الاغتباط بولاية الله هي أعظمُ ما يتنافس فيه المتنافسون، وأجلُّ ما حصّله الموَّفقون، قال تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَولِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *} [البقرة :62 ـ 63] فكلُّ مؤمنٍ تقيٍّ فهو للهِ وليُّ خاصّةً.

ومن ثمراتها ما قاله الله عنهم: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} [النور :257] أي: يخرجُهم من ظلماتِ الكفرِ إلى نورِ الإيمانِ، ومن ظلماتِ الجهل إلى نورِ العلمِ، ومن ظلماتِ المعاصي إلى نورِ الطاعاتِ، ومن ظلماتِ الغفلةِ إلى نورِ اليقظةِ الذكرِ، وحاصلُ ذلك أنّهُ يخرِجُهم من ظلماتِ الشرور المتنوّعة إلى ما يدفعُها من أنوارِ الخيرِ العاجلِ والآجل، وإنَّما حازوا هذا العطاءَ الجزيلَ بإيمانهم الصحيح، وتحقيقهم هذا الإيمان بالتقوى، فإنَّ التقوى من تمام الإيمان. (شجرة الإيمان، السعدي، ص 63)

والتقوى من شروط ولاية الله الخاصة، ومن شروط التمكين لهذه الأمة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ*} [الأعراف :96] إنَّ تقوى الله تجعلُ بينَ العبدِ وبينَ ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيهِ مِنْ ذلكَ، وهي أنْ تعملَ بطاعةِ اللهِ على نورٍ من اللهِ، ترجو ثوابَ اللهِ، وأن تتركَ معصيةَ اللهِ، على نورٍ من اللهِ، تخافُ عقابَ اللهِ.

وللتقوى ثمرات عاجلة وآجلة منها:

الثمرة الأولى ـ المخرج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسبه العبد: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق :2 ـ 3].

الثمرة الثانية ـ السهولةُ واليسرُ في كلِّ أمرٍ: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا*} [الطلاق :4].

الثمرة الثالثة ـ تيسيرُ العلمِ النافعِ: قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ*} [البقرة :282].

الثمرة الرابعة ـ إطلاقُ نورِ البصيرة: قال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال :29].

الثمرة الخامسة: محبَّةُ اللهِ ومحبَّةُ الملائكةِ والقبولُ في الأرض:

قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ*} [ آل عمران: 76] . 

وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا أحبَّ اللهُ العبدَ قال لجبريلُ: قد أحببتُ فلاناً فأحبّه، فيحبُّه جبريلُ عليه السلام، ثم ينادي في أهلِ السماءِ: إنَّ الله قد أحبَّ فلاناً فأحبُّوه، فيحبُّه أهلُ السماء، ثم يوضَعُ له القبولُ في الأرض».

الثمرة السادسة: نصرة الله عزَّ وجلَّ وتأييده وتسديده: وهي المعية المقصودة بقول الله عزَّ وجلَّ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ*} [البقرة :194] . فهذه المعيةُ هي معيةُ التأييد والنصرة والتسديد، وهي معيةُ الله عزَّ وجلَّ لأنبيائه وأوليائه، ومعيته للمتقين والصابرين، وهي تقتضي التأييدَ والحفظَ والإعانةَ، كما قال تعالى لموسى وهارون: {قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى *} [طه :46].

أما المعية العامة، مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد :4]، وقوله: {وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء :108] . فهي تستوجِبُ من العبدِ الحذَرَ والخوفَ ومراقبةَ الله عزَّ وجلَّ.

الثمرة السابعة ـ الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم: قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ*} [ آل عمران: 120] .

الثمرة الثامنة ـ حفظ الذرية الضعاف بعناية الله تعالى: قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*} [النساء :9] ففي الآية إشارةٌ إلى إرشادِ المسلمين الذين يخشون تركَ ذريةٍ ضعافاً إلى التقوى في سائر شؤونهم، حتى يحفظَ أبناءَهم، ويدخلوا تحت حفظِ اللهِ وعنايته، والآية تشعِرُ بالتهديدِ بضياعِ أولادِهم إن فقدوا تقوى الله، وإشارةٌ إلى أنَّ تقوى الأصولِ تحفظُ الفروعَ، وأنَّ الرجالَ الصالحين يُحْفَظُوْنَ في ذريتهم الضعاف، كما في آية:

{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]. فإنَّ الغلامين حُفِظا ببركة أبيهما في أنفِسهما ومالِهما.

الثمرة التاسعة ـ سببٌ لقبولِ الأعمال التي بها سعادةُ العبادِ في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *} [المائدة :27].

الثمرة العاشرة ـ سببُ النجاةِ من عذاب الدنيا: قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*} [فصلت :17 ـ 18].

الثمرة الحادية عشر ـ تكفيرُ السيئات: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا*} [الطلاق :5].

الثمرة الثانية عشرـ ميراث الجنة: قال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا*} [مريم :63] فهم الورثة الشرعيون لجنّة الله عزَّ وجلَّ، وهم لا يذهبون إلى الجنة سيراً على أقدامهم، بل يحشرون إليها ركباناً، مع أنَّ الله عزَّ وجلَّ يقرِّبُ إليهم الجنة تحيةً لهم، ودفعاً لمشقتهم، كما قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ*} [ق :31] وقال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْدًا*} [مريم :85] .

الثمرة الثالثة عشر ـ تجمعُ بين المتحابّينِ مِنْ أهلِهَا: قال تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ*} [الزخرف :67] ومن بركة التقوى أنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزع ما قد يعلقُ بقلوبهم من الضغائن والغل، فتزدادُ مودَّتهم، وتتمُّ محبتُهم وصحبتُهم، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ *وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ *} [الحجر :45 ـ 47].

إنَّ هذه الثمار العظيمة عندما تمسُّ شغافَ قلوبِ المسلمين تضفي على الأمةِ فيضاً ربانياً موصولاً بالله، يصِلُ حلقةَ الدنيا بالآخرة، كما أنَّ الحرص على تقوى الله تعالى يكسِبُ الأمة صفاتٍ رفيعةٍ، وأخلاقاً حميدةً، ومكارمَ نفيسةً تجعل هذه الأمة مؤهَّلة لقيادة البشرية نحو سعادتها.

ملاحظة هامة: استقى المقال مادته من كتاب: "الإيمان بالله"، للدكتور علي محمد الصلابي، واستفاد المقال كثيراً مادته من كتاب: " التوضيح والبيان لشجرة الإيمان"، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.