مفهوم القوة من المصطلحات الأكثر استعمالا في مختلف المجالات سواء العلمية أو الاجتماعية أو الإنسانية، ونجدها في كل الممارسات الإنسانية اليومية والحياتية، ولكن تبقى من المصطلحات التي تحتمل الكثير من التعريفات على حسب توجه المفكر أو الكاتب، وهناك نوع من الاختلاف وأحياناً تضارب في وجهات النظر مع ظاهرة القوة سواء في الفكر العربي أو الغربي، فكيف ينظر الفكر العربي والمفكرون العرب لمفهوم القوة؟ 

في البداية لا يمكننا أن نحصر الفكر العربي في إطار ضيق، ولكن يمكننا أن نقدم أمثلة عن أبرز المفكرين العرب وكيف كان تقديرهم لمفهوم القوة.

مالك بن نبي

مالك بن نبي من أعلام الفكر العربي والإسلامي في القرن العشرين، وهو أحد رُوّاد النهضة في القرن العشرين ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون. 

ارتبط مفهوم القوة عند مالك بن نبي بالحروب، وارتبط مفهومها بالنسبة له بالمواجهة المسلحة وسباق التسلح والحرب، وحاول أن يبرهن على مدى فشل الحروب في تحقيق الأهداف وإصلاح المجتمعات. فحسب وجهة نظره أن القوة ألغت القوة وعلى نحو مبكر، وهو الذي وصلت إليه أوروبا بعد أن جربت كل أنواع الحروب الدينية والقومية والعالمية وأعلنت العودة للإنسان بدون قوة، أي العودة إلى الاهتمام بجوانب أخرى أهم من التسلح وممارسة القوة الصلبة.

لم يشهد مالك بن نبي جميع الحروب ولكن شهد حرب 1967م. وهذا الذي جعله يقول: "يخطئ المسلم في تقديره عندما يعتقد أن الذي ينقصه هو الصاروخ أو على الأقل البندقية ويتوهم أن هذا هو واجبه العاجل إلى أن يقول: وسنظل نكرر ونُلح في تكرارنا أن أزمة العالم الإسلامي ليست أزمة وسائل وإنما أزمة أفكار".

ابن خلدون

مؤرخ من شمال أفريقيا (تونسي) ويعتبر مؤسّس علم الاجتماع وأوّل من وضعه على أسسه الحديثة.

فيما يخص نظرته للقوة فعلى عكس مالك بن نبي فهو يعتبر القوة ظاهرة أساسية للحفاظ على الأمن ولكنه قام بربطها بالعصبية بالإضافة إلى أن ممارسة القوة لا تظهر إلا في حالة وجود تهديد؛ فيقول أن القوة الحقيقية مصدرها العصبية التي تُولد لدى الأفراد والجماعات المنتمين إلى هذه العصبية شعورا وإحساسا لا يتبلور إلا عندما تتعرض هذه الجماعة إلى تهديد خارجي، والعلاقة بين العصبية وعصبيتهم تتأثر بمدى وجود خطر يهددهم أو سلام يعم عليهم، وعلى هذا الأساس فالعصبية توفر للجماعة شيئين جوهرين:

  • تأمين العيش، إذ لا يكون إلا بالمدافعة والحماية.
  • تنازع البقاء، لأنه لابد من القتال في جماعة.  

بالإضافة إلى قوة العصبية، يرى ابن خلدون "أن الدعوة الدينية تزيد أيضا في قوة الدولة"، ونجد أنه أكد على ضرورة وأهمية القوة لقيام الدولة وقيادتها.

عبد الرحمن الكواكبي 

هو أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي، اشتهر بكتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، الذي يعد من أهم الكتب العربية. 

وبرز مصطلح القوة عند الكواكبي حيث كان مقترنا بالقوة العسكرية والاستبداد.

يهاجم الكواكبي استخدام القوة العسكرية للاستبداد فيقول: "وأمّا الجندية فتُفسد أخلاق الأمّة؛ حيثُ تُعلِّمها الشّراسة والطّاعة العمياء والاتِّكال، وتُميت النّشاط وفكرة الاستقلال، وتُكلِّف الأمّة الإنفاق الذي لا يطاق؛ وكُلُّ ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم: استبداد الحكومات القائدة لتلك القوَّة من جهة، واستبداد الأمم بعضها على بعض من جهة أخرى.

بالتالي فهو ينتقد بشدة القوة الصلبة والتي يتم استخدامها لتأييد الاستبداد ويصنفها الى نوعين (داخلية وخارجية)؛ الأولى متمثلة في القوة التي يمارسها الحكام ضد المحكومين والثانية هي القوة التي تستخدمها الأمم ضد بعضها البعض.

وعلى الرغم من الإختلافات الواضحة حول مفهوم القوة ولكن يمكننا القول أن أغلب المفكرين أجمعوا على أهمية القوة كضرورة لمجابهة أي تهديد وكأسلوب للتوحد والتجمع تحت راية واحدة لتحقيق هدف واحد.