أصبح التعليم ضرورة ملحة للنهوض بالأمة والسير في ركب الحضارة، فالتعليم جزء من النظام الاجتماعي، تهتم بإعداد الفرد الذي يساهم في بناء مجتمعه بإيجابية. "ولعل التقدم العلمي والتطور التقني الذي حققته البشرية في ميادين عديدة يتطلب النظرة المتجددة للأشياء وتوليد الأفكار الجديدة وهذا مانجده في المجال التربوي، حيث أنه يشجع على التنمية والإبداع والتطور في ظل الثورة الصناعية التي يشهدها عالم الإقتصاد من أجل اللحاق بركب التقدم العلمي" (وفاء غطاس،2019، ص29)، فالابتكار والإبداع أضحى أحد أهم مؤشرات التقدم في أي دولة وتمكين الطلبة من مواجهة تحديات المستقبل، وما يحمله من تخصصات علمية جديدة، ومواكبة التغيرات العالمية والتطور التكنولوجي الذي نشهده يوميا ما يتطلب تكييف المناهج الدراسية وثورة التكنولوجيا الرقمية، ويلبي متطلبات التجديد والتطور التربوي.

إشكالية الدراسة: 

في ظل الثورة التكنولوجية وتطور الوسائل التقنية في مختلف مجالات الحياة خاصة في مجال التعليم وكيفية تطوير مهارات الطلبة سواء كانت التكنولوجية أو الإبداع فكلها تعود بالفائدة على العملية التعليمية. حيث تسعى بعض الدول إلى تعزيز فكرة تطوير مهارات الابتكار في المؤسسات التعليمية كون المؤسسة التعليمية هدفها الرئيسي الحرص على تحقيق النمو والاستمرارية لمواجهة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعالمية.

ترى الحكومة الألمانية أن التعليم وسيلة لتحقيق التطور العلمي والمعرفي، فخلال أقل من 15 عاما بعد نهاية الحرب بدأت الصناعة الألمانية بالإبداع مجددا، تاركة باب التطوير والبحث العلمي مفتوحا لكل من يملك القدرة على ذلك. في حين ترى الحكومة الجزائرية أن التعليم هي أداة لتطوير أداء الطلاب من أجل اللحاق بركب الدول الرائدة في حقل التعليم.

و هنا أرادت الباحثة إجراء مقارنة بين مهارة ابتكار التعليم في الجزائر وألمانيا محاولة منها تبيين الفارق الوسائل والتقنيات التي تساعد على مهارات الابتكار والإبداع في التعليم لكلا الدولتين.

أهم مفاهيم الدراسة :
الابتكار:

حسب "البنعلي": "إنتاج جديد هادف وموجه نحو هدف معين وهو قدرة العقل على تكوين علاقات جدية تحدث تغييرا في الواقع لدى التلميذ، حيث يتجاوز الحفظ والاستظهار إلى التفكير والدراسة و التحليل والاستنتاج ثم الابتكار والإبداع"(خولة الشايب، 2018، ص 496)

أهمية الابتكار:

إن النظرة إلى الإبتكار قد تغيرت كثيرا في وقتنا الحاضر على مستوى المؤسسات وأيضا على مستوى الدول، فقد أصبح الابتكار معيارا يحدد على ضوئه درجة تقدم الدول والأمم ورقيها، ومن جهة أخرى فإن الابتكار أصبح أحد المؤشرات الهامة التي تساعد إلى حد كبير في الاستدلال على مدى تقدم المؤسسات. (بوبعة عبد الوهاب، 2012، ص34)

مهارة ابتكار التعليم في الجزائر: 

تسعى المدرسة الجزائرية جاهدة لمواكبة مختلف التغيرات التي يشهدها العالم وذلك من خلال تطوير الأنظمة التربوية وتحسين مستوى تحصيلها، حيث "تبنت استراتيجيات تعليمية جديدة تهدف إلى تجويد التعليم وتوسيع مجالاته"(براجل، 1994، ص78) وذلك بإعادة النظر في طرائق التدريس القديمة واستبدالها بطرائق النشاط الحديثة وتبني أسلوب التدريس بواسطة الأهداف، وإدخال تعديلات على محتويات مناهج الدراسة. 

فلقد تم بناء برامج تعليمية جزائرية جديدة كل الجدة سواء من حيث التوجيهات أو الأهداف أو المضامين والغرض من هذه الإصلاحات بطبيعة الحال هو النهوض بالمستوى الدراسي أولا ثم تحقيق التطور العلمي كغاية كبرى يسعى إلى تحقيقها كل مجتمع من المجتمعات. (لخضر عواريب، ص442) 

كشف محمد مباركي وزير التعليم العالي (السابق) سنة 2014 عدد الإبتكارات المسجلة باسم الجزائر بلغت 2300 اختراع وأن الجامعات ومراكز البحث تنتج سنويا ما بين 10 و 20 اختراعا وفي مجال النشر العلمي فإن الأولوية تعود إلى تخصصات الهندسة وعلوم المواد حيث تحتل الجزائر المرتبة الأولى على الصعيد القاري وتساهم بنسبة تزيد عن 33 بالمائة من إجمالي الإنتاج العلمي الإفريقي و1 بالمائة من الإنتاج العلمي العالمي ولهذا وقصد إعطاء دفع قوي للتطوير العلمي والتكنولوجي فإن القطاع يعمل على إنشاء أكاديمية للعلوم والتكنولوجيا والتي ستكون أعلى مرجع علمي في البلاد و من شأنها أنها تساهم في تطوير العلوم وتطبيقاتها (بودلال علي، لكحل أمين، 2015، ص28)

 لكن ماهو الحل من أجل النهوض بنظام الإبداع التكنولوجي في الجزائر؟

تضمن تقرير منتدى المعرفة من أجل التنمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنعقد بمدينة مرسيليا من 9 إلى 12 سبتمبر 2002 اقتراحات بغرض تطوير نظام الابداع التكنولوجي في الدول العربية تتمثل في جانبين: الجانب الأول وهو الاعتماد على الإبداعية وتطبيقاتها، أما الجانب الثاني هو تكوين شبكة للهيئات التي تتعاون من أجل جعل سلسلة الإبداع التكنولوجي فعالة. (بودلال علي، لكحل أمين، 2015، ص32) و بالفعل تم إنشاء الوكالة الوطنية لتثمين نتائج البحث و التطوير التكنولوجي والمسماة اختصار   

 وتمثلت أهم مهامها في: ANVREDET  

1_ التعريف واختيار نتائج البحث الواجب تثمينها.

2_ المساهمة بفاعلية أحسن لاستغلال نتائج البحث وفي تنظيم أنظمة وطرائق التثمين بغرض ترقية وتطوير الإبداع التكنولوجي .

3_ تشجيع ومساندة كل مبادرة تهدف لتطوير التكنولوجيا وإدخال أعمال إبداعية.

4_ مساعدة المخترعين بالتكفل بأعباء الخدمات لإنجاز نموذج، دراسة السوق، البحث عن شركاء والحماية ببراءة الإختراع. 

5_ تنظيم اليقظة التكنولوجية، خاصة وضع حيز التنفيذ مرصد وشبكة لنشر التكنولوجيا. (المرسوم التنفيذي رقم 137/ 98 المؤرخ في 3 ماي 1998)

    مهارة ابتكار التعليم في ألمانيا: 

إن المنظومة التعليمية في ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام تتمحور دائما حول طرق وإمكانية تطوير الطلبة بشكل أكبر حسب رغباتهم وأهوائهم. إن الثقافة التعليمية في ألمانيا تعتمد على تطوير مهارات الطالب المختلفة، إن كانت رسما، موسيقا أو في الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء، عبر هذه الطريقة الإبداعية يمكن للأساتذة وللمرشدين التربويين والاجتماعيين معرفة ميول الطلبة وتوجيههم مع أهاليهم لما هو أفضل لهم من الناحية الدراسية و العلمية. هذا التوجه أدى خلال أعوام بسيطة لنشوء طبقة من الخبراء ضمن كل الاختصاصات حتى ضمن الاختصاصات الفنية، فعندما نتحدث عن نجارين أو حدادين، فالمنتج الألماني يعتبر إلى اليوم الأفضل والأقوى عالميا. إن المنظومة التعليمية الألمانية تدعو إلى استقلالية التفكير والخروج عن المألوف والإبداع في العمل وتنمية المواهب. (هاني حرب ،2018)

يسعى المركز الدولي للتطوير التربوي إلى تأسيس مدارس رينزولي الدولية وإدارتها وتوفير برامج التدريب الخاصة بإعداد وتمكين المعلمين ومدراء المدارس والتربويين، وهي مؤسسة تربوية دولية تأسست في فرنسا ولديها سبعة فروع في :فرنسا، ألمانيا ،السويد، تركيا،كينيا،كندا، الأردن، حيث تتلخص مجالات عمل المركز والمؤسسات المرتبطة به جملة محاور وهي تطوير البرامج والمواد التعليمية وخاصة الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، تأسيس الجامعات وإدارتها، تقويم المؤسسات التربوية القائمة لأغراض الاعتماد بأنواعه المختلفة، توظيف منظومة رينزولي الخاصة بالتعليم الإلكتروني في المدارس القائمة، تطبيق بطارية اختيارية لقياس القدرات الإبداعية الكامنة، نشر الكتب والمجلات ووقائع المؤتمرات الدولية، توفير المدرسة الإفتراضية للطلبة الموهوبين والمبدعين، وتطوير برامج تربية الموهوبين والمبدعين و إجراء البحوث والدراسات النظرية والتجريبية . 

وتهدف برامج المركز ومشروعات إلى بناء البرامج التي تحقق التربية من أجل التميز والابتكار والإبداع ورعاية الطلبة الموهوبين والمبدعين والمتفوقين، انطلاقا من أنه توجد سبع مهارات باتت أساسية وضرورية للبقاء في القرن الحادي والعشرين وهي مهارات التفكير المنتج، مهارات التفاعل والتواصل عبر الشبكات المختلفة الرشاقة والقدرة على التكيف، مهارات المبادأة والقدرة على خلق فرص العمل والريادة فيها، مهارات الاتصال الشفهية والكتابية، مهارات جمع المعلومات و البيانات وتصنيفها. (تيسير صبحي يامين، المركز الدولي للتطوير التربوي) 

واستنادا على أوراق العمل الرئيسية، تتحدث سانرا لينكي من ألمانيا عن تربية الموهوبين والمبدعين كمدخل رئيس للتميز التربوي حيث ستعالج بصورة معمقة موضوعات على درجة عالية من الأهمية ومنها: البيئات الإفتراضية والبرامج والخدمات و والأنشطة المحسوبة أحدث التطورات التي طرأت على مفهومات الإبداع والموهبة والمتفوقين والمشكلات التي يعاني منها الطلبة الموهوبين، التجارب العالمية في مجال تطوير البرامج والاعتبارات التربوية، السياسات التربوية وأثرها في مدى توافر برامج رعاية الطلبة الموهوبين والمبدعين، الحل المبدع للمشكلات في ميادين العلوم و التكنولوجيا.(تيسير صبحي، 2010، ص01)     

   النتائج: 

لابد من الإستفادة من التجربة الألمانية في مجال التعليم والابتكار والإبداع، ويعد كل من استقلال التفكير والخروج عن المألوف والإبداع في العمل وتنمية المواهب أهم النتائج المتحصلة عليها في مهارة ابتكار التعليم في ألمانيا، كما أن التعليم في الجزائر بالرغم من الإصلاحات التي مست القطاع التعليمي والتربوي إلا أنه مازال في تراجع بشكل مقلق كما أن حجم ونوعية الإنتاج العلمي والتأثير الإجتماعي للنخبة المتعلقة والمثقفة يتقلص تدريجيا وهذا بالدرجة الأولى إلى تلاشي إرادة العطاء والتفوق وعدم الاهتمام الكبير بالابتكار والإبداع في المؤسسات التعليمية. 

   التوصيات:

لابد من التعرف على الإتجاهات العالمية المعاصرة والتوجهات المستقبلية في مجال التعليم وواقع استخدامات التقنيات المتطورة في مجال التعليم في كافة البلدان العربية والأوروبية وتعزيز مكانة مهارة الابتكار والإبداع في المدارس والبرامج التعليمية من خلال استحداث وسائل الإتصال والمعلومات وإدخال الأعمال الإبداعية.