إذا أردنا أن نتجاوز اختلاف الفلاسفة وعلماء المناهج فيما يخص ماهية العلم وحقيقته إلى عناصر العلم، فإننا سنقول إن عناصر العلم ثلاثة وعنصر آخر يجب أن يتوفر فيها جميعا وهي:

  • الموضوع 
  • المنهج
  • النتائج

والعنصر الرابع الذي يجب أن يتوفر في العناصر الثلاثة السابقة جميعا هو: 

  •  الجهاز المفاهيمي.

    لنتحدث الآن وكأننا نريد أن نكوّن علما، إن أوّل شرط يضعه علماء المناهج هو وجود موضوع مستقل للعلم ويكون قابلا للبحث والدراسة ولم يتناوله أحد من قبل، والموضوع هو المبرر الأساسي لوجود العلم، فلولا الطبيعة لم يكن للفيزياء أو الجيولوجيا معنى، ولولا جسد الإنسان لم يكن للطب معنى، فيشترط على كل من أراد أن يكوّن علما أن يأتي بموضوع جديد قابل لأن يُدرس أو بجزء معين من موضوع لم يستوف حقّه من الدراسة بعد. والمنهج المناسب هو العنصر الثاني من عناصر العلم، ونقول المنهج المناسب لأن كل موضوع له منهج خاص به، لو اخترت له منهجا مغايرا لما صلح، كما عُرف بتاريخ الفلسفة ثنائية المنهج الاستنباطي والاستقرائي، فالمنهج الاستنباطي ينطلق فيه التفكير من الذات (مسلمات بديهية نظرية) إلى الواقع أو الموضوع ومن العام إلى الخاص، فأنت عندما تقول مثلا:
أحمد إنسان وكل إنسان يموت إذن أحمد يموت، فأنت تنطلق في تفكيرك من الذات أي: مسلمات بديهية لديك وهي (أحمد إنسان) إلى الموضوع (أحمد يموت) وانطلقت في تفكيرك من مقدمة عامة (كل إنسان يموت) إلى نتيجة خاصة (أحمد يموت) أما المنهج الاستقرائي فينطلق فيه التفكير من الموضوع لا من الذات ومن الخاص إلى العام، فمثلا أنت تقوم بتجربة خاصة على هذا المعدن وذاك بعد أن عرضتهم جميعا لدرجة حرارة مرتفعة في نفس الظروف ثم خرجت بنتيجة ألا وهي (كل معدن يتمدد 
بالحرارة وينكمش بالبرودة) فأنت انطلقت من الموضوع فاستقرأت أغلب جزئياته وتناولتها بالفحص ثم خرجت بحقيقة أن كل حديد يتمدد بالحرارة، وأيضا انطلق تفكيرك من الخاص إلى العام، فأنت فحصت هذا المعدن وقمت بتجربة خاصة عليه وعلى أمثاله وكلها تجارب خاصة لتخرج بنتيجة عامّة ألا وهي (كل معدن يتمدد بالحرارة).


الآن بعد عرض هذين المنهجين، نقول إننا يجب أن نختار لكل موضوع ما يناسبه من المنهج، فعلم الطب مثلا لا بد أن يعتمد على المنهج الاستقرائي، فنحن نجرّب اللقاح على هذا الكائن وذاك إلخ... لنخرج بنتيجة عامة أن هذا اللقاح هو للوقاية من هذا المرض، وإن عوّل الطب في بناء نظرياته على المنهج الاستنباطي لفشل وما وصل إلى شيء ذي بال، وهكذا نرى أن الموضوع لا يمكن أن يقوم دون منهج يناسب طبيعته.

وعلى الرغم أننا لو قرأنا في تاريخ الصراعات الفلسفية لوجدنا أن ثمّة فلاسفة ينافحون عن المنهج الاستنباطي - ديكارت - مثلا، وآخرون عن المنهج الاستقرائي - فرنسيس بيكون - وكل منهم يرى أن منهجه هو الكيفية التي يعمل بها التفكير الإنساني، في حين أننا نقول إن كل استقراء فيه شيء من الاستنباط، والعكس صحيح، مما يجعل القسمة الحدّية غير مقبولة، فالاستبيان  - وهو وسيلة تجريبية نافعة ويستخدم في العلوم الاجتماعية - الذي يطبق المنهج الاستقرائي لأنه يوزع الاستبيان الذي يحوي أسئلة محددة على الكثير من الأفراد ومن خلال الإجابات يحدد النتيجة، فالمنهج استقرائي كما نرى، ولكن من الذي وضع الأسئلة وصاغها بالشكل المدروس على ما هي عليه؟ نقول: الباحث. فنقول هل وضع الباحث هذه الأسئلة بناء على الاستقراء؟ لا وإنما وضعها من تفكيره وصياغته، إذن فهو استنباط. لأنه لم يضع الأسئلة بناء على التجارب واستقراء الجزئيات؛ وهكذا نرى أن كل استقراء فيه شيء من الاستنباط والعكس صحيح. 
والعنصر الثالث يأتي نتيجة التناسق بين المنهج والموضوع. الآن وقد درسنا الموضوع دراسة دقيقة بمنهج يناسب طبيعته، فبم خرجنا من هذا التناسق؟ إذ يجب أن نخرج بنتائج نافعة مفيدة للبشرية. فنتائج الطب مثلا لقاحات وأدوية إلخ.. نتائج علم الاجتماع نظريات ونماذج.
    أخيرا فالجهاز المفاهيمي - أي المفاهيم والمصطلحات - يجب أن يتوافر في جميع العناصر السابقة، إذ أن الباحث يجب أن يشرح طبيعة الموضوع الذي يدرسه بمصطلحات علمية محددة، كذلك يشرح معالم المنهج الذي يرجع إليه بالمصطلحات، والنتائج كذلك. ولا يشترط في المفاهيم الكثرة وإنما غنى المضمون. وحتى ننتج المفهوم أو المصطلحات لا بد أن نعرّف بالشيء من خلال:

  • بيان حقيقته وجوهره.
  • بيان مكوناته وأجزائه وعناصره التي يتكون منها.
  • بيان الوظيفة التي يقوم بها.

فإذا أردنا أن نعرّف الخلية العصبية مثلا إما أن نعرّفها بحقيقتها أو بعناصرها أو بوظيفتها أو بهم جميعا إذا توفر ذلك. فنقول مثلا في بيان حقيقتها أنها وحدة صغيرة متخصصة معقّدة في عملها، أو بعناصرها فنقول إنها تتكون من (المحور، الزوائد الشجيرية، جسم الخلية، النهايات المحورية dendrites, cell body, axon, axon terminals)، أو بوظيفتها فنقول تقوم بنقل السيالات العصبية، أو نذكر ما سبق جميعا.