يعيش واقعنا المجتمعي المحلي والوطني أزمات تضاهي في تحدياتها ما يحدث على المستوى الدولي والإقليمي، بل يعتبر أصعب وأعقد في المعالجة باعتبار أن المجتمع والممارسات التي تسود فيه والأفكار التي تقود نخبه هي الخلايا النائمة التي تنتج لنا واقعا متطرفا يصعب التعاطي معه، وما يحدث الآن في الأمة من إرهاب وتدمير ومعاناة تحارب الفطرة البشرية لهو نتاج لأزمة مجتمعية معقدة.

 

ويضاف إلى تحدي الأزمة المجتمعية وجود بيئة فاقدة للوعي متجذرة بالممارسات والفساد الجماعي تجعل من إيجاد الحلول ضربا من الخيال، ويقف وراء هذا المستحيل بالنسبة للإصلاحيين والوطنيين الصادقين أنظمة قائمة على الفساد والاستبداد، وهو ما يصعب من مهام أي فرد أو جماعة إصلاحية كانت في تحقيق أهداف الفكر النهضوي من جميع التيارات القائمة.

 

والذي يحتاجه المجتمع كخطوة أولى نحو نهضة حقيقية وتغيير حضاري يمس الأفكار والممارسات ينعكس بإيجابية تجاه الواقع المحلي والوطني والدولي، هو إصلاح الفرد وفق أعمال إستراتيجية مدروسة، تشخص المشاكل وتعرف التحديات وتقرأ واقعها بتأني وتخطط وتعمل بتفاني من أجل تحقيق أهدافها. فالمشاريع الإستراتيجية لتيار الوسطية والاعتدال والمؤثرة في القناعات والمطورة للسلوك والمهارات هي السبيل الوحيد لتهيئة بيئة مناسبة وقادرة على إحداث أي تغيير.

ولعل أهم خطوة حالية يجب أن نمنحها وقتا كافيا ونناضل من اجلها لدى العامة هي ترسيخ المشاريع الإستراتيجية في ذهن الأفراد والأجيال

التيارات الفئوية القوية داخل المجتمع من أصحاب الوعي والفكر النهضوي والتعلق بالتاريخ الإسلامي الحضاري بمختلف علومه وثقافاته وفنونه، وشبكات واسعة من المؤسسات المحلية والوطنية التي يقودها رجال لديهم من الزاد التوعوي والنهضوي والفكري هي إحدى الحلول القليلة القادرة على صناعة تغيير هادئ وعميق والواجب العمل عليه على أمد متوسط وبعيد، ولعل أهم خطوة حالية يجب أن نمنحها وقتا كافيا ونناضل من اجلها لدى العامة هي ترسيخ المشاريع الإستراتيجية في ذهن الأفراد والأجيال والتي تشتغل على المدى الطويل وتحقق لنا نتائج على المدى الاستراتيجي البعيد.

والعمل على تقوية التيارات الفئوية المتخصصة داخل المجتمع من شأنه أن يخلق قوة ونفوذا قويا لأصحاب المستوى العلمي والمهني في التأثير على توجهات المجتمع، فالطبيب الذي يعتبر حكيم مجتمعه لو عملت التيارات الإصلاحية على أعداده -بالإضافة إلى تفوقه الدراسي- قياديا ومهاراتيا واصوليا ومقاصديا وفي مختلف قضايا راهن وواقع الأمة سيمنح للمجتمع دفعة قوية في الإصلاح وتجنيب المجتمع الأزمات الفكرية التي تتحول فيم بعد الى صراعات دولية تفوق في قدراتها وواقعها إمكانات الدول والتحالفات السياسية، وبمثال الطبيب يمكن قياس ذلك على أصحاب المناصب الإدارية العليا في مختلف هياكل الدولة، والمهندسين والاقتصاديين ورجال المال وكبار التجار في القطاع الخاص والدكاترة والباحثين في قطاع التربية والتعليم العالي. وبالتالي تصبح لنا شبكات واسعة من التيارات الفئوية القادرة على قيادة المجتمع نحو إصلاح حقيقي ونهضة شاملة منطلقها فكر وسطي معتدل راق تساهم في تطوير السلوك الجماعي لأفراد المجتمع الذي يصبو نحو التحضر والتمدن المنشود.

إن إعداد أجيال تلبي احتياجات الأمة فكريا وعلميا وفنيا وثقافيا يتطلب عملا ضخما بقدر الرؤية التي يجب أن تصبح عليها مكانة أمة الإسلام في النهاية التي لا ترضى سوى بريادة باقي الأمم، فالعمل الاستراتيجي أصبح مهما في تكوين شباب قادرين على صنع ملحمة التغيير الحضاري. وأحد أهم أركان الإعداد هو توفير البديل القيادي والمنافسة بين المؤسسات الرسالية الرائدة في المجتمع.