يبدو أن التنافس بين الكائنات الحية سنة من سنن الله تعالى في الخلق، وإن الناس يتنافسون؛ لأن ما هو معروض مما يلبي رغباتهم وحاجاتهم أقل مما هو مطلوب، وتكون المنافسة في العادة بين أهل الاختصاص الواحد، وبين الذين يعيشون في بيئة واحدة.

ولا شك أن للمنافسة فوائد غير قليلة، منها: أنها توفر حوافز لتحسين الذات وتحسين المنتج، كما أنها تفطر الناس إلى التكيف، والذي يشكل شرطا للاستمرار، ولكن للمنافسة أيضا أضرارها؛ حيث ثبت أنها تتصل في معظم الأحيان بانحطاط المدنية والتدني الأخلاقي، حيث يلجأ كثير من الناس في سبيل التفوق على المنافسين إلى التزوير والكذب والاحتيال، وبعضهم مستعد لتصفية منافسيه والقضاء عليهم، ولهذا شواهد لا تحصى في التاريخ والواقع.

لكن الذي يصفي خصومه يجد نفسه في مواجهة تحدٍ جديد هو (خيانة الرخاء)، لأن الانفراد بالساحة يجعل صاحبه يخسر المحترف على تحسين العمل وتجويده؛ ولهذا فإن الذي يدمر خصومه يدمر في الحقيقة نفسه لكن بصورة مختلفة.

وتحدث المنافسة المدمرة حين يعتقد بعض المتنافسين أن حصوله على الأرباح التي يريدها مرهون بخسارة الآخرين وخروجهم من ميدان المنافسة، ويبدو أن الإنسان بفطرته يندفع إلى المنافسة أولا؛ وذلك لأنها أقرب تناولا وإدراك منافعها أيسر ولا يصير المتنافسون إلى التعاون إلا بعد بلوغ مرحلة من النضج والوعي، بل يمكن القول: إن إدراك آفاق التعاون بين المتنافسين يحتاج إلى اكتشاف وإبداع؛ ولهذا فإن معظم المتنافسين لا ينتقلون من المنافسة إلى التعاون مع الأسف الشديد!

إن التعاون مبدأ إسلامي عظيم وقد حثنا الله تعالى على أن نتعاون على الخير، فقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة، الآية3] 

إن التعاون يشكل أولا امتثالا لأمر الله تعالى كما أنه يوفر الفرصة لأن يشتغل الأفراد والمجموعات بما يحسنون عوضا عن العمل في كل شيء من دون إتقان أي شيء، كما أن في التعاون منجاة من شرور المنافسة المدمرة حيث يشعر المتعاونون أنهم أصحاب مصلحة مشتركة، وأن في نجاح بعضهم نجاحا للبعض الآخر.
 

والتعاون بعد هذا وذاك يحرص الناس على تشذيب ما في أخلاقهم من زوائد، ويحرضهم على تهذيب أنفسهم وتعلم أدبيات العمل ضمن فريق، إذا تأملنا في ساحات الصحوة وجدنا أن هناك أنواعا من التنافس غير المحمود، مثل:
التنافس بين بعض الشخصيات الإسلامية العامة وبين بعض الجماعات.

  • التنافس بين الشخصيات العامة والهيئات الإسلامية الرسمية والحكومية.
  • التنافس بين الجماعات والهيئات الإسلامية الحكومية.

التنافس بين هؤلاء قد يكون على كسب قلوب الجماهير، وقد يكون على احتلال مراكز التأثير واتخاذ القرار، وقد رأينا جماعات تتنافس على إقامة نشاط في مسجد أو إدارة مركز أو تنفيذ مشروع تبرع به أحد المحسنين أو قيادة مؤسسة إسلامية حكومية.

ما العمل؟

أنا لست ممن يغالي في موضوع التعاون إلى حد الاعتقاد بوجوب تعاون الصحوبين في كل صغيرة وكبيرة، لكنّي مع هذا أعتقد أن من المطلوب من كل الناشطين في حقل من الحقول أن يتعاونوا بصورة من الصور لما فيه خير الجميع، وهذا يتطلب قبل كل شيء صفاء القلوب والثقة المتبادلة، كما يتطلب أن تكون أهداف الناشطين في بيئة واحدة واضحة تمام الوضوح؛ لأنني إذا كنت أعرف ما أريد ورأيت بعض إخواني يتقدون فعلا بعض أهدافي، فلماذا لا أفرح بذلك، وأشكرهم عليه؟ هذا هو المتوقع دائما من المخلصين. 

إن من الممكن للمشتغلين بالدعوة والتربية ونشر الوعي ومن الممكن للعاملين في المؤسسات الخيرية والفرق التطوعية. أن يشكلوا مجالس شورية يحاولون من خلالها حل المشكلات التي تعترض العمل وتبادل الخيرات، وتحسين مناخ العمل وتلافي سلبيات الاحتكاك التي يولدها العمل في مجال واحد. 
وقد رأينا خیرات وبرکات كثيرة لمجالس شكلها بعض الدعاة في بعض البلاد العربية والإسلامية. ويمكن دائما لأهل الاختصاص، وهذا ليس بالأمر الصعب، وتستطيع أن نتعلم من أبنائنا الطلاب كيف يمكن للمتنافسين أن يتعاونوا؛

حيث نجد الكثير من طلاب المدارس يدرسون في صف واحد ومع هذا يشكلون مجموعة دراسية واحدة، يرتقي ويستفيد من خلالها الجميع مع أن كل واحد منهم يتطلع إلى أن يكون في الطليعة، ونجد في طلاب الجامعات أيضا من ينفذون مشروعات علمية مشتركة. 
إن التعاون بين المتنافسين هو ثمرة للنضج، وحين يتحقق، فإنه يؤدي إلى المزيد من النضج، وإن الجماهير في حاجة ماسة إلى أن يروا علمائهم ودعاتهم ومصلحيهم وهم يتحركون وينشطون وهم على قلب رجل واحد. 

إذا نظرنا إلى الفرقة والتشتت والتنازع على أنها تحديات حقيقية وعلامات على الضعف والإخفاق، فإننا سوف نعرف كيف تجاوزها إلى التنسيق والتعاون والتشاور.