إن العلم هو أساس الحياة الإنسانية وأصل ثباتها في الأرض، والمتعلم ينبغي له الثقة بنفسه والعزم على أفعاله العلمية.

في هذه المقالة أكتب بعض الكلمات عن رسالة "أسرار التميز المعرفي" للكاتب السوداني أحمد بابكر حمدان، الذي يبحث عن السؤال المزعج بين الطلاب بخاصة وبين الناس بعامّة، ويسرد الأجوبة الصحيحة الصريحة عن ذلك السؤال.

وأسرد هنا بعض الأسباب التي حثتني للاهتمام برسالة "أسرار التميز المعرفي":

1- سؤال المعرفة هو السؤال المزعج في جميع المجالات.

2- رغبتي في المعرفة عن التميز المعرفي.

3- حرصي على المعرفة عن المعرفة الضرورية للمجتمع.

الفصل الأول في الكتاب يحمل عنوان: "سؤال مزعج" 'Difficult question' لماذا نتعلم؟

هذا السؤال يزعج الجميع، ومن المشهور: أننا نسأل أنفسنا هذه المسألة المزعجة مرارا، وقد نقل كلمات المفكّر التربوي الدكتور عبد الكريم بكار:

"استعينوا على فهم مشاريعكم والوعي بذواتكم بجنود الفهم الستة: ماذا ولماذا وكيف وأين ومتى ومن".

وأورد الكاتب سؤالا لإشعارنا بأهمية ذلك وقال: ما مصدر انزعاجنا؟ 

وأجاب لذلك قائلا: "إن عاداتنا في مجملها لا تسمح بإدراج (لماذا) في إطاراتها... لكن الأمر يزداد غرابة عندما يتعلق عدم السماح لـ (لماذا) بالظهور حتى في عاداتنا المعرفية التي يفترض بنا أن تتبناها لا أن تحكم عليها بالإعدام".

وأورد الكاتب تحت عنوان "افتراضات أساسية Postulates” تعريفات لمفردات (الحياة، المجتمع، الانتماء، التنمية، الحضارة) وبين العلاقات العضوية بينها:

1- التعلم والحياة: 

إن الإنسان يود من التعلم أن يكون شخصًا ذا قدرة عظيمة في جميع المجالات التي يريدها، والإنسان كائن حيّ يحتاج لقدرات جيدة لكي يتعلم، وأيضا إلى غذاء جيد وكساء ومسكن، والغذاء متعدد المعاني، كالغذاء للبدن وهو الأطعمة التي نأكلها، والآخر للروح والوجدان، والثالث للعقل والفكر. وههنا، تقترن الحياة بالتعلم والمعرفة.

2- المجتمع والمعرفة.. Community & Knowledge

وعند الانتقال إلى محطة المجتمع، نجد أن الإنسان كائن مجتمعيّ بطبعه، والإنسان لا بد له من العيش في مجتمع وبين مجموعة من جنسه. ولذا، لا بد له من التعامل والتفاعل معهم، وهنا، يفتقر الإنسان إلى معرفة بمستوى ما، ذكر الكاتب أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وإذا كان مفتقرا إلى المعرفة، فإنه لا يستطيع إدارة مجتمع ناجح؛ لعدم كفايته بالمعرفة، فالمعرفة هنا تلعب دورًا كبيرًا جدًا في حياتنا المجتمعية.

3- الانتماء والتنمية... Affiliation & Development

ثم الانتماء والتنمية محتاجة إلى المجتمع أيضا؛ لأن المعرفة وهي منجاة المجتمع من المشكلات والتحديات وجميع الصعوبات ثم تشكل الحضارة الثقافية للمجتمع. إن المجتمعات عادة ما تواجهها مصاعب ومشكلات وتحديات وحاجات... تتطلب حلولًا ومعالجات وإسهامات تتعدد وتتفاوت أنواعها و أحجامها ومستوياتها.. وذلك بهدف المحافظة على المجتمع وعلى مكوناته..

الإسهام في تقدم المجتمع يطلق عليه (تنمية)، والقيام بالفعل التنموي أياً كان، إنما يتطلب معرفة بدرجة ما. أما الانتماء، فهو الشعور الدافع والمبرر للعمل وبذل الجهد... والوعي بمعاني الانتماء للمجتمع، تولده المعرفة، التي نحن بصدد التبرير لبحثنا عنها وتزودنا بها. ولذا فإن المعرفة والمجتمع مترابطان كما ذكرنا.

4- الانتماء الواعي وبناء الحضارة.. Affiliation & Civilization

تحت هذا العنوان أورد الكاتب ما يأتي: "أشخاص أحياء... يغذون عقولهم بالمعرفة... ويعيشون في مجتمع... ويعملون على معالجة مشكلاته والإسهام في تنميته... دافعهم إلى ذلك انتماء واعٍ بأهمية التطور والتقدم وتحسين مستوى الحياة والبيئة..

إن أمثال هؤلاء الأشخاص، ويمكننا التعبير عنهم بـ (المجتمع)... هم بناة الحضارات العظيمة التي شهدتها البشرية في تاريخها الممتدّ حتى اللحظة... وهل تبنى الحضارات بأذهان متبلدة فارغة وأفئدة فاقدة للانتماء؟ كلا بالطبع".

إن هناك كثيرًا من الناس يعيشون بين المجتمع، وهم في قمة المعرفة والإبداع، ويغذون أنفسهم بالمعرفة وبهم تبنى الحضارة المجتمعية. ولذا، يقال: أن الحضارة والمجتمع لا تبنى إلا بمن له عقل سليم ومعرفة قويمة.

ثم يرجع إلى السؤال المزعج مرة أخرى، ويقول: "هل نسيتم السؤال المزعج؟ لماذا نطلب المعرفة؟

الجواب: إننا نسعى للمعرفة ونطلبها للآتي:

- لنغذي عقولنا و أذهاننا.. ولنتعرف على أنفسنا وذواتنا بصورة أفضل.. وباستمرار..

- لنتفاعل مع مجتمعاتنا التي نعيش في كنفها و ننعم بدفئها وحنانها..

- لنعمل على تنمية مجتمعاتنا تلك، ومعالجة مشكلاتها ومواجهة التحديات التي تواجهها؛ حتى لا نفقد ظلّنا الوارف مربعنا الخصيب..

- لنعمل على بناء حضارة متميزة تعبر عنا، وتصبح- من بعد- رصيدا لأجيالنا وللبشرية أيضا.

ويضيف الكاتب عبارة أخرى: "تذكر أن وضوح الهدف يعد أكبر محفز على الاندفاع لتحقيقه."

إننا لا نطلب المعرفة لقتل أوقات الفراغ ولا نطلبها للتسلية... وإنما لأهداف واضحة حددناها بأنفسها.. فإن كنا كما نزعم.. فما هو الموقع الجديد للمعرفة والتعلم في حياتنا؟ وبما أن الحياة عبارة عن مجموعة أنشطة إنسانية... فهل لنا أن نعدّ الجهد المعرفي فرعًا منها أم ..؟"

وقد بيّن الكاتب أن وضوح أهدافنا مهم جدا عندما نعيش معرفيا في مجتمعنا، لأن العيش بلا هدف لا يبني الحضارة، وهذه حقيقة كضوء الشمس في رابعة النهار.

ثم أورد الكاتب تجربة السيد (س) وقصته.

من هو السيد (س)؟ إنه شخصية افتراضية للتفاعل مع القارئ.

يدير السيد (س) أنشطته الحياتية عبر نظام أطلق عليه (إدارة الأنشطة الشخصية بنظام الملفات الرئيسية)، وهي أربعة: 

1- النشاط المعرفي (المعرفة والتعلم).

2- النشاط الرياضي والترفيهي؛ لأحافظ على بدني سليما... والعقل السليم في الجسم السليم. 

3- النشاط المهني والإنتاجي...

4- النشاط التطوعي؛ للمشاركة في خدمة مجتمعي بما توفر لدي من معرفة وتجارب...

- تجربتي الشخصية:

أما عن نشاطي المعرفي الشخصي، فقد تعرفت في الرسالة على شخص افتراضي، أخبرنا عن تجربته الشخصية في التميز المعرفي وقال إنه كان يدير نشاطه الشخصي عبر نظام أطلق عليه (نظام الملفات الرئيسية) كما ذكرنا من قبل.

إن النشاط المعرفي هو حلقة الوصل بيني وبين المجتمع ولكن في نظامي لا تأتي المعرفة دون مساعدة الآخرين وذلك واضح بأن الشخص الواحد لا يستطيع له أن يبني النشاط المجتمعي. إن التواصل بيني وبين مجتمع المعرفة مهم في جميع المجالات، كما قلت لا يستطيع لأحد أن يبني المجتمع إلا بمتعاون معه. ويقول المثل: (إن اليد الواحدة لا تصفق).. وأرى أن أي شخص أراد أن يكون ناجحا في مشروعه المعرفي فإن عليه العزم والثقة بنفسه والروح الخالصة.

ولابد للعالم والطالب في حياته المعرفية من الكتابة، وهو بغير الكتابة غير كامل وفي حياتنا نثبت أن "من كتب قر ومن حفظ فر". لذا، الكتابة في حياته واجبة، يقال: عندما تكون قارئًا فكن صاحب قلمٍ مميزٍ أيضًا. وعلى الطالب أن يصحح الأفكار الخاطئة عن الكتابة، ومن ذلك: كونها "ليست من الأعمال والأفعال العادية بل هي علامة قدرة عظيمة" وهذا خطأ.

وأدير أنشطة حياتي بهمتي وعزمتي. لكل شخص حياة وكل أحد يدير أنشطة حياته حسب اهتمامه المعرفي.