مراجعة كتاب: الإنسانوية؛ لستيفن لو.
الإنسانوية ذلك الدين الجديد؛ دائمًا ما نجد البعض يقول كن إنسانًا قبل أن تكون مسلمًا، أو كن إنسانًا قبل أن تكون أي شيء!
كما نجد بعض المسلمين بوعي أو بدون وعي يحكمون على الأشياء والمواقف والأحداث من وجهة نظر إنسانوية بعيدة كل البعد عن المنهج الإسلامي!
فلابد من التعرّّف على الإنسانوية، وبها نُميّز الأقوال والمفاهيم، ونعي ما نقول؛ يتفق الإنسانويون ويجمعون على نقاط، ويختلفون في نقاط أخرى، منها ما تسلل إلينا تحت غطاء الإنسانية لعدم تمييزها، ومنها ما هو واضح لا شك فيه من مخالفته للدين والإله، وقد اتفق الإنسانويون على سبعة نقاط، وهي:
أولًا: يؤمن الإنسانويون أن العِلم والعقل بشكل أعمَّ، أداتان مهمتان للغاية يمكننا -ويجب علينا- أن نستخدمهما في كافة مناحي الحياة، ولا ينبغي النظر لأي معتقدات على أنها ممنوعٌ الخوض فيها أو غير خاضعة للاستقصاء العقلاني، وبالتالي يرون أن العقل وحده هو الذي له الحكم والأمر، وليس الأديان أو الإله!
ثانيًا: الإنسانويون إما ملحدون وإما على الأقل لا أدريون!
ثالثًا: يؤمن الإنسانوية أن هذه الحياة، هي الحياة الوحيدة لنا؛ فلا توجد حياة أخرى تعود فيها أرواحنا إلى أجسادنا بعد موتنا، كما لا توجد جنة أو نار!
رابعًا: تنطوي الإنسانوية على إيمان شديد بوجود وأهمية القيمة الأخلاقية؛ كما يؤمن الإنسانويون بأنه ينبغي أن نستمدَّ أخلاقَنا عن طريق دراسة الطبيعة الفعلية للبشر وما يساعدهم على الازدهار في هذه الحياة، لا الحياة الآخرة!
وينكر الإنسانوية -ما يسمونها مزاعم سلبية- على غرار قول المؤمنين: أنه لا يمكن وجود قيمة أخلاقية دون الإله، وأننا لن نكون -أو يستبعد أن نكون- أخيارًا دون الإله أو دون دين يرشدنا !
ويُحاول الإنسانويون تقديم حججًا وتبريرات أخلاقية لا تعود للمعتقد أو الدين.
خامسًا: يؤكِّد الإنسانويون على الاستقلال الأخلاقي الفردي؛ فوفق منهجهم يكون من مسئولية كل فرد أن يُصدر أحكامه الأخلاقية الخاصة، لا أن يُحاول تسليم تلك المسئولية إلى سلطة خارجية ما -مثل زعيم سياسي أو عقيدة دينية- لتُصدر تلك الأحكام بالنيابة عنهُ!
يؤيِّد الإنسانويون تبنِّي أشكالٍ من التعليم الأخلاقي تؤكِّد على تلك المسئولية، التي ستزودهُ بالمهارات التي سيحتاجها من أجل الاضطلاع بتلك المسئولية كما ينبغي!
سادسًا: يؤمن الإنسانويون أنه يمكن أن يكون لحياتنا معنًى دون أن يَهَبَنَا الإله إياها؛ فهم يفترضون أن حيوات بابلو بيكاسو، وماري كوري، وإرنست شاكلتون، وألبرت أينشتاين - على سبيل المثال - كانت حيوات ثرية ومهمة وذات معنًى؛ سواء وُجد الإله أم لا!
سابعًا: الإنسانويون علمانيون؛ بمعنى: أنهم يفضلون مجتمعًا ديمقراطيًّا مفتوحًا تتخذ فيه الدولة موقفًا حياديًّا فيما يتعلَّق بالدين، وتحمي حريةَ الأفراد في اتِّباع واعتناق، أو رفض ونقد، الأفكار الدينية والإلحادية على حدٍّ سواء.
كما أن هناك أشياء يقول بها بعض الإنسانوية دون البعض؛ ومنها:
- بعضهم يوتوبيًا، باحث عن المدينة الفاضلة، مقتنعًا أن استخدام العلم والعقل سيقود حتمًا إلى عالم جديد بديع من السلام والرضا!
- بعضهم علموي، يؤمن بالعِلم، ويرى أن العلم يستطيع أن يُجيب عن جميع الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الإنسان.
- الكثير منهم نفعيون، معتقدين أن تعظيم السعادة وتقليل المعاناة هو كل ما يهم من الناحية الأخلاقية
- منهم الطبيعيون، الذين يؤمنون بالمذهب الطبيعي فقط، ويرون أن العالم الطبيعي المادي هو الواقع الوحيد الموجود، وأن الحقائق الطبيعية هي الحقائق الوحيدة الموجودة؛ وبالتالي فهم يقومون بنفي الغيبيات وأي شيء متجاوز للطبيعة والمادة!
والمثير للجدل هاهنا، أن نقد المذهب الطبيعي، والنفعية، واليوتوبيا، والعلموية، لا يكفي لنقد الإنسانوية؛ لأن الإنسانوية تؤمن "بالنسبوية" وأن ليس هناك حقيقة مطلقة ولا حق مطلق؛ وبذلك فإنه ببساطة يستطيع أن يقوم هذا الإنسانوي برفض تلك المذاهب والبحث عن غيرها، أو يقف موقف الحياد منها!
فثلًا إذا كان الإنسانوي يؤمن بالمذهب الطبيعي، فإذا سألناه ما الغاية من وجود الكون ووجودنا ؟
فيهرب من السؤال بعدم تبنيه للمذهب الطبيعي، أو ليس المذهب الطبيعي هو الحق المطلق عنده، وقد يكون خاطئ!
فالإنسانوية منهج مائع لزج، يُجيد فن الهروب من السؤال والنقد!
وقد حاول "استيفن لو" أن ينصر منهج الإنسانوية من خلال نفي النسبوية عنهم، حيث ينفي أن الحق يتعدد بتعدد الأفراد، وأن القيم والأخلاق يمكن أن توجد بشكل موضوعي بدون الأديان وفي عدم وجود الإله ولكن كما قال ديفيد هيوم:
أن القيم والمعتقدات الأخلاقية غير قابلة للتبرير في حالة الاحتكام للعقل أو الخبرة؛ ويضرب مثالًا على ذلك فيقول:
"لا يُنافي العقلَ أنّي أُفضِّلُ تدمير العالم بأسره على أن تُخدش إصبعي!".
فالذي يراه البعض أن تدمير العالم شيء مفزع وشرير، يراه ديفيد هيوم أنه بالنظر العقلي لا يمتنع أن يتم ذلك وييوصف بالخير لا الشر ولو من أجل أن لا تخدش أصابعه!
إذن فعلى أي أساس ستقام القيم والأخلاق، إن لم يكن هناك معيار (كالمسطرة) يُرجع إليه لمعرفة الصواب من الخطأ، والخير من الشر، والصالح من الطالح سوى الدين والإله.
يُتبع إن شاء الله هذا الكتاب، بكتاب (الإنسانوية المستحيلة) لعبد الله الرماح.