تضم حركة الإصلاح والتجديد في عالمنا الإسلامي مشاريع فكرية لها فاعليتها في العصر الحديث، ومن بينها مشروع شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله). مما يدفعنا للتساؤل عن أبرز معالم المشروع الفكري التجديدي لابن تيمية وآثاره على مشاريع الإصلاح والتجديد الإسلامي وأعلامها؛ بالإضافة إلى التنقيب عن كيف جدّد ابن تيمية فكرَ الأمّة وحياتها وواقعها؟ وكيف احتضن "الاختلاف" رافعًا المَلام؟ ثم الوقوف عند المحطات والأزمات الكُبرى التي مرّ بها وتجلى فيها وعيُه الحضاريّ بأولويات الواقع وإبداع الحلول في معالجتها. 
   للإجابة عن هذه الأسئلة، نظّمت صفحة عمران يوم الخميس 10 شتنبر 2020 في صفحتها على فيسبوك بثًا مباشرًا لبرنامج ساعة فكر تحت عنوان "كيف ساهم مشروع ابن تيمية في البناء الفكري للأمة؟ استضافت فيه د. عبد الرحمن الجميعان من الكويت، وهو كاتب ومؤلف متخصص في الفكر الإسلامي والأمين العام لمنتدى المفكرين المسلمين. 

من هو ابن تيمية؟
   

بداية لابد لنا أن نعرّف بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فنقول إنه الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني المشهور باسم ابن تيميَّة. هو مفكر وفقيه ومحدث ومفسر وعالم مسلم مجتهد من علماء أهل السنة والجماعة. وهو أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري. نشأ ابن تيميَّة حنبلي المذهب فأخذ الفقه الحنبلي وأصوله عن أبيه وجده، كما كان من الأئمة المجتهدين في المذهب، فقد كان يفتي في العديد من المسائل على خلاف معتمد الحنابلة لما يراه موافقاً للدليل من الكتاب والسُنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف. 
    ويجدر بنا أن نذكرَ أنّ ابن تيمية رحمه الله، لم يُقرأ قراءة فكرية إلا في السنوات الأخيرة الماضية، لكنه اشتهر بالفقه خاصة في قضايا الطلاق والزيارة والتوسل، وقضايا أخرى في العقيدة خاصة من المناوئين، فبرز جانب الذم لهذا الرجل، والدفاع يكون أضعف من الهجوم في غالب الأحيان، لذلك فهو لم يعتمد على الدفاع، بل كان دائما ما ينتهج أسلوب الهجوم لتعميم فكره، وهذه لفتة مهمة جدا يجب علينا أن ننتبه لها نحن الدارسين لمشروعه الفكري، فقد كان رحمه الله يتلقى الصدمات، ويباغت خصومه بقلب الطاولة وردها عليهم. 
 

  ونجد أن التيارات الإسلامية آنذاك لم تتبنّ قضية الفكر ولم تكن الشريعة الإسلامية هي الوعاء الحامل للأفكار، رغم أن شيخ الإسلام قد برع في هذا المجال، فكان يغوص في قضايا النقل والعقل، وقضايا خيرية القدر والشر، وقضايا أخرى في غاية الأهمية.

لماذا يمثل فكر ابن تيمية منعطفا تاريخيا للأمة؟ 

   يعتبر المجال الفكري مهما جدا في نهضة الأمم وتطورها، بل يمكن أن نقول أن الذين يقودون الثورات هم أصحاب اللسانيات والعلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وليس أصحاب العلوم التقنية والتكنولوجية رغم أهميتها، فالثورات في العالم الغربي جاءت نتيجة تحرر فكري، وتنوير عقلي، ولم تكن محض ثورات صناعية، ومن يتصوَر أن الضغوط الشعبية على الملوك والرؤساء هي صاحبة الفضل في صناعة الثورة ونيل الحرية فهو واهم، لأنه لولا النهضة الفكرية لمَا سادت فكرة التحرر في المجتمع وبذلك تقوم الثورة.
    ما يجعلنا اليوم نركز على ابن تيمية -رحمه الله- هو أنه ليس شخصاً عاديا بل هو شخص موسوعي، لم يترك علما إلا وبرع فيه (العقيدة، التصوف، علم الاجتماع، الفلسفة، الفقه ...)، كما أنه يمثل منعطفا تاريخيا لهذه الأمة لا يمكن تجاوزه أبدا من حيث التأثير والفاعلية، ومن يدّعي أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يصنع تغييرا في الفكر الإسلامي كمن ينكر فضل الإخوان المسلمين في بعث الإسلام في هذه الأمة، أو كمن يتغافل عن إنجاز صلاح الدين الأيوبي بفتح بيت المقدس، أو فضل الإمام ابن حجر في علم الحديث، لذلك فهو يمثل مرحلة تاريخية هامّة في فكر الأمّة الإسلامية، وهذه الشخصيات لابد أن تُدرَس دراسة عميقة، نستنبط منها منهجية صناعة المفكرين، صحيح أنني أعتقد أن الإنسان يولد مفكرا، لكن هناك آليات لتفعيل الفكر لدى الإنسان وجعله وجهة فكرية مُلهِمَة ومؤثرة، تستطيع اكتشاف المشاكل وتحليلها وتقديم الحلول. 
 

   أول ما يحتاج إليه المفكر الثقة المطلقة بالله، وطول النفس والبذل والتقديم في سبيل الله وأن يتسلّحَ بالأمل لأنه ليس مسؤولا عن نبتِ الزرع بل هو مطالب بنثر البذور، وخير مثال لنا في هذا أنه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يخرج جيش أسامة رضي الله عنه من المدينة، إلا بعد وفاته ولم يتوقف الصحابة عن الفتوحات بعد وفاة النبي لأن العقيدة الإسلامية غير مرتبطة بحياته صلى الله عليه وسلم بل بالمفاهيم التي زرعها في نفوسهم رضوان الله عليهم. 
 

  هذه الأمة لا تخلو من المفكرين والفقهاء والدعاة والمشايخ، وابن تيمية واحدٌ من أبرز مَن قيّضهم الله لتجديد وبعث الدين في أمتنا، وينبغي علينا اليوم تسليط الضوء على مشروعه الفكري للتشابه القائم بين واقعنا وواقعهم آنذاك ولو أن واقعهم أفضل ممّا نحن عليه الآن، ذلك لأنهم كانوا مهتمين بالجهاد والعلم وأصحابه واعتماد الشريعة الإسلامية، لكن في مقابل هذا الجانب المشرق نجدُ نكدَ الصليبيين والمغول الذين أسقطوا بغداد، وغلو التصوف وفلسفة وحدة الوجود وابن العربي، وتسلط أهل علم الكلام على الجانب السياسي، فكانت هذه أبرز الظروف التي أدت إلى ظهور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أي أنه ظهر في مجتمع فاقد للبوصلة الفكرية، وكُل شيء يحتكم إلى علم الكلام، حتى تفسير القرآن الكريم، فلاحظ ابن تيمية سطوة العقل اليوناني على الأمة، ولم تكن مهمة إرجاع العقول إلى أصلها سهلة إلا أنه تحدّى واقعه وأفلح في ذلك بفضل الله عزّ وجل. 

     - مقاصد مشروع ابن تيمية الفكري: 

1/ بعث الروح الإسلامية في هذه الأمّة: 
    بمعنى أنه ينبغي على المفكر أن يراعي نقاط ضعف أمته، ويعمل وفق استراتيجيات واضحة وثابتة لتقويتها وبعثها من جديد.
2/ استنهاض العلماء والفقهاء. 
3/ تحريك العقل المسلم بتركيزه على جانب الجهاد الفكري، والاهتمام بعلوم العصر خاصّة أنه كان مبدعا في كل علوم عصره بشهادة مخالفيه. 
4/ ضرب العقل اليوناني: والذي يقرأ كتبه رحمه الله خاصة العقدية الثقيلة كـ"منهاج السنة"، "درء تناقض العقل والنقل"، "بيان تلبيس الجهمية" سيلاحظ نقطة مهمة جدا وهي تركيزه على قصف العقل اليوناني وتكسير قواعده. 
لأنه علمَ يقينا أن أصل الأزمة الفكرية آنذاك كان في استيراد الفلسفة من اليونان. وبالتحديد تسلط العقل الأرسطي، وفي هذا يقول رحمه الله: "إن الفلاسفة سابقا كانت عندهم بعض من آثار النبوة، لأنهم زاروا الشام، والأراضي المباركة التي خرجت منها الرسالات السماوية إلا أرسطو لأنه لم يزُرها ولم يتعرض لبركتها» فهو أول من قال بـ"قِدم العالم" فأخذ منه ابن سينا والفارابي نظرية الفيض والعقول، واستطاع ابن تيمية الرد عليهم. 
5/ الاهتمام بالأصول الفكرية والعقائدية فقد كان يهتم بمصدر أخذ الأفكار لا بالأفكار ذاتها. 
6/ تجديد قضايا الإيمان وتثبيتها على النص والعقل ومن هذا الباب أثبت أنه لا يمكن أن يتناقض العقل مع النقل، وشدّد على ارتباط الجانب الفكري بالجانب العملي من الإيمان، وفيما تعنيه عبارة كتبها في أحد مؤلفاته أنه «قد يستدّل الباحث في قضية فقهية ما بنصوص من الكتاب والسنة، وقد يصل إلى الحقيقة بعد استنباط واجتهاد. لكن نور الله عز وجل وهدايته إلى الحق المبين لن يصل اليها إلا المجتهد التقي المؤمن بالله». 
  

    - مساهمة المشروع التيمي في بناء الأمّة : 
 

  يمكننا القول أن مشروع ابن تيمية رحمه الله قد أثر وساهم في بناء الأمّة حضاريا وفكريا وواقعيا بشكل كبير أثناء حياته ودليل ذلك شهرته وتلك الفتاوى التي كانت تأتيه من حلب، مراكش، بخارى ومن أماكن عديدة. وأثره بعد وفاته كان أكبر بكثير وشاعت كتبه وانتشر علمه على يد تلامذته وعلى رأسهم ابن القيم رحمه الله. 
 

♦️ في الجانب الفكري: 
 

  نجد أنه انتهج أسلوب الهدم والبناء، ويتوجه إلى الأصول، ويعتمد على الكتاب والسنة النبوية، وتبيان المنهج الحق وعدم المهادنة، بناء المعرفة الصحيحة على منهاج السلف، بناء الوحدة الانسجامية بين القرآن والكون، كل هذه الاستراتيجيات ساهمت في بناء منهج فكري متكامل وللاطلاع أكثر عنه أوصيكم بكتاب"عبد الله الدعجاني" الموسوم بعنوان "منهج ابن تيمية المعرفي". وللتعرف أكثر على مدرسته والمتأثرين به أنصحكم بكتاب "دعوة شيخ الإسلام وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة، وموقف الخصوم منها" لـ "صلاح الدين مقبول أحمد" (وهو جزئين). 
المتأثرين به : الموصلي، ابن كثير، ابن القيم، ابن أبي العز، الشوكاني، محمد بن عبد الوهاب، ابن رجب، رحمهم الله جميعا. ولاشكَ في أن الإخوان المسلمين أيضا اعتمدوا على طرحه، والسلفيين أيضا، والوهابيين، وحتى بعض الأشاعرة، والحنبليين كذلك.

 *بما أن علّة الحال في أزمة الحضارة الإسلامية كانت قديما هي المطابقة الأرسطية الأفلاطونية، وحاليا بالمطابقة الهيچلية الماركسية، وبما أن مدرسة ابن تيمية المعرفية تعد قلب المدرسة النقدية بجناحيها "الغزالي" و"ابن خلدون"، يأتي السؤال هنا هل من سبيل للاستثمار في التراث التيمي تحديدا، وتراث الأئمة الأعلام بمنهجية تعين على البناء الفكري الحضاري المعاصر دون غرق في الماضي؟ 

  *أول ما علينا أن نعيه في هذا الجانب هو أن علماء الإسلام قد بنوا المنهجية، والمشكلة ليست بالتراث، وإنما فينا نحن عندما شكلنا قطيعة ابستمولوجية مع تراثنا ورُحنا نستنبط من التراث الغربي. ولو أن الواحد منَا يلتفت لعَلم من أعلام أمتنا لاستخراج منهجيات صناعة المفكرين لوجد الشيء القيم الكثير. 
    *في نقطة مركزية الأصول يتبادر إلى الذهن سؤال عن ما مدى حاجتنا اليوم للنظر في الأصول الكلية وكيف يمكن توظيفها لتجاوز العديد من الإشكالات المفاهيمية والعقائدية التي تطرح حاليا؟ 
 

  *دعنا نتفق أولا أنه لا يمكننا بناء معرفة دون منهج، ولا يمكن بناء منهج دون أصول، فالأصول ضرورية جداً وأصل الأصول كتاب الله سبحانه وتعالى، ومنه نستنبط أصل السنن الكونية، وأسلوب الاستدلال في آيات الله وآيات الخلق والكون "وفي أنفسهم أفلا ينظرون". كلها تأملات تدفعنا نحو البحث في الأصول، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من الأصول المهمة ومرجعية لابد لنا من العودة إليها والاهتداء بهديه والاستنان بسنته في حياتنا كلها عليه صلوات ربي وسلامه. 

وفطرة النفس البشرية تحتاج إلى أصول تعتمد عليها في تفسير وجودها وعلل الكون، كي لا تعاني مما يعانيه الملحدون من اضطرابات تدفعهم للانتحار، هذا من الناحية الفردية فما بالك بأمة، حتما لا يمكن أن نتقدم دون معرفة أصولنا وقد اجتهد في دراستها الأولون فأبدعوا في تفاسير القرآن الكريم، والسنة النبوية، ومن أخطر انحرافات العصر فصل القرآن عن السنة، وفصل السنة عن الواقع. ما ينتجُ تحطيم الأصول والإساءة في فهمها.
 

 *أليس استحضار البعد الحضاري لابن تيمية مما يعين على استلهام نموذج رائد للمثقف العضوي الذي يشارك الأمة همومها ومخاوفها ويدرأ عنها سهام الكائدين بالقلم واللسان والسنان، وهذا مما تميز به شيخ الإسلام عن الكثير ، فما الدور الذي يلعبه استحضار البعد الحضاري لابن تيمية؟ 
 

 *باعتبار مصطلح "البعد الحضاري" دلالة عن واقع الحال، يمكننا أن نقول أن واقع حاله هو ما كرّسَ لبروزه كمفكر إسلامي بهذه الطريقة الإبداعية، لأن الحاجة الفعلية للتحضر، ولبعث روح الإسلام هي ما ساهمت في ظهور ابن تيمية رحمه الله، ونحن في هذه الأيام في أمس الحاجة إلى نمط تفكير ابن تيمية، وإلى روح الثقة بالله المجددة المتوقدة، التي تصنع المستحيلات. فقد ساهم في البناء الحضاري الجهادي، وأعاد فكرة الجهاد إلى مناطها الحقيقي، وهو أن نخضع العباد إلى شرع الله عزّ وجل، وهذا قمة البناء الحضاري، والاعتقاد الجازم بوجوب الدعوة. حتى أنه في معركة شقحب كان متجليا يحفز المجاهدين، ويبعث فيهم الحماسة، وقال :" أنتم منصورون" فرد عليه أحدهم :"قل إن شاء الله" فقال الإمام رحمه الله "أقولها تحقيقا لا تعليقا" ومن هنا ندرك أن الثقة في الله هي السلاح الذي نفتقر إليه، وأنه يمتلك وعاء فكريا عظيما ينُصُ على أنه إذا حققنا الشروط لن يخذلنا الله سبحانه وتعالى. وهذه كلها أبعاد حضارية قد نغفل عليها. 

    *اهتم شيخ الإسلام بالدعوة إلى إعمال العقل في علوم العصر، فأين ظهر ذلك في مسيرته ومؤلفاته، وما هي المنهجية التيمية في التعامل مع العلوم ؟! 
 

  *ابن تيمية رحمه الله، كان لديه مشروع جبار، يتمثل في "عدم تناقض العقل والنقل" وقد فصل فيه في كتاب "درء تناقض العقل والنقل". والعقل عند ابن تيمية أصل وأساس استنباط كل المعارف، ولا يمكن أن يُفصل العقل عن المشروع التيمي، ولذلك حارب العقل اليوناني لأنه أفسد العقيدة الإسلامية، وأسس لفكره اعتمادا على أصلين أساسيين وهما العقل والنقل دون وجود أي تناقض بينهما، وقد كان يرفض من يعتمد على النقل دون العقل، ومن يقدس العقل على النقل .. ويعتبر الطائفة الناجية أولئك الذين يعتمدون على كليهما في قضايا البناء الحضاري والفكري والعقدي وكل القضايا المفصلية في تاريخ الأمة. 
 

 *ما هي آلية إعداد جيل مفكر ؟
 

 *أي مفكر إذا أردت صناعته، لا بد له أولا أن يعتمدَ على كتاب الله، قراءَةً، وحفظا، وعلمًا. وثانيا يعتمد على السُّنة، وثالثا إلمامه بعلم أصول الفقه، ورابعا أن يتفقه في مذهب معين ويطّلع على أصول الشريعة الإسلامية. ثم ينطلق في اطلاعه على علوم العصر (الفلسفة، المنطق، علم الاجتماع، علم النفس) .. وبعدها يبحر في كتب الفكر حيثما شاء يقرأ. 
 

  *ألا يعتبر التترس بالنص التيمي في الخطابات الدينية، وتسليطه مجتزءا عن سياقه على خصومهم مما يمنع الكثير من التعقل والإنصاف تجاه شيخ الإسلام، خاصة إذا اعتبرنا هذا التترس آتيا ممن يحسبُ على شيخ الإسلام نفسِه، السؤال الذي يطرح هنا هو هل حقا فهِمَ هؤلاء الشيخَ فهما صحيحا يؤهلهم لنقل صورته المعرفية، مع الإشارة إلى بروز جيل جديد من الباحثين والمفكرين قد أحسنوا فهم النص الديني من بينهم الشيخ عبدالله العجيري والدكتور سلطان العميري والأستاذ ماهر أمير وغيرهم فما يعتبر هذا الأمر ؟
 

  *مع الأسف هناك من السلفيين من لم يفهم كلام الشيخ رحمه الله، فنجدهم يكفرونه بدعوى أن الشيخ الألباني رحمه الله كان ضدّه، وهؤلاء عليهم أن يطّلعوا على كتاب الدكتورة وداد الكواري "التسلسل عند شيخ الإسلام ابن تيمية". وللألباني كلام كثير في الردّ على من يتهم ابن تيمية ومشكل السلفيين أنهم قوم جاهلون بالمنطق والفلسفة وعلم الكلام فيصعب عليهم استيعاب علمه خاصة في درء تناقض العقل والنقل وبيان تلبيس الجهمية... وهناك من لم يفهمه في قضية التصَوف. 

كنصيحة للقُراء "لا تقرأ لابن تيمية إلا كلاماً متصلا تماما"، وكنصيحة ثانية قبل أن تقرؤوا للشيخ، اقرؤوا عنه. 
   

*منذ أن اكتشِفَ مشروع ابن تيمية، انصب اهتمام الغربيين على نتاجه العقدي والجدلي، ثم توسعَ هذا الاهتمام إلى الجانب الفقهي، والمتابع لكتابات وائل حلاق و جون هوفر، يدرك هذا الأمر، أولا ما أهمية هذا الاطلاع لمؤلفاته في الأكاديمية الغربية، وثانيا في حين أننا نتنازع أحيانا في فهم مراد الشيخ، ألا يعتبر تحرير مراد الشيخ من قبل الأعاجم أمرا مربكا نوعا ما؟!
 

  *دائما يهتم الغرب بالأفكار لذلك اهتموا بابن رشد وانطلقوا من فكره وفلسفته إلى أن اكتشفوا مؤخرا فكر شيخ الإسلام، والصعوبة كما ذكرت تبقى في عملية الترجمة، خاصة أن اللغة العربية ذات خصائص وصفات مميزة مهما تحرَى المترجمون الدّقة في عملهم فلن يصلوا إلى كمال معاني الأفكار، ولذلك أنصح بكتاب التأويل الحدَاثي للتُراث للدكتور إبراهيم السكران. والمؤسف في هذا الأمر أن الغرب قد اهتمّ بشيوخنا ومفكرينا ونحن مازلنا نهملهم ونهتم بأشياء أخرى ونحن أولى به منهم. 
أقول قولي هذا والله أعلى وأعلم.