بعد ما حازه مسلسل قيامة أرطغرل من رواج في أوساط المسلمين، ومدى تأثرهم بأسلوبه الجديد صار بالإمكان ظهور أفلام مماثلة لمخرجين آخرين، بحيث يتم التركيز على المحتوى بالدرجة الأولى وعدم الإكتفاء بالمبالغة في الدراما الفارغة، والقصص الوهمية التي لا تزيد الشعوب سوى تقوقعا وسطحية في العلاقات والتفكير، ثم الاهتمام بأداء الممثلين واستعمال تقنيات وجودة بمعايير عالمية والمشاركة الواسعة في المسابقات والمهرجانات العالمية، والفوز ببعضها، وبالتالي تحسن المستوى العام للأفلام العربية والإسلامية. 

حين يصبح لنا أفلام تعبر عن مشاكلنا وحلها وتعكس الصورة الصحيحة عن المجتمع المسلم وتطلعاته من جهة، وتكون أعمال إحترافية راقية فنيا وتقنيا من جهة أخرى، فيصير لها دور كبير في التأثير والتوجيه وكسر الصور النمطية للعديد من الأشياء وتصحيح الكثير من المفاهيم، لا شك أنها ستلقى رواجا واسعا في العالم وليس فقط في أوساط المسلمين.

وكحال جميع المشاريع الضخمة الناجحة سيكون لهذا المشروع لوازم تتبعه يفرضها الواقع مع الوقت، كظهور مجتمع نجومي، وهنا يطرح السؤال:

هل سيصبح مجتمع النجوم عندنا كالذي هو عند الغرب؟
 وهل سنسمع عن موضات جديدة لبسها الفنان الفلاني أو تسريحة شعره وعلاقاته وزواجه وطلاقه؟
وهل سيُعبدون كما يعبد الممثلين والنجوم الغربيين الكبار اليوم؟

طبعا بغض النظر عما هو موجود حاليا في الساحة العربية من نجوم، فأكثرهم لا يعكسون صورة شعوبهم، وإن كان منهم من يفعل، إلا أن الأمر ليس بتلك الضخامة واللمعان، فالحديث هنا عن مجتمع نجومي كبير يكون للنجم فيه التأثير الواسع على العامة فيتابعهم المثقف والبسيط والملتزم والمنحرف والصغير والكبير، ويكون لآراءهم وزن في مختلف الأمور أو بعبارة أخرى هم مجموعة من القدوات التي تسير خلفها شرائح واسعة من المجتمع، من بينهم من لا تؤثر فيهم الكتب والمواعظ.

 بالعودة إلى المجتمع النجومي الغربي نجد أن هناك هوة كبيرة بين ما يظهر به النجم الغربي في شاشة السينما، أو على خشبة المسرح، وبين حياته الحقيقية، إذ أن ما تراه الجماهير في الأفلام من مثاليات ومحاسن لبعض الممثلين الرائعين الذين كانوا السبب في إنجاح أفلام ذات قيم إنسانية سامية، سرعان ما تصطدم بحقائقهم في الأخبار ووسائل الإعلام، وقد تطور الأمر إلى حد ظهور إعلام متخصص في فضائح الفنانين وزلاتهم، حتى أن كل من يريد الدخول إلى هذا العالم يخيل إليه أن الفضائح تعتبر معيارا لنجاحه وتفوقه، ومن جهة أخرى ارتسمت عندنا صورة نمطية سلبية عن التمثيل خصوصا عند الملتزمين على أنها مهنة سيئة وأن الممثل شخص منحرف وسطحي.

إن من أعظم أسباب إنحطاط العالم الإسلامي خلفاء سموا أنفسهم أمراء المؤمنين، وشريعتهم بشريعة الله ثم ظلموا بها، وعلماء سكتوا عن قول الحق فأوهموا الأمة بمسميات براقة وأحاديث ملفقة تحت غطاء الدين فضلوا وأضلوا.

العبرة ليست بأن تسمي منتجك بالإسلامي أو الملتزم، وإنما بمدى تأثيره الأخلاقي والقيمي في الميدان، وإن لم يحمل صبغة الإسلام في ظاهره، أن يحتوي على حلول للمشاكل الشائعة والمستعصية في قالب فني جميل غير متناقض مع الفطرة الإنسانية.

 كما لا ننكر التأثير الإيجابي الواسع الذي أحدثه بعض الفنانين الغربيين الكبار أثناء تعاطفهم مع الفلسطينيين ضد حصار غزة أو الحرب على سوريا ودور ذلك في ترشيد الرأي العام الدولي حول المسلمين وقضاياهم.

 ما يحتاج إليه عالم السينما اليوم هو فنان رسالي مثقف مقتدر لا تهمه الأضواء رغم إحاطتها به، متوازن في حياته، مستقر في علاقاته ومواقفه، ومستعد أن يضحي من أجل مبادئه، فيكون بذلك بمكانة الداعية، بل حتى المجاهد، إذ أن رصاصته الناعمة تصيب ما لا يصيب المدفع، فيوم يُربىَ جيل من الفنانين يسعون إلى الفكرة لا الشهرة.. يوم إذٍ تزدهر أفلامنا.