يتطلب إجراء الأبحاث والدراسات القيام بالعديد من الخطوات ابتداءً من اختيار العنوان الملائم للبحث، وتحديد الهدف من إجراءه، والمواضيع التي ستتم مناقشتها والتساؤلات التي سيتم طرحها والإجابة عنها، تليها مرحلة صياغة أسئلة الدراسة واختبار الاستبيانات، وجمع البيانات ومن ثم العمل على التأكد من جودة تلك البيانات وتصحيح ما تحتويه من أخطاء ثم تحليلها وأخيراً كتابة البحث النهائي.

 ومما لا شك فيه فإن نجاح البحث يتطلب إيلاء الاهتمام الكافي لكل مرحلة من مراحل الدراسة، وهنا نلاحظ وقوع الباحثين في العديد من الأخطاء التي تعتبر من الأخطاء الشائعة والتي يمكن تجنبها، وعليه سنركز خلال المقالة على ذكر بعض من أهم الأخطاء التي يقع فيها الباحثون عند صياغة أسئلة الاستبيانات التي سيتم طرحها على المجيبين.

الخطأ الأول: عدم تحديد وحدة قياس في الأسئلة

لنفترض أنك تقوم بدراسة حول الوضع المعيشي للمهجرين وتحتاج معرفة دخل الأسر ونفقاتها وقمت بطرح السؤالين التاليين:

  1. ما هو دخل الأسرة الشهري؟
  2. ما هي المبالغ التي تضطرون لدفعها في سبيل تغطية نفقاتكم الشهرية؟

نلاحظ هنا أن الباحث قد أغفل إضافة نوع العملة لكلا السؤالين، وعليه فإن الإجابات التي قد يحصل عليها جامعي البيانات من الممكن أن تختلف من مجيب لآخر أو من جامع بيانات لآخر، فالبعض قد يضيف قيمة الدخل أو النفقات مقدراً بالليرة السورية والبعض الأخر مقدراً بالدولار الأميركي أو الليرة التركية وهذا يسبب مشكلة كبيرة للباحث إذ لا يمكنه تمييز العملة التي استخدمت في الإجابة وإذا قام بتحديد العملات بناء على تقديراته لن يضمن أبدا صحة هذه المعلومات، وبالتالي عدم موثوقية نتائج الدراسة بالكامل.

الخطأ الثاني: السؤال عن أمرين مختلفين ضمن سؤال واحد.

مثل ذلك أن نسأل:  ما مدى رضاك عن جودة وكمية المواد الغذائية التي استلمتها؟

  1. راض جداً.
  2. راض.
  3. مقبول.
  4. غير راض.
  5. غير راض على الإطلاق.

نلاحظ هنا أن الباحث قام بالسؤال عن كمية المواد المستلمة وجودتها في ذات الوقت علماً أن المجيب قد يكون راضٍ عن كمية المواد إلا أنه غير راض عن جودتها على الإطلاق والعكس صحيح.

الخطأ الثالث: إغفال أحد الأسئلة التي لا يمكن الوصول إلى المعلومة المطلوب معرفتها دون طرحه.

لنفترض هنا أنك ترغب بمعرفة نسبة الوفيات غير المسجلة لدى الدوائر الرسمية من إجمالي عدد الوفيات الكلي وعليه قمت بطرح السؤال التالي:

ما هو عدد الوفيات غير المسجلة لدى دوائر الدولة الرسمية؟

نلاحظ هنا أن الباحث قد أغفل السؤال عن عدد الوفيات الإجمالي التي حصلت ضمن العائلة أو الأسرة الواحدة واكتفى بالسؤال عن عدد الوفيات غير المسجلة، وبالتالي فإنه عند تحليل البيانات لن يتمكن الباحث من معرفة نسبة الوفيات غير المسجلة من إجمالي عدد الوفيات.

الخطأ الرابع: الأسئلة المحرجة

للوصول لإجابات منطقية تعبر عن واقع الفئة المستهدفة يجب على الباحث الابتعاد عن طرح أية أسئلة قد تسبب الحرج للمجيب وحتى نوضح ذلك نطرح السؤال التالي:

هل تعرضت أنت أو أحد أفراد أسرتك لنوع من أنواع التحرش أو الاستغلال الجنسي مقابل الحصول على المساعدات الغذائية؟

  1. نعم
  2. لا

إن طرح السؤال بهذا الشكل من شأنه أن يؤدي إلى امتناع المشارك عن الإجابة أو إعطاء إجابة مخالفة للواقع لأن الإجابة الصريحة تسبب الحرج للمجيب وبالتالي سيقوم باختيار الإجابة (لا) حتى وإن تعرض بالفعل للتحرش الجنسي، وعليه فإن كنت ترغب بمعرفة ما إذا كان هناك حالات للاستغلال الجنسي فيمكن طرح السؤال بالطريقة التالية:

هل سمعت عن تعرض أحد المستفيدين للتحرش أو الاستغلال الجنسي مقابل الحصول على المساعدات الغذائية؟

  1. نعم
  2. لا

الخطأ الخامس: عدم كفاية خيارات الإجابة

يقع الباحثون في هذا الخطأ عند صياغة الأسئلة المغلقة والتي تفرض على المجيب اختيار إحدى الإجابات المحددة مسبقاً من قبل الباحث، وهنا نلاحظ قيام الباحثين في بعض الأحيان بذكر عدد قليل من الخيارات دون إفساح المجال للمجيب باختيار ما ينطبق مع واقعه، وكمثال على ذلك السؤال التالي:

ما هي الأسباب التي دفعتك للهجرة؟

  1. القصف الذي تتعرض له المنطقة.
  2. الخوف من سيطرة إحدى القوى العسكرية على المنطقة.

نلاحظ هنا أن الباحث قام بحصر الأسباب التي دفعت المجيب للهجرة بالجانب الأمني فقط دون الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك قد يكون لأسباب اقتصادية مثلاً أو بهدف استكمال دراسته أو غيرها من الأسباب، ومعالجة هذه المشكلة يتم عادة إدراج خيار إضافي ضمن الإجابات وهو غير ذلك مع إفساح المجال للمجيب بذكر السبب الذي دفعه للهجرة وعليه يكون السؤال على الشكل التالي:

ما هي الأسباب التي دفعتك للهجرة؟

  1. القصف الذي تتعرض له المنطقة.
  2. الخوف من سيطرة إحدى القوى العسكرية على المنطقة.
  3. غير ذلك (يرجى التحديد).

قد يتساءل البعض، هل لهذه الأخطاء البسيطة في أسئلة الاستبيانات تلك الأهمية؟ أعتقد أن تأثيرها على الدراسة يمكن اهماله!

إن تأثير هذه الأخطاء يمكن أن يخبر به أصحاب التجربة والمتمرسين في دراسات تطبيقية، إذ أنهم يكتشفون حجم المشكلة التي يقعون فيها بعد جمع البيانات ومحاولة الاستفادة منها للإجابة على تساؤلات الدراسة، ففي مثال نسبة الوفيات غير المسجلة أنت لن تستطيع أبدا الحصول على تلك النسبة إذا لم تحصل على عدد الوفيات الكلي، بالمختصر فشلت في تحقيق الهدف الرئيسي للدراسة. تكون المشكلة أكبر عندما تحاول إجراء دراسة لمؤسسات ستعتمد على نتائج دراستك وتكون في الدراسة مثل تلك الأخطاء. 

هل يمكنك تخيل ما الذي سيحدث لدراسة سوق خاصة بمعمل، وكان في دراستك مثل هذه الأخطاء، ستكون الدراسة سبباً في فشل المعمل الذي كان يتطلع للتطوير والتوسع بناء على هذه الدراسة.

في النهاية  قد يسأل البعض، كيف يمكنني أن أعلم أن أسئلتي لا تحتوي مثل تلك الأخطاء؟

في علم الإحصاء توجد معايير لجودة الاستبيانات، وأدوات لاختبار تحقق هذه المعايير، من أهمها ثلاثة معايير رئيسية هي (المصداقية والموثوقية والثبات)، عند تحقق هذه المعايير في الاستبيان فإننا تقريبا ضمنا عدم وجود أخطاء ذات آثار كبيرة على الدراسة.