كان حظ الرسول صلى الله عليه وسلم من المدح كبير، بحيث نظمت في ذلك القصائد، وكتبت الأشعار، وألفت مؤلفات، ولا تجد كاتبا نهل من القرآن، وطاف بمُدارسة سنة المصطفى إلا وكان أثر ذلك كلاما عذبا يقال وقوافي تنشد، وموسيقى تنظم، وفي ملتقى ميلاد حضارة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، جسد الأستاذ أنس الدغيم ذلك بقصيدة ألقاها في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم 28 نوفمبر 2020 وهذا هو محتوى المداخلة كاملة.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى، تحياتي لكم جميعا:

أضأْت لهم فما سلكوا الطريقا  ولا هم أدمنوا منك البريقا

وكنت إذا الجياع أتوك يوما زرعت لهم من النور العقيقا

وكان أثاثك الأبهى حصيرا يؤسس للحضارات الشروقا

وكان إيدَامك الأشهى قديدا ولكن أشبع الدنيا دقيقا

أدافع عنك لا خوفا  ولكن أُعَوِدُ أحرفي هذا الرحيقا

صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.

نقطة أريد أنوه لها، الحقيقة كتاباتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرا كانت أم نثرا، ليست دفاعا عنه صلى الله عليه وسلم بقدر ما هي انتساب إليه صلى الله عليه وسلم، هذه حقيقة يجب أن يعرفها الجميع.

أنا كتبت غير مرة وقلت: أنا لا أنصرك يا رسول الله، بل أنتصر بك، وعلى هذا فنحن نكتب دفاعا عن هويتنا وذاتنا.

لطيفة نبوية غابت عن الكثير

أريد أن أشير قبل أن أبدأ بقصيدتي التي سأقرأها عليكم إلى لطيفة نبوية جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكعب بن زهير، فكَعب بن زهير بن أبي سلمى هو الشاعر المعروف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيرون منا قرأوا قصيدته "بانت سعاد" ولكن غابت عنهم لطيفة نبوية رائعة هي سقف الأدب في الحقيقة أن كعب بن زهير عندما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، وبدأ يقرأ عليه قصيدته "بانت سعاد"، وعلينا أن نعلم أن كعب بن زهير كان قبل ذلك مهدور الدم لما كان منه من صد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن سبيل الإسلام بشعره ولسانه، فوصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ يقرأ عليه قصيدته المشهورة:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يُفْدَ مكبول

أين اللطيفة؟ اللطيفة هنا أن أول أبيات القصيدة والتي بلغت أكثر من ثلاثين بيتا، بيت ببيتين، استغرقها كعب بن زهير في وصف ناقته.

تصوروا فبدأ بما يشبه الغزل والنسيب، ثم أخذ بوصف ناقته، حتى قرأ أكثر من ثلاثين بيتا، وهي بالضبط اثنان وثلاثون بيتا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطع عليه كلامه، بل هو جالس يستمع، فما قطع عليه كلامه، وما قال له ظفرت بك، بل استمع إلى هذه الأبيات مجتمعة، حتى وصل كعب بن زهير إلى صلب الموضوع فقال:

يمشي الوشاة بِجنبَيْهاَ وقولهمُوا إنك يا بن سلمى لمقتول

فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكُموا فكل ما قدر الرحمن مفعول

أُنْبِئْتُ أن رسول الله قد أوعدني والعفو عند رسول الله مَأمُول

 

فأي أدب عظيم هذا الذي لا يأتَاهُ فعلا إلا نبي عظيم على خلق كريم.

 

قصيدة الغار في مدح رسول الله

أقرأ عليكم الآن قصيدتي وهي بعنوان " الغار" والتي أثبتها في ديواني "المنفى" وهو ديوان شعر، كما دونتها في كتابي الذي صدر أخيرا وهو "سكر من الحجاز" وهذا الكتاب هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرا ونثرا.

شتان بين المالكين نِصَاباَ ملك القلوباَ ويملكون الرِقَابَا

وملكت من هذا الغرام قَلِيلُهُ فاستفتح بقليله الأبوابا 

قلبي وعقلي والقوافي منذ أن زمَلْتهاَ تتصيد الكُتَاباَ

ما كان كل الصيد في الفرى حتى تمعن واتِري فأصاب هذا الفؤاد

وأنا الذي خبأته عن مقلتيك فتصَادف الأهدابَا

علقت بين البردتين مدائحي وسواي يعلق عادة وكعَابا

لا ناعس الطرف الذي بايعته في النوم كنت ولم أك السيابا

إني وما عُلِمْتُ منطق طائر أشدوا بذكرك جيئة وذهابا 

لله طبع الورد يخفي عطره ويقيم من ألوانه حجابا

حَاولته فتَحدرت من لا يد قطراته فظننته فانساب

لامسته أو كدت لولا أن رأى برهانه قلبي فعاد وتاب

وصفا إناء الحب فرق زجَاجه حتى رأيت وما رأيت شرابا

لكن ما إن سال كالماء من وعلى حواشيه فشف وطابا

أرجعت فيه الطرف واسترجعته في كرتين فغاب فيه وآباَ

ما بين منبره وموضع قبره خط الجمال لقارئه كتابا

قرأت على يده الشعوب ولم يزل في كل سطر يشرح الأدَابا

في غَاره الجبلي لم يكن خاليا كان المدى يتعلم الإعرابا

من قم فأنذر لم يدثر عينه نوم ودثر عاريا ومصابا

حاف وما من حبة في مكة لم يحتمل عنها دما وعذابا

عار عن الدنيا وأول كل بسم الله يفتح في المعارج بابا

الأسودان على خريطة فقْره يتَوزعان مَآذنا وقبَابا

نعم الإيدَام الخل حين محاصر في الشعب يفتح للجياع شعابا

ما كان عَداَسٌ ليؤمِن قلبه لو لم يجده السكر العُنابا

سبحان من أسرى به ليلا ومن أدناه من قوس الجلالة قابا

وارتد من أعلى ليخْسف نعله ويطَاعم الفقراء والأَصحابا

خلق كأن الودق من أعطافه وخلاله يهدي الوجود سحابا

خلق هو القرآن هذب حسنه عربا وزكا يُمنه أعرابا

والحب يبدأ بالقلوب فكلما بانت سعاد وجدت قلبك ذابا

كان الطريق مطوقا بحمامة لم تبن عشا بل بنت محرابا

لا حزن فيه معية المولى بدم الرضا تتحسس الأعصابا

يا من ثنيات الوداع ويومها يا راكبا لا يشبه الركابا

من صاغ من تمر سُوَاعاً لا كمن بالحب والإيمان صاغ الشَبابا

فكان كل مهاجر في أوْسه سعدٌ ويثرب أصبحت خبابا

تتَفاوت الأقدار بالتقوى ولا يتفاوتون نهى ولا أنسابا  

والنفس لا ترقى إذا لم تقترف بقباء من أثر السجود ترابا

يوم التقى الجمعان ضج رداؤه بدعائه ودعا الخصوم صرابا

بالعدوة الدنيا أقام عريشُه والركب أسفل منه خار وخاب

والمجد لا يؤتى لمن لم يأته قدر المعالي أن تنال غلابا

ما كان للطلقاء أن يسْتقسموا من بعده الأزلام والأنْصابا

لما عفا وهو المقدر رحمة وبكى لهم وهو والعزيز جنابا

يا أيها الريم الذي لم يستتر عن طالب لا يشبه الطُلابا 

ما حل أزرار البنفسج زائر إلا وشق على الأريج ثيابا

يا سيدا ومحمدا يا رحمة للعالمين ونعمة وثوابا

ما كان صدر مثل صدرك عامر بالحب هم من صَدروا الإرهَابا

كوثرت آي الله في أرواحنا وتخَندقوا من حولنا أحزابا

أحييت بالقرآن إنسانية وتقاسموا دنيا الورى أقْطابا

لو أنهم عرفوك لاعْتاظوا عن الدم ياسمينا والحِرَابُ حبابا

ولا أسسوا للخير أعظم دولة ولا صالح السيف الصقيل قرابا

جمَلتُ شعري حين لم أختر له من غير كأسك سكرا ورُظابا

يا ليتني أحد أو أني فوقه حجر يحب وحبة تتصابا

بالغت في هذا الدنو ولم ولا كعبا بلغت ولا بلغت كلابا

ما كان ربي أن يعذب شيبة شابت به ودمي بحبك شابا

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الطاهرين، وشكر الله لكم جميعا.