في الخامس عشر من مايو عام 1945 تم إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين فور خروج القوات البريطانية منها، بعد موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي على تقسيم البلاد، وفق الجلسة التي عقدت في 28 أبريل من العام نفسه بخصوص القضية الفلسطينية. 

فتصاعدت من بعد ذلك وتيرة العمليات العسكرية من جميع الأطراف، وكانت لدى لدى دولة الصهاينة خطة مدروسة، وهي السيطرة على كل منطقة تخرج منها القوات البريطانية، في الوقت الذي كان فيه العرب تعيش حالة تخبّط دون توحيد قوة فعّالة تدافع عن فلسطين، وعدم اتخاذ مواقف صارمة تجاه هذه القضية، ما أدى لاحتلال مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، تفوق المساحة التي نصّ عليها التقسيم، فرجت أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم التي طالتها الحرب، من قصف ومعارك والمذابح التي أحدثها الصهاينة آن ذاك، وبقيت العرب آخذةً دور الصنم، والجمهور المتفرج على نكبة الفلسطينيين، دون حِراك فعليّ يمنع هذا التمدد الصهيوني، أو يسترد ما أُخذ من أراضي الفلسطينيين ظلمًا وعدوانًا..

إعلان القدس عاصمة لدولة الصهاينة "إسرائيل"

في 6 ديسمبر 2017، اعترفت إدارة الرئيس دونالد ترامب رسميًّا بالقدس المُقدّسة عاصمة لإسرائيل، والشارع العربي والسلطات الحاكمة له تكتفي بمناصرة فلسطين ببيانات الشجب والتنديد والاستنكار فقط، رغم كل انتهاكاتهم لثوابت القضية، حتى تصريحاتهم فيها خضوع وذلُّ وعدم جدية وحسم، متناسين أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة

أهمية القدس عند المسلمين

للقدس مكانة مقدّسة في نفوس المسلمين مُنذ القدم، ومنزلتها في قلوبهم عظيمة، لأنها تعتبر أولى القبلتين، وفيها ثالث الحرمين الشريفين، وفيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير».

مظاهر التطبيع مع الصهاينة

نعيش في مرحلة تشهد فيها الساحة العربية مظاهر تطبيع مع ( دولة إسرائيل المزعومة ) بدرجة غير مسبوقة، وبأشكال علنية ومهينة وذليلة، من قبل بعض الأنظمة العربية التي لا لم تكن تربطها علاقات معلنة سابقًا مع الكيان الصهيوني، في ظل حالة من الضعف والوهن، والصراعات والنزاعات والأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، أيضًا مع سياسة تكميم الأفواه التي تتبعها الحكومات ضد شعوبها، وكبت لحريات الرأي العام، ومحاربة للأفكار المخالفة والمضادة لسياسات الدول، فالشعوب لا حول لها ولا قوة أمام سطوتهم الدكتاتورية

قبل خمسين عامًا وقف نزار قباني في بغداد يقدّمُ إفادته في محكمة الشّعر ليخبرنا بجرح قلبه، ووجعه الممتد من حروف شعره إلى الصّحراء التي تطعننا بسكاكين التطبيع هذه الأيّام:

قرشيّونَ! لـو رأتهم قريـشٌ 

لاستجارت من رملِها البيداءُ

يا فلسطينُ، لا تزالينَ عطـشى

وعلى الزيتِ نامتِ الصحـراءُ

قتلَ النفطُ ما بهم من سجايا

ولقد يقتـلُ الثـريَّ الثراءُ

يا فلسطينُ، لا تنادي قريشاً

فقريشٌ ماتـت بها الخيَـلاءُ

ذروةُ الذّلّ أن تموتَ المروءاتُ

ويمشـي إلى الـوراءِ الـوراءُ

للأسف في هذه المرحلة نرى مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو أمر لا يكاد يخفى على أحد، ومن هذه المظاهر: 

  • الزيارات المتبادلة المعلنة بين قيادات إسرائيلية وأخرى عربية، وخصوصًا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لسلطنة عمان في أكتوبر من العام 2019. 
  • سماح دول خليجية لوفود رياضية بدخول أراضيها، كما أن هناك زيارات أخرى أخذت طابعًا أقرب للعلني، والتي يعزوها مراقبون إلى رغبة الإدارة الأمريكية في جس النبض العربي قبل إعلانها ما يسمى بمبادرة السلام.
  • تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط بمصر، الذي ضمّ سبع دول، من بينها إسرائيل بالإضافة إلى (فلسطين، وقبرص، واليونان، وإيطاليا، والأردن، ومصر) هو الآخر له دلالة كبيرة في الموضوع، إذ إن له أهدافًا سياسية أكبر من الأهداف الاقتصادية.
  • وفي عام 2006 قام ملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة" بتعيين اليهودية البحرينية "هودا نونو" سفيرة للبحرين في الولايات المتحدة. 
  • كما ويقوم أولاد زايد بالتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني، بدون خجل أو استحياء، ووصلوا إلى الدفاع بشكل علني عن رموز إسرائيلية شديدة العداء للشعوب العربية والإسلامية، ويقومون بالتنسيق معهم في قضايا مختلفة، ويشترون الأراضي من الفلسطينيين المقدسيين، ويسلمونها لشخصيات صهيونية، بل يساهمون في بناء العديد من المستوطنات الإسرائيلية.

إلى أن وصل بهم الحال لزرع مفاهيم خاطئة، في المجتمعات، ونقل لهم صورة كاذبة أن السلام في العالم مربوط بسلامنا مع إسرائيل، وأن عداؤنا لها يهدد أمن بلادنا، ويجعلها في دائرة الخطر، فيبنون مصالهم على مأساة الفلسطينيين، وسلامهم على أحلام عودة المُهجرين، ويثبّتون كراسيِّي الحكم فوق تاريخ كامل من معاناة الشعب الفلسطيني. 

لكن صفحات التاريخ تسجل المواقف، وتحفظ الأسماء جيدًا، وأن الأخ لا ينسى طعنات أخيه، وأن الأرض التي رُويت بدماء جيش اليرموك وحطين وعين جالوت يحال أن يمحوها حبر اتفاقاتكم، وإن إرادة الشعوب هي الأبقى، والمحتل محتل ولو بقي عقود، وإن فلسطين للفلسطينيين، سنبقى نناضل عنها جيلاً بعد جيل ونكافح كل من يطأ أرضها المقدسة، لأنها عربية وليست لدولة يهود.