ألقت أزمة فيروس كورونا بظلالها على قطاع التعليم؛ إذ دفعت المدارسَ والجامعات والمؤسسات التعليمية لإغلاق أبوابها تقليلا من فرص انتشاره، وهو ما أثار قلقا كبيرا لدى المنتسبين لهذا القطاع، وخاصة الطلاب المقبلين على امتحانات يعدونها مصيرية مثل التوجيهي وكامبردج وغيرها؛ في ظل أزمة قد تطول.
لنبدأ معاً ونتناول عدَّة محاور رئيسية مهمة في ظل هذه الأزمة..
استخدام الإنترنت في العملية التعليمية
إن استخدام الإنترنت في العملية التعليمية ليس وليد اليوم بل يعود إلى ما قبل عام 2000، ومعظم الجامعات تستخدم اليوم ما يسمى "أنظمة إدارة التعلم" (Learning Management Systems). وفي ظل "أزمة كورونا" التي يعيشها العالم اليوم؛ توجهت غالبية المؤسسات التعليمية نحو التعليم الإلكترونية كبديل أنسب لضمان استمرار العملية التعليمية، وزاد بشكل ملحوظ استخدام التطبيقات محادثات الفيديو عبر الإنترنت مثل "زوم" و"غوغل" و"ميتينغ" و"ويب إكس ميت" وغيرها.
وبحسب موقع "تيك كرنش"(techcrunch)" https://techcrunch.com" فقد بلغت عمليات تحميل هذه البرامج 62 مليون مرة خلال فترة ما بين 14-21 مارس/آذار 2020، أي مع بداية عمليات حظر التحرك في كثير من الدول، كما تضاعف استخدام الكثير من التطبيقات والبرامج التعليمية؛ مثل حقيبة غوغل التعليمية و"أوفيس 365″ وتطبيقات "أبل" ومواقع خدمات التقييم والأنشطة التفاعلية، وطبقا لنفس الموقع؛ فقد زادت عمليات تحميل برامج iOS وغوغل التعليمية بنسبة 45% في أسبوع.
ورغم إيجابيات التعليم الإلكتروني فإن أسئلة تدور في خلد الكثيرين عن فعاليته كبديل كلي للطرق التقليدية ومدى الاستعداد لذلك؟ وما هي التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني؟
أدوات التعليم الرقمي
المحتوى التعليمي
يلجأ كثير من المعلمين إلى ما يسمى "التصميم التعليمي" (Instructional Design)، لإعداد مادة تعليمية تحقق الأهداف بكفاءة عالية، ويقوم هذا التصميم عموما على دراسة الاحتياجات التعليمية للطلاب، وتحديد الأهداف والوسائل المناسبة لتحقيقها، وأدوات لقياس مدى التعلم والتغذية الراجعة، ومن النماذج المستخدمة في التصميم التعليمي ADDIE وASSURE وغيرها، والتعلم الإلكتروني ليس استثناء في هذا الجانب.
ولكن ما هو التحدي هنا؟ هنالك عدة جوانب ينبغي مراعاتها قبل استخدام التعليم الإلكتروني نعرض أهمها:
الوسائل التعليمية
فاخْتيار الوسائل التعليمية يشكل تحديا أساسيا في التصميم التعليمي التقليدي والإلكتروني، إلا أنه في هذا الأخير أكبر، لاسيما مع الحاجة الماسة لتوظيف التعلم التفاعلي الذي يزيد انتباه الطلبة بإشْراكهم المباشر كمُساهمين لا كَمتلقين، وهذا سيزيد من عامل التحفيز وسيحقق نتائج أفضل، وهنا يجب أن يبذل المعلم جهداً معتبرا لتحديد الوسائل التفاعلية المناسبة لكل هدف؛ فعملية إشراك الطلبة الموجودين في أماكن مختلفة، والمحافظة على انتباههم عبر الأجهزة، ليست بالأمر اليسير ولكنها بالتأكيد ليست أمرا مستحيلا.
وينطبق نفس الأمر على عملية التقييم وبالذات لاحتساب العلامات (Summative Assessment)؛ فبينما تعتبر الامتحانات الكتابية الوسيلة الأكثر شيوعاً، وخصوصاً في الامتحانات النصفية والنهائية على الرغم من التحول الملحوظ نحو وسائل التقييم البديلة (Alternative Assessment) فإن التقييم الإلكتروني يبدو عسيرا، لتعذر عملية المراقبة تفاديا للغش باستخدام نفس الأجهزة.
يتوفر على شبكة الإنترنت الكثير من البرامج والتطبيقات لتحقيق تفاعل الطلبة في العملية التعليمية فرادى أو مجموعات، منها Quizzes و Socrative و Padlet و kahoot و Mindmaps، ناهيك عن التطبيقات التي توفرها غوغل ومايكروسوفت وأبل وغيرها، وكل ما يحتاجه المعلم هو التخطيط الجيد لاختيار الوسيلة المناسبة لكل هدف تعليمي، إلا أنها ربما ليست وافية بعدُ للتقييم النهائي ورصد علامات الطلبة.
تغطية الاحتياجات وأنماط التعلم المختلفة
إن مراعاة تنوع أنماط التعلم جزء من عناصر التخطيط لعملية تعليمية عادلة وناجعة؛ فهناك حسب نموذج (VARK) فليمنج وميلز- أربعة أنماط أساسية في التعلم: السمعي (Auditory Learners)، والبصري (Visual Learners)، والحركي (Kinesthetic Learners)، ونمط التعلم بالقراءة والكتابة (Read and Write Learners).
إن مسؤولية المعلم هنا أن ينوع وسائله لتغطي الاحتياجات المختلفة؛ فالتَركيز على التحدث من طرفه طيلة وقت الحصة التعليمية قد يكون مناسباً للسمعيِين، لكنه غير مرغوب للبصريين والحركيين، وهنا يحتاج المعلم إلى أن يختار البرامج والتطبيقات المناسبة لتجهيز "تركيبة" من المواد التعليمية تتماشى مع الأنماط المختلفة.
جاهزية المعلم
يطلق مصطلح "جيل بيبي بومرز" (Baby Boomers Gen) على الفئات التي وُلدت ما بين عامي 1944 و1964، ومن أكبر المشاكل التي تواجه هذه الفئة فيما يتعلق بموضوع هذا المقال هو الجاهزية لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في عملية التعلم، وهذا ليس انتقاصا منهم، ولكنه واقع فرضه الاكتشاف المتأخر لكثير من أجهزة التكنولوجيا والتطبيقات.
وكان من هؤلاء من استشعر أهمية الالتحاق بركبها فتعلمها وتعلم استخدمها، ومنهم من ظن أنه في غنى عنها، إلا أن طغيان التكنولوجيا، وشغف الأجيال بها، والوعي البيئي بضرورة التقليل من استخدام الأوراق، إلى غيرها من العوامل؛ أدت إلى التحول التدريجي والكبير نحو التكنولوجيا، مما شكّل صدمة لهذه الفئة التي غدت الآن تحت أمر واقع، يحتم عليها استخدام التكنولوجيا، وبتفصيل يتعدى تحميل ملفات ومشاركتها على السحابات الإلكترونية إلى ما هو أبعد من ذلك.
وهنالك فئة أخرى ليست من هذا الجيل وإنما من "جيل إكس" و"جيل الميلينيالز" (millennials)- عاشت حالة من الإنكار والتجاهل لكل هذه المتغيرات، فلم تعمد إلى استخدام التكنولوجيا بشكل مناسب في السابق، وهي الآن تعيش نفس المعضلة إلا أنها ربما أفضل حالاً من الجيل السابق، نظراً لمعرفتها بأساسيات التكنولوجيا.
ولذلك نجم عن أزمة كورونا إطلاق دورات للمعلمين في مجال التعليم الإلكتروني ووسائله المتنوعة، ومما لا شك فيه أنهم سيواجهون تحدياً "مضحكا" وهو سرعة طلابهم في مواكبة التكنولوجيا، مقارنة بهم، وخيارهم هنا هو تقبُّل الأمر بروح رياضية وبعض المرح.
توفر التكنولوجيا
يعدّ توفر التكنولوجيا عاملاً مهماً لنجاح فكرة التعلم الإلكتروني، فبدونه سيغدو الأمر مجرد حلم، وهناك مستويات مختلفة لهذا التحدي؛ فتَوفر الأجهزة وشبكة الإنترنت وسرعة الإنترنت وحُزَمها، كل منها يُعدّ تحدياً بذاته أو مجتمعاً مع الأخريات، فقد يتوفر للطالب (أو حتى المعلم) الجهاز، إلا أنه قد لا تتوفر لديه خدمة إنترنت أساساً، وإن توفرت فقد تكون بطيئة، أو ربما بحزمة غير كافية لتغطية عروض الفيديو والمواد ذات الحجم الكبير.
وهنا لا بد للمعلم من أن يعرف أوضاع طلابه جميعاً ليختار الطرق الأكثر مناسبة للمجموع؛ فمثلاً إذا كانت المشكلة تتعلق بعدم توفر حزم كافية لدى الطلبة، فهنا يمكن تحضير المواد بأحجام صغيرة أو متوسطة، وقد يكون من الأفضل أيضا تقليل استخدام الفيديو في اللقاءات المباشرة أو استخدامها لوقت قصير.
ختاما
من المؤكد أن الأزمة التي واجهت القطاع التعليمي -بسبب تفشي فيروس كورونا- دفعت التعلم الإلكتروني نحو الواجهة، فغدا خياراً لا بديل عنه (إلا في حالة انعدام البنى التحتية)، وسيواجه المعلمون تحديات كبيرة لمواكبة هذا التحول المفاجئ، إلا أنه بالتخطيط المناسب يمكن التغلب على كثير من العقبات.
لقد فرضت علينا الجائحة تجربة كان علينا أن نخوضها ونفكر فيها منذ مدة طويلة، ونوفر لها كل الأسباب العلمية والتقنية والثقافية والاجتماعية والمؤسسية، حتى تتحول إلى واقع، كما أننا لم نبذل أي مجهود للارتقاء إلى مستوى العصر الرقمي، الذي نعيش على هامشه، فهل درس جائحة فيروس كورونا مفيد عربيا، لتجاوز الإحجام والتردد لدخول العصر الرقمي؟ هذا هو الرهان، وهذا هو مدخل المستقبل الذي ينبغي أن تتوحد فيْه الجهود العربية، لكي نتمكن في وقت لاحق من الحديث عن «تعليم عربي عن بعد» بصورة مختلفة جذريا، وإلا فإننا سنظل خارج العصر.
يبقى هناك سؤال مهم يدور في خلد الكثيرين، ألا وهو: هل سيستمر زخم التعلم الإلكتروني فيما بعد كورونا، أم أنه سيختفي وتعود الأمور إلى مسارها السابق؟ تتعدد الآراء هنا بين من يظن -أو ربما يتمنى- أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، ومن يعتقد أنه لا رجعة عن التعلم الإلكتروني الذي طال انتظار التحول إليه بشكل أكبر.
توصيات
- تأمين البنية التحيتة من التقانة المطلوبة لتطبيق نظام المووك على مستوى المدارس والجامعات ومؤسسات التدريب.
- تدريب وتأهيل الكادر الأكاديمي والفني لإدارة المنصات التعليمية.
- مواكبة التطور الدائم في مجال التقانة وأثرها على المنصات التعليمية بنظام المووك.
- الشراكات والتوأمة الفعالة والناجح في تقديم دورات متقدمة إحترافية.
- إنشاء وتصميم منصات عربية مميزة ومتقدمة تواكب ثقافة ومتطلبات السوق العربي.
- تقديم الدورات والمساقات في كافة المجالات الإدارية والأدبية والتخصصية وعدم الإعتماد على مجال أو تخصص واحد فقط، لكي تعم الفائدة على شرائح المجتمع كافة.
- التعاقد مع المؤسسات والجهات الرائدة في هذا المجال لنيل الخبرة والخلفية العلمية والتقنية في مجال صناعة المحتوى الأكاديمي.
- دمج نظام المووك MOOC بنظام التعليم التقليدي المدرسي، بحيث يشكل 20 إلى 35% من المقررات الأساسية الرسمية للمنهاج الدراسي لكي يكون الطالب قد انسجم وواكب هذا المجال منذ المراحل المدرسية التأسيسية.
- ربط المقررات والدورات والمساقات المنطلقة من خلال منصة المووك بنظام تدريب تفاعلي إما إفتراضي أو واقعي، مثال: دورة في الإسعافات الأولية مقدمة من خلال نظام المووك، بالإمكان عرض كيفية عمل الإسعافات الأولية للفرد بشكل تفاعلي وبالإمكان أيضا التعاقد مع مراكز طبية أو مؤسسات مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر لجعل الطلبة يحضرون حصة حقيقة تطبيقية تفاعلية تعنى بالإسعافات الأولية ولوازمها، هذا في حال كان الطلبة الذين يحضرون صفوف ودورات ومسَاقات المووك من خلال مدرسة أو جهة تستطيع تأمين البيئة الافتراضية والتفاعلية على أرض الواقع مع التطبيق والإستفادة قدر الإمكان من المقررات المطروحة.
- أهمية التقييم والتقويم بحيث يعرف مدى استفادة الطالب من خلال المساقات المقدمة ومدى تفاعله وإكتسابه للمعلومة والحرص على توفر تقرير تفصيلي مؤتمت عن كل طالب خلال الحصة الإفتراضية سواء كان بِمدرسة أو جامعة أو مركز تدريبي.
- الحرص أن يكون المحتوى بالعربي قدر الإمكان للإعْتزاز بلغتنا لغة القرآن وأن يكون العربي بهويته الخاصة به يكتسب المعلومات.