تفريغ: عبد الله الأسطل
محاضرة: د. مصطفى أبو سعد
إن الإستعمال المفرط للإنترنت وقضاء أوقات طويلة أمام شاشات الهواتف المحمولة من دون أن نشعر، يعد إهدارا للوقت، وقد يتحول هذا الإستعمال إلى إدمان. حيث تقول الدراسات أنّ "1 من كُل 10" من الّذين يستخدمون الأجهزة لـ 4 ساعات فما فوق بدون انقطاع هم مدمنون.
ما هو الإدمان؟ هذا هو موضوعنا، سنتحدث عن مفهوم الإدمان، ومفاهيم أخرى ذات صلة بالإدمان.
مفهوم الإدمان: الإدمان هو حالة تنشأ عن الاستخدام المفرط سواء كان طبيعيا أو غير طبيعي، سواء كان شيئا يؤكل أو يؤخذ أو غير ذلك، بحيثُ يُصبح الشخص مُعتمدًا عليه (أي أن الإنسان لا يتزن إلا إذا أخذ هذا الشيء المُدمن عليه)، وقد يكون إدمانا على التلفزيون أو على الأجهزة الذكية أو على الأكل وحتى القهوة والشاي.
المُدمن على السجائر إذا استيقظ صباحًا لا تُفتَح عيناه ولا يفكر عقله ولا يتحدث ولا يعيش حياة طبيعية إلا إذا أخذ سيجارة، (وهذا ما يُسمى اعتمادا)؛ وهناك أيضًا اعتماد آخر، وهذا موجود عند النساء المتزوجات، فكثير من النساء المتزوجات مُكتئبات؛ لأنهن ينتظرن السعادة من الزوج، وتبقى تبحث عن السعادة عند زوجها فقط، وللعلم: "لا يوجد رجل في العالم يُمكن أن يُسعد امرأة في الدنيا سعادة دائمة"، فلا تعتمدِي على الزوج لإسعادكِ، أسعدي نفسكِ وإذا زوجكِ فيه خير وأسعدك فزيادة الخير خيرين، ولكن الزواج لم يأتِ ليسعد الرجل زوجته أو لتسعد المرأة زوجها، وإنما كل واحد يسعد نفسه بنفسه، بمعنى: أنّ الإعتماد قد يكون حتى في العلاقات الإنسانية.
بعض مفاهيم الإدمان
إدمان الإنترنت معناه: "ضُعف مقاومة المُستخدم للإنترنت" لا يستطيع التوقف بمعنى أنه يحس بشيء يُحاصره، يجب أن يبقى متصل بالإنترنت، يجب أن يتصفح، يلعب، يقرأ، يُشاهد، فتصبح لديه صعوبة الترك، أي (ضُعف المقاومة) من حيث محاولة الإبتعاد عن الانترنت، حيث يستحوذ عليه هذا الشعور بشكلٍ قصريٍ، والإدمان مُرتبط بكلمة قصري؛ أي قهري، أي لو أن للإنسان رغبة وإرادة -إذا لم يستطع أن يُعالج- سوف يقهرهُ الإدمان، وفي هذه الحالة هو في إدمان.
بعض الناس يُدمن أكل الشوكولاتة، وهو يعلم أن الإدمان عليها مُضر بالصحة، ويقول أمتلك إرادة. ولربما يمارس إرادته لمدة أربعة أيام في التسجيل بنادٍ للرياضة ويدفع مُقدمًا، ويبقى عدة أسابيع، وبعد أشهر تضعُف الإرادة. فكم من شخص مرّ بهذه التجربة؟ الإنسان إذا وصل إلى الحالة القهرية أو القصرية، فهو يحتاج إلى علاج، لا يُمكن أبدًا أن يخرُج بكلمة إرادة أو رغبة، الإرادة والرغبة هي بداية التدخُل العلاجي، لكن لا بُدّ من العلاج، وسنوضح لاحقًا مسارات هذا العلاج بإذن الله.
الإستعمال المفرط للإنترنت، يُجعل المدمن مُعتمدًا عليه قصريًا وقهرًا، وكلمة (قصريًا) هي المُهمة، بمعنى: أن الآباء والأمهات الّذين يؤجلون تدارك وضعيات أبنائهم اعتقادا منهم أن الأمور تتغير مع تقدمهم في السن بقولهم: "إن شاء الله سيكبر الأبناء، ويعقلون، ويهتمون بأحوالهم أكثر..." وهذا تفكير خاطئ، فالابن إذا وصل إلى مرحلة الإدمان، يصعُب معه الحل، لأنه يُصبح قهرًا مقهورًا وشيئا قصريا، حتى لو لم يُرده.
تعرفون الوسواس القهري والشك؟ فما الفرق بينهما؟
الشك: صاحبه لديه أفكار يعتقدها ومُصر عليها.
الوسواس القهري: عند صاحبه أفكار يعرف أنها خطأ ولكن لا يستطيع مقاومتها، مثل الوضوء؛ وأكبر فقهاء الوضوء مُصابون بالوسواس، يُصبح فقيها فيعلم أن الوضوء له صفات عديدة متعددة، لو توضأت جيدًا ثلاث مرات وغيرها فأنت على وضوء، هو يعرف كل الطُرق، ولكنه مقهور على نوع من التسلسُل الّذي يجعله يبقى يُعيد وضوءه لمدة طويلة، وهو يعرف أن ما يفعله خطأ، وأخطر شيء يجب أن نفهمه، هو أن الإنسان إذا وصل إلى الإدمان، يُصبح إنسانا مقهورًا مقصورًا، حتى لو كانت لديه رغبة أو إرادة، يعرف الأضرار فلا يستطيع أن يتوقف إلا إذا وجدّ من يدعمه، أو وجد علاجًا.
كيف نعرف أن الإنسان وصل إلى حالة الإدمان؟
البعض يقول أن الإدمان هو الممارسة التي قد تصل إلى سنتين أو أكثر، هذه كلها نظريات، ولكن عندما قامت منظمة الصحة العالمية في 2018 بتصنيف الاضطرابات الجديدة اسمتها (اضطراب الإدمان) فيما يخص إدمان الإلكترونيات أو الألعاب، حتى وجدوا أن هُناك أعراضا، فإذا وجدت الأعراض بشكل حاد فالإنسان قد دخل في حالة الإدمان. وإذا ظهرت العلامات -لو كانت علامات لشهرين أو سنتين- فهو مُدمن.
العلامات التحذيرية
- إذا كان الوقت الّذي يقضيه الفرد على الإنترنت له تأثير سلبي على أشياء مُعينة مثل: نشاطات الإنسان اليومية، العلاقات الاجتماعية، أو الدراسة، أو التحصيل الأكاديمي، أو الإحتياجات اليومية، فإذا الفرد أهمل نظافته أو أكله أو دراسته أو علاقاته الإجتماعية، فهذا يُسمى إنسانا (مُدمّنا).
- ضُعف القدرات الأكاديمية، التعليم يقوم على ثلاث قدرات أساسية: التركيز، الإنتباه والتذكُر.
هذه ثلاث قدرات إذا لم يمتلكها الإنسان، يُسمى صعب التعلُم أو يمكن أن يكون لديه بُطء التعلم.
الأولاد الذين ليست لهم صعوبات ولا بُطء، ولكن لديهم إدمان على الأجهزة الإلكترونية ستضعف عندهم هذه القُدرات الثلاثة السابقة. الخطورة في القدرات الثلاثة أنها مُرتبطة، لا يوجد إنسان يقول أنني فقط فقدتُ التركيز، فإذا فقد التركيز، فَقَد فقّدّ الإنتباه والتذكر، لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض.
إذا رأيت طفلا فقد قُدراته، وأصبح لا يتذكر شيئا، وينسى بعد ثلاث دقائق ما تعلم، يدرس وفي الإمتحان ينسى كُل شيء، أنت تُحدثه وهو يبحث ولا ينتبه، وكُل شيء يُشتت انتباهه، يعني أن الطفل عنده ارتباط كبير بالانترنت، وقد دخل مرحلة الإدمان.
- أعراض نفس جسديّة: إذا لم يكن للإنسان أي مُشكلة، وليست له صعوبات في حياته اليوميّة، وأسرته ليست عنيفة، والمشكلة في الخطورة هُنا: إذا فحص الطبيب الولد يقول ليس به شيء، تكون المشكلة في التشخيص إذن. ما هي هذه الأعراض؟
صُداع، الشد العَضلي، كتمة الصدر، الاختناق، نقص الأكسجين، اضطرابات الأمعاء كالإمساك أو الإسهال، أو حموضة المعدة. هذه كُلها تُسمى أعراض نفس جسديّة، فإذا ظهرت هذه الأعراض وأكثر الحالات تكون عندها مغص صباحًا ولم يتم تشخيصها جيدًا، يُتهم المريض المسكين أنه يتدَلل أو لا يُريد أن يدرُس أو غير ذلك. نعم، هذه أعراض حقيقية وتصيب المدمن، وهي حالة أساسية من حالات الإدمان.
- الضُعف والخمول وشحوب الوَجه: هُنا تصبح طاقة الإنسان ضعيفة جدًا، خمول شديد، ويُصبح أيضًا بين اللعب وبين النوم في دراسته، ويحيطه الإرهاق والنعاس، حتى في الوجه، يظهر عليه نوع من الإصفرار، فتكون هذه العلامات دليل الإدمان.
وأيضًا يفقد الإهتمام المفاجئ بالدراسة، فربما أب يقول عن إبنه ولدي متفوق، وفجأة يُصبح كسولا ودرجته مُتدنية. وكذلك فقدان الإهتمام بالأنشطة الأخرى، كهواية كرة القدم والعلاقات مع الأصدقاء.
- التغيُر المفاجىء في المظهر ويكون هذا في اتجاهين: إما الإهمال التام للمظهر، أو الاهتمام المُبالغ فيه بالمظهر (يكون عادةً من تأثير الإدمان الإلكتروني).
القيم تُغرس وتُدمر دائمًا بالقوة الناعمة، لا يوجد أحد يمكن أن يغرس قيمّة بالقوة أبدًا، ولا أن يُدمر قيمة بالقوة.
في المجتمعات، كُلما حاول الإنسان أن يُدمر قيما مُعينة، تتشبث بها المجتمعات أكثر، ولكن القوة الناعمة هي المُدمرة، بمعنى يُمكن أن يغرسوا قيما مُعينة مثل إعطاء المظهر الأولوية، أو الجمال الخارجي، وقد تُصيب الشاب هذه القوة الناعمة عن طريق الإدمان.
- الإنطواء والعُزلة: إذا انطوى الوَلد أو اعتزل، ولو تساءلنا: من هو الشخص الانطوائي؟
هل الانطوائي اجتماعي أم لا؟ نعم، هو اجتماعي. لا نحكُم على الإنسان إذا كان انطوائيا، أو إذا لم يكن له علاقات بالانطوائي، ولا يمكن أن نحكم على الانطوائي إلا إذا كان اجتماعيًا. السؤال إذن: لماذا نحكم عليه بأنه إنسان انطوائي؟
قد يكون شخصا عبقريا (فالعباقرة ليست لهم علاقات ولا يُحبون العلاقات أبدًا). ولكن الإنطوائي هو إنسان اجتماعي بطبعه لديه علاقات لسببٍ أو لآخر، بسبب الإدمان انطوى، فلذلك نقول أنه انطوائي.
أما عندما تأتي والدة وتقول: ابنتي انطوائية؟ نتساءل: كيف يعني انطوائية؟ فتقول: ليست لها علاقات. الجواب: البنت هُنا تكون طبيعية، يمكن أن نُسميها عبقرية أو تحليلية أو مُفكرة أو تأملية، والأشخاص العباقرة في التاريخ لم يكونوا اجتماعيين.
-
سُرعة الهيجان أو ردة الفعل العنيفة جدًا (وهذا هو أهمُ أعراض الإدمان)
ونكاد نقول: لا يوجد مُدمن غير مُكتئب، ويصعب أن يكون الإنسان مُدمنا على أي شيء ولا يكون مكتئبا، لأن الاكتئاب والإدمان مُتلاصقين مترادفين. ولكن الخطورة تكون بعد عدة أشهر إلى سنتين، وقد تتحول إلى سمات مرضيّة، هذه أعراض كُبرى. وإذا كان الشاب مغرقا نفسه في الإدمان طوال سنتين ولم يجد الحل لذلك، ستظهر عنده اضطرابات نفسية كما نشرت مجلة كويتية موضحة ذلك، وهذه الإضطرابات النفسية ظهرت على عدة أطفال مراهقين بعد سنة من الإدمان ومن هذه الاضطرابات:
1- القلق الاكتئابي:
وهذا الإضطراب يُصيب غالبًا كُل المُدمنين، ويصف المكتئب نفسه هُنا أنه غير ناجح، وإنسان مُتردد وفاشل، وأنه يفقد الثقة بالنفس وأن لا أحد يُحبه أو يفهمه، يُحبط بسرعة؛ بمعنى أن درجة واحدة في الإمتحان إذا نزلت تصيبه بالإحباط، أو إذا لعب لعبة بسيطة ترفيهية ولم يفُز بها يُصاب بالإحباط، هؤلاء نطلق عليهم: "أشخاص يعانون من القلق الاكتئابي".
2- الاكتئاب مُنخفض الطاقة:
تظهر عليه الكآبة، والحُزن المُستمر، وعدم القُدرة على النوم، ينام 10ساعات ويستيقظ مُرهقا، ويفقد التمتع لدرجة أنه لا يستمتع بشيء، لا بسفر ولا بأكلة ولا بتنزه، ويفقد القدرة على التمتع، وفقدان التمتع مرتبط بهرمون، وهذه الهرمونات تكاد تتوقف عنده، الإدمان يوقفها.
3- الملل والانسحاب:
يصبح الإنسان ملولا، يعني 3 دقائق لا يستطيع أن يقضيها في أي نشاط آخر، إلا في الإدمان أو الشيء المُدمن عليه، حتى الأكل يأكله بسرعة، فثلاث دقائق أكل بالنسبة له طويلة جدًا، ويمكنه أن يأكل مدة ساعة شرط أن يلعب أثناءها، فهو يُمارس إدمانه ويأكل، وهذا يُسبب السُمنة بشكل كبير جدًا، كما يشعر بعدم أي وجود له في الحياة، وهذا ليس مجرد عرض يمر بسرعة، الملل بالنسبة للذي عمره 12 عاما فما فوق، يفقد معنى الوجود ومعنى قيمة الحياة، يميل إلى الانسحاب وهو أكثر عرضة للفشل.
4- الشعور بالذنب والاستياء:
يلوم نفسه طويلًا، وكثرة لوم النفس عمومًا واحدة من أكثر الاضطرابات النفسية، وعندنا في بعض المفاهيم الإسلامية؛ أن لوم النفس من الإيجابيات، فهي نقطة تحول للتوبة، يلوم نفسه لمدة لا تتجاوز 5 ثوانٍ، ثُم يعزم ويُفكر أن لا يرجع، ثُمّ يعمل عملا صالحا، ثُم يفرح بتوبته. أما اللوم إذا استمر، فهذا اللوم يتحول إلى اضطرابات نفسية، وكثرة تأنيب النفس والاستياء من المحيط، "لا أحد يفهمني، كُلهم ضدّي…" هذا يمكن أن يوصل الإنسان إلى الإكتئاب أو غيره.
5- الوهن النفسي:
الإنسان هُنا لا يستطيع أن يضبط ذاته، فالإنسان الذي كان عنده وهَم نفسي في صغره يُصيبه في الخمسينيات من عمره مرض (الباركينسون)، وتوجد حالات باركينسون مُسجلة في سن الأربعينيات.. و(فالباركينسون) هو عدم القُدرة على ضبط الحركة، بسبب نقص موجود وملحوظ.
6- فقدان الكفاءة والفاعلية:
يُصبح الإنسان غير فعال، يضُعف أداؤه أو تحصيله الدراسي، يفقد القُدرة على الفاعلية، ويُصبح إنسانا أقل من عادي، يمكن لإنسان أن يبذل جهدا كبيرا ولكن إنجازه لا يكاد يُذكر، ويفقد أيضًا احترام الذات.
7- توهم المَرض:
تُصبح عندهم أمراض كثيرة جدًا، لكن تدخل في مصطلح التوهُم، وصحتهم أسوأ من صحة غيرهم، ويشعرون أنهم يعانون من الكسل الدائم، وأنهم على وشك الإنفجار.
8- التهيج والتوتر العالي:
الذي يلعب ألعابا بها إطلاق النار، يمكن أن يُصاب بهذه الحالة، لأن التركيز الدقيق يجعل ذبذبات المُخ عالية جدًا لوقت طويل، أكثر من 4 دقائق تصل إلى الساعات، يُصبح عنده توتر عالٍ وسرعة الغضب، فضلًا عن سُرعة الانفعال؛ فيصبح الإنسان غير قادر على التفكير وهذا يأتي تحت مُصطلح المُغامرة، يُجرب أي شيء؛ يمكن أن تقول له: ألقي بنفسك من الطابق السابع، يُلقي بنفسه وينفذ دون تفكير بالأمر، هو في هذه الحالة يفقد القُدرة على الخيال، حتى يُصبح إنسانا مُغامرا بشكلٍ كبيرٍ جدًا.
9- الاكتئاب الحاد:
وهذا أخطر شيء؛ يمكن أن يصل إلى الأفكار الانسحابية. وتعرفون في العالم العربي أو في أوروبا؛ كم من شخص وصل به الحال إلى الانتحار؟ إدمان لُعبة اسمها "الحوت"، كم شخصا توفيّ في الجزائر بسببها؟ فقد سجلت الجزائر -للأسف- أكبر عدد من الوفيات بسبب إدمان هذه اللُعبة، حتى اليمن سُجلّ فيها عدة حالات وصلت إلى الإنتحار.
يوجد أيضًا ضُعف حاد في الطاقة، وأخطر شيء يمكن للإنسان أن يصل إليه؛ أن يُشكك في كُل مُحطيه، وتُصبح ثقته الأساسية فقط في الناس الذين يتعامل معهم، وحتى العُظماء يمكن أن يصابوا بهذا المرض، فعندما يعتقد أنه أصبح مركز الحياة وأن الناس أول ما يستيقظون يبحثون عن تغريداتهم، وأنه إذا غاب يوما فإن العالم سيتوقف من دونه، يصبح عندهم هذا النوع من الهذيان، رغم أنهم لربما يحملون شهادات عُليا، لكن الإدمان على الشيء قد يُوصل صاحبه إلى هذا المرض، ويصيبه الاضطهاد "لا أحد يُحبني.. كلهم يخططون لقتلي".
10- الفصام:
وهو الانفعالات والإندفاعات الشاذة؛ اعتقاده أنه محكوم من الآخرين، يتوهم أشياء، وتشوش ذاكرته، ويصبح إنسانا غير واقعي.
هذه كلها سمات مرضية يمكن أن تُصيب أي مُدمن، لذلك انتبهوا قبل أن تسمحوا لأولادكم بأن يأخذوا الأجهزة ليقضوا أوقاتا طويلة على الإنترنت، فهذه كلها احتمالات تُصيب الأولاد بشكل كبير جدًا إذا أدمنوا على هذه الأجهزة.
مؤتمر تربية الثاني | القيم والعصر الرقمي | الدكتور مصطفى أبو سعد
هذه دراسة نشرتها طبيبة أطفال بعد سنوات من متابعة الأولاد الّذين يأتون للعيادة، حتى استخلصت 10 أسباب لمنع الأطفال من حمل الأجهزة الإلكترونية كي لا يُصابوا بالإدمان تقول: "أنا كطبيبة أطفال أوجه الأباء والمدرسين بل حتى الحكومات بحظر استخدام الإلكترونيات للأطفال دون الثانية عشر" هي تقول أقل من 12 سنة؛ لأن هناك أشياء مُرتبطة بالنمو، فالطفل ينمو بشكل طبيعي في سنواته الأولى، يصعُب بعد ذلك عليه تداركها فيما بعد، ولهذا فهي وضعت تلك الأسباب، ومن هذه الأسباب:
1- تعطيل النمو السريع للطفل:
النمو الطبيعي للطفل يتعطل ويتأخر، فقنوات الأناشيد مثلًا توقف النمو ولا تُعطله، التعطيل قد يكون مفهومه التأخر، فمثل هذه القنوات توقف النمو الاجتماعي والنمو اللغوي، يعني هؤلاء لن ينطقوا إلا إذا تركوا هذه القنوات أو أخذوا جلسات تخاطُب، وبرامج مكثفة للأسرة، لن ينظر إليك، لن يسمعك، لن يتفاعل مع المُحيط، فقنوات الأناشيد والأغاني خطيرة جدًا على الطفل خصوصًا في السنوات الأولى.
2- تأخر التطور الجسدي:
إحدى خصائص الاحتياجات العُمرية؛ الحركة، هل وجدنا طفلا ساكنا؟ فقبل أن يَحْبوُ الطفل لا يتوقف عن الحركة، بل يتحرك ويكتشف، فمثل هذه الحركات تُساعد على التطور الجَسدي، فبالتالي إذا وضعنا الولد أمام هذه الأجهزة سيكون هُناك تأخر غير سليم العواقب للجسد.
3- البدانة المرضية.
4- قلة النوم:
الأجهزة والألعاب تسرع ذبذبات المُخ، وحالة المخ ترتقي إلى حالة تُسمى يتمر، يعني (الإنسان اليقظ)، فلما تكون ذبذبات المخ فوق 20 ذبذبة في الثانية؛ يصعُب النوم، ولا يستطيع الإنسان أن ينعس إلا إذا وصلت ذبذبات المُخ إلى 10 ذبذبات، بينما الأجهزة الإلكترونية تجعلها فوق الـ20 ذبذبة وبالتالي يُصبح الإنسان قليل النوم.
5- الاضطرابات النفسية:
تنحصر في القلق والتوتر والإكتئاب.
6- العدوانية:
حياته مبنية على العداوات، أريد أن أوقظ نفسي أريد أن أحيا، فيصبح الإنسان فقط يعيش في صراع، يطبع مع العدوان، ويفقد القدرة على التسامح.
7- السرعة الجنونية للإعلام:
المحتوى البصري السريع يُساهم في الإصابة بخلل نقصان الإنتباه، فيفقد الإنسان القُدرة على الإنتباه، بسبب الإنتباه المركز والسريع جدًا، يصبح غير قادر على الإهتمام بالكلام والإهتمام بالحياة أو الطبيعة.
8- الإدمــان:
وهو عنواننا.
9- انبعاث الإشعاع:
وله مشاكل عضوية.
10- مشكلة الاستدامة:
الأطفال إذا استمروا على وضع الإدمان، فلا أمل بأن يكون لهم مُستقبل، فالسؤال: هل ذاك الشخص يستطيع أن يتزوج؟ ويتحمل مسؤولية بيت؟ ويتحمل مسؤولية وطن؟
فبعض الدول، يكون بها الشباب ضحايا هذه الأشياء، فلا يستقيم حالهم إلا بالجنون؛ كالسرعة في سياقة السيارة، فيكونون ضحايا هذه الأجهزة الإلكترونية، فلما يكبر الشاب تصبح الألعاب لا تستهويه، بل يريد أشياء أكبر، كالمغامرة في السرعة أو الجنون.
علاج الإدمان الإلكتروني
1- إذا كان الأطفال أقل من 10 سنوات، يجب أن نوقفهم (توقف مباشر)، أخذ الأجهزة وتدميرها، لأن قُدرات الطفل أعلى بكثير في مقاومة الإدمان من غير هذه الأجهزة، أما فوق 10 سنوات يكون (التوقف المُتدرج)، إذا كان يلعب 3 ساعات نجعلها ساعة واحدة، أو إذا كانت ساعة نجعلها 20 دقيقة هكذا بالتدرُج، ولكن هذا مجرد إجراء أولي وليس العلاج بصورته.
2- بناء علاقة اجتماعية مع الأبناء: برنامج يومي نُمارسه مع الأبناء في الإنصات والحوار والجلسات العائلية والمدح وذكر لإيجابياتهم وكيف لهم أن يُصبحوا عُظماء.
3- مُساعدة الطفل على التحدث: جلسات الإنصات، الإنصات واحد من أهم علاجات الصدمات والإدمان، وعلاج أغلب الإضطرابات لا سيما للأشخاص أقل من 18عاما، ننصت للولد (قُل ما تُريد، لن أقطع حديثك بنيّ، أخرج ما بداخلك).
4- التدريب على الاسترخاء: الأجهزة والإدمان عليها يُعد توترا عاليا جدًا، أي شخص يبتعد عن هذه الأشياء، يُصبح متوترًا، فأي توتر يحتاج إلى الاسترخاء على الظهر بهدوء، ويأخذ تنفسا عَميقا، يتأمل، ويحتاج أن يسترخي على الأقل 3 مرات يوميًا، وبالنسبة للأطفال، التلوين المفتوح واللعب بالطين واحد من أهم أسباب العلاج الأساسية، يرسم ويلوّن يوميًا، 3 فترات كل فترة 20 دقيقة، بالإضافة إلى اللعب في الطين، نأخذ وقت إدمانه ونحوله إلى التلوّين واللعب في الطين.
5- مُمارسات إيجابية: نشجعه على ممارسة عدة هوايات يوميًا وشرط هذه الهوايات
- أن يكون سبق له التمتُع بها من قبل.
- أن لا يكون بها فوائد، يعني لا يتعلم شيئا أو يحفظ شيئا، مُجرد مُتعة فقط.
- أن لا تكون منطقية، كالرسم المحدد؛ يعني أن تكون مفتوحة، فالتركيب والشطرنج تزيد التوتر.
- أن لا تكون لُعبة جماعية بها منافسة أو شبيه ذلك، الإهتمام بالقطط مثلًا، فهي لعبة تلقائية أو المشي مثلًا.
قهر الإدمان يكون من خلال المهارات، والتخطيط للشفاء، مع مراقبة الأعراض وقياس تقدم الإدمان قد يصل إلى درجات من الاضطرابات النفسية.
ومن المهارات التي من الممكن أن نعرضها على الأطفال لقهر الإدمان:
- إيجاد دكتور متخصص لاكتساب مهارات عالية.
- تحديد المشاكل الخاصة المُسببة للإدمان، كالصداع واضطرابات النوم.
- الانخراط في أعمال ذات قيمة ومُنظمة، مثل مجموعة كشفية أو مجموعة تهتم بالمرضى أو مجموعة تهتم بتنظيف البيئة، أو الإهتمام بالفقراء، فهذه كلها تعالج الإدمان؛ لأن المٌدمن قد يصل إلى اللانهائية؛ يعني لا قيمة من الحياة، فعندما يهتم بالآخرين تصبح لحياته معنى.
- زيادة الطاقة والاهتمام بالنفس والحماس وممارسة الرياضة.
- تنمية الشعور بالشخصية والمعافاة، يعني أستطيع أن أتعافى ولدي ثقة.
أما العلاج المُتكامل ففيه ستة مسارات:
1- أسلوب الحياة (لا يُمكن علاج الإدمان من دونه).
2- اعتبار الذات والعلاقات.
3- الإيمان.
4- الحياة البيولوجية في التغذية والرياضة.
5- الأدوية.
6- المسار الإيماني.
مظاهر أسلوب مسار الحياة:
1- قليل من التغيير يُنتج تحسنا كبيرا، فبعض النشاطات مثلا نجد في ممارستها متعة وبهجة، مما تجعل الجسم يفرز هرمونات تساعد في معالجة الإدمان (السرطومين، والاندروفين، والدوبامين)، مع تكرار هذه النشاطات يزداد إفراز هذه الهرمونات، أيضا متابعة برامج مرئية مسلية، جولات لأماكن سياحية جميلة، والمشي في وسط مناظر طبيعية كالغابات والبحر، أيضا بين فترة وفترة الخروج للتسوق، دون أن ننسى القراءة وبجانبها القيام ببعض الأشغال اليدوية.
الاستحمام والطبخ، أيضا العناية بالحديقة، الرقص الرياضي الفردي وركوب الدراجة، لبس لباس جميل، صيد الأسماك والتبرع.
مظاهر أسلوب التعافي الإيماني:
إيجاد معنى وهدف وغاية للحياة، فضل الدين الإسلامي علينا، العيش من أجل الغاية وهي الجنة، توحيد الله في أسمائه وصفاته، لاكتساب المعنى الجميل واكتساب جمال الحياة والثقة في الله، الشعور بالرحمة والمشاعر كتلك الناقة التي رفضت أن تبتعد عن قبر صاحبها، من 90 إلى 95 % ساعدهم الإيمان على زوال الاكتئاب؛ كذلك البحث في أسماء الله الحسنى ودراستها لمساعدة الإنسان على الخروج من الإدمان، الشيء الذي يجعلك تشعر أنك لست وحيدًا في هذا الكون؟ هو الانتماء له، من خلال الأحاديث والآيات والخلوة مع الله والدُعاء.
أسلوب التعافي الإيماني له مسارين
نعيش مع الله لا للعلاج فحسب، ولكن لنستمد منه طاقة تعيننا في التغلب على الإدمان. وهذه تعد إجابة عن سؤالنا لماذا نعبد الله. وهذا التساؤل يعطينا حيوية ويبعدنا عن الاكتئاب والإدمان. وأيضا لأن عبادة الله حقٌ علينا، فيعطينا هذا التساؤل طاقة إيمانية هائلة وأن صلواتنا وابتهالاتنا ودعواتنا تعطينا حياة متفائلة.
أعبد الله وفاءً بعهد الله علينا، لأشكره على النعم، لأنال محبته ورضاه، أعبد الله ليمدني ببركته ومغفرته. حريتنا في العبادة، فلا يوجد مخلوق متحري من العبادة. فعندما اخترنا الله، فنحن اخترنا السعادة لا الاكتئاب. نختار أيضًا الاستغفار مع العطور والجلسة الإيمانية المعبرة واللباس الإيماني الروحاني الجميل، هذه كلها تعطي الإنسان مضادات للاكتئاب.
وتعد الأسرة أيضًا علاجا للإدمان، وتبقى الأسرة هي العظيمة، مثل التحدث مع الأولاد عن أضرار الإدمان لتزيد الوعي. نتعلم كيفية الإنصات للأولاد، ونمتلك سمات المربي الإيجابي، والتعرف على أصدقاء الأولاد فهم من يجرون الأبناء للإدمان. وإعانة الإبن على الصفات الإيجابية ثم بعد ذلك أن نكون قدوة للأبناء، فهي المعاملة الحسنة في مفهومها، فالقدوة والرقي والذوق في التعامل، كي نعكس الصورة على الأبناء لأجل أن يقلدوننا!