تقوم الحضارات على تنوع العقول والمهارات في التخصصات المختلفة، قال تعالى: "فلولا نفر من فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين..."، بامتلاك العلم والمهارة مع قيم الإحسان تتقدم المجتمعات، ويتحقق العمران، لكن الأمر في الأمة الإسلامية قد تغير نوعا ما، حيث قد بدت هجرة العقول أمرا جد خطير، وتنذر لغة الأرقام بشر قد يحيط بالأمة، فما زالت العداوة مع الغرب قائمة والصراع الحضاري على أشده، والعالم اليوم بحاجة إلى الدين الإسلامي الذي يدعوا إلى السلام ويحقق استدامة البيئة.

  1. إن عدد الأطباء العرب في بريطانيا فقط بلغ 4600 طبيب.وإن 35٪ من أطباء لندن وحدها من العرب! وإن عدد الأطباء الإيرانيين العاملين في نيويورك وحدها يفوق عدد زملائهم العاملين فوق أرض إيران جميعاً ( م: الوطن العربي ع: 204، 1981م
  2. لقد امتنع 1000 عالم ومهندس وطبيب من حملة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية عن العودة إلى وطنهم مصر ما بين عامي 1970م - 1980م (محمد عبد العليم مرسي: نزيف العقول البشرية ص 57)
  3. إن عدد المهندسين المهاجرين من مصر إلى الولايات المتحدة بلغ 339 مهندسا عام 1968م ولو استمرت الزيادة بمعدلاتها الحالية فسوف يصل عدد المهاجرين من المهندسين المصريين ضعف عدد المتخرجين من كليات الهندسة بسائر الجامعات المصرية (المرجع السابق ص ٦٥).
  4. هناك مستويات عالية من أساتذة الجامعات يعملون في أوروبا وأمريكا في جامعاتها ومراكز البحث في شتّى العلوم (الحداثة والمعاصرة ص 90).

    والأرقام الحديثة جد مرعبة، حيث أنها تتضاعف باستمرار، مما جعل من هجرة عقولنا أداة للنزيف الحضاري الذي تئن منه أمتنا، رغم جاحة الإنسانية المعاصرة إليها.

والسؤال الذي يلوح في الأفق: ما السبب الرئيس الذي جعل بيئاتنا طاردة لصفوة أبنائها؟

    تلقائيا يتبادر إلى أذهاننا أن بيئاتنا العلمية تخلو من الإمكانيات والأدوات اللازمة والذي يمتلكها الغرب بدوره، وأنه أكثر استقطابا للعلماء بما يمتلكه من محفزات مادية ومعنوية ... وكل ذلك صحيح، لكن الكاتب يعتقد أن السبب الرئيس هو: القصور في الإعداد التربوي لهذه النخبة العلمية، والذي جعلهم يقدمون على خدمة أوطانهم وأمتهم اعتبارات أخرى أقل قيمة. بحيث أصبحت مؤسساتنا التعليمية محاضن تصدر صفوتها للغرب، وعلى الرغم من ذلك فإن اكتظاظ مؤسسات الغرب بسواعد أبنائنا مؤشر على أننا نمتلك أدوات النهوض الحضاري، ولا ينقصنا إلا وضع هذه الأدوات في مسارها الصحيح.

    وفي هذا الإطار لا بد من أن تتضمن مؤسساتنا التعليمية قيم حضارية وحوافز خلقية، نابعة من تراثنا العريق مع بعض النماذج والقدوات المعبرة عن قيمنا الحضارية وأخلاقنا العلمية.