التَّوحِيد، وهو لُغةً جعلُ الشيءِ واحدًا غيرَ متعدِّد، وفي اصطلاح المُسلمين، هو الإيمان بأنَّ الله واحدٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره، وأنّه وحدَه المستحق للعبادة فلا تُصرَف لغيره.

توحيد الربوبية

يقصد بتوحيد الربوبية إفراد الله بأفعاله، وبعبارة أخرى أن يعتقد المسلم تفرد الله بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والملك والتدبير وسائر ما يختص به من أفعال وقد كان هذا النوع من التوحيد واضحاً بيناً حتى لدى قريش قبل الإسلام.

توحيد الألوهية 

معنى توحيد الألوهية هو الاعتقاد الجازم بأن الله هو الإله الحق ولا إله غيره وإفراده بالعبادة. والإله هو المألوه أي المعبود وتعرف العبادة لغةً بأنها الانقياد والتذلل والخضوع. فلا يتحقق توحيد الألوهية إلا بإخلاص المسلم العبادة لربه وحده في باطنها وظاهرها بحيث لا يكون شيء منها لغيره.

ما نُريد أن نُشير له من هذه التعريفات هو الدور الأساسي للتوحيد بشقيه في تكوين مناعة فكرية قوية لا تُضعفُها البدع، نحن جميعنا مُسلمون وكُلُنا مُوحدون، ولكن قلّ ما نجد من يُدركون معاني التوحيد ويستشعرونها تماماً بجميع حواسهم، والنوع الثاني من التوحيد هو الذي يُفرق بين المُوحدين والمُشركين، فكما ذكرنا أن النوع الأول من التوحيد حتى كُفار قُريش كانوا يؤمنون به وقد دلّ على ذلك قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه).

فتوحيد الألوهية هو الذي من شأنه أن يضع النقط على الحروف فلا يكون من المرء أن يؤمن بربوبية الله دون أن يخصه وحده بالعبادة. أما المناعة الفكرية لا يتسنى لنا الوصول لها إلا بإمعان التفكر والايمان العميق بشقي التوحيد.

عندما يمتلك الشخص فكرة ثابتة وصورة واضحة لشيء مُعين ويكون واثقاً تمام الثقة في هذه الصورة فإنه لن يُكذب عينيه أو يقبل أي تشكيك فيما رأى، كذلك عندما يتربى الطفل وينشأ في كنف والديه ويكون واثقاً تمام الثقة أن هذه والدته وهذا والده، لن تكون هناك فكرة قد تجعله يشك في أن هذه قد لا تكون هي والدته أو أن يُصدق مباشرة إذا ما أخبره أحد بأن هؤلاء ليسوا أهلك وعليك أن تبحث عن غيرهم، هكذا الأمر بالضبط بالنسبة لتوحيد الربوبية والألوهية، عندما يكون المرء مؤمناً تمام اليقين والثقة بأن الرب والخالق والرازق واحد لن يكون عنده شك أو أدنى عدم رضا عن وضعه المادي مثلاً، لن يحسد شخصاً على ما لا يملك هو، على الأقل لن يؤمن بما يقوله العلم بأن المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم لأنه سيكون واثقاً تمام الثقة بأن الله يقدر على إفناء المادة وإنشائها من العدم ولن يُجاري التجارب التي تُجرى يومياً في محاولة لاستخلاص جزيئات من عدمٍ سواء عن طريق التسارع أو الطرد المركزي وما إلى ذلك من الأنابيب المُفرغة..

عندما يكون الفرد مؤمناً تمام الإيمان وخالصاً في توحيده لله وعبادته لن يقبل على نفسه التصديق بالمشعوذين والدجالين والسحرة ومع الأسف هناك من يتوجهون لهم بالعبادة. عندما تكون هناك صورة أساسية عند المسلم مفادها أن الله واحد فلن يتفكر في عقيدة الثالوث أو تلفت انتباهه البوذية ولا الوثنية، عندما تكون فكرته واحدة عن أن الله هو الخالق فقط لا غيره لن يكون هنالك مجال بأن الطبيعة لها دور في بداية الخلق أو نهايته ولا حتى في كيفية سير الأمور، لن يكون هناك ذرة شك في نظرية حلولية الروح في المادة، عندما تكون هناك مفاهيم راسخة مفادها أن العبادة لله وحده وأنه من تقوى القلوب تعظيم شعائره لن يكون هناك فرصة ليتسلل الاحتفال بعيد الكريسماس وعيد الفصح والشكر، لن تكون هناك أي ملامح زعزعة فكرية، وأي تشويش أو عدم استقرار فكري ديني يُمكن ترجمته إلى رسالة مفادها "رؤيتي للأمور ليست واضحة والشك الذي بداخلي وقبولي للبدع والتفكر فيها ناتج عن عقيدة ضعيفة تقبل الشك فأنا لا أثق فيما عندي أو ربما ليس عندي شيء لأثق به فالبتالي يكون كل شيء جديد جذاباً بالنسبة لي".

عن معاذٍ بن جبل رضي الله عنه قَالَ: بعَثني رسولُ اللَّهِ ﷺ إِلى اليَمن فَقَالَ: إِنَّكَ تأْتي قَوْمًا منْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلى شَهَادةِ أَنْ لا إِله إِلاَّ اللَّه، وأَنِّي رسولُ اللَّه، فَإِنْ أَطاعُوا لِذلكَ، فَأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه تَعالى افْتَرَض عَلَيْهِمْ خمْسَ صَلواتٍ في كلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه افْتَرَض علَيْهِمْ صَدقة تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهم فَتُردُّ عَلى فُقَرائِهم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلَكَ، فَإِيَّاكَ وكَرائِم أَمْوالِهم وَاتَّقِ دَعْوة َالمظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ متفقٌ عَلَيهِ.

من هذا الحديث نعلم لماذا أُمرنا بالتوحيد أولاً ولماذا كانت كلمة التوحيد هي أول أركان الإسلام، لماذا لم نُؤمر بالصلاة قبل التوحيد أو الحج أو الزكاة أو الصوم، لماذا كل هذه الأمور جاءت بعد التوحيد، ولماذا عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بمعاذ بن جبل لليمن أكد عليه أن يدعوهم للتوحيد قبل كل شيء وأن لا يأتيهم من حيث يشاء من أمور الدين أو أن يترك له الأمر على حسب تقديره، لقد كان التوحيد هو الأول لأنه بمثابة تأسيس وتمهيد لكل ما هو آتي عندما تُوحد الله فقط ستتقبل كل الأوامر والنواهي بكل صدر رحب ولن يُصيبك فيها شك ولن تلتمس منها حرجاً. الأمر مشابه لما يتلقاه الطفل من معلمه في المدرسة، عندما يعلم لأول مرة أن هذا سيكون معلمه لهذا الفصل سيثق به تماماً وسيتفتح ذهنه ويصبح في حالة تقبل وطاعة لكل ما يقوله المُعلم، ولكن إذا قابل المُعلم الطفل وطلب منه أن يقوم بكتابة واجب دون أن يُدرك أن هذا هو المُعلم، سيكون من الصعب على الطفل تقبل الوضع أو تفهم الموقف وقد يكون من أول ما يتبادر إلى ذهنه لماذا أكتب لك شيئاً، ولكن عندما تكون هناك معرفة مُسبقة وثقة فيما قد يقوله هذا المُعلم لن تكون هناك مُقاومة لأوامره أو عصيان لنواهيه.

لذلك كان من أفضل الطرق لعبادة الله حق عبادته وتقوية المناعة الفكرية هو معرفة الله معرفة حقة، معرفته بأسمائه وصفاته وذاته، عندها لن تكون هناك مقاومة لأوامر الله ولكن كل المقاومة ستتوجه نحو الأفكار الدخيلة التي تُحاول التشكيك في أمر الله، سيكون الأساس هو ما قاله الله وما نقله لنا نبيه الحبيب.

حتى وإن كان المرء ليس عالماً بجميع العلوم الشرعية وتفاصيلها سيكون عنده استشعار لما هو دخيل، قد لا يُدرك المرء أحياناً الحكمة من بعض الأوامر والنواهي الإلهية، ولكن عندما يكتسب مناعة فكرية لن يُواجه هذه الأمور بالشك فيها ولكن أبسط رد له قد يكون لا أدري ولكن كل ما أعلمه أن الله يُريد ذلك فلا مجال للتشكيك في أي شيء وحتى وإن كنت لا أدري عن سبب فرضه أو سبب تحريمه ولكن طالما أن الله يُحب ذلك فإني أحبه، وهذه ليست دعوة للجهل وإنما لتقبل فكرة أن بعض الأمور يجب أخذها كما هي وكما أنزلها الله دون التشكيك فيها، فلا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم فإن الله في بعض الأمور أخفى الحكمة منها وما أوتينا من العلم إلا قليلا، ومن أدرك الإيمان حُباً ليس كمن أدركه علماً ولكن قد يتساويان في الانقياد، في أيامنا هذه نجد الناس ينجّرون على عمى خلف ما يُحبون وخلف من يُحبون دون هدى أو بصيرة فقط لمجرد الحُب نجدهم يفعلون الكثير، فإن أحببت الله وأحببت ما يقول ستجد نفسك تُحب أن تعبده وتنقاد إليه وتفعل كل ما يأمرك به وتترك كل ما ينهاك عنه رغبة في رضاه فإنه محبوبك الأعظم.

وحب الله سيدفعك للتعرف إليه وتعلم كلامه وإدراك أحكامه وتدبر مُنزلاته والغاية والهدف من عبادته والوسيلة إليه، بل إن المرء قد يجد فيها لذةً تُنسيه الدنيا وما فيها وتجده دون تفكير يرفض أي دخيل سواء فكري أو معنوي أو مادي.

عندما يكون المرء مُنقاداً لله تعالى مؤمناً بصفاته وأسمائه موقنا بربوبيته واثقاً من ألوهيته وأنه المألوه فقط لا غير، لن تتأذى أفكاره أو تُشوش نظرته للحقائق سيدرك دائماً عند نقطة ما أن الله هو الحق وأن ما قاله هو المنهج المُتبع وكل ما دون ذلك شبهات وضلالات.

والحديث ضمن هذا الإطار لا يُمكن حصره بهذا العدد القليل من الأحرف فنرجو الله أن يُوفقنا ويُعيننا على الاستفاضة فيه بصورة أكثر أكاديمية وتفصيلاً لتعظم الفائدة.