أحلم بأن أعيش في دولة تكون هويتها إسلامية واضحة، ويكون الحكم فيها إسلامياً حقاً، لأن الحكم لله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) [يوسف/67].

فلا يحق لأحد أن يعاند أو يخالف أوامر الدين الصريحة، الثابتة بالكتاب والسنة، والتي أجمع عليه علماء المسلمين الثقات (فقط المجمع عليها)، وما دونها من أمور مختلف عليها، فإنها محل للنقاش والمجادلة بالتي هي أحسن، حتى يتوصل الناس للحقيقة، ويطمئنوا إلى صحة اجتهادات علمائهم. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب/36].

"إن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر، ومصدر السلطات فيه هم البشر، هو تأليه للبشر". سيد قطب

 

(لَاْ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)

لكن هذا الالتزام بشرع الإسلام المجمع عليه، يجب أن يتم دون تعدٍ على أحد في اختيار عقيدته وعبادته، سواء كان من المسلمين أو غيرهم، فلا إكراه في الدين، فلا يجوز أن يُكره أحد على ترك دينه، واعتناق دين آخر، قال تعالى:(لَاْ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة/256.

​قال ابن كثير في تفسيره: "أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللَّه قلبه، وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً" 

 

ثمن الحرية

للحرية في الدولة الإسلامية قيمة وثمن، فما شُرع الجهاد في سبيل الله تعالى إلا إعلاءً لشأن الحرية، المتمثل في حق الناس في التفكير، وحقهم في الاختيار، وحقهم في التدين والاعتقاد، ولطالما كانت هذه المسألة (حرية التدين والاعتقاد) من أعظم الشواهد والأمثلة على صيانة الإسلام للحريات العامة، والإعلاء من شأنها، فأعطى الإسلام الفرد الحرية في اعتقاد ما شاء، وأن لا يُكره على الدخول في الإسلام، قال الله تعالى:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس/99.

 

تبعات الاختيار 

أعطى الإسلامُ الإنسانَ حرية التدين والاعتقاد، لكنه في الوقت نفسه حمّل الفرد تبعات هذه الاختيار في الدنيا والآخرة، ومن ذلك قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) سورة الكهف/29، وقال تعالى: (وَهَدَينَاهُ النَّجدَين) البلد /10، أي طريق الخير وطريق الشر، والإنسان يختار بينهما.

فليس على الرسول إلا البلاغ، (فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا) الأنعام/104.

 

أهل الذمة

لقد فتح الإسلام الدول والممالك لكنه لم يجبر الناس على اعتناق الدين الجديد، بل أعطاهم حرية الاختيار بين الالتزام بالإسلام، أو البقاء على دينهم، مقابل بعض الالتزامات التي عرفت في الفقه الإسلامي تحت عنوان "حقوق وواجبات أهل الذمّة"، فالإسلام يفرّق بين الأفراد وبين الأنظمة التي تحكمهم، فبالنسبة للأنظمة فهو يزيلها طالما كانت ظالمة، وتشكّل عائقاً يمنع تواصل الناس وتفاعلهم مع الدين، أو تؤدي للظلم باستعمالها التشريعات البشرية وليس التشريع الإلهي، أما الأفراد فلا يجبرهم على اعتناق الدين، لأن هذا ينافي مبدأ الحرية التي ينادي بها الإسلام، ويعلي من شأنها.