في ميدان التعليم والتربية ثمة عقدة مصطلحية ومفاهيمية تتطلب حلا.. ما هي العقدة المقصودة؟ وما الفكرة الأنجع لحلها؟ في مقالي الأول لمدونات عمران، رأيت المبادرة إلى اختراق السقف من أعلاه كما يحكي المثل، والتصدي لمشكلة حقيقية تشوش على الفاعلين في حقل التعليم، وفي ساحات التدريب وتنمية القدرات.

إن استمرار الجدال النظري حول مصطلح ما أو عدة مصطلحات لفترة طويلة، عادة ما يشير إلى ضعف الحساسية تجاه المفردات والمصطلحات بصفة عامة، بغض النظر عن دائرة المصطلح ومجاله المعرفي أو المهني.

في حقل التعليم، خلط شائع بين مفردات (الموهبة، الهوايات، والمهارة) وينتج عن هذا الخلط، تشويش بالغ في رؤى الناشئة، ومن ثم في اهتمامهم وتفاعلهم مع المفردات نفسها؛ إذ إن وضوح الفكرة يعد أول محفز، وأفضل دافع للتفاعل معها وتبنيها. إن عدم اهتمام الطلاب بتعزيز هواياتهم، ليس ناتجا من عدم توفر ما يلزم من أدوات فحسب، كما نعتقد عادة، لكن عدم اهتمامهم غالبا ما يعود الى غياب (الفكرة) وأعني بذلك: عدم امتلاكهم فكرة صحيحة وجيدة وفعالة عن الهوايات نفسها.. ومن الطبيعي ألا يهتم الشخص بما لا يدركه بشكل جيد.

إذاً.. ما هو النموذج المقترح من جانبنا لتجسير العلاقة بين المفردات المذكورة، وإزالة الخلط الشائع؟ ما هي فكرة النموذج؟ وعناصره؟ 

في أواخر عام 2015م، بدأت برنامجا تعليميا لاكتشاف هوايات الطلاب، مستخدما استمارة خاصة، قمت بتصميمها تلبية لحاجة البرنامج.. وكانت الفكرة المسيطرة على ذهني حينها: أن الطالب بحاجة إلى إعداد سيرة ذاتية متضمنة مواهبه وهواياته؛ بغرض تتبع أنشطته وتطورها خلال فترة دراسته الجامعية.. وكانت الاستمارة الجديدة، مساعدة للطالب في إعداد السيرة الذاتية المقصودة.

أطلقت على الاستمارة اسم: نموذج أحمد حمدان للسيرة الذاتية للطالب، وأصبح اختصارها الجاري: نموذج ASC أخذا بالأحرف الأولى من الاسم الإنجليزي: AHMED HAMDAN STUDENT CV FORM ليستقبل مجتمع التعليم، أداة ووسيلة تعليمية مساعدة، وتطبيقا جديدا لاكتشاف هوايات الطلاب.

تحتوي استمارة آسك على ثلاثة عناصر رئيسة: المواهب والهوايات والطموحات.. ويمثل اختيار العناصر المذكورة، أهم خطوة نحو حل عقدة الخلط المصطلحي الشائع، بأسلوب تطبيقي دون حاجة إلى تفصيل نظري مطول؛ إذ إن المستهدف بالفكرة هم المعلمون والطلاب، وهم أكثر حاجة إلى حلول عملية، وأدوات فعالة وسهلة الاستخدام في ميدان العمل.

في القسم الأول من النموذج، قدمت تعريفا موجزا للمواهب، مستخدما تقنية (الكلمة الواحدة) حيث وصفتها بالقدرات/ الملكات Abilities وقمت بتصنيفها الى ثلاثة أقسام هي (مواهب ذهنية، بدنية، ونفسية).. أما القسم الثاني، فقد عرفت فيه الهوايات بأنها أنشطة Activities وصنفتها الى أربعة أقسام هي (هوايات معرفية، رياضية، عملية، وتطوعية).. أما القسم الثالث في النموذج، فقد خصصته للطموحات، ووصفتها بالتطلعات Aspirations وصنفتها إلى ثلاثة أقسام (طموحات مهنية، اجتماعية، ومعرفية).

تطبيقيا.. نجد تناظرا كبيرا بين أقسام كل من المواهب والهوايات والطموحات، وتقوم فكرة النموذج على اكتشاف شبكة العلاقات المتوفرة بين العناصر المذكورة، وتأكيد ترابطها وتآزرها بشكل دائم، ما دامت متعلقة بنفس الشخص.. والتأكيد على تصحيح التعارض المصطلحي الشائع حولها، وتصحيح الأخطاء الشائعة فيما يتصل بجملة مفردات ذات صلة، كالمهارة والإبداع..

يقدم نموذج ASC لطلاب المدارس والجامعات، تطبيقا عمليا، يجمع بين ايديهم شتات مصطلحات عديدة في استمارة واحدة، وفي قالب سهل الاستخدام. يطلب النموذج من الطالب كتابة هواياته (أنشطته المفضلة) حسب التصنيف المذكور سابقا، ومن ثم يقدم له روابط لعلاقات أنشطته بمواهبه (قدراته) وما يتطلبه كل نشاط (هواية) من سلة قدراته (مواهبه).. وفي الجانب الآخر، يقدم النموذج ملامح لعلاقة كل هواية من هوايات الطالب بطموحاته (تطلعاته) المستقبلية؛ حيث تمثل الهوايات ميولا في الحاضر، بينما تعبر الطموحات عن ميول المستقبل.

يقرر النموذج بأسلوب تطبيقي، أن الموهبة ليست هي المهارة أو التميز.. بل ليست هي مجرد الذكاء والعبقرية والتفوق الذهني. إن هناك ثمة مواهب بدنية ونفسية يوليها ASC اهتمامه أيضا، ويقدمها للطالب في إطار علاقاتها بأنشطته الجارية.

ويقرر ASC دون طرح نظري مطول، أن الهوايات ليست مجرد أنشطة ترفيهية تستهلك أوقات فراغنا!! لكنها جميع أنشطتنا المفضلة، معرفية ورياضية وعملية وتطوعية. ويقدم للطالب ما يربط بينها وبين طموحاته المستقبلية، مهنية واجتماعية ومعرفية.. وما على الطالب كمستخدم للنموذج، سوى الاستمرار في اكتشاف المزيد من العلاقات البينية بين المصطلحات المعنية، مستفيدا من استمارة آسك.