إن العباد وهم سائرون إلى الله تعالى تطول عليهم الطريق ويدركهم الضعف الذي جبلوا عليه "وخلق الانسان ضعيفا". فكان من رحمة الله بهم أن جعل لهم محطات تكفيهم زاد الطريق وتكون لهم عونا في دفع قطاع الطرق ومواجهة آفات الطريق. ولا يخفى على عاقل سرعة الانتقال عن هذه المحطات، فهي معدة للتزود فقط لا للتعود والتوسد. وعلى قدر الزاد يكون المسير.
وها نحن هذه الأيام في محطة شهر رمضان، قد كنا نسأل الله بلوغها فجاد علينا بالإجابة، فماذا نحن فاعلون؟
لقد كفانا ربنا تحديد الغاية من صيام شهر رمضان، قال سبحانه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 183، 184]. إذا الغاية تحصيل التقوى، وبعد هذه الآية بقليل نجد ربنا سبحانه يصف هذه التقوى بقوله: "{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]. فأنت أيها الصائم أيتها الصائمة في محطة تزود، والسوق مفتوح ومناد يناديك: "يا باغي الخير أقبل"(1)، فإن لم يرغبك كل هذا في الإقبال، فلترهبك سرعة الانتقال، واحذر أن يصدق فيك قول من قال:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت أن لا تكون كمثـــــــــــله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا (2)
وليس شيء أشد على المسافر من فوات محطة تزود، إذ تبعاتها تلزمه طوال طريقه ولعله لا يدرك بعدها محطة، ألم تسمع دعاء أمين السماء عليه السلام، وتأمين أمين الأرض عليه الصلاة والسلام على هذا الدعاء؟ أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصعد المنبر فقال له: "من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين"(3).
فهذا شهر رمضان قد وضحت غايته، ولا زال رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة تسعة رمضانات يجلي لنا فيما تقضى أوقاته، نهاره وليله وأسحاره. فخذ من هديه ما تستطيعه. تصوم كما أمر "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب"(4)، وتقوم ليلا قريبا من قيامه دون ضجر "يصلي أربع ركعات، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا"(5)، وتكون أجود بمالك وخيرك، وإن كنت لن تقدر على ما قدر، فقد "كان –صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"(6).
وذلك حين يلقاه جبريل يدارسه القرآن، وقد جاد المولى علينا ببعض ذلك فأخبرنا بنزول جبريل والملائكة في ليلة نزول القرآن: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]
فاحرص، أيها الصائم وأيتها الصائمة، أن تصحب معك من شهرك هذا عملا تداوم عليه بعد انصرامه وانقضائه، ركعتين تثبتها في جوف ليل، أو زيادة ورد من القرآن بالنهار أو الليل، أو سلوكا تهذبه وخلقا تكتسبه، ولم لا رفقة صالحة ناصحة تجود عليك بها أيام هذا الشهر.
إن الشهر منصرم فهل أنت مغتنم؟ أيام معدودات أر الله منك فيها قوة وعزما، تكون لك في قابل أيامك دخرا وعونا، واجعل خير ما يعينك على اجتهادك قول ربنا تعالى: "{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] فعلى قدر اتعاظك يكون ثباتك.