هناك خلطٌ بين المصطلحات، وعدم التمييز بين المفاهيم والاصطلاحات، ومن ذلك عدم التفريق بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية، ولمن يتساءل عن الفرق، أقول باختصار: إن الدولة الإسلامية تطلق على الدولة التي مرجعيتها الرئيسية الإسلام، والحاكم فيها وكيل عن الشعب، فهي دولة مدنية (عكس عسكرية) فيها انتخابات وبرلمان وسلطات ثلاث (تنفيذية وهي الحكومة، وتشريعية وتتمثل في البرلمان، وقضائية)، أما الدولة الدينية فهي الدولة التي يكون الحاكمُ فيها ظلَّ الله في الأرض، ونوع الحكم فيها ثيوقراطي (ديني) محض، والثيوقراطية تعني: الحكم بموجب الحق الإلهي.


لماذا نرفض الدولة الدينية الثيوقراطية؟

إن دولتنا التي نسعى لبنائها ليست دولة "دينية" بل دولة إسلامية مدنية مرجعيتها الشريعة الإسلامية، وهناك أربعة أسباب تجعلنا نرفض مبدأ الدولة الدينية (الثيوقراطية):

  • السبب الأول: في الدولة الدينية المحضة يدّعي الحاكم أنه يحكم باسم الله تعالى، وهو ظلّ الله في الأرض، وهذا يضفي عليه نوعاً من القداسة، بحيث تكون أي معارضة له، معارضة لله تعالى، وهذا مخالف لما عليه فلسفة الإسلام التي تقول: إن اختيار الحاكم مسألة تعود للشعب، وليس تعييناً إلهياً.
  • السبب الثاني: في الدولة الدينية المحضة سيحتكر الحاكم بمساعدة علماء السلطان تفسير النصوص الدينية، وسيحمل الناس على رأيه، وسيمنع تداول أية تفسيرات أو آراء أخرى تخالف ما تبناه الحاكم وأخذ به، وقد تُطلَق أوصاف التبديع والتفسيق والتضليل وحتى التكفير، على كل من يخالف توجهات الحاكم.

  • السبب الثالث: سيوجِد هذا النوع من الحكم طبقةً موالية للسلطان من رجال السياسة والفقهاء والعلماء، يسترزقون بالدين ويأكلون بالشريعة، وتكون مهمتهم دعم سلطة الحاكم، ونشر آرائه وتفسيراته التي تبناها، وحمل الناس على رأيه.
  • السبب الرابع: الحاكم في الدولة الدينية المحضة يملك كل شيء في الدولة، وتكون مقدّرات الدولة وخيراتها تحت تصرفه، يعطي هذا ويمنع ذاك، يمنح المقربين والموالين الهبات والعطايا، ويحرم المعارضين من مثلها، وتاريخنا الإسلامي مليء بالنماذج التي أساءت ولم تحسن التصرف في أموال الدولة، وكان شعارها "أعطه يا غلام ألف دينار وزده ألفاً أخرى!".


والخلاصة: إننا نقصد بالدولة الإسلامية هو من حيث كونها دولة مدنية تماماً، ولكنها دولة قائمة على النصوص الدستورية التي تنص على عدم مخالفة ما تم الإجماع عليه (فقط) من أمور الشريعة الإسلامية، وأن من حق أي حزب يحكم أن يطبق مرجعيته، فإذا كان الحزب الذي وصل للحكم ذي مرجعية إسلامية فمن حقه تطبيق أحكام الشريعة المجمع عليها، وإذا حكم حزب آخر ليست له هذه التوجهات الإسلامية فله أن يطبق برنامجه، ومن حق الأحزاب الإسلامية أن تمارس نشاطها الإعلامي بإقناع الناس بأن ما هو خير لهم في دنياهم وأخراهم، إنما هو المرجعية الإسلامية.