التكنولوجيا المالية هي مجال جديد في الإدارة المالية تستخدم لتحسين الإجراءات المالية وهي تطبيقات وعمليات ومنتجات ونماذج الأعمال المُستحدثة في مجال الخدمات المالية، والتي تتألف من خدمة أو أكثر من الخدمات المالية المكملة التي يتم توفيرها كُليًا عبر الإنترنت. يمكن اعتبار التكنولوجيا المالية أيضًا أي أفكار إبداعية تعمل على تحسين عمليات الخدمات المالية من خلال اقتراح حلول تكنولوجية وفقًا لظروف العمل المختلفة، طالما أن تلك الأفكار يمكن أن تؤدي أيضًا إلى خلق نماذج أعمال جديدة.

إن قطاع التكنولوجيا المالية للعملات الرقمية يستكشف استخدام بلوكتشين والتطبيقات القائمة على بلوكتشين كتقنية جديدة لتحدي الطرق التقليدية للقيام بالأعمال. حيث إن بلوكتشين والعقود الذكية والأمن السيبراني هي بعض من مجالات التكنولوجيا المالية الأكثر بحثًا. فإن بلوكتشين ليست مناسبة فقط للمعاملات العادية، ولكن قد تساعد في مجالات عديدة مثل التصويت وإدارة الأرباح من خلال إنشاء شبكة موثوقة وغير قابلة للتغيير مع سجلات لا تتغير للأحداث الماضية.

وقد تطورت التكنولوجيا المالية على مدار العقد الماضي بسرعة كبيرة ، وبدأت بالتأثير بالعقد الماضي على الخدمات المالية التقليدية فعلى سبيل السنوات الخمس الماضية وصلت الاستثمارات في التكنولوجيا المالية أكثر من مائة مليار دولار. 

تضم هذه الصناعة الكثير من الشركات الناشئة التي بدأت في الظهور خلال الأعوام الأخيرة مُقدمةً تنوعاً في نماذج الأعمال منها على سبيل المثال: المدخرات، شبكات الدفع الإلكترونية، وكذلك توفير التمويل اللازم لبعض المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال التطبيقات الإلكترونية. ولا شك في أن هذه الصناعة هي محل اهتمام الكثير من أصحاب القرار والمستثمرين حول العالم لما لها من مستقبل مُربح. حتى أن سوق التكنولوجيا المالية العالمية شهد خلال النصف الأول من العام الماضي 838 صفقة بقيمة إجمالية تصل إلى 15 مليار دولار.[1]

مجالات التكنولوجيا المالية

تعد تطبيقات التكنولوجيا المالية في الخدمات المصرفية متعددة و من أهم مزاياها توفير الدقة والسرعة وخفض التكلفة وزيادة الكفاءة بمستوى أعلى من الأمان، تشمل هذه المجالات التالي رغم قابليتها للتطوير المستمر:

1- التداول في الأسواق المالية
  •  تعمل منصات التداول الإلكترونية المبتكرة على تسهيل التداول من خلال الإنترنت بشكل فوري.
  • تتيح شبكات التداول الاجتماعي للمستثمرين مراقبة السلوك التجاري لأقرانهم والمتداولين الخبراء ومتابعة استراتيجياتهم الاستثمارية في سوق صرف العملات والأسواق المالية.
  • تتطلب تلك المنصات معرفة قليلة أو معدومة حول الأسواق المالية، وقد وصفت بأنها أدوات سلبية نسبيًا لأنها توفر بديلًا منخفض التكلفة ومتطورًا لمديري الثروة التقليديين.
2- المستشارين الآليين
  • يقدم المستشارين الماليين مؤتمتي النشاط، المشورة المالية أو إدارة الاستثمارات عبر الانترنت مع تدخل بشري معتدل بالحد الأدنى.
  • يقدمون نصائح مالية رقمية تستند إلى قواعد رياضية أو خوارزميات خاصة بالذكاء الاصطناعي .
  • يمكن أن يكون المستشار الآلي بديلاً منخفض التكلفة مقارنة بالمستشارين من البشر.
3- أمن البيانات (الأمن السيبراني والقدرة على الصمود)
  •  بسبب حساسية البيانات المالية الخاصة بالمستهلك و الشركات والمصارف و تعرضها لتهديد القرصنة كانت خدمة أمن البيانات من أفضل الخدمات المالية المقدمة من قبل التكنولوجيا المالية.
  • نظرا للخروق الأمنية والمخطط لكيفية تقليل الضرر إلى الحد الأدنى لابد للمؤسسات المالية من آليات لأمن البيانات، لأن منع جميع الهجمات الإلكترونية يكاد يكون مستحيلا نظرا للطرق المختلفة التي يتفاعل من خلالها المستهلكون مع أموالهم ونقاط الضعف العديدة الموجودة بصرف النظر عن مقدار الوقت والطاقة الموضوعة لدفع خطر الهجمات الإلكترونية. بدء من تطبيقات الجوال وبوابات الويب إلى شبكات الأطراف الثالثة وحتى نقاط الضعف التي يقدمها الموظفون والعملاء أنفسهم.

  • تتجه الشركات العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية نحو تقنيات الحوسبة السحابية بشكل استباقي بهدف تلبية متطلبات أمن المعلومات والمتزايدة يوميا.
4- الذكاء الاصطناعي
  • حسب إحدى دراسات "برايس ووتر هاوس كوبرز" تؤكد أن غالبية صانعي القرار على مستوى الخدمات المالية يستثمرون في الذكاء الاصطناعي. وقد أكد 52 في المئة من المديرين التنفيذيين أنهم يقومون باستثمارات "كبيرة" في الذكاء الاصطناعي، بينما يعتقد 72 في المئة أن هذا الاستثمار سيكون ميزة تجارية. تُمثل وُفُورات التكاليف التي من المتوقع أن تصل إلى 447 مليار دولار بحلول سنة 2023 أحد الأسباب التي من شأنها أن تجعل البقية يؤمنون بإمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال الصناعة المالية.
  • يستعمل القطاع المصرفي الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء من خلال روبوتات الدردشة والروبوتات الصوتية ، وتستخدمه العديد من أكبر المؤسسات المالية، لتبسيط خدمة العملاء.
  •  يساعد الذكاء الاصطناعي في التعامل مع العملاء أيضا من خلال تسهيل الخدمات المصرفية عبر الأجهزة المحمولة، والتي تتيح للعملاء إمكانية إجراء العمليات المصرفية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
  • يمنح الذكاء الاصطناعي المؤسسات المالية القدرة على تعزيز الأمن ومنع الاحتيال وكشفه.
5- سلسلة الكتل 
  • استخدمت سلسلة الكتل لأول مرة في عملة البيتكوين الإلكترونية، كقاعدة بيانات موزعة يمكنها تتبع المعاملات بطريقة دائمة ويمكن التحقق منها.
  • يمكن لسلسلة الكتل أن تزيل حراسة البوابات والأطراف الثالثة في نظام القروض والائتمان مع جعل اقتراض الأموال وخفض أسعار الفائدة أكثر أمانًا.
  •  تعمل تقنية سلسلة الكتل بطريقة تبادل المعلومات والأموال الحالية من خلال العقود الذكية.
  • تتميز سلسلة الكتل بأنها شفافة وآمنة للغاية ورخيصة نسبيًا في التشغيل. ونظرًا لأن المزيد من المؤسسات المالية العالمية تدرك أهمية تحسين سلسلة الكتل للأمن فهي توفيرها للأموال وتحسين إرضاء العملاء.
6- البيانات الكبيرة
  • وفقًا لدليل الإنفاق للبيانات الضخمة لشركة البيانات الدولية، يعد القطاع المصرفي حاليًا واحدًا من أكبر المستثمرين في مجال حلول البيانات وتحليلات الأعمال الكبيرة.
  • تأتي اهمية إدارة البيانات من حيث كمية البيانات التي تم إنشاؤها بواسطة الصناعة المالية كمعاملات بطاقات الائتمان، وعمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي، ونقاط الأهلية الائتمانية.
  • يمكن للمؤسسات المالية استخدام البيانات الضخمة في تحديد اتجاهات السوق و لمعرفة المزيد عن العملاء ولتكون قادرة على اتخاذ القرارات التجارية في الوقت الحقيقي بما في ذلك التعرف على عادات العميل في الإنفاق، وإدارة المبيعات مثل تقسيم العملاء لتحسين التسويق وكذلك البيع المتبادل للمنتجات، والتعامل مع الاحتيال والمخاطر، وإعداد التقارير، وتحليل ملاحظات العملاء.
  • تساعد البيانات الكبيرة أيضًا المؤسسات المالية على تبسيط العمليات الداخلية و الخارجية وتقليل المخاطر.
7- أتمتة العمليات الآلية

أتمتة العمليات الآلية يمكن أن توفر العمالة والتكاليف التشغيلية وتقلل من الأخطاء، فإن العديد من المؤسسات المالية بدأت في الاستفادة من هذه التكنولوجيا لخلق أفضل تجربة مستخدم ممكنة للعملاء وتظل قادرة على المنافسة.

  • إن أتمتة العمليات الآلية من خلال روبوتات الدردشة لخدمة العملاء تُساعد البنوك على التعامل مع استفسارات منخفضة الأولوية من العملاء، مثل أسئلة الحساب والدفع لتحرير وكلاء العملاء البشريين من التعامل مع المخاوف ذات الأولوية العالية. أما في شركات التأمين، تُستخدم أتمتة العمليات الآلية لأتمتة أجزاء من عمليات التعامل مع المطالبات.

تؤثر أتمتة العمليات الآلية على المؤسسات المالية أيضا من خلال مساعدتها في ضمان الامتثال في الصناعة عالية التنظيم.

 8- الحوسبة السحابية

  الحوسبة السحابية هي تقنية لتخزين البيانات وتقديم خدمات الحوسبة، بما في ذلك الخوادم وقواعد البيانات والشبكات والبرامج والتحليلات وغيرها عبر الإنترنت. عندما يرغب فرد أو شركة ما في استخدام السحابة، فسوف يدفعون لمزوّد خدمة السحابة استنادًا إلى الاستخدام باستعمال نظام الدفع الفوري.

  • تجعل الحوسبة السحابية خدمة العملاء ممكنةً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من أي مكان.
  •  تعمل الحوسبة السحابية على تعزيز مرونة المؤسسات المالية وتجعل توسيع نطاق الخدمات أسهل وأسرع. نظرًا لأنهم يدفعون فقط مقابل الخدمات التي يستخدمونها.
  •  يمكن للحوسبة السحابية أن تساعد المؤسسات المالية على التحكم في التكاليف. تمكن الحوسبة السحابية أيضًا من الدفع الآمن عبر الإنترنت والمحافظ الرقمية والتحويلات عبر الإنترنت.
تطبيقات التكنولوجيا المالية في العالم الإسلامي

حققت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استثمارات كبيرة حيث شهد النصف الأول من عام 2019، 238 استثماراً تصل قيمتها إلى 471 مليون دولار في تمويل الشركات الناشئة، وهو ما يمثل مؤشراً ممتازاً، حيث يعبر عن زيادة مقدارها 66 % في قيمة الاستثمار خلال هذه الفترة، مقارنةً بالنصف الأول من عام 2018 الذي بلغت قيمة الاستثمارات فيه 283 مليون دولار.

 كما حقق عدد الصفقات مستوى قياسياً بدوره، مسجلاً زيادة قدرها 28 % مقارنةً بالنصف الأول من عام 2018، مما يشير إلى استمرار الإقبال على الشركات الناشئة في المنطقة خلال جميع مراحل الاستثمار. وحافظت الإمارات العربية المتحدة على صدارتها باستحواذها على نسبة 26 % من مجموع صفقات الشركات الناشئة التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، والتي تمّت في النصف الأول من عام 2019، بينما حازت نسبة 66 % من إجمالي التمويل المقدم للشركات الناشئة، وسجلت تونس امتلاكها بيئة الشركات الناشئة الأسرع نمواً في النصف الأول من عام 2019، حيث استحوذت على خامس أكبر عدد من الصفقات بنسبة 8 % من جميع الصفقات، وبزيادة قدرها 4 % مقارنةً بالنصف الأول من عام 2018، بينما سجلت المملكة العربية السعودية زيادة بنسبة 2 % في عدد الصفقات، أي ما يصل إلى 11 % من إجمالي عدد الصفقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد وصل عدد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نحو 96 شركة خلال عام 2019 و يتوقع أن تصل إلى 465 شركة بنهاية عام 2020. كما أنه من المتوقع أن تقفز الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية من 287 مليون دولار خلال عام 2019 إلى 2.28 مليار دولار بحلول عام 2022.[2]

نهضة الاقتصاد الإسلامي العالمي

في عصر الثورة الصناعية الرابعة 4.0، تتغير الكثير من الافتراضات والممارسات وعلى رأسها قيادة وإدارة الشركات والمنظمات، لابد من تطور قوي لمفهوم الاقتصاد الاسلامي العالمي الحديث والذي يشهد مزيدا من الثقة في نمو التمويل الإسلامي العالمي حيث انه يشمل التعاليم الاسلامية الحديثة جنبا إلى جنب مع فرضيات هذه الثورة التكنولوجية الكبيرة التي تجتاح العالم، وهنا ذكرت الاقتصاد الإسلامي العالمي نظرا لأهميته لجميع المسلمين في دول العالم وخصوصا بعد زيادة معدلات هجرة المسلمين الى مختلف أنحاء العالم.

و لهذا نحتاج الكثير الإجراءات أذكر بعضا منها على سبيل المثال وليس الحصر:

  1. مزيدا من الأبحاث والدراسات الأكاديمية المختلفة تشمل الوطن العربي والإسلامي.
  2. تبادل الخبرات العلمية والعملية والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
  3. تطبيق التكنولوجيا المالية الحديثة للمشاركة في تنظيمه وتطويره.
  4. اتخاذ القرارات القوية من أصحاب القرار لتطبيق ومعالجة إدراج التكنولوجيا المالية في المؤسسات والمصارف الإسلامية، والتي أضافت قيمة نوعية كبيرة على هذه القطاعات، وساهمت في ابتكار نقاط التدقيق الضرورية لضمان انسيابية التعاملات. ومع الاعتماد على مزيج سليم يجمع بين التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والبلوك تشين.[3]