كثيرة هي التساؤلات التي قمت بطرحها خلال الفترة الماضية من حياتي، خاصة بعد أن انتقلت للعيش في مدينة ثانية بعيدة عن أهلي لإكمال دراستي الجامعية. كنت أنظر ببعض من النشوة الممزوجة بالخوف إلى الاستقلالية التي أصبحت أمتلكها وامتلكتُ بها لحظات من الاختيار الحر.

كنت المسؤولة عن ذاتي وعن نتائج قراراتي بشكل تام بعمر 18 ووجدت نفسي أطرح العديد من التساؤلات وأقف على أطراف أصابعي إذا ما أردت السير في اتجاهٍ فكريٍّ أرى فيه القدرة على جرفي وسط سيوله لأعود في كل مرة نحو تلك الصخرة الراسخة في قلبي وعقلي "العقيدة الإسلامية" التي تشربتها والتي حاولت بعض التيارات خدشها بسؤال: هل ظلم الإسلام المرأة؟ 

سؤال طرحته على أحد المشايخ الذين رافقوا الدكتور راتب النابلسي في إحدى المحاضرات التي استقبلتها جامعتي ولأن سؤالي قد جاء في الجزء الأخير من المحاضرة فقد جاءت إجابته موجزة فأجاب على سؤالي بسؤال: هل أتى الإسلام للمرأة فقط؟ أم أنها جزء من منظومة متكاملة وجب تقنينها كي لا يتعدى فيها طرف على طرف آخر؟ المنظومة فيها حقوق للمرأة كما أن عليها واجبات.

إجابته الموجزة تلك فتحت نوافذ عدة في عقلي المشبع ببذور أفكار النسوية التي تربط الظلم الواقع على المرأة في بلادنا العربية بالدين الإسلامي الذي جعلها في نظرهم تابعة للرجل لا مستقلة عنه.

في حين أنهن لو دقّقن قليلا سيجدن أن الأحكام المتعلقة بالمرأة في الإسلام هي تابعة لأركان الإسلام الكبرى وأصوله العظام وليس المقصود بالتبعية هنا تبعيتها للرجل.

​​​​

ولأن الحجاب هو القضية الأساسية التي يستندن عليها كدليل على فرض أحكام على المرأة دون الرجل، ومنه تبدأ أولى صرخات المساواة بالارتفاع، حتى أنني أذكر إحدى حلقات برنامج الوسطية للدكتور طارق سويدان والذي تحدث فيها عن قضية الحجاب: لتأتيه إجابة إحدى الحقوقيات بأن الرجال في الخليج العربي محجبون -بلباسهم التقليدي- فالمرأة في الخليج قد تتساوى مع الرجل وهو ما لا يحدث في غيره من البلاد العربية وعليه لا يمكن مطالبة المرأة في أي قطر آخر بالحجاب، وهو ما يرسي مبدأ أن الحجاب ليس من أصول الدين وإنما عادة توارثها أهل شبه الجزيرة العربية.

وكل ما قد دار في عقلي يومها أن هذه السيدة قد حكمت على الظاهر واستندت عليه لتبني حكما شرعيا، هي نظرت إلى جزء من بناء كامل دون البحث في أساساته وقواعده التي يقوم عليه والشريعة الإسلامية هي عبارة عن بناء متكامل الأركان ترتكز بعض قواعده على بعض فقد لا يحرم فيها الشيء لنفسه وفقط بل ويحرم إذا كان يوصل إلى شيء آخر قد حرم فيكون بذلك محرما لغيره.

وإن طبقنا ذلك على قضية الحجاب نجد أنه قد تزيد المرأة على الرجل فيه من الناحية الظاهرية أجل.. لكن من حيث فلسفة التشريع فإن قضية الحجاب مستندة على أصول تتساوى فيها المرأة والرجل كمبدأ الستر وكذا سدا للذرائع التي قد تنجر عن كسر لبنة أساسية قد تخل بعفة المجتمع ككل. 

وكل هذا مستند في الأساس على مبدأ تضمّنه مقالي الأول وهو: تحقيق التسليم والعبودية لله ومنه يمكننا تلخيص ما جاء في هذا المقال في أننا نوقن أنه إن كانت هناك أحكام متعلقة بالمرأة في الإسلام فإنها قد جاءت كجزء من منظومة تشريعية شمولية تنظر للإنسان نظرة ذات أبعاد متعددة ضمن غاية محددة ومنهج متبع من أجل تحقيق الهدف الذي خلقنا لأجله وهو عبادة الله عز وجل ومنه سيكون جوابنا على سؤالي: هل ظلم الإسلام المرأة حقا؟ لا، لأن المرأة فيه جزء من كل يلزم فيه الجميع بالحفاظ على توازن منظومة متكاملة نحو تحقيق الخلافة على هذه الأرض.