هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Why Muslims Should Be Concerned By the Metaverse، الذي نُشر في موقع The Muslim Skeptic

دعنا نضع في مخيلتنا سيناريوهين.

الأول لبطل يقود تنينًا أحمرا محلقًا فوق بركان بِسَيفه المرفوع لأعلى وجاهزٍ لضرب الوحش الذي كان يستوطن البركان منذ آلاف السنين. إن حصل ذلك، فإن هذا البطل يكون قد أنقذ العالم وانتابته بهجة عارمة؛ لكن هذا لن يكفيه. إنه يحتاج مزيدا من التشويق. إنه يريد المزيد.

أما السيناريو الآخر فهو لامرأة في شهر العسل. ليست مع زوجها ولكن مع الرجل الأغنى والأكثر قوة وجاذبية ووسامة بالعالم. إنه يدعوها للعشاء في أغلى الفنادق مع أغلى أصناف الطعام. بالنسبة لها، يمكن لهذه الجنة أن تستمر للأبد. لكن هذا لن يكفيها. ستحتاج مزيدا من هذا البذخ. إنها تريد المزيد.

كيف لهذين السيناريوهين أن تربطهما علاقة؟ نحن بحاجة للنظر إلى السيناريو الثالث والأخير إذن.

طفلٌ ملقى على سريره ويبكي باستمرار على أمه. يملأ صدى بكائه كل أرجاء المنزل ويرتد من الجدار. يشق طريقه عابرًا أكوام الملابس الملقاةِ حوله والأطباق الغير مغسولة والأطعمة المغطاة بالفطريات في الثلاجة وكذلك المرحاض المسدود. كل ذلك تم تركه دون مراقبة كما الطفل تمامًا. وأخيرًا، صوته يصل للأم لكن لا يوجد رد. لأن الأم في عالم آخر. إنها في شهر العسل مع غريب. 

لكن ماذا عن الأب؟ بالتأكيد، لا يتحمل حامي الأسرى سماع طفله يبكي دون توقف. لسوء الحظ، الأب أيضًا مشغول. إنه مشغول بإنقاذ عالم وهمي من وحشٍ وهمي أيضًا.

المربية قد قررت عدم الحضور اليوم لأنها كذلك منشغلة بخيالاتها الجامحة بينما تجلس مرتاحة في منزلها. يمكن للمرء أن يتخيل الرعب الذي سيعيشه هؤلاء الآباء والأمهات عندما يقررون العودة للواقع.

سيستنتج شخص عاقل أن ما وصفته للتو متعلق بوالدين مدمني مخدرات أهملا طفلهما أثناء رحلة سيئة للغاية. سيكون هذا الشخص محقا، استبدل فقط كلمة مخدرات بكلمة "ميتافيرس" لمارك زوكربيرغ والتي وصفتها فوربس ب: 

"عالم رقمي  ثلاثي الأبعاد غير محدود سهل الوصول كإلانترنت حيث يمكننا القيام بأشياء مثل التسكع في حديقة أو لعب لعبة أو مشاهدة حفلة موسيقية أو المعاناة خلال مؤتمر عمل."

بعد اعتياد الناس على البقاء في المنازل لمدة عامين بسبب الحجر الصحي المفروض، فنحن على استعداد لاستقبال المرحلة التالية من الإنترنت. إنه تصادم بين العالمين المادي والرقمي.

يضيف الواقع المعزز (AR) عناصر رقمية إلى العرض المباشر غالبًا باستخدام الكاميرا على هاتف ذكي، بينما يوفر الواقع الافتراضي (VR) تجربة غامرة تمامًا تقضي على العالم الخارجي. من الواضح أن السيناريوهات التي وصفتها أعلاه ليست النتيجة المباشرة لهذا المزيج الجديد للواقع المعزز والواقع الافتراضي، ولكن من الصعب عدم رؤيته على أنه النتيجة النهائية.

نعلم يقينا المستويات الهائلة من اللامبالاة التي تظهر من مدمني المخدرات تجاه المحيط والأحباء. ثم تخيل عالمًا تستمر فيه هذه التكنولوجيا في التطور حتى تصل إلى واقع مرير، لا يستطيع معه المستخدمون التمييز بين حقائقهم الذاتية والموضوعية. 

ليس مستبعدًا أن نعتقد أنه سيكون كافيًا لجعل الأم تنسى طفلها. وإذا كنت لا تصدقني، فإليك مقتطف من مقال نُشر في صحيفة الغارديان منذ أكثر من 11 عامًا:

"ألقت شرطة كوريا الجنوبية القبض على زوجين بتهمة تجويع ابنتهما البالغة من العمر ثلاثة أشهر حتى الموت أثناء تكريسهما ساعات للعب لعبة كمبيوتر مخصصة لتربية شخصية افتراضية لفتاة صغيرة."

بعد أكثر من عقد من التطور المستمر للتكنولوجيا، تبدو هذه الحقيقة المروعة أقرب من أي وقت مضى. ومن المفارقات أن مصطلح "Metaverse" مستوحى من رواية عام 1992 للكاتب نيل ستيفنسون بعنوان Snow Crash، والتي تصور ديستوبيا العصر الحديث بتقنية مماثلة. 

إن أقصى ما يمكن للميتافيرس تحقيقه هو الحلم النهائي للحداثة. في الحقيقة، إن المفهوم نفسه يجسد الليبرالية والحداثة. 

كيف؟ يرسم السيناريوهان الأوليان للمستخدمين عالمًا حيث يمكنهم أن يكونوا ما يريدون ويفعلون ما يشاؤون، كل ذلك من داخل منازلهم، مع إخفاء الخلفية القاتمة: أي السيناريو الثالث.

عندما نصبح منفصلين تمامًا عن الواقع ومنغمسين في هذا الفضاء، هل ستحل مشاكل العالم الحقيقي فجأة؟ هل سيتوقف انتشار المرض والجوع؟ هل ستتوقف إسرائيل عن قصف فلسطين؟ الجواب لا، لكننا سننسى هذه المشاكل. هذا ما تهدف إليه الحداثة: استغلال النسيان البشري والرغبة في الهروب من الحقائق القاسية والانغماس في الإنكار. كما تسعى إلى جعل هذا الهروب مغريا. هل يجب علينا كمسلمين أن نقبل رفض الحق؟ أو لم يأمرنا الله بإعلائه؟

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) الأحزاب

يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوّٰمِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلٰىٓ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوٰلِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلٰى بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوٰىٓ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُۥٓا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) النساء

وهذا مجرد غيض من المشاكل التي تطرحها الميتافيرس على الأمة الإسلامية والمجتمع ككل. أسأل الله أن يحفظنا من هذه الفتنة، وأن يعطينا القدرة على التمييز بين الحق والباطل. الحداثة تؤمن أن عجلات الإنسانية يجب أن تتقدم دائمًا، أن نستمر في زيادة سرعتنا دائمًا دون اعتبار للقوة الموجهة. ولكن ماذا لو قادتنا هذه القوة إلى الهاوية؟