إنّ أكثر المشكلات التي تعاني منها الشعوب والأمم -ومنها أمتنا- يعود إلى قصورٍ داخلي، والقليل منها يعود إلى عدوان خارجي على نحو ما. قال الله -جل وعلا- : {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ}. ومشكلات الأمّة متراصّة متراكمة؛ مما يجعل الإنسان المسلم يشعر بنوعٍ من العجز حيال تصوّرها، فضلًا عن الاستعداد للتعامل معها. وهذا اليأس المثبّط جعل كثيرًا من المسلمين يشعرون بأنهم قد حُشِروا في أضيق الزوايا، وجُرِّدوا من كل وسائل المقاومة، وصارت خيارات العمل والحركة لديهم محدودة للغاية، ونتيجة لكل ذلك فإنهم ما عادوا يختزنون في الذاكرة سوى حالات الإخفاق والتأزّم والتراجع. ومن ثمّ فكلّما عُرضت عليهم إمكانية للعمل والعطاء والبناء، واجهوها بسردٍ لنموذج إجهاض ووأد؛ حتى إذا استنفدت إمكانات العمل، واستنفدوا ما لديهم من صور ونماذج سوداء؛ صاروا إلى مرحلة الجأر بالشكوى وقلّة الحيلة، وصار من المألوف أن وراء كل حوار ومناقشة إجازة مفتوحة!!.

 والذي نودّ أن نقرّره أن أية نظرية أو مقولة تفضي بالناس إلى طريق مسدود، ليست بنظرية وليست من العلم في شيء، بل هي إلى الجهل أقرب، وبالتشاؤم والتطير ألصق.

فالمخارج والمنافذ وإمكانات البناء لا تُستنفذ إلا من قبل الجهلة والعجزة!، أمّا أولو العلم والبصيرة والخبرة فإنهم يظَلَّون -بحول الله- قادرين على العثور على ثُقبٍ في جدار المستقبل؛ مهما كان الخطب مدلهمًا؛ ومهما كانت الظروف غير مواتية، فليس هناك أزمة ليس لها حل؛ حتى إن الجسد حين يثقل على الروح يساعدها على الخلاص منه!.
   وقد دلّت التجربة التاريخية الاجتماعية على أنه (عندما يطرأ انحباسٌ أو إعاقة للحركة الاجتماعية على أحد الأصعدة -كصعيد السلطة مثلًا- تتحرّر الأصعدة الأخرى لا محالة، ورغم كل أنواع الحصار والمراقبة) اغتيال العقل ١٧.
   إن العلاقة بين جوانب حياتنا الحضارية ليست متصلّبة، وإنما هي علاقة أقرب إلى المرونة؛ فإذا واجه المجتمع المسلم مشكلات كبرى في مجال من المجالات وجد أمامه مساحات للحركة في مجالات أخرى يُتيحها المجال المتأزم نفسه؛ إذا ما وجد المدرك لذلك والقادر على العمل فيه.
   إنّ هناك إمكانات للعمل لا حدود لها للالتفاف حول مشكلاتنا وأزماتنا، ثم اختراقها وتجاوزها.
ومن هنا نستطيع أن نقرّر أنّ انسداد السبل أمام العمل ليس واقعًا ولا حقيقة؛ وإنما هو عبارةٌ عن قصورٍ في مدارك وثقافة الذين يدندنون حوله، ليس أكثر!.

                                                     مقتطف من كتاب | من أجل إنطلاقة حضاريّة شاملة | د.عبدالكريم بكار