تتزايد حظوة الاهتمام بالأسواق المالية في الدول المتقدمة إلى جانب النامية منها على السواء كرافد أساسي في الحياة الإقتصادية المعاصرة لدور الأخيرة الهام والمتناهي في حشد المدخرات الوطنية وتوجيهها ضمن قنوات استثمارية تعمل على دعم الاقتصاد الوطني والرفع من معدلات رفاه أفراده، على غرار توسع القطاع الخاص وانحصار الملكية العامة وتطور تكنولوجيا التواصل والمعلومات وتجدد الأنظمة الإقتصادية.

بالنظر للتطور التاريخي لمفهوم الأسواق المالية منذ العهد الروماني فالعصور الوسطى إلى غاية نشأة وتطور الرأسمالية الصناعية، حيث ارتكزت الفكرة الجوهرية على نظرية آدم سميث القائمة على فكر تقسيم العمل بين عاملي حجم السوق والإنتاج وبالتالي تحديد نوع التخصص الإنتاجي تباعا والذي عبر من حاجة ورغبة في جذب المدخرات وتحقيق عمليات نقل القيم وتمويل النمو الإقتصادي إلى ضرورة ملحة وحتمية تستلزمها المعاملات والمبادلات الاقتصادية بين الأفراد والمؤسسات بشكل يوازن قوى الطلب والعرض بفعالية، حرية ونظام كفء قادر على التسيير الجاد.

نظرة على  الأسواق المالية

تعتبر الأسواق المالية منشأة وظيفية إقتصادية تربط كحلقة وصل بين وحدات العجز والفائض المالي ضمن قناة ملائمة وشرعية لتلبية المتطلبات وإعادة تدوير المال واستثماره فرديا أو مؤسسيا أو حكوميا ضمن أسواق محلية، إقليمية وعالمية. إذ تحرك من عجلة الإقتصاد ونماءه. وتعرف أيضا بـ: "الآلية (الأسلوب والإجراءات) التي يتم بواسطتها بيع وشراء ومبادلة السلع والخدمات أو الأصول المالية ( الأسهم والسندات، المشتقات المالية وما شابههما )" ومن خصائصها تداول الأدوات المالية الكافية لإنتاجية المشاريع أو سيولتها القائمة، بعوائد مرتفعة نسبيا مما تجذب رأس المال المخاطر للمستثمرين.
 

ما هو دور الأسواق المالية في التنمية الاقتصادية؟

- المواءمة بين القطاعات المدخرة الراغبة في استثمار أموالها.

- تلافي التضخم بتمويل المشاريع الاقتصادية دون الإفراط في خلق النقود ومنح الائتمان المصرفي.

- المساهمة في منح القروض المحلية وبتكلفة مناسبة ومعقولة.

- جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي تسهم في المشاريع الكبيرة.

- تشجيع ورفع الوعي الادخاري والاستثماري للأفراد والمؤسسات باستثمار الفائض وتوفير السيولة لخدمة وتنمية المشروعات المنتجة ومنه الوضع الإقتصادي الفردي.

- الرقابة وتحسين الجودة التداولية للشركات وإداراتها ضمن خطط تنموية وسياسات تشغيلية كفوءة ومتمرنة.

- المساهمة في تحقيق كفاءة في التوجيه الأنسب بين الموارد والقطاعات.

- دراسة السوق والتنبؤ بحالة الاقتصاد عبر مؤشرات إقتصادية ذات مصداقية وكفاءة في اتخاذ القرارات والإجراءات الصحيحة.

ما الذي نقيس به كفاءة سوق مالي عن آخر؟

تتسم سوق الأوراق المالية الكفء بالتنافسية أي تتحدد فيها أسعار الأصول وعوائدها وفقا لقوى العرض والطلب و رشد سلوك المتعاملين ونزاهتهم مع افتراض تماثل المعلومات المتاحة، صحتها، توافرها وسرعته لدى جميع المستثمرين وعليه تتحدد القرارات الاستثمارية بناء على هذه المعلومات. كما تقوم على مؤشرات عدة لقياس أداء وتطور السوق المالي مثل: حجم السوق (مؤشر عدد الشركات، مؤشر القيمة السوقية)، سيولة السوق المالي (معدل دوران السهم، مؤشر حجم التداول).

"المنافسة لا الاحتكار، الأمن التجاري والأخلاقي، العقلانية الربحية الاستثمارية، شفافية، دقة وسرعة المعلومة، كفاءة التشغيل والتسعير، استقرار السيولة سهولة التسويق، إتاحة فرص عادلة ومتساوية لرواد السوق، التنظيم الإداري واللوائح الرقابية"

واقع الأسواق المالية العربية؟

جاء في ملخص ورقة الباحثة نوال بن لكحل المعنونة بـ: "واقع الأسواق المالية العربية وسبل تطويره" في مجلة الاقتصاد الجديد أن  اقتصاديات الدول العربية عرفت بعدم تحقيق التوازنات الكبرى بتوجهها  نحو إنشاء قطاع عام عريض ضعف أدائه وعدم توصله إلى النتائج التي وجد من أجلها أثقل تلك الدول من حيث تحمل عبء تمويل هذا القطاع، الأمر الذي دفع بكل البلدان العربية إلى تبني برامج إصلاح شامل، خاصة ما تعلق بالجانب التمويلي اقتصادياتها شملت التنظيم القانوني والهيكلي في أسواق الأوراق المالية، التي انعكست بشكل إيجابي على نمو رسملة هذه الأسواق وحجم التداول فيها، إلا أنه ورغم ذلك، تبقى دون المستوى المطلوب وتظهر الثغرات متباينة بين الأسواق العربية في شكل معوقات تحول دون تحقيق كفاءتها، لذا من الضروري البحث على سبل وآليات تعزيز كفاءة أسواق الأوراق المالية العربية وتنشيط أدائها بالمستوى المطلوب.

حيث أوردت الخصائص المشتركة في الأسواق المالية والعربية وشملت:
  • ضآلة حجم السوق من حيث النقص الشديد في العرض، المقاس بعدد الشركات، والطلب المتمثل في عدد وحجم أوامر الشراء.

  • ارتفاع درجة تركز التداول المتمثلة بمدى تأثير أكبر الشركات في تحديد الرسملة البورصية للسوق وبالتالي صغر عدد الأسهم ذات الجاذبية ويعزى ذلك: للاحتكار الاستثماري لأسهم الشركات الواعدة، وانخفاض جودة غالبية الأسهم المدرجة بالأخص شركات القطاع العام.  

  • ضعف الفرص المتاحة للتنويع وضعف السيولة إضافة إلى التذبذب الشديد في الأسعار والحراك الجيوسياسي للمنطقة.

في حين أصدر صندوق النقد العربي نشريته الفصلية للربع الثالث لعام 2018 والتالي ملخص الأداء:
  • تباين أداء الأسواق المالية للدول العربية ومؤشر التداول مع تحسن نسبي مقارنة مع النشريات الفارطة.

  • ارتفاعا المؤشر المركب لصندوق النقد العربي الذي يقيس أداء الأسواق المالية بنحو 1.3 في المائة عن الربع الثاني و بنسبة 0.9 في المائة عن الربع الأول.

  • بلوغ القيمة السوقية الإجمالية لمجموع الأسواق المالية العربية نحو 1215 مليار دولار بنهاية يونيو 2018 مقارنة مع قيمة 1206 مليار دولار بنهاية الربع السابق بزيادة 0.9 مليار دولار تباينت مؤشرات التداول خلال الربع الثاني من 2018 بالمقارنة مع الربع السابق.

  • صافي تدفق موجب لتعاملات المستثمرين الأجانب في البورصات العربية مجتمعة خلال الربع الثاني 2018.

يمكنك التعرف على المزيد من نتائج الخاصة بأداء البورصات ومؤشرات الأسعار، أحجام الأسواق، نشاط التداول والاستثمارات الأجنبية ناهيك عن الأداء الفردي للأسواق المالية العربية بمعاينة النشرية.

معيار تطور الأسواق المالية: معايير التنافسية الدولية:

على صعيد دولي، أصدر منتدى الإقتصاد العالمي تقريره لعام 2018 حول التنافسية الدولية وشمل في معيار تطور أسواق المال التالي:
 

8th pillar financial market development

المعيار الثامن: تطور الأسواق المالية

efficiency

  1. availability of financial services

  2. affordability  of financial services

  3. financing through local equity market

  4. ease of access loans

  5. venture capital availability

trustworthiness and confidence

1-      soundness of banks

2-      regulation of securities exchanges

3-   legal rights

الكفاءة

1-      توفر الخدمات المالية

2-      القدرة على تحمل تكاليف الخدمات المالية

3-      التمويل عن طريق سوق العدالة

4-      التمويل من خلال سوق الأسهم المحلية سهولة الحصول على القروض

5-      توافر رأس المال المغامر

 

الجدارة بالثقة والثقة

1-      سلامة البنوك

2-      تنظيم البورصات المالية

3-      مؤشر الحقوق القانونية

الدول العشر الأوائل في معيار تطور سوق المال

 

في حين أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:

قطر تركيا وماليزيا..قطب اقتصادي جديد لدعم المالية الإسلامية

عملت مخرجات مؤتمر الدوحة الرابع للمال الإسلامي على استحداث قطب جديد لتطوير وتعزيز المالية الإسلامية عالميا من خلال توظيف رؤية تنموية توسعية تهدف بالجهود الموحدة لتطوير السوق المالية الإسلامية في كل من الساحة الأوروبية، الآسيوية ومنطقة الشرق الأوسط وازدهار اقتصادياتها. والتي تعبر عن شراكة اقتصادية مدعمة بتكنولوجيا متطورة لمستقبل المالية الإسلامية بين كل من قطر (البنوك الإسلامية القطرية ثالث أكبر مساهم في السوق المالية العالمية ) ماليزيا (التي تسيطر على  34% من سوق الصكوك على المستوى العالمي) وتركيا (تمثل المالية الإسلامية 5% السوق المالية التركية ومن المحتمل وصولها 15% بحلول 2025).

وعليه، استحدثت قطر مجموعة من الإصلاحات والاجراءات المالية المؤسسة لخلق منصة دولية خاصة بتداولات المالية الإسلامية كالتأطير القانوني والقضائي المنظم والمستقل وفك قيود عملات التداول وتجديد الإجراءات الضريبية في حين قامت تركيا بإصلاحات قانونية وتنظيمية شملت قوانين الاستثمار وعمل البنوك الإسلامية والتي أثرت في جذب الاستثمارات والمساهمة في ازدهار الدخل القومي. فخلال النصف الأول من سنة 2017 حققت أرباح البنوك الإسلامية 769 مليون ليرة تركية أي ما يعادل (223 مليون دولار) وهو ما يشكل زيادة بنسبة 36% مقارنة بالنصف الأول من 2016. بينما ارتفعت الأصول الثابتة للبنوك الإسلامية 8% أي ما يعادل 42 مليار دولار.

كما تلعب ماليزيا التجربة الحية والفاعلة في التمويل الإسلامي والركيزة الأساسية التنظيمية والقانونية في إدارة وتسيير مؤسسات المالية الإسلامية  سواء من خلال الاستشارات ومنتجات المالية المواكبة للتطورات التكنولوجية وحاجيات السوق بمرونة وثراء.

النموذج الماليزي

تعتبر التجربة المالية الماليزية نموذجا رائدا في الهندسة المالية والمصرفية الإسلامية القائمة على المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية والتي أسهمت بتطور وازدهار القطاع الاقتصادي للبلد على نحو يصدر التجربة بمرونة ويطور من جواها وجودتها بالتعليم والبحث والتدريب المستمر باستقطاب رواد مجال المصرفية على المستوى العالمي. فناهيك عن تصدرها المشهد الاقتصادي ومرونته تحتل المرتبة 15 في معيار تطور الأسواق المالية في تقرير التنافسية الدولي الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي.

ففي دراسة معنونة بـ"تقييم دور الصكوك الإسلامية في تطوير السوق الإسلامي لرأس المال – التجربة الماليزية أنموذجا-" تؤكد الباحثة أن الصكوك الاسلامية أثبتت نجاعتها في توفير بعض ما عجزت السندات الربوية عن توفيره، حيث ساهمت الصكوك الاسلامية في ماليزيا في جذب عدد من الشركات الإسلامية وغير الاسلامية، لمساهمتها في الرفع من كفاءة سوق رأس بتوفير السيولة اللازمة وجذب المتعاملين الجدد بالتمكين لاستقرار سوق رأس المال الإسلامي والاقتصاد ككل وذلك من خلال الآليات المستخدمة في استبدال سعر الفائدة الدائن والمدين بنظام المكافأة لصاحب المال باستخدام صيغ تمويلية قائمة على أساس المشاركة