لكل واحد منا قصته وقصصه مع الهموم، ولكل تجربته أو تجاربه معها، لأننا نعيش حياة هي الموطن الأصلي لنموها والفضاء المناسب لانتشارها، هموم الدراسة، هموم الوظيفة، هموم الزواج، وهموم البيت والأولاد، هموم الغربة، وهموم الفقد وهموم تأمين لقمة العيش، وهموم ما يجري في البلد، غالبية الناس تدور همومهم حول هذه المعاني، وقلة منهم له هموم تدور في أفلاك أخرى.

 ولا أزعم أنني لا أشارك الغالبية في هذه الهموم، لأن الأصل في عمومها أن تكون متوفرة لكل إنسان يحيا على وجه هذه الأرض، لكني أجد أنّ لي هموما أخرى غير تلك تضغط عليّ جل وقتي؛ ففضل الله سبحانه وتعالى عليّ سابق وسابغ -له الحمد والمنة- ما أحوجني إلى أحد، ووهبني رفقة هي خير ما يحلم الإنسان أن يكون محاطا بها.

 إلا أنني أعيش تحت ضغوط كثيرة لا أستطيع فكاكا عنها؛ وهي أن:

  •  يعتصر قلبي هما وألما حين أرى السواد الأعظم من شبابنا تحركه قناعات خاطئة أو مغلوطة أو منقوصة عن الدين والحياة والنفس والناس وقوانين العيش والتدافع.
  •  يعتصر قلبي هما وألما حين أرى جيوشا من الشباب عاطلة تنتظر من يتكرم عليها بتوظيف أو تشغيل لا يخلو في الغالب من استغلال وإذلال.
  •  يعتصر قلبي هما وألما حين أرى أفواجا من النشء الجديد ضائعة بين إهمال الأهل وتردي واقع التعليم ومؤسساته، فلا هي أفلحت في علم ولا تزودت من فهم.
  • يعتصر قلبي هما وألما حين أرى جمهورا واسعا من الخريجين أو المثقفين يعيش باهتمامات واطئة لا ترقى إلى مستوى المسؤولية تجاه مجتمعه وبلده وأمته.
  •   يعتصر قلبي هما وألما حين أرى جموع الشباب تنحدر بسرعة مخيفة نحو منحدر خطير وهي تتبع "نجوما" آفلة وسط ظلمة جهل حالك.

هذه الهموم وغيرها -وقد يتصل بها وتتفرع منها هموم أخرى- تضغط عليّ بشكل دائم فتستفز المشاعر وتجعل الفكر في حالة استنفار متواصل، ويكون نصيب الجسد من كل ذلك التعب والأرق والحركة الدائبة -والله المستعان-.

ولا أعتقد أن العلاج لما ذكرت من هموم ضاغطة سهل وبسيط، ولكنني أجزم أنه ليس مستحيلا ولا معقدا؛ فقدرات النهوض موجودة وأدوات التغيير متوفرة ولسنا نعدم شبابا فاهمين يتحسسون هذه الهموم ويعيشون بها ولها. 

ومن باب إلقاء الحجر في البركة الراكدة أقترح بعضا من الحلول:

  • برامج تنمية إيمانية ونفسية تركز على معرفة الله سبحانه وتعالى وتفعيل أسمائه وصفاته ومدلولاتها في النفس البشرية وفي واقع الحياة، ويمكن أن ينفع في ذلك مشروع "سلام " المتخصص بهذا.
  • برامج فكرية تنويرية تخاطب العقل لتوليد وغرس القناعات الإيجابية الصحيحة عند الشباب عن الله سبحانه وتعالى، وعن الدين وقوانين الحياة وسنن الكون وأهمها عن النفس وقدراتها وطاقاتها واهتماماتها، ويمكن أن تكون هذه البرامج حضورية في بلدان وأماكن معينة، أو تكون إلكترونية عبر منصات متخصصة بهذا الشأن تستفيد منها شريحة أكبر من الشباب.
  • حاضنات مشاريع وأعمال تستقطب جموع الخريجين والشباب لإنشاء مشاريع إبداعية في طريقتها، نهضوية في مقصدها، خدمية في مهمتها، لتعالج جانبا من الإشكاليات القائمة في ميدان الصحة أو التعليم أو النظافة والنظام أو غيرها مما تعانيه بلداننا، وهذه أيضا يمكن أن تكون حضورية أو إلكترونية، ولعل منصة "عمران للمشاريع" خير نموذج يمكن أن يستفاد منه.
  • برامج تدريبية وتطويرية لصقل مهارات الشباب وتعزيزها في ميدان بناء المشاريع وريادة الأعمال من الفكرة إلى التخطيط إلى التنفيذ إلى التطوير والتوسيع إلى التقييم والتقويم، وهذه كذلك يمكن أن تكون حضورية أو تكون إلكترونية و"أكاديمية عمران" للتدريب فضاء مفيد جدا في هذا المجال.
  • مناهج تربوية توجه إلى النشء الجديد لتصوغهم وفق منظومة متكاملة لبناء جوانب شخصياتهم بشكل شامل ومتوازن في ميدان العلاقة مع الله والعلاقة مع النفس والعلاقة مع الآخرين، وتفعيل القيم العليا في نفوسهم ليظهر أثرها في حياتهم وعلى من حولهم، ولعل برامج و"مخيمات كنوز للتربية القيادية" تجربة ناجحة في ذلك ولها أثرها العميق في نفوس وعقول المشاركين فيها.