جاءتني خاطرة بعد رجوعي من المقبرة، ودفنِ الشيخ يوسف القرضاوي (رحمه الله)، وهي أن العَالِم بعد موته يحيا أَثره وعِلمه وفِكره الذي تركه، والشيخ القرضاوي (رحمه الله) بإذن الله العلي القدير سينتفع بعلمه وفِكره أجيال حية، وأجيال لم تولد بعد.

واستحضرت سِير العلماء والفقهاء وما عانوه من ظلم واضطهاد من السلطة وإقصاء وإساءات من المجتمع، فهذا العلامة ابن تيمية (رحمه الله) عندما كان في سجنه مُنعت كتبه، وعوقب من نَشرها، وكان تداولها أشبه بجريمة لا تُغتفر، وكذلك الشيخ يوسف القرضاوي (رحمه الله) مُنعت كتبه وفتاويه، وحُظر من السفر، وطَلبته أجهزةٌ أمنيةٌ عدة.

وكَمْ من العلماءالعاملين في تاريخ الأمة، قارعوا الاستبداد ورفضوا الظلم والدكتاتورية، وحاربوا التخلف والجهل والجمود والبِدع،وتعرضوا للأذية والتهديد والمضايقات والسجن في حياتهم، ومُنعت كتبهم إلا أن الله تبارك وتعالى بارك فيها ونشرها بين خلقه، وسخر لها من يقرأها ويَنشرها ويُترجمها إلى لغات بني الإنسان كافة!؟

ولقد دارت دورة الزمان، وأقدار الله ماضية في خلقه سبحانه وتعالى، وأصبحت كتب وعلوم الشيخ ابن تيمية لا يُستغنى عنها من طالبِ علم ولا داعية ولا مُفكر، ولاقت رواجاً واسعاً، وتأثيراً عظيماً في مدارسٍ وأجيالٍ حتى أن خصومه اهتموا بتراثه، وكذلك حال شيخنا أبي عبد الله القرضاوي (رحمه الله رحمة واسعة);

فهو كان إمام أمةٍ في علمه ودعوته وفتاويه ومواقفه وعزيمته، وأعماله التوعوية والدعوية ومشاريعه الإنسانية، ونُصرته لدين الله سبحانه وتعالى. والله أعلم سنرى علمه ينتشر انتشاراً لا حدود له، فهو صاحب العلم والأثر، ورأينا كيف عَبَّر الألوف عن مواقفهم وحزنهم وتأثرهم به، فسيكون علمه نبراساً للحق والخير والإيمان والهداية. وخير ما نحفظ به علم الشيخ وينال فيه الرحمة والرضا والقبول عند الله تعالى هو نشر علمه وتبليغ رسالته وعوته الصادقة النقية بإذن الله.

اللهم أعلي ذكره في الصالحين والمصلحين، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله ولجميع المسلمين.