تعتبر النّظم الاقتصاديّة الأداة الأكثر هيمنة وخطورة على جميع أحوال العالم الآن، بكلّ أحداثه ومجرياته، وذلك ما دعانا إلى عرض هذا المقال للتعرف على طبيعة النّظم الاقتصاديّة المعاصرة مع التحرّي عن مدى تواجد ورسوخ النّظام الاقتصادي الإسلامي بينها، ممّا قد يُمكّننا من إيجاد إجابة أكثر منطقيّة عن سبب التقهقر المخزي للعالم الإسلامي الضخم في عدد سكانه، بل والزّاخر بالموارد الطبيعيّة والبشريّة التي تعتبر من أهم مقومات التقدم والارتقاء، ناهيك عن التوجيه الإلهي النموذجي الشامل لجميع نواحي الحياة والمعايش والمعاملات الذي يشتمل عليه القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة، بل وتجارب اقتصاديّة ناجحة تمت بالفعل في عهد الدولة الإسلاميّة القديمة.

إنّ من يقوم بتعداد وتقص للنّظم الاقتصاديّة كمُصطلحات وركائز وتوجّهات حقيقيّة وتطبيقات، سيلاحظ بوضوح أنّها تعاني من تعدديّة مُبالغ فيها، وتناقضات غير مقبولة لأنّها تُدمّر بعضها البعض بدلاً من أن تتكامل من أجل إعمار كونٍ واحد يتشارك فيه كلّ دول العالم، بتباينات أحوالهم وألوان مُواطنيهم وتقاليد شعوبهم. وأصبح للمشكلات الاقتصاديّة الدولية أثر كبير على جوانب الحياة ضمن الدولة الواحدة وحتى على حياة الفرد الاجتماعيّة ونشاطه. ومن المؤسف، أن تجتمع تصنيفات النّظم الاقتصاديّة المعاصرة على قاسم مشترك أعظم، وهو أنّ المتقدّم منها ينتمي فقط إلى الدول الأوروبيّة الغربيّة، وعلى رأسها طبعًا الولايات المتحدة الأمريكيّة.

والمُتتبّع لأهم النّظم الاقتصاديّة المعاصرة، سيجدُ أنّه يُمكن تصنيفُها وفقًا لطبيعة نمطها، ولحقيقة حالها التطبيقي على أرض الواقع إلى ثلاث مجموعات من النّظم الاقتصاديّة:
- نُظم أساسيّة مُطبّقة: تتمثّل في نظامين متقابلين يتّسمان بالتطرّف وهما يتمثّلان في أربعة أنظمة أساسيّة: النّظام الرأسمالي الحر، النّظام الاشتراكي المركزي، النّظام المُختلط والنّظام العالمي الجديد.
- النّظم المشتقّة المُتأرجحة والمتطرّف بعضها: هي كثيرة ومتعدّدة، بعضُها تمّ تطبيقه في بعض الدّول وبعضها شهد فشلاً من خطواته الأولى ومن بينها: الرأسماليّة الديمقراطيّة، الشّيوعيّة، الفاشيّة والنّازيّة...
- النّظم المُقترحة: هي نتاج محاولات فلسفيّة تصحيحيّة للثّغرات التي تُعاني منها النّظم المُطبّقة في مُحاولة للوصول إلى أفضل صياغة لها، غير أنّها ظلت محلّ جدالٍ مُحتدم، فلم تخرج عن صفة كونها فقط مُقترحة.
- النّظم المعياريّة أو المثاليّة: وهي التي بُنيت على أسس مثاليّة ومعياريّة وسطيّة، لتصلح للتطبيق في كل مكانٍ وزمان وتحظى بقبول فطري لأنّ واضعها هو الله عزّ وجل، وبهذا التّوصيف لا يوجد سوى نظام اقتصادي معياري واحد هو النّظام الاقتصادي الإسلامي، إلهيُّ المصدر والتّوجيه. والواقع أنّه أصبح المعيار الجوهري للتّصنيف الحالي، بين مُتقدّم ومتخلّف ونموذجي.
حيثُ تُعتبر الأنظمة الاقتصاديّة الأكثر شيوعًا والأكثر استحواذًا على أفكار الاقتصاديّين والسياسيّين في دول العالم المعاصر، هي كلٌّ من النّظام الرأسمالي الحرّ؛ غربي المنشأ، عالمي الهيمنة، والنّظام الاشتراكي المركزي؛ شرقي المنشأ وتنافسي الهيمنة على دول العالم، وقد أخذا حقّهما بالكامل من استجلاب المؤيدين والمشجعين كلٌّ لفريقه، ثمّ النّظام الإسلامي؛ نموذجي الأصول إلهيُّ المصدر، والذي يُعاني من تبعيّة وانحسار، ولدواعي الإنصاف فحتّى هذا الأخير قد تمّ تطبيقُه بالفعل في ظروف مُختلفة وأثبت نجاحه وعظم ثماره رغم كلّ عوامل المقاومة الشّرسة، لكن للأسف على أراضٍ غير عربيّة، كما هو الحال في ماليزيا وتركيا وإندونيسيا… فالنّظام الاقتصادي الإسلامي يلقى تهميشًا شديدًا وعزوفًا غير مقبول في تطبيقه من المسلمين أنفسهم لتبعيتهم المُنبهرة بدنيا الغرب المرفه بدنيويات يعتبرها الإسلام جنّة الكافر فقط.
إنّنا إن أردنا المُقارنة بين الأنظمة الاقتصاديّة الثلاثة، فسنجدُ أنّ النّظام الرأسمالي يستهجنُ فئة الفقراء ويعتبرهم فئةً ضعيفة لا مكان لها في ظلّ المنافسة الشّرسة التي لا تُبقي إلاّ على القوي، ويقوم على تغليب الملكيّة الفرديّة، أمّا  النّظام الشّيوعي فيُغلّب الملكيّة العامّة، ويُبالغ في شعارات التّعاطف مع الفقراء لدرجة أنّه يُصيبُ الجادّين والكادحين في أعمالهم بإحباطٍ شديد لأنّ الضّعفاء من الكسالى يتعايشون على حسابهم هم.  في حين نجدُ النّظام الإسلامي وعلى الرّغم من الحثّ على التكافل الاجتماعي وإعانة كلّ ذي حاجة، إلاّ أنّه يرفضُ التسوّل والتّواكل ومن يرضون لأنفسهم بأن يكونوا أيادٍ سُفلى.

فنظرية الإسلام الاقتصاديّة، بكلمات مختصرة، هي أنّ الرابطة بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية وثيقة من حيث فطرتهما، فمن الواجب أن تكون بينهما الموافقة والمعاونة، لا المزاحمة والمصارعة، فإن كان الفرد يجلب إلى نفسه ثروة الجماعة، غير آبه لما يخالف المصلحة العامة، ولا مراع عند إدخارها وإنفاقها إلا مصلحته الذاتية، فإنّ ضرره لا يقع على الجماعة فحسب، بل لا بد أن تعود مضاره ومغبّاته في آخر الأمر على نفسه أيضا. وكذلك إن كان نظام الجماعة مضيعا لمصلحة الأفراد في سبيل المصلحة العامة.

"فنظرية الإسلام الاقتصاديّة، بكلمات مختصرة، هي أنّ الرابطة بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية وثيقة من حيث فطرتهما، فمن الواجب أن تكون بينهما الموافقة والمعاونة، لا المزاحمة والمصارعة.


والبلدان العربية اليوم تواجه تحديات كثيرة صعبة، في مقدّمها تأمين الملايين من الوظائف الجيدة. ولمواجهة هذه التحديات، عليها إتباع نموذج قائم على المعرفة والابتكار، بناء على التوجه العالمي نحو النّظام الاقتصادي الإسلامي.
إنّ التحول نحو اقتصاد إسلامي واضح في الدّول التي ذكرناها سابقًا (ماليزيا وتركيا وإندونيسيا)، هذه الدّول تمكنت من تسخير النّظام الإسلامي بما يخدمُ اقتصادها، لتصل بذلك إلى المنافسة في حلبة الاقتصاد الدولي، وتنمية مهارات السكان. وفي المقابل، فإن الدول العربيّة التي فشلت في التكيّف مع هذا النّظام وتفعيله واستخدامه للارتقاء في سلّم المنافسة الاقتصاديّة العالميّة، محكوم عليها بالانهيار والتقهقر. ففي كل أنحاء العالم، يبحث القادة البعيدو النظر عن أفكار واستراتيجيات جديدة للتعامل مع الواقع المتغير.

فالتحدي الذي يطرحُه الواقعُ أمامها، هو بناء نظام اقتصادي إسلامي حرعادل وشامل وخلاق وديناميكي، يُحسّن نُظم الحكومة وبيئة الأعمال لأنّ نجاح استراتيجية النّظام الاقتصادي في أي بلد يتوقّف على نظامها المؤسسي. ويُعزي ذلك إلى تأثير ذلك النظام في كفاءة الاستثمارات وفاعليتها، في مجالات أخرى مثل التعليم والابتكار والمعلومات،  كما يساعدُ على خلق فرص عمل جيدة للشباب الذين يبحثون عن عمل.