تعد الجزائر من البلدان التي تحاول الخروج من اقتصاد النفط والمحروقات إلى اقتصاد سوق العمل، وذلك من خلال التركيز على خلق فرص العمل، وتعزيز الاقتصاد الوطني ببرمجة جملة من الاقتراحات والدورات وفي مقدمتها دورة المقاولاتية، بحيث أصبحت المقاولاتية مقياسا تدرّس في الجامعات الجزائرية نظرا لأهميتها في خلق مناصب شغل وتعزيز سوق العمل، بالإضافة لازدياد بطالة الطلبة والمتخرجين الجامعيين التي نتجت عن عدم ربط الجامعة بسوق العمل تبعا للعديد من الدراسات العلمية، وسنسعى في هذه الدراسة إلى التطرق لمفاهيم الدراسة، وكذا المقاولاتية من حيث المفهوم والأهداف، المهارات المرتبطة بروح المقاولاتية، بالإضافة لأهم المهارات المساعدة على تكوين فريق ناجح في سوق العمل.


1. مفاهيم الدراسة:


1.1. مفهوم سوق العمل: "هو فكرة مجردة تستعمل مقاربة مرنة لفهم قضية التشغيل والبطالة، إذ يعين له موقعا اقتصاديا يباع فيه كميات كبيرة من المصالح والمهارات والقدرات بسعر ما، ولا يعني بالضرورة مكانا جغرافيا محددا، وغالبا ما يكون فضاء افتراضيا". (جبلي فاتح، دراوات وحيد. 2021، ص356).
1.1.1. المفهوم الإجرائي لسوق العمل: فسوق العمل يقصد به خضوع عاملي العرض والطلب على السلع، بحيث لا يوجد له موقع جغرافي محدد يتم فيه الترويج للسلع، وهو ما لاحظناه خلال جائحة كورونا، بحيث أصبح (الفايس بوك) فضاءً يتم فيه الترويج للسلع على اختلاف أنواعها ومراعاة بعد المسافات دون أي حاجز.
2.1. ثقافة المقاولاتية: "تعرف على أنها مجمل المهارات والمعلومات المكتسبة من الفرد أو مجموعة من الأفراد، ومحاولة استغلالها وذلك بتطبيقها في الاستثمار في رؤوس الأموال، وذلك بإيجاد أفكار مبتكرة جديدة". (أختي نصيرة. 2020، ص745)
1.2.1. المفهوم الإجرائي لثقافة المقاولاتية: تتمثل في اكتساب الفرد جملة من المعلومات والأفكار ومحاولة ترجمتها على أرض الواقع كبرامج ومشاريع اقتصادية، وذلك باستثمار أمواله في مشروع ما بغية الحصول على فوائد وأرباح منه.
3.1. التدريب: هو نشاط يهتم بنقل التعليمات والمعلومات بهدف تطوير الأداء الخاص بالفرد المتلقي لها، أو مساعدته على الوصول إلى درجة معينة من المهارات والمعارف. (الحياري إيمان، ص 2017).
1.3.1. التعريف الإجرائي لمفهوم التدريب: ويمكن تعريف التدريب على أنه طريقة تهتم بتلقين المعلومة وإيصالها للفرد بطريقة سهلة، والقدرة على التأثير في المتدرب من أجل تبني تلك الأفكار والمعلومات المقدمة له والعمل بها، أو هو عبارة عن جهد سواء أكان بدنيا أو عقليا يلقن من طرف المعلم للمتعلم، أو من طرف المدرب للمتدرب.
4.1. مفهوم خريجي التعليم العالي: هي تلك الفئة الطلابية التي تخرجت من الجامعة بعد أن استكملت تعليمها الجامعي، متحصلة على شهادة علمية في تخصص ما، مهما كان نوع المؤهل العلمي (ليسانس-ماستر-دكتوراه)، تمكنها من إيجاد عمل سواء أكان مؤقتا أم دائما. (سمايلي محمود، 2015، ص 210).
1.4.1. المفهوم الإجرائي لخريجي التعليم العالي:
يعرف من وجهة نظرنا الطلبة الجامعيين الذين أكملوا مشوارهم العملي من خلال تحصلهم على شهادات تمكنهم من الولوج لعالم الشغل سواء في طور ليسانس، ماستر، دكتوراه.


2. أهداف المقاولاتية:

  تختلف الوظيفة الأساسية للمقاولة حسب طبيعة المقاولة نفسها، أي وجهات نظر المساهمين والعمال والإدارة، ومن بين الوظائف التي تمارسها المقاولة يمكن توضيحها فيما يلي: (بوقطف محمد، 2019، ص 217)
1.2. خدمة سوق العمل: وذلك من خلال إنتاج سلع وخدمات مطابقة للطلب الفعلي وتسويقها، فلا يمكن لأي مقاولة أن تصمد في خضم المناخ الاقتصادي السائد، باعتبار أن خدمة السوق تبقى من أولوياتها المركزية. (بوقطف محمد، 2019، ص218).
2.2. تحقيق المكاسب المالية وتعظيم الربح: الحصول على أرباح مالية وتعظيم الربح يعد بالنسبة للمقاولة أهم هدف تسعى إلى تحقيقه، ويرى الكثير من الاقتصاديين أن الربح هدف مشروع لأن المقاول يتحمل المخاطرة، بذلك فإن الربح هو بمنزلة مقابل مادي للمخاطرة (بوقطف محمد، 2019، ص218).
3.2. تعظيم المنفعة الاجتماعية: بالإضافة لتعظيم الربح ينتظر من المقاولة تعظيم المنفعة الاجتماعية، وذلك عن طريق تحسين وضعية المجتمع، وتتمثل المسؤولية الاجتماعية للمقاولة مشاركتها في مفهوم التنمية المستدامة، وهي تقوم على ثلاثة أعمدة بيئية، اجتماعية واقتصادية، كما تؤدي المسؤولية الاجتماعية للمقاولة دورا بارزا في الحفاظ على البيئة وتحسين مناخ العمل، واحترام الحقوق الأساسية للإنسان. (بوقطف محمد، 2019، ص218).
وتبعا لما سبق يتبين لنا أن للمقاولاتية أهداف عديدة، سواء ما تمثل في الربح المادي بالنسبة للمقاول، حيث إنه يلبي طلبات سوق العمل وخدماته تبعا لعاملي العرض والطلب، وما يميز ذلك أن خدمة سوق العمل تعد من أولى أولوياته، بالإضافة للربح المادي والمكاسب التي قد يتحصل عليها تبعا لنشاط المقاولة، التي بدورها تجعل منه شخصا ناجحا وتبعده عن البطالة، وباعتبار أن الجزائر من بين الدول التي أصبحت ظاهرة البطالة ترتفع فيها تبعا للدراسات العلمية الأكاديمية، فقد أصبحت هناك شراكة بين عدد من المؤسسات الاقتصادية والجامعات من أجل عقد دورات وندوات علمية حول المقاولاتية، وذلك بتبني أفكار ومحاولة ترجمتها على أرض الواقع وبمرافقة من مؤسسات الدولة.
دون أن ننسى المنفعة الاجتماعية التي تخلقها من خلال مساهمتها في زيادة الإنتاج على بعض المنتجات المطلوبة بكثرة في السوق تبعا لعامل الطلب، وبهذا فهي من جهة تساهم في تطوير البلد اقتصاديا من خلال تنويع السلع والاعتماد على الإنتاج المحلي، ومن جهة أخرى تساعده في خلق فرص عمل لأفراد آخرين لا توجد لديهم أفكار، من خلال العمل عند الأفراد الذين استفادوا من هذه الامتيازات.


3. المهارات المرتبطة بروح المقاولاتية:

  من بين أهم المهارات المرتبطة بروح المقاولاتية حسب ما حددها (Peter et Hisrich)، تتمثل فيما يلي: (قنون أمين، مداني وفاء. 2020، ص133)
1.3. المهارات التقنية: وتشمل مهارات الكتابة وتحليل البيئة الخارجية ومتغيراتها مع الأدوات التكنولوجية المختلفة، وبناء الشبكات والتدريب والعمل ضمن فريق وغيرها. (قنون أمين، مداني وفاء، 2020، ص134)
2.3. المهارات الإدارية: تشمل وضع الأهداف والتخطيط، وصنع القرار، وإدارة العلاقات الإنسانية، التسويق والمبيعات، المهارات المالية والمحاسبية، الرقابة وتقييم الأداء، والقدرة على التفاوض الفعال، بالإضافة لتنظيم نمو المشروع وإدارته. (قنون أمين. مداني وفاء 2020، ص134)
3.3. المهارات الشخصية: وتشمل عمق السيطرة الداخلية والإبداع والابتكار، والقدرة على التغيير والمثابرة والعمل الجاد والرؤية القيادية، وهذه المهارات يجب التركيز عليها وتطويرها لدى المتعلمين أو المتدربين في أي برنامج تعليمي وتدريبي في المقاولاتية، لأنها جوهر المهارات الشاملة في تعزيز السلوك المقاولاتي. (قنون أمين. مداني وفاء 2020، ص134)
والمقاولاتية تساعد الطلبة على تنمية مهاراتهم وتعزيزها سواء التقنية، من خلال القدرة على الكتابة وتحليل البيئة الخارجية، أي القدرة على تشخيص واقع اقتصاد السوق من خلال التعامل مع أعضاء فريق، وتكوين فرق عمل في شتى الاختصاصات والمجالات، بالإضافة لتعزيز المقاولاتية للطلبة على اكتساب المهارات الإدارية التي بدورها تساعدهم على وضع الأهداف والقدرة على اتخاذ القرارات بناء على الأهداف المسطرة من طرف فريق العمل وعمل اجتماعات بهدف تقييم سير المؤسسة الاقتصادية، وكذا تنمية المهارات المالية التي تساعد على المحاسبية في مجال رؤوس الأموال الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية، والقدرة على الرقابة وتقييم الأعمال من حيث الجودة والأداء.
بالإضافة لتنمية المهارات الشخصية التي تساعد الطالب الجامعي على حسن التفكير والإبداع والابتكار، وهو ما يجب التركيز عليه في عملية المقاولاتية، باعتبار أن الطالب الجامعي قد لا يستطيع الاندماج في سوق العمل بسرعة تبعا لحدوث قطيعة بين ما درسه في الجامعة، وبين ما وجده في بيئة العمل، لذلك فقد نجد أن المقاولاتية ومن خلال دوراتها تنمي وتساعد الطالب على التفكير والتحليل الجيد في مجال العمل، وكذا القدرة على القيادة وحسن التسيير في مجال العمل.

     
4. المهارات الخاصة بفريق العمل:
 

  كما أن المقاولاتية من خلال ترجمتها على أرض الواقع تحتاج إلى فريق عمل، ولهذا فهي تحتاج  لعدد من المهارات التي تساعد على تطوير سوق العمل، ومن أهمها نذكر:
1.4. مهارة التواصل: إن الاتصال هو الوسيلة التي يتم بواسطتها توحيد النشاط المنظم، وفي أي تنظيم مهما كان نوعه، من خلال نقل المعلومات من فرد لآخر، هذا النقل يمكن بواسطته تعديل السلوك وإحداث التغييرات وتحقيق الأهداف. (بن عبد الله بثينة. 2021، ص 74).
وإذا نظرنا لسوق العمل قد نجد أن المدير الناجح هو الذي يحسن التواصل مع فريق العمل، بحيث يستطيع معرفة خصائص فريق العمل الخاص به، وكذا الفوارق التي من شأنها أن تعطي لكل ذي حق حقه، فقد نجد أن هناك من له إمكانيات وقدرات معينة في مجال عمله، لكن قد يهمش من طرف فئة معينة في العمل، ولذلك فالتواصل الحسن بين المدير وفريق العمل قد يساعد على معرفة الأشخاص تبعا لقدراتهم ومهاراتهم في مجال عملهم.
2.4. مهارة العمل في الفريق: تعد فرق العمل وبناؤها تقنية حديثة تساعد على تفهم الأفراد الآخرين في العمل وإدراكهم وتقبلهم ، ومعرفة أبعاد سلوك كل فرد يساعد في كيفية التعامل معه، بشكل ينعكس على تنسيق جهود الأعضاء وتسهيل حل الخلافات أو التناقضات أو سوء الفهم وتسييرها. (بن عبد الله بثينة، 2021، ص 78).
أي إن مهارة العمل في الفريق تساعد على نجاح المؤسسات الاقتصادية والشركات والمقاولاتية، فاندماج أعضاء الفريق وتعاونهم في العمل قد تسهل عليهم فهم بعضهم البعض، مما قد ينتج عنه مضاعفة الجهود وكذا المحافظة على طبيعة العمل والمؤسسة، وبذلك تشهد تطورا وزيادة في الإنتاجية، وكل هذا لا يتأتى إلا بالتدريب على هذه المهارات ومحاولة تطويرها من طرف أخصائيين في مجال التشغيل والعمل.