منذ أسابيع كان خبر انتشار فايروس (كورونا) خبرًا عاديًّا تتناقله وسائل الإعلام، وبدأ الناّس يتندّرون فيما بينهم، فما إن يعطس أو يسعل أحدهم في الصفّ أو في إحدى وسائل النقل حتى تتأهب العيون وتلتفت الوجوه وتشتعل النّكات واللطائف. وما هي إلا أيام، وبخبرٍ واحد يُعلن عن تثبيت وصول الفايروس إلى البلاد حتّى مُلِئت الأجواء برائحة المعقمات، وفرغت الرفوف منها ومن كلّ ما يتعلق بها... إنّه الهَلَع!

التَّنَمُّر والكورونا

في بلاد تضمّ كثيرًا من الجنسيات المختلفة، والأشكال المتعددة، تحوّل (كورونا) إلى أداة للتنمّر! يكفي أن تكون عيناك ممدودة الجفنين حتّى تُفْزِع مَن حولك! وتُعرِّي طِباعهم العُنصريّة بجلاء سافر... لا تذكّرني مثل هذه التصرفات إلا بما وُصِفنا به نحن –السوريين- حين خُلِع منّا رداءُ الوَطن وبُعثِرت وجوهنا في رماد عالمٍ سَفِيه! 

هل يستحقّ انتشار هذا الفايروس كلّ هذه الضوضاء، أم أنه الخوف من الموت؟

ينقسم النّاس في رؤاهم دائمًا، وهذا من رحمة الله بنا، إلا أنه في مواقف كهذه؛ تُهدّد حياة الناس وأمنهم وأمانهم، لا يحقّ للآخرين أن يستهزئوا متبنّين اتجاهات مجحفة بحقّ الحياة... لكنْ ألم يكن هذا الحال الحاضر والمهيمن حين اتّقدت جذوة الدّمار في بلادنا، وهدمت ديارنا وما لنا فيها من أحلام كانت تتوق إلى الانعتاق من نَيرِ التّسلّط والتجبّر ومصادرة حقّ الحياة! ألم يُواجه ذلك باللامبالاة واللامعنى!

ما الفرق الآن؟

الفرق الوحيد هو أنه خَطر يُهدّد الجميع من دون أيّ استثناء، وأنّه لا قدرة لفئة على مواجهته ودفعه باللامبالاة! وهذا الفرق ذاته جعل الذين لاقَوا أضعاف الهلع السائد الآن يشعرون بعدم استحقاق أمر انتشار الفايروس كلَّ هذه الجَلَبَة أو هذا الرّعب!   

لماذا لا يخاف كثير من الناس ولا يلزمون بيوتهم؟

الأمرُ لا يتعدّى شعورَ الإنسان تجاه أهمية حياته، فالموت – لدينا- حقّ قادم بشكل من الأشكال، ويا مرحبا به –عند كثيرين مِمَّن عَايَنُوا أشكالًا يَنْدَى لها جَبينُ الإنسانية- إن كان قادمًا بهيئة إنفلونزا!

إنْ أَحَلْنَا النظر عن أهمية التّحصّن والوقاية آخذين بأمر الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (195/ البقرة)، فإنّنا لا نملك أن نلوم أولئك الذين قابلوا هذا الوباء العالمي جميعهم بعدم الاكتراث؛ ألم تتوقّف الحياة في البلاد التي صارت ساحة لحروب العالم؟ ألم تتوقف المدراس؟ ألن يشعروا بالهلع من نفاد المؤونة طعامًا وشرابًا؟ ألم يرزحوا تحت وطأة الخوف والجوع سنين عِجافًا؟ ألم يخرجوا من ديارهم لكسب لقمة العيش تحت الرّصاص والقذائف وما يفوقهما حجمًا وخطورة؟ ألم تُغلق مطارات العالَم في وجوههم؟ فما الذي يُخيفهم الآن؟!

البَلاءُ وعْيٌّ وبِناء

لم يبقَ أحدٌ لم يفكّر بينه وبين نفسه -على الأقل- بسبب ظهور هذا الفايروس وانتشاره في العالم الآن، أهي ذنوبنا التي حالت بيننا وبين بيوت الله وهَدَدَت حَيَوَاتنا بالخطر؟ أم أنه مِنحَةٌ من الله لِيُعادَ ترتيب الأوراق، ويُنظَر في بناء النّفوس وأولويّاتها؟

أَتُرَانا وقفْنَا عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ (41/ سورة الأنعام)؟ ألسْنَا في بأسَاء؟ هلّا تدبّرنا قوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾، وقوله عزّ وجلّ: ﴿لعلهم يَرْشُدُون﴾؟ وهل من مُدْلٍ بدَلْوِه بعْدَ البيانِ الحكيم!