تسعى دول العالم إلى إحداث تطور في أسواقها المالية لما لها من دور فاعل في زيادة الاستثمار وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي، ومن أهم المؤشرات المعبرة عن التنمية المالية في الدول المتقدمة والدول النامية على حد السواء مؤشرات العمق المالي في سوق المال، والذي يعبر عنه من خلال تحسين الظروف الاقتصادية من خلال زيادة الكفاءة التنافسية في تلك الأسواق بما يعود بالنفع بشكل غير مباشر على القطاعات الاقتصادية غير المالية.

 حيث أن زيادة العمق المالي يسهل تعبئة المدخرات بشكل كفؤ، ويساعد في تحسين كفاءة توزيع الموارد المالية كما يساهم في توفير خيارات أكثر من الخدمات المالية التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي ومن الجدير بالذكر أن تطور سوق المال يساهم في جذب الاستثمار والأعمال، وذلك يتطلب تطوير أسواق المال والمحافظة على مراكزها المالية للتوصل إلى قطاع مصرفي سليم يحافظ على حقوق المودعين والمستثمرين، وإلى سوق أوراق مالية(بورصة) تعمل بشكل فعال وشفافية عالية بما يكفل تمويل الاستثمارات قصيرة وطويلة الأجل للمساهمة بشكل فعال في تطوير الاقتصاد الوطني وازدهاره.

ماهية العمق المالي:

كثيرا ما يستخدم مفهوم العمق المالي في دراسات التنمية ويشير هذا المفهوم إلى زيادة تقديم الخدمات المالية مع خيارات واسعة منها، وحسب البنك الدولي فإن العمق المالي يشمل الزيادة في المخزون من الأصول المالية، ومن هذا المنظور فإن العمق المالي يعني قدرة المؤسسات المالية بشكل عام على تعبئة فعالة للموارد المالية من أجل التنمية، كما يشير أيضا إلى اعتماد سياسة مالية حقيقية مناسبة تعمل على توسيع الأسواق المالية وتزيد من تراكم الأصول المالية بوتيرة أسرع من تراكم الثروة غير المالية والإنتاج.

بإلاضافة للوصول أو الشمول المالي والكفاءة والاستقرار المالي، يُعتبر العمق المالي أحد أربعة مؤشرات التنمية المالية، ويشمل المؤسسات المالية والتي تضم ائتمان القطاع الخاص، وموجودات المؤسسات المالية، وعرض النقد بالمعنى الواسع، والودائع والقيمة المضافة الإجمالية للقطاع المالي بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما تضم الأسواق المالية أيضا سندات الدين الخاصة والعام، وسندات الدين الدولية، ورسملة سوق الأسهم والأسهم المتداولة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

 العوامل التي تساهم في زيادة العمق المالي للأسواق المالية:

 تسعى الدول جاهدة إلى تحقيق مزيد من التنمية المالية وذلك من خلال زيادة العمق المالي لأسواقها المالية لجعل السوق المالي أكثر كفاءة، ومن العوامل التي تساهم في زيادة العمق المالي: 

1- تشجيع التفاعل المشترك والمنظم بين صانعي السياسات والمشاركين في السوق والتحرك نحو نظام مالي أكثر شفافية.

       2 - تطوير المؤسسات الاستثمارية على المدى الطويل وتشجيع صناديق التقاعد وشركات التأمين لوضع خطط طويلة الأجل للاستثمارات عن طريق تغيير معايير التقييم وتقديم الحوافز المناسبة للاستثمار في منتجات التأمين على المدى الطويل.

       3- تقديم حوافز ضريبية لتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل والمدخرات من صغار المستثمرين لجلب أموال إضافية إلى الأسواق المالية.      

       4- تخفيف القيود على البنوك، من خلال السماح للبنوك بتملك الأسهم وتداولها وتوفير تمويل الاكتتاب وتوفير القروض مقابل حقوق المساهمين، مما يؤدي إلى تعزيز السيول في السوق وتوفير مزيد من المرونة للمقترضين وتسهيل الاستثمار في السوق.

 5- تطوير مشتقات الأسهم بما في ذلك خيارات العقود الآجلة وكذلك خيارات الأسهم المستقبلية، وذلك لضرورة تعزيز السيولة وتوفير آلية للتحوط بالنسبة للمستثمرين.

6- زيادة الكفاية في السوق المالي من خلال توفر كافة المعلومات أولا بأول عن المعاملات التي تتم في سوق المال، مما يقلل من حدة المخاطرة ويزيد من الاستثمار. 

7- زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق المالي.

 8- تنويع الأدوات المالية من خلال إصدار أدوات مالية جديدة مثل السندات. 

السياسات التي تساهم في زيادة العمق المالي للأسواق المالية:

تسعى الدول إلى تحسين أداء أسواقها المالية للوصول إلى الأسواق المالية الفعالة والجيدة، وذلك من خلال تحقيق معدل مناسب من العمق المالي في سوق المال، وذلك من خلال تبني سياسات مالية ونقدية تساعد على تحقيق معدلات من العمق المالي يكون لها دور بارز في زيادة النشاط الاقتصادي وتحقيق نمو اقتصادي، ومن السياسات المتبعة لتحقيق ذلك ما يلي:

 1- إصدار قوانين تستهدف بناء الثقة بين المستثمرين والبنوك من خلال مكاتب خلق الائتمان التي تشرف على سجلات التسويق.

 2- إعادة تنظيم النظام المصرفي من خلال افتتاح القطاع المالي على المنافسة واستحداث أدوات مالية مناسبة لعمليات التمويل المحلية.

3- تطوير سوق رأس المال وخصوصا سوق السندات لغرض التمويل طويل الأجل.

 4- سد الفجوة بين القطاعات المالية الشكلية والرسمية، من خلال تكوين مؤسسات لمساعدتهم على زيادة نشاطهم وتطوير منتجات مالية تسخر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة تصل لشريحة أكبر من السكان.

 5- العمل على تنظيم الأسواق المالية بشكل كافٍ لعرض تشكيلة واسعة من الأدوات والخدمات المالية، مما يساهم في زيادة عمق السوق لضمان تعبئة الموارد المالية بشكل كفؤ.

التحديات التي تواجه التعميق المالي في الأسواق المالية:

 من خلال مفهوم العمق المالي وما يتضمنه من قدرة المؤسسات المالية على تقديم خدمات مالية أكثر كفاءة وأقل كلفة، وتحسين في مستوى الوساطة المالية والتنويع في الأدوات المالية لتقديم خدمات مالية أفضل تساهم في زيادة النمو الاقتصادي إلا أن هناك عديدا من التحديات والعقبات التي تواجه تحقيق ذلك: 

1- الأطر التنظيمية غير المكتملة، والوساطة المالية المنخفضة وأنظمة مكاتب تسجيل غير كفؤة، تقلل من تنويع الأدوات المالية وتقلل درجة السيولة في السوق بالإضافة إلى انخفاض حجم الوساطة المالية، مما يشكل عائقا أمام زيادة عمق السوق وذلك يعرقل الأعمال التجارية ويقلل من الناتج المحلي الإجمالي. 

2- وجود قطاع مصرفي تنخفض فيه دور الوساطة المالية في زيادة حجم السوق واتساعه بسبب سعر الفائدة العالي جدا.

 3- ضيق سوق رأس المال وصعوبة تحويل الأدوات المالية إلى نقد مما يعيق التمويل طويل الأجل وتعيق تمويل الدين المحلي.

 4- قلة توفر الأدوات المالية الإبداعية وبشكل خاص تلك المسخرة نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل أغلبية الأعمال التجارية مما يقلل من زيادة معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. 

إن الأنظمة المالية التي تمتاز بانخفاض كلفة المعلومات وسرعة إنجاز المعاملات وكفاءة تخصيص الموارد وقدرتها على تنويع وتوزيع الخطر تعد أنظمة مالية متطورة قادرة على إحداث فرق في معدلات التنمية المالية، لذا هناك تحديات لصناع السياسات الاقتصادية في البلدان التي تحاول المنافسة في عالم تحيطه العولمة المالية مع تحديد نقاط الضعف في مسارات التنمية المالية.