شكّل توظيف وإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في الوسط المدرسي خيارا استراتيجيا في المؤسسات التعليمية، خاصة بعد الفراغ الذي أحدثته جائحة كورونا في مسألة الاستمرارية البيداغوجية وتعويض التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد أو التعلم الذاتي، باعتبار أن التحكم في هذه الوسائط وتوظيفها على الوجه الأمثل يعني تأهيل الناشئة لمسايرة التحولات الجديدة التي يشهدها عالم المعرفة اليوم في مختلف المجالات (1)، وعلى الخصوص في الحقل التربوي، ومن خلاله الرفع من المردودية و تجويد المناخ المدرسي.

فما قدرة تكنولوجيا المعلومات والتواصل على تجويد الفعل التربوي؟ وما أهم التقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها في مجال التعليم والتعلم؟ ثم كيف يمكن بشكل إجرائي توظيف تقنية المعلومات والاتصال داخل المؤسسات التعليمية؟

تكنولوجيا المعلومات والاتصال واقع فرض نفسه بالمؤسسات التعليمية:

يعرف العالم ثورة تكنولوجية في جميع المجالات، مما يجعل اللحاق بالتكنولوجيا الحديثة أمرا في غاية الصعوبة، فالمتغيرات الحديثة السريعة تأخذنا من اختراع إلى اختراع ، ومن تطبيق إلى تطبيق، مما يزيد الفجوة بيننا وبين العالم المتقدم اتساعا في استخدام وتطبيق التكنولوجيا المستجدة في التربية والتعليم، مما يحتم علينا أن نسابق الزمن، ونضاعف الجهود للارتقاء بكل ما يخص ويطور منظومة التربية والتكوين، من كتب وأدوات ووسائط تؤدي إلى زيادة الفاعلية والإنتاجية، ورفع مستوى تحصيل المتعلمات والمتعلمين ثم زيادة تشويقهم بالمادة، وما إلى ذلك من المحفزات التي تجعل من التعليم متعة ومن المؤسسة فضاء جذب واستقطاب. 

وبما أن التعليم قاطرة من قاطرات التنمية في البلدان المتطلعة إلى غد أفضل وناجح، فقد كان ضروريا إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال في منظومة التربية والتكوين من أجل مواكبة المستجدات ومسايرة إيقاع التغيرات والتطورات التي يعرفها العالم في أشكال بناء المعرفة. 

هذا التطور في أشكال بناء المعارف جعل الوسائط التكنولوجية الجديدة جزءً من حياة الإنسان عامة والمتعلم خاصة، فهذه الوسائل لها الأثر الواضح والحضور الفاعل في حياة المتعلم اليومية فيما يمارسه من أنشطة حياتية صفية أو غير صفية، مما يفرض استثمارها والاستفادة من نتائجها وآثارها واستغلالها في حصص تقديم المعارف والموارد التعليمية، أو في حصص التقويم والمعالجة، أو في حصص الأنشطة المتعلقة بدعم التعثرات التي تصاحب عملية التعلم.

ومما يعزز استخدام هذه الوسائط والتقنيات الجديدة ويوسع من مجال حضورها واستخدامها في ميدان التربية والتعليم، كون هذه الوسائط تعد من أبرز تجليات المستجدات التربوية التي تعرفها المنظومات التعليمية، حيث تتميز بسهولة استخدامها ويسر استعمالها، واستجابتها لحاجيات ومتطلبات المتعلم في التعلم وفي التحصيل، ومراعاتها كذلك لمستواه النفسي والمعرفي، واستحضارها لقدراته وإمكانياته الذاتية والموضوعية.

وبالتالي فإن إدماج تكنولوجيا المعلومات في الوسط المدرسي يشكل خيارا استراتيجيا في المؤسسة التعليمية، لأن التحكم في هذه الوسائط يعني تأهيل الناشئة لمسايرة التحولات الجديدة التي يشهدها عالم المعرفة اليوم في مختلف المجالات (2). وهو السبيل الوحيد لاستغلال إيجابيات الأجهزة الإلكترونية وتحصين المتعلمات والمتعلمين من سوء استخدامها، فقد فرضت نفسها على الطفل في البيت وفي الشارع وصارت تنال من وقته الدراسي وإيقاعه البيولوجي، لذا وجب تأطيرها وتقنينها، ولا سبيل لذلك إلا من مدخل الفصول الدراسية. 

 

الموارد البيداغوجية الرقمية ووسائل التعليم الافتراضية

يعتبر المورد البيداغوجي الرقمي كل منتوج رقمي صمم وطور بهدف أن يكون وسيلة بيداغوجية يمكن استعمالها كدعامة للتعلم داخل الفصل الدراسي أو عن بعد، أو كوسيلة للتعلم الذاتي، موردا لا يمكن استخدامه إلا باستعمال الحاسوب أو اللوحة الرقمية أو السبورة التفاعلية أو الهاتف الذكي، وهو بذلك يأخذ شكله الرقمي ليضم كل الأشكال الرقمية للنصوص والصور والفيديوهات والأصوات، ونسرد كأمثلة لذلك: ملفات PPT ، DOCX ، RAR ، HTML ، SWF ، MP3  GIF ، PDF ... 

كما أن هدف المورد يكون بيداغوجيا أي له أهداف تعليمية تعلمية محضة، وصمم ليكون مادة تعليمية تترجم كل أبعاد النقل الديداكتيكي للمعرفة في صيغة ملف "PDF" لعرض ظاهرة بيولوجية مثلا، أو صورة "jpeg" لتقديم شكل فيروس كوفيد 19، أو فيديو "AVI" لعرض فيلم تربوي، أو ملف صوتي "mp3" لتحفيظ مقطع صوتي أو سورة قرآنية… كما أنه يتميز بمرونة الاستعمال حيث يمكن أن يستعمل داخل الفصل الدراسي أو عن بعد، من خلال نظام خاص للتشغيل أو عبر شبكة الانترنت.

كما يمكن للمورد البيداغوجي الرقمي أن يكون موضوعا للتعلم الذاتي، أي أنه يمثل سيرورة اكتساب كاملة لتمكين المتعلم من اكتساب المعرفة بشكل ذاتيّ ومستقل، فيكون بذلك عبارة عن مجموعة من الأنشطة عوض النشاط الواحد، مرتبطة فيما بينها وفق نظام محكم ومعد مسبقا لذلك، يضم الأنشطة بمختلف أنواعها التعليمية والتقييمية وغيرها (3). كما يمكنه أن يكون داعما ليأخذ صبغة النشاط التفاعلي المستقل الذي يمكن استعماله بشكل أفقي في أكثر من مادة أو مستوى دراسي ولا يندرج ضمن سيرورة اكتساب معينة. 

هذا وأصبح الاشتغال على الفصول الافتراضية ضرورة ملحة حيث يتم الاعتماد على تواصل المدرس بالمتعلمين عن طريق الأنترنت قصد التدريس، وفق أهداف وخطط يعدها المدرس قبل انطلاق الدرس. والفصل الدراسي يصبح عبارة عن غرفة إلكترونية افتراضية يلتقي فيه المتعلمون بالمدرس، ويتفاعلون مع بعضهم لتحقيق الأهداف التربوية عبر الأنترنت. 

أصبحت الفصول الافتراضية من الظواهر التربوية التي اكتسحت المنظومات التربوية العالمية على الأنترنت، ويتمثل ذلك في العدد الكبير من البرامج المفتوحة والمسطحات التي توفر الخدمة، من قبيل (برنامج ZOOM ، WebCT blackboardvirtuél، Microsoft Teams ، Google Meet...). 

وقد شكل حدث جائحة كورونا وتوقف الدارسة الحضورية اختبارا حقيقيا لمدى نجاعة هذه الفصول الافتراضية، إلا أنه اعتبر البديل المثالي لضمان استمرار الفعل التربوي، وذلك من خلال إنشاء فصول افتراضية كبديل للفصول التقليدية ذات الطابع الحضوري خلال فترة الحجر الصحي. وتتميز هذه الفصول على العموم بتوفير الخدمات التالية: 

  • تمكن من إنشاء مجموعة عمل بين المتعلمين والمدرسين.
  • استعمال القنوات لتنظيم إنجازات التلاميذ حول وحدات دراسية أو مشاريع. 
  • التواصل عن بعد باستعمال الفيديو وتقاسم الشاشة والمحتويات المعروضة. 
  • إنجاز الفروض وتقاسم الملفات والملاحظات، وكل متطلبات تسيير القسم. 

ورغم أهمية هذه الفصول الافتراضية في العملية التعليمية التعلمية، إلا أن الإقبال عليها في التدريس ظل ضعيفا، حيث لم تتعد نسبة المستفيدين من خدماتها بالمغرب كمثال 4.9% (4) من نسبة الوسائل المستعملة في التدريس عن بعد، نظرا لعدم تمكن المدرسين والمتعلمين من شروط ومؤهلات استعمال التقنية. 

كما لابد من الإشارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي (WHATSAPP ،TELEGRAM ،INSTAGRAM…) ودورها في تحقيق التواصل والتفاعل بين أفراد البيئة التعليمية، من خلال تقاسم المعارف والإنجازات عن طريق الصور أو الفيديوهات أو الصوتيات، أو الملفات المكتبية… 

 

تكنولوجيا المعلومات والاتصال: واقع حال المؤسسات التعليمية وسبل تأهيلها

يبقى التنظير العلمي للواقع غير كاف من الناحية الإجرائية لفهم ما يجري بالفعل في الميدان، ما لم يدعم ببحوث ودراسات ميدانية، وهذا لن يتم إلا من خلال مساءلة واقع حال المؤسسات التربوية من خلال التعرف على الإمكانات المتوفرة والأنشطة المنجزة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ومدى توظيفها من طرف الأطر العاملة بالمؤسسة ثم قياس أثرها على تجويد التعلمات والرفع من المردودية الداخلية.

 وقد رصدنا من خلال احتكاكنا بمجموعة من المؤسسات خاصة بالعالم القروي والأرياف أن التجهيزات والوسائل الإلكترونية المعتمدة جد ضئيلة وأن فضاءات الإعلام والتواصل شبه منعدمة ولا تساير التحولات الرقمية المتسارعة، بل إن بيوت الأطفال صارت أكثر تقدما من المؤسسات في هذا المجال، كما تم رصد ضآلة التكوينات المستمرة في المجال للأطر العاملة بالمؤسسات رغم المجهودات الشخصية.

 

وحتى يتسنى للمؤسسات التعليمية مواكبة التطورات الحديثة والاستفادة من معطيات العصر، فإنه لابد من تحديث المؤسسة التربوية، لتستفيد من تكنولوجيا المعلومات والاتصال، واعتماد أساليب حديثة تتسم بالدقة والمرونة، وبهذا فإننا نعتبر الاقتراحات/ التوصيات التالية ذات أهمية بمكان للحديث عن التوظيف الأمثل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال داخل المؤسسة التعليمية، حيث يجب (على وجه الإلزام) على الحكومات أن تعمل على:

  •  توفير البنيات التحتية والمعدات الرقمية، وهذا يعد أمرا أساسيا وملحا ينبغي أن تدرجه الوزارة الوصية ضمن أولويات مخططها لإصلاح التعليم، باعتبار أن المعدات والتجهيزات الإلكترونية من الركائز الجوهرية للحديث عن إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال داخل المؤسسة التعليمية.  
  • ربط إدارة المؤسسة والحجرات الدراسية بصبيب عالي الجودة خاصة بالوسط القروي والأرياف، وذلك عبر خلق شراكات مع المؤسسات المختصة.
  • تكوين الأطر الإدارية والتربوية، تكوينا مستمرا يمكنهم من مسايرة التطور الهائل والسريع في الحقل التربوي التعليمي في ارتباطه بعالم الرقميات. 
  • توفير لوحات رقمية، على غرار مجموعة من الدول، لكل متعلم ومتعلمة داخل المؤسسة التعليمية.  
  • إحداث منصب تقني في الإعلاميات لكل مؤسسة تعليمية أو عدة مؤسسات ليسهر على البرمجيات وصيانة أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصال. 
  • التخفيف من كثافة البرنامج التعليمي حتى يتسنى للأطر التربوية تأطير حصص تعليمية بتوظيف تكنولوجيا المعلوميات.
  • رقمنة البرامج والمناهج التربوية وتوفير الموارد الرقمية المواكبة للبرنامج التعليمي المعتمد داخل المؤسسة.
  • تخصيص قنوات تلفزية خاصة بكل مستوى دراسي، تبث برنامجها التعليمي في أوقات مناسبة للمتعلمين.
  • دعم المدرسات والمدرسين وتشجيعهم على إنتاج الحوامل الرقمية المناسبة (تشجيع معنوي وتشجيع مادي).

 

هو إذن رهان استراتيجي على كل مؤسسة تعليمية العمل تحقيقه قبل فوات الأوان، بل ويجب أن يكون في صلب المشاريع التنموية للمؤسسات التعليمية التي يجب على الدول والحكومات أن تعمل على إنجاحها للخروج من الركود المعرفي والتقني الذي تعاني منه الدول النامية.