تحرير: REBECCA RENNER
ترجمة: إسلام هواري

عام مليئ بالأحداث السيئة، جائحة كورونا، وحشية الشرطة، الاحتجاجات، نظريات المؤامرة، الأزمات السياسية، الحرائق، الأعاصير، أسراب الجراد، الانفجارات الكيميائية.
أصبح الكثير من الناس مهووسين بالخطر المتزايد على عالمنا، قصص الخوف والخطر تثير قلقنا، حيث وُضعت أدمغتنا في حالة تأهب قصوى، وهي ميزة كانت قديما تحمي أسلافنا الأوائل من الحيوانات المفترسة والكوارث الطبيعية، والآن جعلتنا مهووسين حيث يتم تصفح الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي لمواكبة آخر الأخبار.

من المؤكد أن عام 2020 لم يكن سيئا بالكامل!

إذا شعرت أن أي عام هو الأسوأ، فذلك غالبا لأن أدمغتنا تميل إلى الحكم على الحاضر بقسوة أكبر. ويؤدي استهلاك الوسائط غير المقيد إلى انحراف تصورنا ويصبح من السهل الانزلاق إلى أنماط معتقدية غير صحية.
لست مضطرا للتغلب على حياتك الرقمية بأكملها للحصول على نظرة أفضل لهذا العام. ووفقا للخبراء فإن تعلم كيفية ترويض معتقداتك السلبية المستمرة أو ميلك إلى النظر إلى الماضي يمكن أن يكون بمثابة فترة راحة تشتد الحاجة إليها من ضغوط هذا العام.
قد يختلف أسلافنا على أن عام 2020 هو أسوأ عام على الإطلاق. بالتأكيد تحدث أشياء مخيفة، لكن العديد منها حدث في الماضي أيضا بما في ذلك جائحة الإنفلونزا عام 1918 التي أدت إلى وفاة 50 مليون شخص.

بالإضافة إلى أن الإعتقاد بأن الحضارة آخذة في التدهور هو تقليد قديم قدم الحضارة نفسها، فحتى الأثينيين القدماء اشتكوا في القرن الخامس قبل الميلاد أن ديمقراطيتهم لم تكن كما كانت عليه من قبل. في هذه الأيام نطلق على هذا الاعتقاد باسم الانحطاط.

قبل الجائحة، اعتقد غالبية الأمريكيين بالفعل أن البلاد كانت في انحدار، فوفقا لاستطلاع أجراه مركز Pew للأبحاث عام 2019، اعتقد حوالي 60% من الأمريكيين أن تأثير البلد على العالم في انخفاض، وكان 12% فقط من الأشخاص متفائلين للغاية بشأن مستقبل البلد، بينما كان 31% متشائمين إلى حد ما و13% متشائمون للغاية بشأن مستقبل بلادهم.
الآن قد يشعر الأمريكيون بالسوء تجاه المستقبل أكثر مما كانوا عليه من قبل، خاصة لأن تدابير التباعد الاجتماعي والعزلة قد أثرت على صحتهم العقلية مما يزيد ذلك من احتمالية رؤية العالم من خلال عدسة التحيز السلبي.
في الثقافة الغربية، يميل الناس بالفعل إلى تفسير الأحداث الحالية بشكل سلبي ويميلون إلى تفضيل الماضي، ووفقا لبحث الدكتور كاري مورييدج Carey Morewedge من جامعة بوسطن Boston ذلك لأن ذاكرات سيرتنا الذاتية تميل إلى الإيجابية فعندما نفكر في الماضي فإننا نميل إلى تذكر التجارب الإيجابية، ويُطلق على هذا أحيانا باستعراض الماضي الوردي أو الحنين إلى الماضي.
من المعروف أن الاستهلاك المفرط للأخبار يسبب التوتر، فوفقا لاستطلاع أجرته الجمعية الأمريكية لعلم النفس عام 2017، أفاد المستجيبون الذين تابعوا دورة الأخبار بأنهم يعانون من الأرق، التوتر، القلق، التعب وأعراض أخرى. ووجد الاستطلاع أيضا أن ما يصل إلى 20% من الأمريكيين يراقبون باستمرار قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم بحثا عن الأخبار والتحديثات ويتحقق واحد من كل عشرة أشخاص من الأخبار كل ساعة.

على الرغم من أنه يبدو أن الأخبار اليوم صادمة أكثر من أي وقت مضى إلا أن فكرة استهلاك وسائل الإعلام يؤثر سلبا على تصورنا للعالم ليست شيئا جديدا. في عام 1968، وجدت دراسة قام بها جورج جيربنر George Gerbner عميد كلية أننبرغ Annenberg للاتصالات بجامعة بنسلفانيا علاقة مباشرة بين الوقت الذي يقضيه شخص ما في مشاهدة التلفزيون واحتمال أن ينظر إلى العالم على أنه أكثر رعبا وخطورة وهي ظاهرة أُطلق عليها متلازمة العالم المتوسط، وأصبحت الدراسة فيما بعد من أهم الدراسات الشاملة لتأثير التلفزيون على مواقف وتصورات المشاهدين الأمريكيين.
وجد الدكتور جيربنر Gerbner أن المشاهدين الذين يشاهدون البرامج التلفزيونية العنيفة يعتقدون أن العنف شائع في الواقع، ويتماشى هذا مع نظرية الزراعة التي تفترض أنه كلما زاد عدد مشاهدي التلفاز كلما بدأوا في الاعتقاد أن التلفزيون يعكس الواقع بدلا من أن يكون منمقا من أجل التأثير الدرامي.

استمرت الأبحاث الحديثة في تعزيز هذه الأفكار، لكن التأثيرات ليست دائما سلبية. كل هذا يتوقف على وسيلة الاستهلاك وكيفية استخدامها وفقا لما قاله عالم الأبحاث مسفين أووك بيكالو Mesfin Awoke Bekalu من جامعة هارفارد Harvard.

يحذرنا د. بيكالو Bekalu من الخلط بين تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي والأبحاث السابقة حول استهلاك التلفزيون. على عكس مشاهدة التلفزيون وهو نشاط سلبي، يتطلب الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة نشطة مما يعني أن دراسة تأثيراته أكثر تعقيدا.

وعلى الجانب الإيجابي، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تقدم لمستخدميها الدعم العاطفي والاجتماعي والذي وجده بعض المستخدمين خلال الجائحة. ومع ذلك يمكن أن تجعلنا وسائل التواصل الاجتماعي نشعر بتأثير الإزاحة وهي ظاهرة يحل فيها النشاط العقلي محل الحاجة الجسدية.

يمكن أن يصبح استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي دورة إدمان، ففي كل مرة نعود فيها إلى وسائل التواصل الاجتماعي نجد عدد كبير آخر من الفرص للوقوع في الفخاخ النفسية.غالبا ما يقضي الأشخاص الذين يخشون الضياع وقتا أطول على وسائل التواصل أكثر من غيرهم مما قد يؤدي إلى التعب وفي النهاية إلى الإرهاق الرقمي.

يقول د. بيكالو Bekalu: "بالنسبة للشباب، يمكن أن تصبح المقارنة الاجتماعية التصاعدية مشكلة، فغالبا ما ينخرط الشباب في مقارنة أنفسهم بالآخرين مما يؤدي غالبا إلى الشعور بعدم الكفاءة وتدني تقدير الذات." لكن الوقت الذي يتم قضاؤه على الشبكات الاجتماعية ليس بنفس أهمية كيفية قضاء المستخدمين لذلك الوقت.

يمكن أن يؤدي الانخراط النشط في محادثات ايجابية مع الأصدقاء وأفراد الأسرة إلى تحسين الحالة النفسية العامة لشخص ما.
يقول علماء النفس إننا قد لا نرى الحاضر على أنه مثالي أبدا، لكن يمكننا تعلم التحكم في تحيزاتنا. وتتمثل الخطوة الأولى في الاعتراف بكيفية تغيير وسائل الإعلام التي نستهلكها من تصوراتنا. إنها تمنح أدمغتنا الرئيسية المعرضة للذعر المزيد من الأسباب للشعور بالتوتر والمزيد من الأمثلة على الحاضر للمقارنة مع نسختنا المعدلة للغاية من الماضي. لكن عندما نكون واعين لأنماط تفكيرنا يمكننا السيطرة عليها وإعطاء أنفسنا فحصا للواقع.

يقول د. بيكالو Bekalu أننا بحاجة إلى أن نضع في اعتبارنا نوع الشبكة الاجتماعية التي نتواجد فيها ومن نتعامل معه وأنواع المحتوى الذي نستهلكه فوسائل التواصل يمكنها أن تجعلنا ننظر إلى الحاضر على أنه أسوأ من الماضي لكن هذا ليس صحيحا بالنسبة للجميع.

للتحكم في انحيازك إلى الماضي، خذ نظرة أكثر واقعية للتاريخ وقارنه بالحاضر، إن الجائحة مخيفة لكنك على الأقل لست فلاحا من العصور الوسطى مع الطاعون الدبلي في كل زاوية بدون فهم لكيفية عمل الجراثيم.
ضع الحاضر في منظوره الصحيح من خلال تقييم ما لدينا أيضا. نحن نحرز تقدما اجتماعيا وعلميا، حيث يعمل الباحثون والعلماء من كل أنحاء العالم على تطوير لقاح فيروس كورونا وهو انجاز لم يكن ممكنا حتى قبل مئة عام.