واسعة جداً ولكن ليس لديهم مشاريع، هذه العلاقات ثروة لماذا؟ لأن الفرد عندما يُنشئ متجراً إلكترونياً ويسوقه على جميع معارفه فكل ما كان عددهم أكبر كل ما كانت فرصة نجاح المتجر أكبر، إذا لا داعي للتذمر والتعذر بالظروف بل فوراً حولوها إلى خطط وقرارات، لكن هذا الأمر مهما كان عمركم إذا كان قد وصل 60 أو 20 ليس هناك فرق تسطيعوا أن تغيروا مساركم وهذه ثابتة اليوم.

«الألفة تقتل التأمل» ابحث عن سعادتك الحقيقية 

من دروس الحياة أيضاً أن هناك عبادة اسمها عبادة التأمل، وهي أنه نحن كبشر لدينا مشكلة الأُلفة الإنسان يألف وإذا ألف شيئاً مهما كان عظيما هذا الشيء لا يتفكر فيه، تخيلوا إنسان عاش طول عمره تحت الأرض وخرج فجأة بعد 30 سنة ليعيش فوق الأرض وفجأة ظهرت الشمس فرآها أول مرة سيتفاجأ ما هذا الضوء وما هذا الإعجاز.

 نحن فقدنا التأمل بسبب الألفة، فالألفة تقتل التأمل، أين الدرس هنا؟ الدرس أننا ألفنا اللقاءات العائلية الأسبوعية أو غيرها، فجاءت 2020 وفككتنا ألفنا الذهاب للسوق وشراء مستلزماتنا فجاءت 2020 وحظرتنا وقيدت تحركاتنا، تعودنا على طريقة الحياة فجاءت 2020 وغيرتها تغييرا جذريًا. 

 الآن "الشطارة" تكمن في كيفية العودة للسابق وأن نعود للأشياء الجيدة والأشياء غير الجيدة التي غيرناها لا نرجع لها، مثلاً من الجميل جداً أن تجتمع الأسرة الممتدة أسبوعياً هذا من الأمور الواجب أن تعود بعد انتهاء الأزمة، أيضا بسبب الأدوات التقنية استطعنا أن نصل لأهلنا وأحبائنا الذين لم نكن نلتقيهم إذاً إذا انتهت الأزمة وستنتهي قريباً بإذن الله يجب علينا أن لا نتخلى عن هذا الأمر، الأشخاص الذين يعيشون في بلاد أخرى ولا نستطيع أن نزورهم فلنبقى على تواصل معهم بهذه الأدوات.

 من جهة تأملوا ومن جهة لا تألفوا ومن جهة تذكروا فضل الله عليكم ونعمته فنحن ألِفنا الدخل والصحة ونسينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها فتذكروا كل هذه المعاني.

وتذكروا أن الإنسان لا يتوكل على نفسه فالإنسان ضعيف جداً ولكن توكلوا على الله سبحانه وتعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، مئات الألوف الذين ماتوا بسبب هذه الأزمة، مثلا أمس أنا اقرأ عن سيناتور أمريكي أنتخب في الإنتخابات الأخيرة هذه وكان عمره 41 عام أصابته كورونا وتوفي فليس هنالك فرق، التغيير قد يأتي فجأة لذلك لا تتوكلوا على أنفسكم، التوكل الحقيقي هو أن الإنسان يستعد ويعتمد على استعداده وتخطيطه وذكائه وفريقه أي يستعد استعداد كامل ومن ثم يقول لله الأمر من قبل ومن بعد.

أيضاً علمتنا هذه الأزمة وخاصة عندما فُرض علينا حجر كامل وعشنا في ضيق بسببه، فالإنسان متعود على الحرية، فماذا عن إخواننا المسجونين ظلماً في سجون الإحتلال وفي سجون الطغاة ظلماً؟ نحن مجبرون وراضون فالوضع الصحي يتطلب ذلك فهؤلاء مأجورين بإذن الله ولكن علينا أن نتذكرهم وندعوا لهم ونسأل الله سبحانه تعالى الفرج لهم.

السعادة الحقيقية داخلية هذه من الدروس الرئيسية التي تعلمتها أيضاً فهي ليست في الأدوات مثلاً ما هو نوع سيارتك وملابسك وما إلى ذلك، السعادة الحقيقية هي سعادة القلب فالإنسان الذي يملك سعادة داخلية وخاصة المرتبط بالله سبحانه وتعالى لا يعيش في ضيق أبداً حتى عندما يُحجر عليه فسعادته داخل نفسه.

«لا تفقدوا الأمل في الإنسان» وقدروا قيمة الموت والحياة والمبادرات!

هذه الأزمة علمتنا أن الرحمة والإنسانية موجودة بشكل هائل في البشر ولم تختفي، أنا أذكر عندنا في الكويت تم حجر مناطق كاملة فهب أهل الكويت كعادتهم في مثل هذه المواقف لتوفير الآف الوجبات المجانية فهذه رحمة عجيبة وإنسانية عجيبة وأنا متأكد أن في كل بلد أمثلة مماثلة فلا تفقدوا الأمل في الإنسان، الإنسان ما زال فيه خير ولولا هذا الخير الذي فيه ما خلقه الله سبحانه وتعالى. 

من دروس الحياة أن الموت لا يفرق بين صغير وكبير وفقير وغني ومشهور وغير مشهور، لا يفرق أبداً وأن الحياة فعلا غالية فلا نسمع هذا الكلام الغريب من البعض عند بداية الأزمة قالوا لا بأس أن تصبح هناك مناعة القطيع، هل تدرون ما معنى هذا؟ 

لنأخذ مثلاً أمريكا بحسب الإحصائيات التي عندي عنها، إذا حدثت هذه المنهجية وبدأوا فيها كما كان يُريد ترامب لكان عدد الموتى الأمريكان في خلال 9 أشهر هو 2.5 مليون أمريكي، ولكن تصدى له بعض العلماء ومازالت الخلفاء قائمة بينهم، فلا يمكن إتباع مبدأ التضحية بالبعض للحفاظ على البعض الآخر ومن يفكر بهذه الطريقة فهو عديم الإنسانية وليس عنده قيمة للحياة، وكل هؤلاء الموتى أو معظمهم سيكون من كبار السن الذين هم آبائنا وأجدادنا وأحبائنا فكيف لنا أن نتخلى عنهم بهذه الطريقة فاعرفوا قيمة الموت واعرفوا قيمة الحياة.

من دروس الحياة أن الدنيا تغيرت، والقادم لن يكون مثل الماضي، الحياة ستعود طبيعية ولكن هذا لا يعني أن العمل سيعود طبيعيا، حيثُ دخلت تقنيات العمل الإلكتروني والعمل عن بعد والموظف الذي لا يُجيد هذه المهارات سيتم الإستغناء عنه، بالتالي إفهموا هذه المعادلة التي هي جزء من فهم الحياة واستعدوا للعمل المستقبلي.

أيضاً من دروس الحياة أن معظم الفرص التي ربح الناس منها أرباحاً كانت موجودة أصلاً لكننا لم نفكر فيها، فمثلا نحن في الإبداع اخطأنا خطأ جسيم ففرصة التدريب عن بعد كانت موجودة دائماً فالتكنولوجيا موجودة والقدرات موجودة والإدارة كل شيء كان موجوداً لكننا لم نستعملها وهذا خطأ. 

الآن جاءت 2020 تعلمنا وعندما تنتهي لن نعود للطريقة القديمة، سنعود لها جزئياً بطريقة قد تصل فقط إلى 20% و80% من عملنا سيكون بطريقة أخرى وهذا يجُرني إلى التأكيد على أهمية العمل عن بعد كموظفين وشركات ومنظومات لأن الحياة ستعود طبيعية لكن العمل معظمه سيكون عن طريق العمل عن بعد، كما ذكرت سابقاً أن أفضل الموظفين هم الخبراء متعددي المواهب فكل واحد عليه أن يدرس نفسه ويكتشف أين تكمن خبرته من الضروري أن تكون خبيراً في شيء واحد على الأقل وما هي مواهبك ومهاراتك الأخرى في غير هذا المجال فمن لم يجد عليه أن يُعيد تخطيط حياته وتعلموا كذلك التخطيط للحياة فهذا جزء رئيسي.

من دروس الحياة أيضاً أن هذا التغيير الضخم الذي أصابنا لن ينتهي بل سيأتي مرات ومرات فهي أزمة وستنتهي، كل العلماء وكل الخبراء في تحليل التاريخ بالإجماع يقولون أن الأزمات ستتكرر وقد تكون أكبر حتى ولا أحد يستثني ذلك، فبعد التوكل على الله سبحانه وتعالى ستحتاجون لتعدد المهارات وستحتاجون لتعلم علمين علم الإبداع وعلم المرونة.

بالنسبة لطريقة العمل لا تعملوا بطريقة واحدة تبيعوا بطريقة واحدة أقدم خدامتي بطريقة واحدة يجب أن تُفكروا بتعدد الطرق، هناك مبدأ غريب ولكني أحب أن أؤكد عليه وهو "إذا حدثت الأزمات أو اقتربت فعلى الإنسان أن يُبادر لمشاريع".

الدراسات تقول أنه بين 80% ــ 92% من المشاريع ستفشل، والحل هو أن تستمروا في المبادرات إلى أن تنجح واحدة منهم بإذن الله سبحانه وتعالى لذلك لا تتوقفوا عن المبادرات أبداً، مثلاً نحن في الإبداع بادرنا بالعديد من المشاريع لكنها لم تنجح وأيضاً لم نتوقف الحمد لله ولا ندري أيها ستنجح وتنقذنا من الأزمة المالية التي أصابتنا كما أصابت الجميع، فكروا بهذه العقلية ولا تتوقفوا عند مشروع واحد.

من آخر الدروس فيما يتعلق بإدارة العمل والحياة هو تقليل التوظيف وتقليل المصاريف التشغيلية والاستعانة بالمصادر الخارجية فمثلاً بدلاً من تعيين مدير تسويق قوموا بالتعاقد مع شركة خارجية وبدلاً من تعيين مدير تقني تعاقدوا مع جهة تقنية تُدير هذا الأمر، كثير من الناس تعلموا درساً عندما حدثت هذه المسألة ووجدوا أن لديهم الكثير من الموظفين مع عدم توفر القدرة على دفع الرواتب فإنهار وانهارت شركته وكذلك الموظفين عنده، وبالنسبة للشركات الذين قللوا التوظيف إياكم بعد أن تنتهي هذه الأزمة أن تعودوا للتوظيف الواسع مرة أخرى.

5-دروسٌ ختامية 

6 دروس ختامية 

أختم بمجموعة من الدروس الختامية السريعة أولها أن العلاقات الحقيقية العميقة هي سر السعادة، وهذه الأزمة شكلت لنا علاقات جديدة في الحقيقة حتى مع أهلنا فمثلاً حفل تخرج إبني أقمناه على زووم، وهذا مثال على أنه ليس من الضروري أن يكون كل شيء حضورياً فليس هناك مانع للإنسان من أن يشارك أحبابه في اللحظات المهمة سواء حزينة أو سعيدة حتى لو عن بعد فلا تنتظروا أن تكونوا موجودين، خاصة أن بعضكم قد لا يتوفر في نفس البلد ، لذلك تواصلوا فإن العلاقات مفتوحة.

أيضاً علمتني 2020 أن السفر فعلاً متعة والسفر دروس لا تنتهي لكن هذه الأزمة منعتنا من السفر فاستطعنا أن نحقق هذا بطريقة أخرى وهذه الطريقة بها عيوب وبها مزايا، فعيوبها طبعاً أن الدروس والمتعة التي في السفر فقدناها، ولكن مزيتها أننا عملنا بطريقة مختلفة، أعطيكم مثال أنا ممنوع من السفر إلى العديد من الدول للعديد من الأسباب من بينها رأي ضد الصهيونية أو الإنقلابات العسكرية وهذا شرف أعتز به والحمد لله.

 جاءت هذه الأزمة وعلمتني أن أعمل بطريقة مختلفة، وساعد هذا أيضاً أن يكون الحضور من الكثير من الدول بعضها لم أزرها من قبل وبعضها لم يكن من مخططاتي أن أزورها، فالقصد أننا فقدنا أشياء ولكننا عوضناها بأشياء أخرى فدعونا نستمر على هذا التعويض وأن هذا التواصل سواء كان مع أحبابنا أو جمهورنا أو نشر فكرنا ممكن وبإستمرار.

من الدروس التي أحب أن أشير إليها أيضاً بالرغم من كونه مزعج جداً لكنه ثابت وهو أن الحرية لها ثمن وخاصة عند الوقوف ضد الصهيونية والإنقلابات العسكرية سنخسر بالتأكيد، نحن نفعل كل هذه الأمور مع جميع الحسابات ومع علمنا بأننا سنخسر لكن هذا موقف يتطلب منا المبادئ والقيم، ما يدفعني لقول هذا لكم أنه في فترة 2020 زاد الطغيان لأنه في ضغط الحرية كانت بعض الدول تخرج في حراك والناس يخرجون بالآلاف وأحياناً بالملايين فجاء الحجر ومنعهم فسنحت الفرصة للطغاة بالتصرف وحدثت أمثلة كثيرة وهذا ليس كلامي بل علمي ثابت.

 انتبهوا أن لا تضحوا بالحرية وإياكم أن تتنازلوا عنها ومن توقفوا بسبب ما حدث هذا العام يجب أن يعودوا ويجب أن نعود جميعنا لمطالبتنا بالحرية فبدون حرية لن تُطبق شريعة ولن يحصل إبداع ولن نصنع حضارة.

من المعاني الأساسية التي أُريد التأكيد عليها إعادة النظر في الصحة النفسية، هو ليس مجالي ولكني أريد أن أُشير إلى مبدأ ثانٍ هنا وهو أن السعادة الداخلية هي كما ذكرت في القلب وأن الإنسان الذي لديه صلة حقيقية مع الله سبحانه وتعالى لن يشعر بالوحدة أبداً كما يقول الإمام بن القيم رحمه الله: "إن في القلب لَوحشة لا يملأها إلا الأُنس بالله".

 زيدوا صِلاتكم بالله سبحانه وتعالى وعمقوها وناجوه في جلسات الخلوة، الوحيد حقيقة هو ليس من لا يملك أصدقاء، الوحيد هو وحيد القلب الذي لم يملأه بالله سبحانه وتعالى، وتذكروا أن القيم الأساسية هي أساس القرار مثل العدل والمساواة وما إلى ذلك، مثلاً أنا أضطررت للإستغناء عن بعض الموظفين وإلا لانهارت الشركات ولكني عندما استغنيت عنهم أعطيتهم جميع حقوقهم التي ينص عليها القانون وأعطيتهم كل المهلة التي ينُص عليها القانون وشروط نهاية الخدمة بالنسبة لهم فلا يجوز لي أن أستغل ضعف الناس لكي لا أضغط على نفسي، الواجب هو أن أضغط على نفسي من أجل حقوق الناس.

تذكروا هذه المبادئ وتذكروا أن الإنسان العاقل هو الذي يبحث عن السعادة وليس الذي يبحث عن المشاكل، هنالك أشخاص يتفننون في المشاكل بجميع أنواعها، تجاوزوا فالحياة قصيرة ورأيتم كيف تغيرت الدنيا تغيُرًا جذريا، فالإنسان لا يدري متى يأتيه الموت فراجعوا علاقاتكم خاصة تلك المنقطعة منها.

من الأمور التي أؤكد عليها هي أن العُنصرية والجهل عميقان، رأيناهما في جميع العالم فإلغاء العُنصرية وإلغاء الجهل يحتاج عمل جاد وجهد جماعي فالأمل الرئيسي موضوع على الشباب لذلك نأمل أن لا تكونوا جزءاً من المشكلة ولكن كونوا جزءاً من الحل وتذكروا أن التعلم متعة وسلاح، ونصيحة تعلموا المهارات ليس فقط المعلومات، المعلومات هي ماذا ولماذا أما المهارات فهي كيف لذلك كان لابد من تعلم المهارات، إبحثوا عن المهارات التي تُناسبكم وتعلموها، مهارات التخطيط ومهارات اتخاذ القرار هذه المهارات التي تُجيب على سؤال كيف؟ وليس ما هو؟ لكي يكون لديكم سلاح حقيقي ركزوا على المهارات.

ونختم بأن أعظم سلاح على الإطلاق هو التوكل على الله سبحانه وتعالى، أن يؤمن الإنسان بأن له رب قادر على كل شيء وخبير بكل شيء سبحانه وتعالى هو أعظم سلاح، والإيمان بأن الله سبحانه وتعالى في لحظة قد يُغير الأحوال من الأسوأ إلى الأفضل والعكس، ففي النهاية نحن علينا الجهد والله سبحانه وتعالى عليه التَكُلان.