تعتبر سياسة المقاطعة سُلطة المستهلك الوحيدة للتعبير عن رفضه أو سخطه، حيث تمثل أسلوبا تعبيريا سلميا يرفض قرارا معينا أو سلوكا أو سياسية داخل الدولة أو من طرف جهات أخرى وعادة ما تكون هذه الطريقة مدروسة إلى حد ما بهدف إضعاف الطرف الآخر واستهدافه اقتصاديا وتُعتمد لمدة طويلة إلى غاية استجابة هذه الأطراف لمطالبات الشعب.

في الوقت الحالي شهدنا عدة حملات مقاطعة نصرة لقضايا إنسانية وإسلامية ومن بينها الحملة التي أعلنتها جمعيات تجارية عربية، لمقاطعة المنتجات فرنسية وسحبها بشكل كامل من معارضها، احتجاجا على الإساءة للدين الإسلامي وشخص الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.

على إثر ذلك، سجّل الاقتصاد الفرنسي ركودًا كبيرًا في نهاية العام، مع تراجع للاستثمار بنسبة 9% وإجمالي الناتج المحلي بنسبة 8.3 % بحسب المعهد الوطني للإحصاء، كما تراجعت الصادرات الفرنسية إلى دول الخليج بشكل ملحوظ في الفترة التي تلت حملة المقاطعة.

تتوالى الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون عبر مختلف مناطق العالم بشكل ممنهج ومدروس وبخلفية إيديولوجية ومن بينها ما يتعرض له المسلمون في آسيا بداية مع الصين ومسلمي الإيغور وصولا إلى الهند.

لهذا يعتبر الحديث عن معاناة شعوب تلك المنطقة لا ينتهي فتاريخيا يعود إلى ستينيات القرن الماضي، حين أعلن الهندوس سيطرتهم على الهند إبان انتهاء الاحتلال البريطاني، ليَعتبروا بذلك مسلميها الموجودين على أراضيها مجرد أقلية ومنذ ذلك الحين سقط آلاف القتلى بالإضافة إلى المُهجّرين، إلا أن كافة التقارير والإحصائيات تشير إلى أن هذه الظاهرة قد تنامت خطورتها منذ عام 2014 وبدء فترة ولاية ناريندرا مودي.

وفي حادثة جديدة أخرى انتشر مقطع فيديو لعدد من أفراد الشرطة الهندية وهم يطلقون الرصاص على شاب مسلم هندي في ولاية أسام، مواصلين إثر ذلك ضربه وركله بطريقة وحشية وأطلق نشطاء ومسلمو الهند حملة إلكترونية واسعة امتد صداها إلى العالم الإسلامي الذي تفاعل مع الحادثة. 

هل مقاطعة المنتجات الهندية حل لحماية المسلمين؟ 

بسبب التجاهل العالمي للانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون في كل أطراف العالم أصبح من واجب الدول المسلمة وحتى المواطنين أن يسلطوا الضوء على هذه القضايا وأن يطالبوا بتطبيق القانون الدولي الذي ينص على حماية وجود الأقليات وبقائهم وحتى حماية هويتهم القومية أو الإثنية، والثقافية والدينية واللغوية، وتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية.

ومن بين السياسات المنتشرة والفعالة نسبيا هي المقاطعة حيث لطالما كان سلاح المال من أشد الأسلحة تأثيرا في ميزان القوى الدولية، فما المانع إذن من المحاولة مرارا وتكرارا واستغلال المقاطعة للتعبير عن المقاومة ومناهضة الظلم؟ 

يقول الكاتب البريطاني ستيف كروشو، إنه في ثمانينيات القرن العشرين قامت مجموعة من الطلبة في مدينة أكسفورد بحملة احتجاجية على تورُّط بنك باركليز العلني في دعم حكومة جنوب أفريقيا وسياساتها في الفصل العنصري، فقرر الطلاب كتابة لفظ "للسود" فوق بعض آلات الصراف الآلي، و"للبيض فقط" على أخرى تابعة للبنك ذاته، مما ساهم في إرباك مستخدمي الصرّاف. وحسب ما جاء في الكتاب، تسببت تلك الحملة بتأجيج مشاعر النفور لدى عملاء البنك تدريجيا، حتى انخفضت حصة باركليز السوقية من 27% إلى 15%!

وتعتبر حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية من أبرز الحملات التي حصدت اهتمام المسلمين من مختلف مناطق العالم، يعود أول ظهور لوَسْم (#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية) باللغة العربية إلى 22 سبتمبر 2012، وكان يتضمن تدوينة واحدة فقط، ثم تكرر في 13 يناير 2013، واستمر إلى 7 فبرايرمن العام نفسه، وظهرت فيه 68 تدوينة، نشرها عدد قليل من مستخدمي التويتر، وكان سببها الرئيسي مناصرة للشعب في مالي وذلك عقب التدخل العسكري الفرنسي.

وبعدها بدأت حملة رقمية من نوع آخر أقوى وصداها أكثر اتساعا في ذلك الوقت، بعد نشر مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية رسومات مسيئة للنبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عليه، شارك فيها مئات المستخدمين لموقع تويتر، ولم تتوقف على مواقع التواصل فقط بل انتقلت لأرض الواقع باحتجاجات ميدانية في أغلب الدول العربية. 

ولكن تعد الحملة التي شهدتها مواقع التواصل في هذا العام هي الأقوى وتفوقت على سابقاتها حتى في استمراريتها، ويرجع المحللون هذا الى إرتفاع نسبة انتشار الإنترنت وتغلغلها في المجتمعات العربية المسلمة، واشتهار مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما تويتر وأيضا نجاح الحملات السابقة كان مشجعا لاستمرار المقاطعة حيث أدرك المواطنون أن أصواتهم مؤثرة. 

في الحقيقة غالبية الشركات في فترة المقاطعة سعت إلى إخفاء مقدار تضررها؛ لأن التضرر الكبير لهذه الشركات يؤدي إلى تحفيز المقاطعة أكثر، فشركة كارفور سعت لتتجنب آثار المقاطعة، من خلال ادعائها بأن 95% من منتجاتها محلية، وليست فرنسية المصدر، كما حاولت التركيز على إسهامها الإيجابي في سوق العمل المحلية بقولها بأنها توفر فرص عمل بالآلاف. وبالتأكيد، فإن هذا التوضيح يهدف إلى التأثير على دعوات المقاطعة الاقتصادية، ومحاولة التخفيف من حدتها..

اعتبر المدونون أن المقاطعة الاقتصادية من منهج الأنبياء واستدلوا على ذلك من خلال قصة سيدنا يوسف مع إخوته للضغط عليهم، من خلال منعهم من الكيل، كما ورد في القرآن الكريم ﴿فَإِن لَّمۡ تَأۡتُونِي بِهِۦ ‌فَلَا ‌كَيۡلَ لَكُمۡ عِندِي وَلَا تَقۡرَبُونِ﴾ (سورة يوسف: الآية 60).

وحاليا مع بروز بعض الجرائم تجاه المسلمين في الهند تصدّر وسم #مقاطعة المنتجات الهندية قوائم الوسوم الأكثر رواجا على تويتر في بعض الدول العربية وقد رجّح المختصون أن هذه الحملة تستمد قوتها انطلاقا من الحملات السابقة الناجحة التي أثبتت على نطاق واسع فاعليتها في فرض نوع من الضغط على القرارات السياسية وعلى الرغم من أنها ليست حلا فعالا ونهائية لكن هي آلية ضغط مهمة ومن الممكن أن تكون مؤثرة.

تحوَّلُ المقاطعة إلى أسلوب حياة من شأنه أن يحدث تغييرا في الاقتصاد ومؤشراته ويصبح وسيلة لتحقيق الأهداف، حتى على مستوى الأفراد والجماعات الصغيرة؛ فالضغط الاقتصادي وفقًا لهذا المفهوم، لم يعد حكرًا على الدول والحكومات، أو على مستوى الجماعات الكبيرة، بل تعداها ليشمل الأفراد، والجماعات الصغيرة، وهذا يشير إلى الانتشار العمودي للمفاهيم الاقتصادية على مستوى الأفراد، حيث أصبح حاليا للأفراد دور كبير في تحريك عجلة الإقتصاد أو إيقافها في دولة معينة.

أساسيات نجاح حملة مقاطعة المنتجات الهندية

من بين أهم أساسيات المقاطعة هي التخطيط وتحديد الهدف بشكل مباشر كاختيار عدد معين من الشركات الهندية المتورطة بعمق في تمويل حملات الكراهية أو الشركات المؤثرة والمهمة التي ستضر باقتصاد الدولة مباشرة إذا ما استُهدفت كما يجب أن تكون هناك قوائم موحدة للمنتجات التي ستتم مقاطعتها والأهم أن نجاح أي حملة مقاطعة جديدة لا يعتمد على انتشارها فحسب، بل على استمراريتها أيضا كما ذكر الكاتب الأكاديمي د.جيلين في كتابه «القوة السياسية للاحتجاج» على تجاوز "موسمية" المواقف ما دام الصراع قائما.

وعليه، وجب دراسة حملات المقاطعة السابقة خاصة التي كانت موجهة ضد المنتجات الفرنسية لاستخلاص نقاط القوة التي ينبغي التركيز عليها وأيضا تفادي الأخطاء والإخفاقات التي من الممكن أن تُفْشِل الحملة أو تعيق انتشارها.