فئاتٌ لا تقبَلُ النواقص ولا المنتصف، تسير بفكرها ووعيها سابرةً أغوار نفسها ودارسةً لخطواتها، تتساءل كما تساءل من قبلُ المميزين: من أين جئنا؟ وإلى أين نمضي؟ باذلين كل الجهد في سبيل القضية التي نذروا حياتهم لها. 
في الطريق قد يميل الفكر بسبب التشوهات والتأثيرات المجتمعية وغيرها لكن سيرة الدكتور محمد عمارة، التي سنتناولها في هذا التقرير، تبرهن أن المرء بالبحث والاجتهاد لمعرفة الحق يستطيع أن يعود لموقعه الطبيعي ويؤدي رسالته الكبيرة ويشغل دوره المتميز في نصر الإسلام وعكس جمالياته وتثبيت أحقيته.


ننقلكم إذن في رحلةٍ مليئة بالجهد والعمل والأفكارعن كيف تحول المفكر محمد عمارة من كونه أحد وجوه اليسار في إحدى مراحل حياته إلى ألمع وجوه الفكر الإسلامي ومجدداً له، مؤلفاً لأكثرِ من مائتي كتاب، منها تحقيق لثلاثة عشرعملاً كبيراً و تأليفاً لخمسة كتب بالاشتراك مع آخرين. 

في حياته عمل على الإجابة على أسئلة شغلته إلى حدٍ كبير أهمها: "كيف نجمع بين الفكر التراثي القديم والأفكار الحديثة وكيف يمكن تكوين عقلية مرتبطة بالجذور الإسلامية؟" فلازمته قضيتان طوال حياته، هما قضية "الحرية وتحرير الوطن" وقضية "العدل الإجتماعي". 

«نذرني أبي للعلم جنينًا، وكان الوفاء واجبي منذ ولدت!»

في مصر عام 1931 ولد الدكتور محمد عمارة بقرية صروة التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ، نشأ الدكتور في أسرةٍ ميسورة الحال و بدأ حفظ القرآن الكريم في السادسة من عمره فقد أحضر له والده محفظاً خاصاً وأتم حفظه بالكُتّاب وفاءً لنذرٍ نذره الأب قبل ميلاده أن إن رزقه الله بذكر فإنه سيسميه محمد وسيهبه للعلم.
وفي ذلك قال الدكتور عمارة في أحد اللقاءات: "نذرني أبي للعلم جنينًا، وكان الوفاء واجبي منذ ولدت". فكانت تلك فترة التكوين الفكري والروحي والتي بدأت قبل ميلاده.

مع «النظرات» البداية.. كيف جعل عمارة من الدكتوراه إثراءً لمشروعه الفكري؟

دخل المعهد الديني بمدينة دسوق عام 1945 وحصل منه على الابتدائية ثم الثانوية عام 1954.
التحق بعد ذلك بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وحصل فيها على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965، وتخرج منها حاصلاً على ماجستير العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية عام 1970. تفرغ بعدها للفكر ممضياً حياته فيه، قراءةً وكتابةً. فحصل على الدكتوراه في العلوم الإسلامية، فلسفة الحكم في الإسلام "فلسفة إسلامية" عام 1975، وكما ذكرَ الدكتور عمارة في أحد لقاءاته أنه لم يحصل على الدكتوراه لمنصبٍ أو نيل درجة وإنما إثراءً لمشروعه الفكري.
درس الفِرَق الإسلامية وفلسفة الحكم بعمق كبير ما أكسبه ثراءً في هذا الجانب الفكري وجعله يستحضر قضيته الأم. وكان يأسره في الأشخاص الذين تأثر بهم الجانب الخلقي والمرابطة الفكرية أكثر من الكتابات نفسها فتأثر بكبرياء وعملقة عقاد، وعصامية طه حسين، و روحية وصلابة الشيخ محمد الغزالي فضلاً عن إصلاحية مدرسة محمد عبده.
إن المعلم الحقيقي هو الذي يزرع القيم ويوقد الشموع لدرب الآخرين، وكان من نصيب الشاب محمد عمارة في السنة الثانية ابتدائي أن قام بتدريسه رجلٌ وفدي قرأ بجامعة الأزهر، ولعمله بالسياسة نفته الحكومة إلى مدينة دسوق ليكون مدرساً للنحو في فصل مفكرنا وموقداً لأول شمعة فكر بداخله.
 

كان الشيخ محمد كامل الفقهي معلماً متميزاً عن غيره فقد كان متفتحاً يقرأ مختلف الكتب ولا يأسر نفسه بالتخصص، فسأل طلابه يوماً عن من يمكن أن يشتري كتاباً غير الكتب المقررة، فذهب عمارة واشترى كتاب "النظرات" للمنفلوطي وكان أول كتاب يشتريه خارج المقرر وهكذا بدأت رحلة النقاشات..

 في آخر العام جرّب محمد عمارة أن يكتب قصيدةً في مدح معلمه المميز وكانت أول تجربة إبداعية له وهو في السنة الثانية إبتدائي و لجأ حينها للشيخ عبد الرحمن الجلال ليصحح له العروض.
قرأ المفكر عمارة أثناء دراسته بالأزهر في الفكر الغربي بعمق واشترى بالتقسيط مكتبة فيها حوالي 400 كتاب منها كتب كثيرة مترجمة كما كانت مليئة بذخائر الفكر الإسلامي؛ ما خلق عنده توازناً بين الفكرين الغربي والإسلامي فقد كان يقرأهما في ضوء نظرته للأفكار الغربية وبذلك عزم على تقديم مشروعه الفكري الذي يهدف لتكوين العقلية الإسلامية المتوازنة. أكسبته القراءة قدرة الخطابة فكان يدرّب نفسه عليها منذ وقت مبكر في الحقل ليستطيع أن يخطب بعدها في المسجد كما فعل.


«لماذا كان ماركسيا؟».. وما هي  المحطات الفكرية التي ارتحل إليها؟  

وهو طالب، بدأ اهتمام محمد عمارة بالعمل الثقافي في فترة مبكرة إذ تفتح ذهنه على القضية الفلسطينية التي ثار فيها الشعب المصري ذلك الوقت، وتكلم عنها هو في المنابر، واشتعلت المظاهرات ضد الصهيونيين وكان الحزبان المهيمنان والموجهان للتظاهرات حينها هما حزب "مصر الفتاة" وجماعة "الإخوان المسلمين"، فانضم الشاب عمارة إلى حزب مصر الفتاة وعُرِفَ بتوجهه العروبي ونزعته الثورية وكان أول مقال نُشر له في صحيفة "مصر الفتاة" بعنوان "جهاد" كتب فيه عن المتطوعين الذين ذهبوا للحرب في فلسطين قبل الجيوش العربية في أبريل 1948. وبعدها في عام 1949 تحول اسم حزب "مصر الفتاة" إلى اسم "الحزب الاشتراكي" الذي يؤمن أن الإشتراكية أساسها الدين وأن العبادة أكثر ما تتجلى في خدمة الشعب.
بعد هزيمة العرب في فلسطين وتفكك النظام برمته، حدثت الثورة وانقلاب 1952، لتُحل جميع الأحزاب السياسية في مصر عام 1953. كان وقتها الفكر الإسلامي محاصراً وموقوفاً في مصر بعد محاربة الحركة الإسلامية وتجميد آلياتها حيث انحسر الإسلام في فكرة السلفية. 
في تلك الفترة مرّ الدكتور محمد عمارة بصراع فكري بين الماركسية والإسلام، في فترة كان فيها حزب اليسار فارس القضية الاجتماعية ورافضا للوجود الأجنبي، فبدأ يتشكل أمامه خطٌ جديد يساري لينضم إليه من باب القضية الاجتماعية الثورية التي تعنى بالحرية والعدل. اعتنق الماركسية حينها وأصبح مناظراً للفكر الشيوعي. ثم كفر به وانتقل إلى الفكر السلفي، وأخيراً تحرر من كافة الصراعات.
المفكر محمد عمارة يعتبر إسلامياً لا ينتمي لأي حزبٍ إسلامي ورغم الاحترام الكبير الذي يُكَنُ له من قِبَل الإخوان إلا أنه وافقهم حيناً وعارضهم حيناً. فلم يكن ينتمي لأحدٍ غيرَ فِكره وقضيته.

«خلوة السجن».. هل هي منحة التحول الحقيقي؟ 

تحرر

أثناء فترة دراسته الجامعية ونتيجة ارتباطه باليسار وترأُسه أحد المؤتمرات الوطنية تم فصله من الجامعة لمدة سنة كما اُعتُقل لمدة خمس سنوات ونصف مع مجموعة من الماركسيين في أواخر الخمسينيات، فاتخذ من السجن خلوةً فكرية كانت جوهر التحول الفكري الجديد للدكتور محمد عمارة حيث تأمل خلالها ذاته وأفكاره وراجع مواقفه، فاستغلها في القراءة فأدركَ أن حل المشكلة الاجتماعية تكمن في الإسلام وفي نظرية الاستخلاف لا في الصراع الطبقي ولا اليسار ولا الماركسية .. 
فهل اكتفى بتقويم فكره فقط؟ كلا، فقد شرع في الكتابة داخل سجنه الجسدي فكان من نصيبه أن كتب أربع كتب من داخل الزنزانة التي حررت أفكاره. وعلى صعيدٍ آخر، نقل أحد الماركسيين الذين رافقوه بالسجن أنه وفي فترة السجن كان يصلي رغم أنه كان ماركسيا يميل للفكر المادي. وبهذا عدَلَ عن فكره القديم وبدأ بالبعد عن اليسار وذلك ما أثبته بأعماله وإنجازاته العظيمة التي حققها بعد خروجه من السجن عام 1964 حيث تفرغ للمشروع الفكري الإسلامي.


الخيرُ لا يغادر صاحب الخير، فكما كان بارعاً ومناظراً لامعاً للفكر الماركسي أصبح كذلك وأكثر في الفكر الإسلامي، فلم يساهم فقط في تحرير العقول الإسلامية بل أرشدها ووضع قواعد التفكير الحر والحكم في القضايا المعاصرة الشائكة. 


فكان يجمع بين تحقيق نصوص التراث القديم والتراث الحديث ليُكوّن لنا عقليةً مميزة مرتبطة بأصولها الفكرية وتعيش العصر الحديث. وكان يرى الخلل في محاورة الأفكار الأخرى حيث يوجد من يملك فكراً كبيراً ويكتب في الإسلاميات لكنه لا يستطيع محاورة الأفكار المخالفة ولا كسر شوكتها فكان من مقاصد مشروع الدكتور محمد عمارة أنه استهدف تكوين عقلية إسلامية مرتبطة بالهوية والجذور، وفي الوقت نفسه قادرة على رؤية الإسلام في ضوء الفكر الآخر ورؤية الفكر الآخر في ضوء الإسلام .

لماذا يُعتبر حصنًا منيعًا للإسلام.. «بكُلِهِ وكُلِيَتِه وكيانه»؟  

صوفية

وقف د.محمد عمارة بقلمه وفكره أمام كل المشاريع التي تقف ضد مشروع الإسلام بقوة، مشاريع التنصير والتغريب والعلمنة واليسار، وكان صخرةً عاتية وقلعةً للإسلام حصينة تدافع عنه بكُلِهِ وكُلِيَتِه وكيانه فوقف ضد الظلم وأوضح الحقائق فقد كان فاروقاً يفرق للأجيال القادمة بين الحقيقة والإدعاء.
بدأ الدكتور عمارة عمله الفكري بجمع تراث الإسلام و إزالة الشبهات و لملمة الأعمال الكاملة لروّاد التنوير في العصر الحديث، وكانت بدايته بأن أزال الشُبهات عن معاني مصطلحات مثل الأصولية و السلف والسلفية والتطرف والغلو والجاهلية والتكفير والإرهاب ومناقشتها وتوضيح موقف الإسلام منها وذلك بعد أن تم ربطها بالإسلام بشكلٍ كبير.
كان الكثير من الكتاب الإسلاميين يتكلمون عن بعض الرموز بنظرة الريبة والشك فقد اعتمد معظمهم على كتابٍ لم يكن تأصيلياً بالدرجة الأولى وإنما كتاباً أدبياً يسمى "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" للدكتور محمد محمد حسين والذي تكلم فيه عن الأفغاني بأنه كان ماسونياً وشيعياً وتكلم عن محمد عبده أنه كان ماسونياً وتكلم عن سعد زغلول بأنه لم يكن إسلامياً كما تكلم عن رفاعة الطهطاوي وغيرهم بلونٍ من التشكيك، فما كان من مُتبحر العلوم الدكتور عمارة إلا أن بحث عن أصل هذه الأفكار والمعتقدات.


قام بعملٍ كبير جداً وهو استرداد هؤلاء الرموز إلى مربع الإسلام حيث أثبت ودلل بالوثائق عبرجمعه الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني و قاسم أمين و عبد الرحمن الكواكبي وغيرهم أن هؤلاء الناس عاشوا معظم حياتهم وخطهم الإسلامي لم يتأثر ولم يكونوا يوماً أعداءً للفكرة أو المنهج الإسلامي. وكان نتاج هذا الجهد العظيم الأعمال الكاملة لكل منهم. 


«بعد استردادِ رموز الأمة» إلى مُربع الإسلام.. ما مشروع "الاستنارة" الجديد؟ 

وقد اختلفت الآراء في كونه أحد المجتهدين في جمع هاته للأعمال، لكن اتفقت  كلها في الجهد العظيم الذي قدمه للأمة، فمثلاً الكاتب والمفكر فهمي هويدي يقول: " أنا أظن بذل مجهود كبير في التجميع وهذه المسألة ليست هيّنة وسيُحسب له أنه كرّسَ قدر كبير من وقته في تجميع شغل الكواكبي ومحمد عبده واشتغل في هذا شغلا جيدا ولهذا حفرَ مكاناً بين الباحثين، ولكنني لا أظن أنه يمكن أن يضاف إلى فئة المجتهدين". 
لم يكتف المفكرمحمد عمارة باسترداد رموز الأمة، فبعد إنهاء الأعمال الكاملة اتجه لمشروعٍ جديد ومهم وهو كَشْف الذين يهاجمون الإسلام ويريدون العبث بمقدساته وأصوله والطعن في ثوابته من أصحاب التوجهات الليبرالية والعلمانية؛ فكان ذا نظرة ثاقبة حول هذا الأمر إذ في حوار بينه وبين محمود أمين العالم امتدح هذا الأخير نصر حامد أبوزيد. فانتبه عمارة إلى ذلك قائلا: "تعجبت لأن عادة الشيوعيين والماركسيين لا يجاهرون بمدح من يكتب في الكتابات الإسلامية فعلمت أنه تابعٌ لهم"، دحض كذلك المشروع الفكري لحسن حنفي وأظهر ما فيه من مخالفات وأخطاء.
وحينما قامت وزارة الثقافة في التسعينيات من القرن العشرين بإصدار سلسلة بعنوان "المواجهة" لمواجهة التطرف ووصمت كل التيار الإسلامي بالتطرف خرج محمد عمارة بسلسلة "التنوير الإسلامي" مثبتاً أن التنوير أصله إسلامي فبدأ يكتب عن قضايا المرأة والمختلفات حول قضايا الإسلام والمرأة، فكان من مؤلفاته (الإسلام والمرأة) كما استكتب عدداً من العلماء كالدكتور صلاح سلطان في كتاباته عن قضية الميراث (ميراث المرأة وقضية المساواة) وجمع كتابات لمحمد الخضر حسين والدكتور الشيخ محمد مصطفى شلبي وغيرهم من العلماء في قضايا تتضح فيها رؤية الإسلام، فأراد بذلك أن يثبت أن لفظ الاستنارة لفظ إسلامي فكلمة النور والله نور السماوات والأرض، والوضوء في الإسلام هو استضاءة واستنارة، والفكر والعلم في الإسلام هو ما ينير حياة الناس. فالاستنارة أولى أن تلصق بالإسلام لا التيارات العلمانية والشيوعية التي تتاجر بالاستنارة والتنوير. عكف عمارة أيضا على كتابة تراجم رواد فكر الإصلاح مثل الشيخ محمود شلتوت والشيخ مصطفى المراغي والشيخ محمد الخضر حسين، كما اهتم بفضح مخططات التنصير في مصر وخارجها حيث بين للناس بواسطة كتاب "استراتيجية التنصير للعالم الإسلامي ودراسة في أعمال مؤتمر كولورادو لتنصير المسلمين" أو "بروتوكولات قساوسة التنصير" ما تقوم به الكنائس ومجلس الكنائس العالمي لتنصير المسلمين. ثم أشرف على تحرير مجلة الأزهر لسنتين أو ثلاث سنوات وطوال تلك الفترة أخرج الكتابات التي تواجه الإلحاد والتكفير والتطرف والتنصير بكل ألوانه هدية مع المجلة، وارتقى بها ارتقاءً كبيرا أعاد إليها رونقها القديم.

كيف جعل من «الإنتاج الفكري» المعيار الحاكم للتحرر من رِقّ الوظيفة؟ 

عمارة

يرى الدكتور عمارة العمل الوظيفي رقاً و معيقاً للفكر، فلم يعمل بوظيفة إلا وقد ضمن أنها تساعده في مشروعه الفكري فكان عضواً بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى 16 يونيو 2015. وكان كثيراً ما يأخذ إجازة بدون مرتب قاضياً وقته بالفكر، فيجلس 18 ساعة يومياً يقرأ ويكتب. 

قد سانده والده بالمعينات الغذائية التي كان يرسلها له من القرية. وبذلك تفرغ للفكر، يقضي العام يقرأ ويكتب ويجمع المال لأجل معرض الكتاب حتى نمّى مكتبة غطت جدران المنزل.

يظهر في جميع كتاباته اهتمامه بالدائرة القومية والعربية، ونلحظ قضايا العدل الاجتماعي والثورة على الظلم والتفاعل مع الحضارات الإنسانية المختلفة، وقد أوقف طبع بعض الكتب التي لم يجد داعي من إعادة نشرها لتنوع وتدرج مراحله الفكرية. كما قد تقابلك كتابات لم يُعِد النظر فيها لكنه كتب ما يصححها مثل كتاب (الإمامة والسياسة). 
أصدر كتاب (القومية العربية) عام 1957، قبل فترة السجن عندما كان طالباً في دار العلوم. يعتبر أول كتاب ينشر في مصر عن القومية العربية بعد وحدة مصر وسوريا حيث رصد فيه مؤامرات أمريكا ضد وحدة العرب. طُبع مرتين وتُرجم للروسية. وألف كتاب (الأمة العربية وقضية الوحدة) عام 1966. أما بقية الكتب التي ألفها في السجن فهي: (العروبة في العصر الحديث) عام 1967، (فجر اليقظة القومية)، (إسرائيل هل هي سامية) وهي دراسة عن إسرائيل تقارن بين المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني متضمنةً الخرائط و قد نُشِرَ أربعتهم بعد خروجه من السجن.

قرضاوي

من أواخر مؤلفاته في الفكر الحديث: "الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديل الأمريكاني"، "الغرب والإسلام أين الخطأ وأين الصواب؟"مقالات الغلو الديني واللاديني"، "الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية"، "مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية"، "أزمة الفكر الإسلامي الحديث"،"والإبداع الفكري والخصوصية الحضارية". 

«الفكر الحضاري».. بين نُور الإسلام وخطّ التاريخ ورُؤى المستقبل.

وكما ذكرنا فإن ما كتبه من بحوث وجمع وكتيبات تصل إلى مائتين نستعرض لكم هنا بعضاً منها: 

  •  الإسلام بين التنوير والتزوير

 يطرح الكتاب أفكاراً كثيرة حول مشاريع عدد من المثقفين أمثال سلامة موسى وطه حسين والشيخ علي عبد الرزاق وعبد الله خورشيد البري وحسين أحمد أمين، يطرحها بالنقد والتحرير لمفهوم التنويرالغربي - العلماني "كما يصفه" الذي تبنته، وعلاقته بالموروث والمقدس الديني من أوجه عدة مستعرضا نصوصهم الصريحة والداعية للتقليد الغربي. ثم في نهاية الكتاب يقدم مشاريع من وجهة نظره كانت أقرب للتجديد الإسلامي من كل أولئك المنبهرين بالغرب والداعين للقطيعة مع التراث مثل مشروع رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده و وضح الفروقات الجوهرية ما بين مختلف المشاريع.

  • الغزو الفكري وهم أم حقيقة؟

 يقدم موضوعًا جوهريًا في الفكر وهو الفارق بين المشترك العام الذي في وسع كل البلاد وكل الحضارات الاشتراك فيه بلا حرج، ولا فرق هنا في دين أو عقيدة أو جنسية أو أي شيء. 

وبين الخصوصية الحضارية التي تميز كل بلد وكل حضارة بطابع خاص لا يشترك فيه معها أحد. ضارباً الأمثلة لكلا النموذجين فمثلًا الهواء الذي يتنفسه كل الناس يعتبر عام مشترك، بينما الجيوش فهي مسؤولة عن حماية أجزاء وحدود معينة لا تتخطاها ولا تعبر إلا عن بلادها. 


ويتحدث عن التاريخ وحضارة المسلمين ويصف لنا كثيراً من المذاهب مثل المذهب الغنوصي الذي توسع خارج الجزيرة العربية ويعرض كذلك عدد من الفرق الإسلامية التي استطاع هذا المذهب أن يهزمها فكريًا. 

  • الإسلام والأقليات الماضي والحاضر والمستقبل

 يتحدث عن فكرة الأقليات، وكيف نشأت في الغرب بشكل عنصري ثم انتقلت إلى بلاد المسلمين وأصبح استخدامها شائعًا، وبعد ذلك يتطرق لتوصيف الأقليات في الإسلام ويوضح بالحقائق التاريخية كيف كان التعامل معهم والعلاقة بينهم وبين الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقارنه بما كان قبل الإسلام وكيف أحدث الإسلام تغييرًا جوهريًا في هذا الأمر، ويسير بنا الدكتور محمد عمارة مع خط التاريخ لنرى نماذجًا لذلك من الخلافة الراشدة وما بعدها. كل ذلك ليقارنه بالأقليات الآن وكيف يتم التعامل معهم في شتى البلاد. واختتم الكتاب بالحديث عن وجهة نظره وكيف يجب أن تكون الصورة والعلاقة بين الإسلام والأقليات في المستقبل. 
هذا بالإضافة للعديد من الكتب المميزة نذكر منها : تحرير المرأة بين الغرب والإسلام، أكذوبة الاضطهاد الديني فى مصر، هذا هو الإسلام  - السماحة الإسلامية - حقيقة الجهاد والقتال والإرهاب، القرآن يتحدى، استراتيجية التنصير في العالم الإسلامي، ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف.

رحيل مرابط الأمة الإسلاميّة..  رحيلٌ لأمانة علمٍ وصدق كلمةٍ!  

 توفي المفكر محمد عمارة في مساء يوم الجمعة 28 فبراير 2020. و قد نعاه الأزهر في بيانٍ له قائلاً : "إنّ رحيل الدكتور محمد عمارة ترك فراغًا يصعب ملؤه في صفوف كبار العلماء الذين يحملون على عاتقهم أمانة العلم، وصدق الكلمة". وكذلك نعاه مجتهدو العلوم والمناضلون لأجل الفكرة والدفاع عن الدين. 

غنوشي

حصل الدكتور محمد عمارة في حياته على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع ، منها جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، بلبنان سنة 1972، وجائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1976، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمصر سنة 1976، وجائزة علي وعثمان حافظ لمفكر العام سنة 1993، وجائزة المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية سنة 1997، ووسام التيار الفكري الإسلامي القائد المؤسس سنة 1998.
فرحم الله المفكر الجليل الذي ترك وراءه كنوزاً من المعرفة يهنأُ ويعقل من استقى منها.