عانى الاقتصاد الجزائري في السنوات الأخيرة من عقد الثمانينيات من العديد من المشاكل الاقتصادية التي وقفت عقبة أمام تقدمه في مجال التنمية، فالنهج الاشتراكي المتَّبع وما رافقه من استراتيجية تنموية اتجهت في معظمها نحو ترقية قطاع الصناعات الأساسية، خلّف اختلالات هيكلية كبيرة مست الاقتصاد الوطني وعمقت من تدني معدلات النمو مقابل زيادة في حدة التضخم وارتفاع حجم البطالة واستمرار العجز في ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات خدمة الدين وما تشكله من ضغوط تعوق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الخارج للحصول على الاحتياجات الأساسية من السلع والخدمات بمقابل ضخ المزيد من براميل النفط إلى الحد الذي زاد من عمق التبعية.(1)

الوضعية الاقتصادية بعد  1998:

النجاح النسبي في ضبط التوازنات المالية والنقدية على المستوى الكلي، وتحقيق استقرار سياسي وأمني في نهاية التسعينيات وبداية الألفية إلى حد ما، دفع بنائب رئيس البنك الدولي في نهاية شهر آذار من سنة2001 إلى الإقرار بأن الاقتصاد الجزائري يحمل - مؤشرات إيجابية من بينها ارتفاع الناتج الإجمالي الخام بمعدل 4,5% في السنتين 1998-1999 إلى 6,2% في سنة 2000. فالدراسات تدل على ارتفاع قيمة الصادرات الإجمالية 10,8% في منتصف سنة 2000 ، كما تدل على انخفاضها إلى 9,4% في نفس الفترة لسنة 2001. إن هذا الارتفاع ناتج عن تحسين الوضعية الاقتصادية في معظم القطاعات الاقتصادية، يتمثل ذلك بعدة مظاهر منها: ارتفاع أسعار البترول، وصادرات الغاز الطبيعي ب 60 مليار مكعب، وقيمة صادرات المحروقات (الغاز والنفط) في سنة 2000 إلى 10.6 مليار دولار، أي ما يمثل 95 % من المجموع للإيرادات بالعملة الصعبة. هذا وتشكل نسبة الصادرات خارج المحروقات متمثلة في المنتجات الزراعية والفوسفات والمنتجات التحويلية 2,7%  في النصف الأول من سنة 2001، كما ارتفعت قيمة الواردات في هذه الفترة إلى 16% عن نفس الفترة لسنة 2000 ، حيث تتصدر المعدات الصناعية قائمة الواردات بنسبة 33%، ويليها المواد الغذائية بنسبة 25,8% من المجموع الكلي للواردات. إن ارتفاع الواردات وانخفاض الصادرات في منتصف الأول من سنة 2001 ، أدى إلى انخفاض في الميزان التجاري بنسبة %24  عن المنتصف الأول لسنة 2000.(2)

خصائص الاقتصاد الجزائري:

  1. اقتصاد مديونية: يعد الاقتصاد الجزائري اقتصاد مديونية، حيث ترتكز معظم السياسات الاقتصادية فيه على تسيير أزمة المديونية وإدارتها، التي ما تزال تشكل قيدا وتؤثر على طبيعة القرارات الاقتصادية المتخذة.
  2. اقتصاد ريعي: إن الاقتصاد الجزائري هو اقتصاد ريعي، حيث يقوم على استراتيجية استنزافية للثروة البترولية والغازية، وهذا على حساب استراتيجية التصنيع. الأمر الذي يجعل الاقتصاد الجزائري رهينة الإيرادات المتحققة في الأسواق الدولية. ومن مميزات الاقتصاد الجزائري، صغر حجم القطاع الصناعي خارج المحروقات (أقل من 10% من الناتج الداخلي الخام)، أما ما يعادل 80% فيسيطر عليها القطاع الخاص.
  3. اقتصاد تطورت فيه آليات الفساد: إن آليات الفساد أضحت تؤثر على حركية النشاط الاقتصادي وتحد من كفاءة السياسة الاقتصادية، و تعطل المنظومة القانونية والتشريعية الاقتصادية، فقد ازدادت شبكات السوق الموازي وتنامت أحجام الثروات التي تتحرك في قنواته. إن هذا الوضع أضعف قدرة الدولة المؤسسية كما زعزع عنصر الثقة فيها.
  4. الاقتصاد الجزائري من حيث الصادرات: يتميز الاقتصاد الجزائري بالطبيعة الأحادية لهيكل الصادرات، إذ يعتمد أساسا على حصيلة الصادرات النفطية التي تقدر في أسوأ الأحوال ب 95% من إجمالي عائدات الصادرات الجزائرية، وهو الأمر الذي جعل الاقتصاد الجزائري شديد الحساسية للتغيرات في الأسعار العالمية للنفط من جهة و للتغيرات في قيمة عملة التقويم (سعر الصرف) من جهة ثانية، ألا وهو الدولار الأمريكي. فضلا عن التركيز السلعي فإن الصادرات تمتاز بتركيز جغرافي كبير، إذ يتم التصدير إلى دول معينة خاصة منها الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، واليابان.
  5. الاقتصاد الجزائري من حيث الواردات: تتميز الواردات الجزائرية بتنوع هيكلها و بضرورتها للحياة البشرية و للآلة الإنتاجية. إن هذا ما رفع من نسبة الإنفاق على الواردات، وتمتاز أيضا بالتركيز المكاني العالي،  ذلك أننا نجد حوالي ثلثي الواردات الجزائرية مصدرها الاتحاد الأوروبي، ففي سنة 2002 بلغت نسبة الواردات من أوروبا 64,5% وهو ما يدل على أن واردات الجزائر مقيمة في معظمها بالعملة الأوروبية.(3)

أهم المشاكل والتحديات التي تواجه الاقتصاد الجزائري:

نقل موقع (الجزيرة نت) بتاريخ 06 آذار 2019 مقالا عن جريدة (لوفيغارو) الفرنسية أوردت فيه دراسة للمعهد الفرنسي (غزيرفي)، رسمت صورة مقلقة للوضع الاقتصادي في الجزائر، حيث أشارت إلى أن الوضع في الجزائر مثير للتوجس أكثر من أي وقت مضى، وقال صاحب المقال "جان بابتيست": "الاقتصاد الجزائري مصاب بالمتلازمة الهولندية - وهو مرض اقتصادي يصيب معظم الدّول المنتجة للنفط - وما يقرب من ربع الإنتاج المحلي يأتي من استغلال موارد النفط والغاز التي تمثل 95% من الصادرات وثلثي الإيرادات الضريبية" ، و يضيف: "الانخفاض الحاد في أسعار النفط بين 2014-2019 قد أثار بشكل كبير الحسابات القومية الجزائرية، مما أدى إلى انخفاض الاستهلاك والاستثمار."

وقبيل الرئاسيات الأخيرة في الجزائر، وبالتحديد بتاريخ 10 كانون الأول 2019 نشر موقع (الجزيرة نت) مقالا يتحدث عن أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الرئيس الجزائري القادم وهي:

أولا: تحدّي الهوية الاقتصادي:

ما يزال الاقتصاد الجزائري يسيطر عليه القطاع العام بشكل كبير، في وقت انتقلت معظم دول العالم إلى اقتصاد السوق. والتحدي يتمظهر في أن معظم التجارب في الدول العربية سيئة ، فلم تكن هناك فترة انتقالية كافية لتأهيل القطاع الخاص الوطني من حيث القدرات التمويلية واستيعاب النواحي الفنية. ولم يتم توجيه القطاع الخاص لأجندة تنمية وطنية. فالتجارب أفضت إلى تركيز القطاع الخاص على الربح السريع، فتركزت أنشطته على التجارة والاعتماد على الاستيراد، وتوقفت حركة التصنيع، ولم يتم تطويرها. كذلك التكنولوجيا، إذ لم يتم توطينها أو تطويرها، وبالتالي أصبحت هذه الاقتصاديات مجرد أسواق لمنتجات الدول المتقدمة وهو ما يُخشى أن تجنيه التجربة في الجزائر.

ثانيا: الخصخصة ومكافحة الفساد:

سيكون على أجندة الرئيس عدة محاور منها: الدخول في برنامج للإصلاح الاقتصادي بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يؤدي إلى تبني الأجندة المعروفة من خصخصة القطاع العام وتحرير التجارة وتخفيض سعر صرف العملة المحلية، وتخفيض العمالة الحكومية، وغير ذلك من المحاور. وإذا كان الأمر واقعا لا محالة، فمن واجب الرئيس أن يتحسب ويحتاط لعمليات الفساد التي تحدث في برامج الخصخصة، إذ يتم تقويم الأصول الرأسمالية للقطاع العام بأقل من قيمتها، كما عليه أن يتنبه لوجود سماسرة محليين يشترون المنشآت العامة المطروحة للخصخصة و يمتلكونها لفترة قصيرة، ثم يبيعونها لصالح الأجانب، لتتم السيطرة على السوق في مجالات مهمة وحيوية، ويمارس الأجانب الاحتكار في السوق الجزائري فيما بعد.

ثالثا: التنوع الاقتصادي:

يصنف الاقتصاد الجزائري على أنه نفطي، لأنه يعتمد على ريع النفط. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي هناك 213 مليار دولار عام 2013. ولكن، مع انخفاض أسعار النفط، تراجعت قيمة الناتج إلى 160 مليارا عام 2016، ثم تحسنت بعض الشيء عام 2018، فارتفعت قيمة الناتج إلى 180 مليارا، بسبب التحسن النسبي في أسعار النفط في السوق الدولية، واستقرارها وصولا لأعلى من ستين دولارا للبرميل منذ عام 2017.

ومما يدلل بشكل كبير على ريعية الاقتصاد الجزائري، والدور الكبير الذي يؤديه القطاع النفطي، أنه مع أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، انخفضت قيمة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 87.3 مليار دولار عام 2018 بعد أن كانت 201.4 مليار عام 2013.

ومن الجدير بذكره، أن احتياطيات الجزائر من النفط بلغت 12.2 مليار برميل نهاية 2017، وفق بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018، كما بلغت احتياطياتها من الغاز الطبيعي أربعة تريليونات متر مكعب، في حين بلغ الإنتاج من النفط حسب نفس المصدر ما يزيد بقليل عن مليون برميل يوميًا، ونحو 91 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي.

والتحدي الذي ينتظر الرئيس الجديد أن يتبنى أجندة تنموية تعتمد على بناء قاعدة إنتاجية وتقويتها فتقوم بذلك على قطاعي الزراعة والصناعة، وتحرير أنشطة الإنتاج والتوزيع في هذين القطاعين من سيطرة البيروقراطية الحكومية. ولا يعني ذلك أن تترك هذه المساحات للفاسدين من القطاع الخاص، فتكون الجزائر بذلك قد  حققت النتائج السلبية للبلدان العربية باستبدال بيروقراطية القطاع العام ببيروقراطية القطاع الخاص.

رابعا: بطالة الشباب:

على الرغم من أن الحراك بالشارع يشمل كافة الشرائح العمرية، فإن الشباب حاضر بقوة، ويناظر ما تم في غالبية الحراك في دول ثورات الربيع العربي بموجتيه : الأولى والثانية. وحسب بيانات الديوان الوطني للإحصاءات بالجزائر، فإن معدل البطالة بلغ أواخر عام 2018 نحو 11.7%، إلا أن معدل البطالة بين الشباب ضمن الفئة العمرية (16-24 عامًا) بلغ نحو 29.1%. والتحدي أمام الرئيس القادم يقوم بأن يُوجد فرص عمل غير هامشية، وبخاصة إذا ما تحسنت أسعار النفط، وسمحت بإيرادات عامة أفضل. فما يغري الشباب الآن أن يكون له دور فاعل ومساهمة حقيقية. وبالتالي، لابد من إعادة النظر بشكل حقيقي بين مخرجات مؤسسة التعليم واحتياجات سوق العمل، حتى لا تكون الهجرة الملاذ وحلم الشباب.(4)

إن هذه الصعوبات جميعها وغيرها، دفعت بالدولة الجزائرية إلى وضع العديد من الخطط الاستراتيجية -كان أحدثها مخطط عمل الحكومة 2020- شاملا للإصلاح الاقتصادي ويهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية. غير أن تجارب التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي في الجزائر كثيرا ما تصطدم  بمجموعة من التحديات، لعل من أبرزها:

- تذبذب أسعار المواد الأولية، بخاصة المحروقات منها، وذلك لارتباط الموارد المتاحة بعوامل خارجية، بالإضافة إلى  معدل الاستيعاب الاقتصادي المحلي، فضلا عن نقص خبرة المؤسسات في تنفيذ المشاريع الكبرى.

- تأثر تنفيذ التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي في الجزائر سلبا بالبيئة الاقتصادية الخارجية نظرا للتباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، كما أن تقلبات أسعار النفط وتذبذب الطلب العالمي عليه فرض قيودا على منح الأولوية لبعض المشاريع مما جعلها تتصدر مقدمة الإصلاحات.

- عدم وجود أسواق إقليمية تكاملية، وعدم الاستفادة كثيراً من الاتفاقيات المبرمة، لاسيما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر، بالإضافة إلى إعادة فتح ملف انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية، وإتمام ملف الانضمام إلى منطقة التبادل الحرّ للقارة الإفريقية.(5)